فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلًا طَيِّبًا}.
قال عبد اللّه بن المبارك: الحلال ماأخذته من وجهه والطيب ما غذا ونما فأما الجوامد والطين والتراب، وما لا يغذي فمتروك إلاّ على جهة للتداوي {واتقوا الله الذي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ}.
روي عن عائشة وأبي موسى الأشعري» أن النبي عليه السلام كان يأكل الفالوذج والدجاج وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال: «إن المؤمن حلو يحب الحلاوة» وقال: «في بطن المؤمن زاوية لا يملأها إلاّ الحلواء».
وروي أن الحسن كان يأكل الفالوذج فدخل عليه فرقد السبخي فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال فرقد: لا آكله فلا أحب أكله فأقبل الحسن على غيره كالمتعجب وقال: يا هذا أتحب لباب البر مع سمن البقر؟ هل يعيبه مسلم.
وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جار لا يأكل الفالوذ، قال: ولم؟ قال: يقول: لا يروي شكره. قال الحسن: ويشرب الماء البارد؟ قال: نعم، قال: جارك جاهل إن نعمة اللّه عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلًا طَيِّبًا} فيه مسألة واحدة: الأكل في هذه الآية عبارة عن التمتع بالأكل والشرب واللباس والركوب ونحو ذلك.
وخصّ الأكل بالذكر؛ لأنه أعظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان.
وسيأتي بيان حكم الأكل والشرب واللباس في «الأعراف» إن شاء الله تعالى.
وأما شهوة الأشياء الملذة، ومنازعة النفس إلى طلب الأنواع الشهية، فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة؛ فمنهم من يرى صرف النفس عنها وقهرها عن اتباع شهواتها أَحْرى ليذل له قيادها، ويهون عليه عنادها؛ فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها،.
ومنقادًا بانقيادها.
حُكي أن أبا حازم كان يمرّ على الفاكهة فيشتهيها فيقول: موعِدك الجنة.
وقال آخرون: تمكين النفس من لذاتها أولى لما فيه من ارتياحها ونشاطها بإدراك إرادتها.
وقال آخرون: بل التوسط في ذلك أولى؛ لأن في إعطائها ذلك مرة ومنعها أُخرى جمع بين الأمرين؛ وذلك النّصف من غير شَيْن. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حلالا طَيّبًا} أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله تعالى فحلالًا مفعول به لكلوا و{مِمَّا رَزَقَكُمُ} إما حال منه وقد كان في الأصل صفة له إلا أن صفة النكرة إذا قدمت صارت حالًا أو متعلق بكلوا و«من» ابتدائية.
ويحتمل أن يكون في موضع المفعول لكلوا على معنى أنه صفة مفعول له قائمة مقامه أي شيئًا مما رزقكم أو بجعله نفسه مفعولًا بتأويل بعض إلا أن في هذا تكلفًا.
و{حلالا} حال من الموصول أو من عائده المحذوف أو صفة لمصدر محذوف أي أكلًا حلالًا.
وعلى الوجوه كلها الآية دليل لنا في شمول الرزق للحلال والحرام إذ لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة سوى التأكيد وهو خلاف الظاهر في مثل ذلك.
{واتقوا الله الذي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} استدعاء إلى التقوى وامتثال الوصية بوجه حسن.
والآية ظاهرة في أن أكل اللذائذ لا ينافي التقوى، وقد أكل صلى الله عليه وسلم ثريد اللحم ومدحه وكان يحب الحلوى.
وقد فصلت الأخبار ما كان يأكله عليه الصلاة والسلام وأواني الكتب ملأى من ذلك.
وروي أن الحسن كان يأكل الفالوذج فدخل عليه فرقد السنجي فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله ولا أحب أكله فأقبل الحسن على غيره كالمتعجب وقال: لعاب النحل بلعاب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم، وذكر الطبرسي أن فيها دلالة على النهي عن الترهب وترك النكاح وقد جاء في غير ما خبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى لم يبعثني بالرهبانية» وقال عليه الصلاة والسلام في خبر طويل: «شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم» وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالباءة وينهانا عن التبتل نهيًا شديدًا».
وعن أبي نجيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان موسرًا لأن ينكح فلم ينكح فليس مني» إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وكلوا ممّا رزقكم الله حلالًا طيّبًا} تأكيد للنهي عن تحريم الطّيبات وهو معطوف على قوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم} أي أنّ الله وسّع عليكم بالحلال فلا تعتدوه إلى الحرام فتكفروا النعمة ولا تتركوه بالتحريم فتُعرضوا عن النعمة.
واقتُصِر على الأكل لأنّ معظم ما حرّمه الناس على أنفسهم هو المآكل.
وكأنّ الله يعرّض بهم بأنّ الاعتناء بالمهمّات خير من التهمّم بالأكل، كما قال: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] الآية.
وبذلك أبطل ما في الشرائع السابقة من شدّة العناية بأحكام المأكولات.
وفي ذلك تنبيه لِهذه الأمّة.
وقوله: {واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} جاء بالموصول للإيماء إلى علّة الأمر بالتقوى، أي لأنّ شأن الإيمان أن يقتضي التقوى، فلمّا آمنتم بالله واهتديتم إلى الإيمان فكمِّلوه بالتقوى.
روي أنّ الحسن البصري لقيَ الفرزدق في جنازة، وكانا عند القبر، فقال الحسن للفرزدق: ما أعدَدْت لهذا.
يعني القَبر.
قال الفرزدق: شهادة أن لا إله إلاّ الله كذا كذا سنة.
فقال الحسن: هذا العمود، فأين الأطْناب. اهـ.

.قال الفخر:

لم يقل تعالى: كلوا ما رزقكم، لكن قال: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} وكلمة «من» للتبعيض، فكأنه قال: اقتصروا في الأكل على البعض وأصرفوا البقية إلى الصدقات والخيرات لأنه إرشاد إلى ترك الإسراف كما قال: {وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأنعام: 141] [الأعراف: 31]. اهـ.
قال الفخر:
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} يدل على أنه تعالى قد تكفل برزق كل أحد.
فإنه لو لم يتكفل برزقه لم قال: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} وإذا تكفل الله برزقه وجب أن لا يبالغ في الطلب وأن يعول على وعد الله تعالى وإحسانه، فإنه أكرم من أن يخلف الوعد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» أما قوله: {واتقوا الله} فهو تأكيد للتوصية بما أمر به، زاده توكيدًا بقوله تعالى: {أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)}.
الحلال الصَّافي بأن يأكلَ العبدُ ما يأكلُ على شهوده سبحانه فإنْ نَزَلَتْ الحالةُ عن هذا فَعَلَى ذِكْرِ سبحانه فإنَّ الأكلَ على الغفلة حرامٌ في شريعة الإرادة. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في الآية:

قال رحمه الله:
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
{وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} الْآيَةَ.
وَمِنْ الْمَشْهُورِ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى التَّرَهُّبِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رِجَالًا سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِبَادَتِهِ فِي السِّرِّ فتقالوا ذَلِكَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: «رَدّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا». وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَالْمِقْدَادَ وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي أَصْحَابٍ لَهُمْ تَبَتَّلُوا فَجَلَسُوا فِي الْبُيُوتِ وَاعْتَزَلُوا النِّسَاءَ وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ وَحَرَّمُوا الطَّيِّبَاتِ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ إلَّا مَا يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ أَهْلُ السِّيَاحَةِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَمُّوا بِالِاخْتِصَاءِ وَأَجْمَعُوا لِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ مَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الَّذِينَ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ وَذَمَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ وَاَلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا وَيُرِيدُونَ مَيْلَ الْمُؤْمِنِينَ مَيْلًا عَظِيمًا. وَذَمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَاَلَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ. وَأَكْثَرُ الَّذِينَ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ شربة الْخَمْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} فَجَمَعُوا بَيْنَ الشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِضَاعَةِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ. ثُمَّ نَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَعَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي تَنَاوُلِهَا وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَقَدْ فَسَّرَ الِاعْتِدَاءَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ بِأَنْ يُحَرِّمُوا الْحَلَالَ وَيَفْعَلُوا مِنْ الْعِبَادَةِ مَا يَضُرُّهُمْ فَيَكُونُوا قَدْ تَجَاوَزُوا الْحَدَّ وَأَسْرَفُوا. وَقِيلَ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى الْإِسْرَافِ وَتَنَاوُلِ الْحَرَامِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ آكِلَ الطَّيِّبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْمُعْتَدِيَ فِيهَا لابد أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ لِأَجْلِ الْإِسْرَافِ فِي ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ بِالزُّهْدِ تَرْكُ مَا يَضُرُّ الْعَبْدَ فِي الْآخِرَةِ وَبِالْعِبَادَةِ فِعْلُ مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ فَإِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ مَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَيَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ وَفَعَلَ مِنْ الْعِبَادَةِ مَا يَضُرُّ فَقَدْ اعْتَدَى وَأَسْرَفَ وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ زُهْدًا نَافِعًا وَعِبَادَةً نَافِعَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وقتادة والنَّخَعِي: {وَلَا تَعْتَدُوا} أَيْ لَا تَجُبُّوا أَنْفُسَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا تَسِيرُوا بِغَيْرِ سِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ تَرْكِ النِّسَاءِ وَدَوَامِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا تُحَرِّمُوا الْحَلَالَ وَعَنْ الْحَسَنِ لَا تَأْتُوا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مَا أُرِيدَ بِهِ لَا تُحَرِّمُوا الْحَلَالَ وَلَا تَفْعَلُوا الْحَرَامَ؛ فَيَكُونُ قَدْ نَهَى عَنْ النَّوْعَيْنِ؛ لَكِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ وَسِيَاقَهَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} وَقَوْلِهِ فِي تَمَامِ الْآيَةِ: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَوْلِ الْآخَرِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ. كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَكَذَلِكَ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ.
فصل:
وَهَذَا الَّذِي جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ دِينُ الْإِنْسَانِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: «أَفْضَلُ» وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَعْدَلُ الْأَقْوَمُ. وَهَذَا الْقُرْآنُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَهِيَ وَسَطٌ بَيْنِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ: أَصْحَابِ الْبِدَعِ وَأَصْحَابِ الْفُجُورِ أَهْلِ الْإِسْرَافِ وَالتَّقَشُّفِ الزَّائِدِ. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يُحَذِّرُونَ مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُبْتَدِعُ فِي دِينِهِ وَالْفَاجِرُ فِي دُنْيَاهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ: احْذَرُوا صَاحِبَ الدُّنْيَا أَغْوَتْهُ دُنْيَاهُ وَصَاحِبَ هَوًى مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ وَكَانُوا يَأْمُرُونَ بِمُجَانَبَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ. فـ «الْقِسْمُ الْأَوَّلُ» أَهْلُ الْفُجُورِ وَهُمْ الْمُتْرَفُونَ الْمُنَعَّمُونَ أَوْقَعَهُمْ فِي الْفُجُورِ مَا هُمْ فِيهِ.