فصل: قال المقريزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن أعلامه أن قريشا اجتمعوا في الحطيم فخطبهم عتبة بن ربيعة فقال إن هذا ابن عبد المطلب قد نغص علينا عيشنا وفرق جماعتنا وبدد شملنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا وكان في القوم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة والنضر بن الحرث ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وأمية وأبي ابنا خلف في جماعة من صناديد قريش فقال له قل ما شئت فإنا نطيعك قال سأقوم فأكلمه فإن هو رجع عن كلامه وعما يدعو إليه وإلا رأينا فيه رأينا فقالوا له شأنك يا أبا عبد شمس فقام فتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده فقال أنعم صباحا يا محمد قال يا عبد شمس إن الله قد أبدلنا بهذا السلام تحية أهل الجنة قال يا ابن أخي إني جئتك من عند صناديد قريش لأعرض عليك أمورهم إن أنت قبلتها فلك الحظ فيها ولنا الفسحة ثم قال يا ابن عبد المطلب إنك دعوت العرب إلى أمر ما يعرفونه فاقبل مني ما أقول لك قال قل قال إن كان ما تدعو إليه تطلب به ملكا فإنا نملكك علينا من غير تعب ونتوجك فارجع عن ذلك فسكت ثم قال له وإن كان ما تدعو إليه أمرا تريد به امرأة حسناء فنحن نزوجك فقال لا قوة إلا بالله ثم قال له وإن كان ما تتكلم به تريد مالا أعطيناك من الأموال حتى تكون أغنى رجل في قريش فإن ذلك أهون علينا من تشتيت كلمتنا وتفريق جماعتنا وإن كان ما تدعو إليه جنونا دوايناك كما تداوي قيس بني ثعلبة مجنونهم فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ما تقول وبم ارجع إلى قريش فقال النبي صلى الله عليه وسلم {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} حتى بلغ إلى قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}.
قال عتبة فلما تكلم بهذا الكلام فكأن الكعبة مالت حتى خفت أن تمس رأسي من إعجازها وقام فزعا يجر رداءه فرجع إلى قريش وهو ينتفض انتفاض العصفور وقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فقالت قريش لقد ذهبت من عندنا نشيطا ورجعت فزعا مرعوبا فما وراءك قال ويحكم دعوني إنه كلمني بكلام لا أدري منه شيئا ولقد رعدت علي الرعدة حتى خفت على نفسي وقلت الصاعقة قد أخذتني فندموا على ذلك.
قال ابن عرفة الصاعقة اسم للعذاب على أي حال كان وإنما أهلكت عاد بالريح وثمود بالرجف فسمى الله تعالى ذلك صاعقة.
قال الأزهري الصاعقة صوت الرعد الشديد الذي يصعق منه الإنسان أي يغشى عليه.
ومن أعلامه أنه لما أراد الهجرة خرج من مكة ومعه أبو بكر فدخل غارا في جبل ثور ليستخفي من قريش وقد طلبته وبذلت لمن جاء به مائة ناقة حمراء فأعانه الله تعالى بإخفاء أثره وأنبت على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة وألهمت العنكبوت فنسجت على باب الغار نسج سنين في طرفة عين ولدغ أبو بكر هذه الليلة غير لدغة فخرق ثيابه وجعلها في الشقوق وسد بعضها بقدمه اتقاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام فيه ثلاثة أيام ثم خرج منه فلقيه سراقة بن مالك بن جعشم وهو من جملة من توجه لطلبه فقال له أبو بكر هذا سراقة قد قرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أكفنا سراقة» فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها فقال سراقة يا محمد ادع الله أن يطلقني ولك علي أن أرد من جاء يطلبك ولا أعين عليك أبدا فقال «اللهم إن كان صادقا فاطلق عن فرسه» فأطلق الله عنه ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه.
ومن أعلامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد في غزوة ذي أمر عن أصحابه واضطجع وحده فوقف عليه دعثور فسل سيفه وقال يا محمد من يمنعك مني فقال «الله» فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له «من يمنعك مني» قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعاد إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام وفيه نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم}.
ومن أعلامه أن الناس لما انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو معتزل عنهم رآه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة فقال اليوم أدرك ثأري وأقتل محمدا لأن أباه قتل يوم أحد في جماعة أخوته وأعمامه قال شيبة فلما أردت قتله أقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك فعلمت أنه ممنوع.
ومن أعلامه أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وهو أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لأمه وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومهما من بني عامر فقال عامر لأربد إذا أقدمنا على محمد فإني شاغل عنك وجهه فاعله أنت بالسيف حتى تقتله قال أربد أفعل ثم أقبل عامر يمشي وكان رجلا جميلا حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ما لي إن أسلمت فقال لك ما للإسلام وعليك ما على الإسلام قال ألا تجعلني الوالي من بعدك قال ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل تغزو بها قال أوليست لي اليوم ولكن اجعل لي ولك المدد قال ليس ذلك لك فقال قم يا محمد إلى هاهنا فقام إليه فوضع عامر يده بين منكبيه ثم أومأ إلى أربد أن اضرب فسل أربد سيفه قريبا من ذراع ثم أمسك الله يده فلم يستطع أن يسله ولا يغمده فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أربد فرآه على ما هو عليه فقال: «اللهم اكفنيهما بما شئت اللهم اهد بني عامر واغن الدين عن عامر» فانطلقا وعامر يقول والله لأملأنها عليك خيلا دهما ووردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأبى الله ذلك وأبناء قيلة يعني الأنصار ثم قال عامر لأربد ويلك لم أمسكت عنه فقال والله ما هممت به مرة إلا رأيتك ولا أرى غيرك أفاضربك بالسيف وسارا.
فأما عامر فطرح الله عليه الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول أغدة كغدة البكر في بيت امرأة بني سلول وركب فرسه فركضه حتى مات.
وأما أربد فقدم على قومه فقالوا ما وراءك يا أربد فقال والله لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بنبلي هذا حتى أقتله ثم خرج بعد مقالته بيوم أو يومين ومعه جمال له تتبعه فأرسل الله عليه وعلى جماعته صاعقة أحرقتهم وقيل نزل في صاعقته قول الله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا} يعني خوفا من الصواعق وطمعا في المطر وفيه يقول لبيد بن ربيعة وهو أخو أربد لأمه:
أخشى على أربد الحتوف ولا ** أرهب نوء السماك والأسد

أفجعني الرعد والصواعق ** بالفارس يوم الكريهة النجد

كل بني حرة مصيرهم ** قل وإن أكثرت من العدد

إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ** يوما يصيروا للهلك والنكد

فإن قيل فهذا أخبار آحاد لا يقطع بمثلها قيل العداوة ظاهرة والطلب معلوم والسلامة موجودة فلم تدفع جملة الأخبار ولم يصح في جميعها توهم الكذب وإن جاز في آحادها توهم الكذب كالمحكى من سخاء حاتم وشجاعة عنتر. اهـ.

.قال المقريزي:

فصل في ذكر عصمة الله تعالى للرسول صلّى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام:
خرج مسلم من حديث جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير.
ومن حديث سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة الحديث. ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط، حدثه أن عروة حدثه أن عائشة رضي الله عنها حدثته أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: مالك يا عائشة؟
أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟ قلت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم.
وقال الترمذي: وسمعت علي بن خشرم يقول: قال سفيان بن عيينة في تفسير قول النبي صلّى الله عليه وسلم: ولكن الله أعانني عليه فأسلم، يعني أسلم أنا منه. قال سفيان: الشيطان لا يسلم. وقال أبو نعيم: وقوله فأسلم، يعني استسلم وانقاد، فليس بأمر بشر، وقيل:
أسلم: أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه.
وذكر من حديث إبراهيم بن صدقة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فضلت على آدم بخصلتين:
كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته. وله من حديث الصلت بن مسعود قال: حدثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء إبليس فأراد أن يطأ على عنقه، فنفخه جبريل عليه السلام نفخة بجناحيه، فما استقرت قدماه على الأرض حتى بلغ الأردن. قال: ورواه حجاج الصواف عن ثابت.
وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو التّيّاح، قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدّرت عليه الشياطين من الجبال والأودية يريدونه، قال: وفيهم شيطان بيده مشعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزع منهم.
فجاءه جبريل فقال له: يا محمد، قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرّ فتنة الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان، فقالهن فطفئت نار الشيطان وهزمهم.
قال: حدث به أحمد بن حنبل عن سيار بن حاتم عن جعفر مثله، وقال: ابن حبيش.
ولأبي نعيم من حديث الأوزاعي قال: حدثني إبراهيم بن طريف قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة صرف إليه نفر من الجن، فأتى رجل من الجن بشعلة من نار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال جبريل: يا محمد، ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن طفئت شعلته وانكب إلى منخره؟.
قل: أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمان.
وله من حديث عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدا لقمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله.
فأقبلت ابنته فاطمة عليها السلام حتى دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من ديتك.
قال: يا بنية، ائتني بوضوئي، فتوضأ ثم دخل المسجد، فلما رأوه قالوا:
ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه أبصارهم، ولم يقم منهم إليه رجل، وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ كفا من تراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجل منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا.