فصل: فصل في بيان فضلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمني اليوم رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أنزل علي سورة لم ينزلها على أحد من الأنبياء والرسل من قبلي قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: قسمت هذه السورة بيني وبين عبادي فاتحة الكتاب جعلت نصفها لي: ونصفها لهم وآية بيني وبينهم فإذا قال العبد: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال الله: عبدي دعاني باسمين رقيقين أحدهما أرق من الآخر فالرحيم أرق من الرحمن وكلاهما رقيقان فإذا قال: {الحمد لله} قال الله: شكرني عبدني وحمدني فإذا قال: {رب العالمين} قال الله شهد عبدي أني رب العالمين رب الإنس والجن والملائكة والشياطين ورب الخلق ورب كل شيء فإذا قال: {الرحمن الرحيم} يقول مجدني عبدي وإذا قال ملك يوم الدين- يعني بيوم الدين: يوم الحساب- قال الله تعالى: شهد عبدي أنه لا مالك ليومه أحد غيري وإذا قال: {ملك يوم الدين} فقد أثنى علي عبدي إياك نعبد يعني الله أعبد وأوحد {وإياك نستعين} قال الله: هذا بيني وبين عبدي إياي يعبد فهذه لي وإياي نستعين فهذه له ولعبدي بعد ما سأل».
بقية السورة اهدنا أرشدنا الصراط المستقيم يعني دين الإسلام لأن كل دين غير الإسلام فليس بمستقيم الذي ليس فيه التوحيد {صراط الذين أنعمت عليهم} يعني به النبيين والمؤمنين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والنبوة {غير المغضوب عليهم} يقول: أرشدنا غير دين هؤلاء الذين غضبت عليهم وهم اليهود {ولا الضالين} وهم النصارى أضلهم اله بعد الهدى فبمعصيتهم غضب الله عليهم {وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا} [المائدة الآية 60] في الدنيا والآخرة يعني شر منزلا من النار وأضل عن سواء السبيل المائدة الآية 60 من المؤمنين يعني أضل عن قصد السبيل المهدي من المسلمين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا قال الإمام {ولا الضالين} فقولوا آمين يحبكم الله». قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال لي يا محمد هذه نجاتك ونجاة أمتك ومن اتبعك على دينك من النار». قال البيهقي: قوله: رقيقان قيل هذا تصحيف وقع في الأصل وإنما هو رفيقان والرفيق: من أسماء الله تعالى.
وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى على شيء إلا بارك فيه.
وأخرج وكيع والثعلبي عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعا «إن المعلم إذا قال للصبي قل {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب للمعلم وللصبي ولأبويه براءة من النار». وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة والديلمي عن علي مرفوعا: «إذا وقعت في ورطة فقل {بسم الله الرحمن الرحيم} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يصرف بها ما يشاء من أنواع البلاء».
وأخرج الحافظ عن عبد القادر الرهاوي في الأربعين بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ب {بسم الله الرحمن الرحيم} أقطع».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو نعيم في الحلية عن عطاء قال: إذا تناهقت الحمر من الليل فقولوا {بسم الله الرحمن الرحيم} أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن صفوان بن سليم قال: الجن يستمتعون بمتاع الإنس وثيابهم فمن أخذ منكم أو وضعه فليقل بسم الله فإن اسم الله طابع وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها فقالوا: سحر محمد الجبال فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها»، وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحي عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {بسم الله الرحمن الرحيم} مفتاح كل كتاب» وأخرج الخطيب في الجامع عن سعيد بن جبير قال: لا يصلح كتاب إلا أوله {بسم الله الرحمن الرحيم} وإن كان شعرا وأخرج الخطيب عن الزهري قال: قضت السنة أن لا يكتب في الشعر {بسم الله الرحمن الرحيم}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو بكر بن أبي داود والخطيب في الجامع عن الشعبي قال: كانوا يكرهون أن يكتبوا أمام الشعر بسم الله الرحم الرحيم وأخرج الخطيب عن الشعبي قال أجمعوا أن لا يكتبوا أمام الشعر {بسم الله الرحمن الرحيم} وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد والشعبي أنهما كرها أن يكتب الجنب {بسم الله الرحمن الرحيم}.
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن أشتة في المصاحف بسند ضعيف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كتب {بسم الله الرحمن الرحيم} مجودة تعظيما لله غفر الله له»، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال: تنوق رجل في {بسم الله الرحمن الرحيم} فغفر له وأخرج السلفي في جزء له عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمد الباء إلى الميم حتى ترفع السين»، وأخرج الخطيب في الجامع عن الزهري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمد {بسم الله الرحمن الرحيم} وأخرج الخطيب وابن اشته في المصاحف عن محمد بن سيرين أنه كان يكره أن يمد الباء إلى الميم حتى يكتب السين، وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر في تاريخ دمشق عن يزيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كتبت {بسم الله الرحمن الرحيم} فبين السين فيه».
وأخرج الخطيب في الجامع والديلمي عن أنس عن النبي قال: «إذا كتب أحدكم {بسم الله الرحمن الرحيم} فليمد الرحمن» وأخرج الديلمي عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تغور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك».
وأخرج الخطيب عن مطر الوراق قال: «كان معاوية بن أبي سفيان كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يجمع بين حروف الباء والسين ثم يمده إلى الميم ثم يجمع حروف الله الرحمن الرحيم ولا يمد شيئا من أسماء الله في كتابه ولا قراءته».
وأخرج أبو عبيد عن مسلم بن يسار أنه كان يكره أن يكتب بم حين يبدأ فيسقط السين وأخرج أبو عبيد عن ابن عون أنه كتب لابن سيرين بم فقال: مه اكتب سينا اتقوا أن يأثم أحدكم وهو لا يشعر وأخرج أبو عبيد عن عمران بن عون أن عمر بن عبد العزيز ضرب كاتبا كتب الميم قبل السين فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين؟ فقال: في سين وأخرج ابن سعد في طبقاته عن جويرية بنت أسماء أن عمر بن عبد العزيز عزل كاتبا له في هذا كتب بم ولم يجعل السين وأخرج ابن سعيد عن محمد بن سيرين أنه كان يكره أن يكتب الباء ثم يمدها إلى الميم حتى يكتب السين ويقول فيه قولا شديدا.
وأخرج الخطيب عن معاذ بن معاذ قال: كتبت عند سوار {بسم الله الرحمن الرحيم} فممدت الباء ولم أكتب السين فأمسك يدي وقال: كان محمد والحسن يكرهان هذا وأخرج الخطيب عن عبد الله بن صالح قال: كتبت {بسم الله الرحمن الرحيم} ورفعت الباء فطالت فأنكر ذلك الليث وكرهه وقال: غيرت المعنى يعني لأنها تصير لاما.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن عمر بن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على كتاب في الأرض فقال لفتى معه «ما في هذا؟ قال بسم الله قال: لعن من فعل هذا لا تضعوا بسم الله إلا في موضعه».
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن أنس مرفوعا «من رفع قرطاسا من الأرض فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} إجلالا له أن يداس كتب عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا كافرين» وأخرج ابن أبي داود في البعث عن أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص قال: إني أول من كتب {بسم الله الرحمن الرحيم}.
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال {بسم الله الرحمن الرحيم} فقالت قريش: دق الله فاك». وأخرج أبو داود في مراسيله عن سعيد بن جبير قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم} بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا: إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر رسول الله بإخفائها فما جهر بها حتى مات».
وأخرج الطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} هزأ منه المشركون وقالوا: محمد يذكر إله اليمامة وكان مسيلمة يتسمى الرحمن فلما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهر بها».
وأخرج الطبراني عن أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر {بسم الله الرحمن الرحيم} وأبو بكر وعمر». وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: أي بني محدث؟ صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم جهر {بسم الله الرحمن الرحيم}. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: الجهر {بسم الله الرحمن الرحيم} قراءة الأعراب وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: جهر الإمام ب {بسم الله الرحمن الرحيم} بدعة وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن عتيق قال: كان الحسن يقول: اكتبوا في أول الإمام {بسم الله الرحمن الرحيم} واجعلوا بين كل سورتين خطا. اهـ.

.فصل في بيان فضلها:

قال الفخر:
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فاتحة الكتاب شفاء من السم، وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتمًا مقضيًا فيقرأ صبي من صبيانهم في المكتب: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بسببه العذاب أربعين سنة».
وعن الحسين قال: أنزل الله تعالى مائة وأربعة كتب من السماء فأودع علوم المائة في الأربعة، وهي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم هذه الأربعة في الفرقان، ثم أودع علوم الفرقان في المفصل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة فمن علم تفسير الفاتحة كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة، ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قلت: والسبب فيه أن المقصود من جميع الكتب الإلهية علم الأصول والفروع والمكاشفات وقد بينا أن هذه السورة مشتملة على تمام الكلام في هذه العلوم الثلاثة، فلما كانت هذه المطالب العالية الشريفة حاصلة فيها لا جرم كانت كالمشتملة على جميع المطالب الإلهية. اهـ.

.لطيفة: هذه السورة لم يحصل فيها سبعة من الحروف:

قال الفخر:
قالوا: هذه السورة لم يحصل فيها سبعة من الحروف، وهي الثاء، والجيم والخاء، والزاي، والشين، والظاء، والفاء، والسبب فيه أن هذه الحروف السبعة مشعرة بالعذاب فالثاء تدل على الويل والثبور، قال تعالى: {لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُورًا واحدا وادعوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] والجيم أول حروف اسم جهنم، قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} [الأعراف: 179] وأسقط الخاء لأنه يشعر بالخزي قال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} [التحريم: 8] وقال تعالى: {إِنَّ الخزي اليوم والسوء عَلَى الكافرين} [النحل: 27] وأسقط الزاي والشين لأنهما أول حروف الزفير والشهيق، قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَشَهِيق} [هود: 106] وأيضًا الزاي تدل على الزقوم، قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} [الدخان: 43] والشين تدل على الشقاوة، قال تعالى: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ ففي النار} [هود: 106] وأسقط الظاء لقوله: {انطلقوا إلى ظِلّ ذي ثلاث شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} [المرسلات: 30، 31] وأيضًا يدل على لظى، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا لظى نَزَّاعَةً للشوى} [المعارج: 15، 16] وأسقط الفاء؛ لأنه يدل على الفراق، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14] وأيضًا قال: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} [طه: 61].
فإن قالوا: لا حرف من الحروف إلا وهو مذكور في شيء يوجب نوعًا من العذاب فلا يبقى لما ذكرتم فائدة، فنقول: الفائدة فيه أنه تعالى قال في صفة جهنم: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُوم} [الحجر: 44] والله تعالى أسقط سبعة من الحروف من هذه السورة، وهي أوائل ألفاظ دالة على العذاب، تنبيهًا على أن من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمنًا من الدركات السبع في جهنم. والله أعلم. اهـ.