فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآْيَاتِ} يعني الحجج البراهين.
{ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني يصرفون، من قولهم أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر.
والثاني: يعني يقلبون، والمؤتفكات: المنقلبات من الرياح وغيرها.
والثالث: يكذبون، من الإفك، وهو الكذب. اهـ.

.قال الفخر:

يقال: أفكه يأفكه إفكًا إذا صرفه، والإفك الكذب لأنه صرف عن الحق، وكل مصروف عن الشيء مأفوك عنه، وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر، ومعنى قوله: {أنى يُؤْفَكُونَ} أنى يصرفون عن الحق، قال أصحابنا: الآية دلت على أنهم مصروفون عن تأمل الحق، والإنسان يمتنع أن يصرف نفسه عن الحق والصدق إلى الباطل والجهل والكذب، لأن العاقل لا يختار لنفسه ذلك، فعلمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي صرفهم عن ذلك. اهـ.

.قال السمرقندي:

{انظر كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الايات} يعني: العلامات في عيسى ومريم أنهما لو كانا إلهين ما أكلا الطعام، {ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ} يقول: من أين يكذبون بإنكارهم بأني واحد.
وقال القتبي: {أنى يُؤْفَكُونَ} يعني: أنى يصرفون عن الحق ويعدلون عنه.
يقال: أفك الرجل عن كذا، إذا عدل عنه. اهـ.

.قال ابن عطية:

و{كيف} في هذه الآية ليست سؤالًا عن حال لكنها عبارة عن حال شأنها أن يسأل عنها بكيف، وهذا كقولك: كن كيف شئت فأنت صديق، و{أنى} معناها من أي جهة، قال سيبويه معناها كيف ومن أين، و{يؤفكون} معناه: يصرفون، ومنه قوله عز وجل: {يؤفك عنه من أفك} [الذاريات: 9] والأرض المأفوكة التي صرفت عن أن ينالها المطر، والمطر في الحقيقة هو المصروف، ولكن قيل أرض مأفوكة لما كانت مأفوكة عنها. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال ابن قتيبة: وقوله: {انظر كيف نبيِّن لهم الآيات} من ألطف ما يكون من الكناية.
و{يؤفكون} يُصرفون عن الحق ويُعدَلون، يقال: أفِك الرجل عن كذا: إِذا عدل عنه، وأرض مأفوكة: محرومة المطر والنبات، كأن ذلك صُرِف عنها وعدل. اهـ.

.قال أبو حيان:

{انظر كيف نبين لهم الآيات} أي الاعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان ما اعتقدوه، وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ضمن ذلك الأمر لأمته في ضلال هؤلاء وبعدهم عن قبول ما نبهوا عليه.
{ثم انظر أنى يؤفكون} كرر الأمر بالنظر لاختلاف المتعلق، لأن الأول: أثر بالنظر في كونه تعالى أوضح لهم الآيات وبينها بحيث لا يقع معها لبس، والأمر الثاني: هو بالنظر في كونهم يصرفون عن استماع الحق وتأمله، أو في كونهم يقلبون ما بين لهم إلى الضد منه، وهذان أمرا تعجيب.
ودخلت ثم لتراخي ما بين العجبين، وكأنه يقتضي العجب من توضيح الآيات وتبيينها، ثم ينظر في حال من بينت له فيرى إعراضهم عن الآيات أعجب من توضيحها، لأنه يلزم من تبيينها تبينها لهم والرجوع إليها، فكونهم أفكوا عنها أعجب. اهـ.

.قال أبو السعود:

و{كيف} معمول لنبينُ، والجملة في حيز النصب معلِّقة لانظر، أي انظر كيف نبين لهم الآيات الباهرةَ المناديةَ ببطلان ما تقوّلوا عليهما نداءً يكاد يسمعه صمُّ الجبال {ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ} أي كيف يُصرفون عن استماعها والتأمل فيها، والكلام فيه كما فيما قبله، وتكريرُ الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب، و{ثم} لإظهار ما بين العجبين من التفاوت أي إن بياننا للآيات أمر بديع في بابه بالغٌ لأقاصي الغايات القاصيةِ من التحقيق والإيضاح، وإعراضُهم عنها مع انتفاء ما يصححه بالمرة وتعاضُدِ ما يوجب قبولَها أعجبُ وأبدع. اهـ.

.قال الشوكاني:

{انظر كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الآيات} أي الدلالات، وفيه تعجيب من حال هؤلاء الذين يجعلون تلك الأوصاف مستلزمة للإلهية، ويغفلون عن كونها موجودة في من لا يقولون بأنه إله {ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟ يقال أفكه يأفكه إذا صرفه، وكرر الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب، وجاء ب {ثم} لإظهار ما بين العجبين من التفاوت. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {انظر كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الايات} تعجيب من حال الذين يدعون لهما الربوبية ولا يرعوون عن ذلك بعدما بين لهم حقيقة الحال بيانًا لا يحوم حوله شائبة ريب، والخطاب إما لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام، أو لكل من له أهلية ذلك، و{كَيْفَ} معمول لنبين والجملة في موضع النصب معلقة للفعل قبلها، والمراد من الآيات الدلائل أي انظر كيف نبين لهم الدلائل القطعية الصادعة ببطلان ما يقولون.
{ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ} أي كيف يصرفون عن الإصاخة إليها والتأمل فيها لسوء استعدادهم وخباثة نفوسهم، والكلام فيه كما مر فيما قبله، وتكرير الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب، و{ثُمَّ} لاظهار ما بين العجبين من التفاوت، أي إن بياننا للآيات أمر بديع في بابه بالغ لأقصى الغايات من التحقيق والإيضاح، وإعراضهم عنها مع انتفاء ما يصححه بالمرة وتعاضد ما يوجب قبولها أعجب وأبدع، ويجوز أن تكون على حقيقتها، والمراد منها بيان استمرار زمان بيان الآيات وامتداده، أي أنهم مع طول زمان ذلك لا يتأثرون، ويؤفكون. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {انظر كيف نبيّن لهم الآيات} استئناف للتعجيب من حال الّذين ادّعوا الإلهيّة لعيسى.
والخطاب مراد به غيرُ معيّن، وهو كلّ من سمع الحجج السابقة.
واستُعمل الأمر بالنّظر في الأمر بالعِلم لتشبيه العالم بالرأي والعلمِ بالرؤية في الوضوح والجلاء، وقد تقدّمت نظائره.
وقد أفاد ذلك معنى التعجيب.
ويجوز أن يكون الخطاب للرّسول عليه السّلام.
والمراد هو وأهل القرآن.
و{كيف} اسم استفهام معلِّق لفعل {انظر} عن العمل في مفعولين، وهي في موضع المفعول به ل {انظر}، والمعنى انظر جواب هذا الاستفهام.
وأريد مع الاستفهام التعجيب كناية، أي انظر ذلك تجد جوابك أنّه بيان عظيم الجلاء يتعجّب النّاظر من وضوحه.
والآيات جمع آية، وهي العلامة على وجود المطلوب، استعيرت للحجّة والبرهان لشبهه بالمكان المطلوب على طريق المكنية، وإثبات الآيات له تخييل، شبّهت بآيات الطّريق الدّالة على المكان المطلوب.
وقوله: {ثمّ انظر أنّى يؤفكون} {ثمّ} فيه للترتيب الرتبي والمقصود أنّ التأمّل في بيان الآيات يقتضي الانتقال من العجب من وضوح البيان إلى أعجب منه وهو انصرافهم عن الحقّ مع وضوحه.
و{يؤفكون} يصرفون، يقال: أفكَهُ من باب ضَرب، صَرفه عن الشّيء.
و{أنَّى} اسم استفهام يستعمل بمعنى من أين، ويستعمل بمعنى كيف.
وهو هنا يجوز أن يكون بمعنى كيفَ كما في «الكشاف»، وعليه فإنّما عدل عن إعادة {كيف} تفنّنًا.
ويجوز أن تكون بمعنى من أين، والمعنى التعجيب من أين يتطرّق إليهم الصّرف عن الاعتقاد الحقّ بعد ذلك البيان المبالغ غاية الوضوح حتّى كان بمحلّ التّعجيب من وضوحه.
وقد علّق بـ {أنَّى} فعل {انظر} الثّاني عن العمل وحذف متعلّق {يؤفكون} اختصارًا، لظهور أنّهم يصرفون عن الحقّ الّذي بيّنته لهم الآيَات. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}.
مَنْ اشتملت عليه الأرحامُ، وتناوبته الآثار المتعاقبة أنَّى يليق بوصف الإلهية؟
ثم مَنْ مَسَّتْه الحاجةُ حتى اتصف بالأكل وأصابته الضرورةُ إلى أن يَخْلُصَ من بقايا الطعام فَأَنَّى يليق به استيجابُ العبادة والتسميةُ بالإلهية؟
انظر- يا محمد- كيف نزيد في إيضاح الحجة وكيف تلبَّس عليهم سلوكُ المحجة؟. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [75].
{مَا الْمَسِيحُ} أي: المعلوم حدوثه من كونه: {ابْنُ مَرْيَمَ} بالخوارق الظاهرة على يديه: {إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ} أي: مضت: {مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أولو الخوارق الباهرة. فله أسوة أمثاله. كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59]. أي: ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا قبله، جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها. إن أبرأ الله الأبرص وأحيا الموتى على يده، فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى وفلق بها البحر على يد موسى. وهو أعجب. وإن خَلَقَهُ من غير أب، فقد خلق آدم من غير أب ولا أم. وهو أغرب منه، وفي الآية وجه آخر: أي: مضت من قبله الرسل، فهو يمضي مثلهم. فالجملة- على كل- منبئة عن اتصافه بما ينافي الألوهية: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} أي: مبالغة في الصدق. ووقع اسم الصديقة عليها لقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ}. والوصف بذلك مشعر بالإغراق في العبودية والقيام بمراسمها. فمن أين لهم أن يصفوها بما يباين وصفها؟
تنبيه:
قال ابن كثير:
دلت الآية على مريم ليست بنبيّه. كما زعمه ابن حزم وغيره- ممن ذهب إلى نبوّة سارة أم إسحاق ونبوّة أم موسى ونبوّة أم عيسى- استدلالًا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}. وهذا معنى النبوّة. والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيًا إلاَّ من الرجال. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109]. وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعريّ، رحمه الله، الإجماع على ذلك. انتهى.