فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{بما عقدتم} بالتخفيف: حمزة وعلي وخلف وعاصم سوى حفص والمفضل، وقرأ ابن ذكوان {عاقدتم} بالألف. الباقون {عقدتم} بالتشديد {من أوصط} مثل {مبصوطتان} [المائدة: 64] {فجزاء} بالتنوين {مثل} بالرفع: يعقوب وحمزة وعلي وخلف وعاصم عن المفضل. {كفارة طعام} بالإضافة: أبو جعفر ونافع وابن عامر. الباقون {كفارة} بالتنوين {طعام} بالرفع {فبما} بغير ألف ابن عامر.

.الوقوف:

{ولا تعتدوا} ط {المعتدين} o {طيبًا} ص لعطف المتفقتين {مؤمنون} o {الأيمان} ج لاختلاف النظم مع اتحاد الكلام وفاء التعقيب. {رقبة} ط {ثلاثة أيام} ط {حلفتم} ط للإضمار أي حلفتم وحنثتم {أيمانكم} ط {تشكرون} o {تفلحون} o {وعن الصلاة} ج لابتداء الاستفهام لأجل التحذير مع دخول الفاء فيه. {منتهون} o {واحذروا} ط {المبين} o {وأحسنوا} ط {المحسنين} o {بالغيب} ج {أليم} o {وأنتم حرم} ط {وبال أمره} ط {سلف} ط {منه} ط {انتقام} o {وللسيارة} ج لطول الكلام وتضاد المعنيين وإن اتفقت الجملتان لفظًا. {حرما} ط لإطلاق الأمر بالابتداء {تحشرون} o {والقلائد} ط {عليم} o {رحيم} o {البلاغ} ط {تكتمون} o {كثرة الخبيث} ج لاتفاق الجملتين مع وقوع العارض {تفلحون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الثعلبي:

قال المفسرون: جلس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا فذكّر الناس يوم القيامة ولم يزدهم على التخويف فرقّ الناس وبكوا فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم: أبو بكر وعلي، وابن مسعود، وعبد اللّه بن عمر وأبو ذر الغفاري، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مقرن، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويصوموا الليل ولا يناموا على فرشهم، ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويلبسوا المسموح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض فيذهبوا ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون، فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكم بنت أبي أمية: أين الحولاء وكانت عطارة: أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول اللّه وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول اللّه إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك فانصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلما دخل عثمان أخبرته بذلك، فأتى رسول اللّه هو وأصحابه.
فقال لهم: «ألم أنبأ إنكم اتفقتم على كذا وكذا»، قالوا: بلى يا رسول اللّه وما أردنا إلاّ الخير، فقال عليه السلام: إني لم أؤمر بذلك ثم قال: «إن لأنفسكم عليكم حقًا صوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني».
ثم جمع الناس وخاطبهم ثم قال: «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانًا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء واتخاد الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد إعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقيم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم باطلًا بإقدامهم في الديرات والصوامع فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».
وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «ضاف عبد اللّه بن رواحة ضيفًا فانقلب ابن رواحة ولم يتعشّ فقال لزوجته: ما عشيتيه؟ فقالت: كان الطعام قليلًا فانتظرتك، فقال: جستِ ضيفي من أجلي؟ طعامك عليّ حرام فقالت: وهو عليّ حرام إن لم تأكله. وقال الضيف: وهو حرام إن ذقته إن لم تأكلوه، فلما رأى ذلك ابن رواحة، قال: قرّبي طعامك كلوا بسم اللّه وجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال عليه السلام: أحسنت ونزلت هذه الآية».
روى عكرمة عن ابن عباس: إن رجلًا أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه إني صمت من اللحم فأشريت، وأخذتني شهوة فحرمت اللحم، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يومًا، وخوف النار والحساب، فاجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون، فتواثقوا بأن يخصوا أنفسهم، ويترهبوا فنهاهم الله عن ذلك.
فنزلت هذه الآية: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ}.
قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدّثنا أبو القاسم أحمد بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن فضيل، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن مدرك بن قزعة، عن سعيد بن المسيب، قال: جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله غلبني حديث النفس، ولا أحب أن أحدث شيئًا حتى أذكر لك، قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَا تُحَدِّثُكَ نَفْسُكَ يَا عُثْمَانُ»؟ قال: تحدثني أن أخصي نفسي.
قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ إِخْصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ» قال: يا رسول الله، إن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال.
فقال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ تَرْهِيبَ أُمَّتِي، الجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلَوَاتِ» قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أسيح في الأرض؟.
قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ: فَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الغَزْوُ فِي سَبِيلِ الله، وَالحَجُّ وَالعُمْرَةُ» قال: فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله؟ قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ صَدَقَتَكَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَتَكُفُّ نَفْسَكَ وَعِيَالَكَ، وَتَرْحَمُ المَسَاكِينَ، وَاليَتِيمَ، أَفْضَلُ مِنْ ذلك» فقال: يا رسول الله، فإن نفسي تحدثني أن أطلق خَوْلة.
فقال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الهِجْرَةَ فِي أُمَّتِي، مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ الله، أَوْ هَاجَرَ إِليَّ فِي حَيَاتِي، أَوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي، أَوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأَةٌ، أَوِ امْرَأَتَانِ، أَوْ ثَلاثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ» قال يا رسول الله فإن نهيتني أن أطلقها، فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشاها.
قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ المُسْلِمَ إِذَا غَشِيَ أَهْلَهُ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، كَانَ لَهُ وَصِيفًا فِي الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، فَمَاتَ قَبْلَهُ كَانَ فَرَطًا وَشَفِيعًا يَوْمَ القِيامَةِ.
فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُورًا يَوْم القِيَامَةِ»
فقال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا آكل اللحم.
قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ، فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّحْمَ، وَآكُلُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ، وَلَوْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لأَطْعَمَنِيهِ».
قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا أمسّ الطيب.
قال: «مَهْلًا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بَالطَّيِّبِ غبًّا غبًّا» وقال: «لا تَتْرُكْهُ يَا عُثْمَانُ، لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، صَرَفَتِ المَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ القِيَامَةِ» ونزلت هذه الآية {لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ}. اهـ.

.قال الألوسي:

وروي عن أبي عبد الله رضي الله عنه أن الآية نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وبلال وعثمان بن مظعون فأما علي كرم الله تعالى وجهه فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدًا إلا ما شاء الله تعالى، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدًا وأما عثمان فإنه حلف أن لا ينكح أبدًا.
وروي أيضًا غير ذلك ولم نقف على رواية فيها ما يدل على أن هذا التحريم كان على الغير بالفتوى والحكم كما ذهب إليه هذا القائل.
ومع هذا يبعده ما يأتي بعد من الأمر بالأكل.
ولا ينافي هذا النهي أن الله تعالى مدح النصارى بالرهبانية فرب ممدوح بالنسبة إلى قوم مذموم بالنسبة إلى آخرين. اهـ.

.قال الفخر:

الطيبات اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، وفي الآية قولان:
الأول: روي أنه صلى الله عليه وسلم وصف يوم القيامة لأصحابه في بيت عثمان بن مظعون وبالغ وأشبع الكلام في الإنذار والتحذير، فعزموا على أن يرفضوا الدنيا ويحرموا على أنفسهم المطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة، وأن يصوموا النهار ويقوموا الليل، وأن لا يناموا على الفرش، ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال لهم «إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقًا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر آكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» وبهذا الكلام ظهر وجه النظم بين هذه الآية وبين ما قبلها، وذلك لأنه تعالى مدح النصارى بأن منهم قسيسين ورهبانًا، وعادتهم الاحتراز عن طيبات الدنيا ولذاتها، فلما مدحهم أوهم ذلك المدح ترغيب المسلمين في مثل تلك الطريقة، فذكر تعالى عقيب هذه الآية إزالة لذلك الوهم، ليظهر للمسلمين أنهم ليسوا مأمورين بذلك.
فإن قيل: ما الحكمة في هذا النهي، فإن من المعلوم أن حب الدنيا مستول على الطباع والقلوب، فإذا توسع الإنسان في اللذات والطيبات اشتد ميله إليها وعظمت رغبته فيها، وكلما كانت تلك النعم أكثر وأدوم كان ذلك الميل أقوى وأعظم، وكلما ازداد الميل قوة ورغبة ازداد حرصه في طلب الدنيا واستغراقه في تحصيلها، وذلك يمنعه عن الاستغراق في معرفة الله وفي طاعته ويمنعه عن طلب سعادات الآخرة، وأما إذا أعرض عن لذات الدنيا وطيباتها، فكلما كان ذلك الإعراض أتم وأدوم كان ذلك الميل أضعف والرغبة أقل، وحينئذٍ تتفرغ النفس لطلب معرفة الله تعالى والاستغراق في خدمته، وإذا كان الأمر كذلك فما الحكمة في نهي الله تعالى عن الرهبانية؟
والجواب: عنه من وجوه:
الأول: أن الرهبانية المفرطة والاحتراز التام عن الطيبات واللذات مما يوقع الضعف في الأعضاء الرئيسية التي هي القلب والدماغ، وإذا وقع الضعف فيهما اختلت الفكرة وتشوش العقل.
ولا شك أن أكمل السعادات وأعظم القربات إنما هو معرفة الله تعالى، فإذا كانت الرهبانية الشديدة مما يوقع الخلل في ذلك بالطريق الذي بيناه لا جرم وقع النهي عنها.
والثاني: وهو أن حاصل ما ذكرتم أن اشتغال النفس بطلب اللذات الحسية يمنعها عن الاستكمال بالسعادات العقلية، وهذا مسلم لكن في حق النفوس الضعيفة، أما النفوس المتسعلية الكاملة فإنها لا يكون استعمالها في الأعمال الحسية مانعًا لها من الاستكمال بالسعادات العقلية، فإنا نشاهد النفوس قد تكون ضعيفة بحيث متى اشتغلت بمهم امتنع عليها الاشتغال بمهم آخر، وكلما كانت النفس أقوى كانت هذه الحالة أكمل، وإذا كان كذلك كانت الرهبانية الخالصة دليلًا على نوع من الضعف والقصور، وإنما الكمال في الوفاء بالجهتين والاستكمال في الناس.
الثالث: وهو أن من استوفى اللذات الحسية، كان غرضه منها الاستعانة بها على استيفاء اللذات العقلية فإن رياضته ومجاهدته أتم من رياضة من أعرض عن اللذات الحسية، لأن صرف حصة النفس إلى جانب الطاعة أشق وأشد من الاعراض عن حصة النفس بالكلية، فكان الكمال في هذا أتم.
الرابع: وهو أن الرهبانية التامة توجب خراب الدنيا وانقطاع الحرث والنسل.
وأما ترك الرهبانية مع المواظبة على المعرفة والمحبة والطاعات فإنه يفيد عمارة الدنيا والآخرة، فكانت هذه الحالة أكمل، فهذا جملة الكلام في هذا الوجه.
القول الثاني: في تفسير هذه الآية ما ذكره القفال، وهو أنه تعالى قال في أول السورة {أَوْفُواْ بالعقود} فبيّن أنه كما لا يجوز استحلال المحرم كذلك لا يجوز تحريم المحلل، وكانت العرب تحرم من الطيبات ما لم يحرمه الله تعالى، وهي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وقد حكى الله تعالى ذلك في هذه السورة وفي سورة الأنعام، وكانوا يحللون الميتة والدم وغيرهما، فأمر الله تعالى أن لا يحرموا ما أحل الله ولا يحللوا ما حرمه الله تعالى حتى يدخلوا تحت قوله: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1]. اهـ.