فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الثعلبي في الآية:

قال رحمه الله:
{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان}.
قرأ أهل الحجاز والبصرة {عَقَّدتُّمُ} مشددًا بمعنى وكّدتم، واختار أبو حاتم فقرأها أهل الكوفة بالتخفيف واختاره أبو عبيدة. والتشديد التكرير مرّة بعد مرّة،... أمن أن يلزم من قرائتك. الفراء: أن لا يوجب الكفارة عليه في اليمين الواحدة متى يرددها مرارًا وهذا خلاف الإجماع. وقرأ أهل الشام: عاقدتم بالألف، يكون من واحد مثل: جاياك اللّه ونحوها.
وقرأ الأعمش بما {عقدت الأيمان} جعل الفعل الإتيان.
ومعنى الآية ما قصدتم وتعمدتم وأردتم ونويتم كقوله: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
{فَكَفَّارَتُهُ} أي كفّارة ما عقدتم من الأيمان إذا حلفتم {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} واختلفوا في قدرها.
فقال الشافعي: مدّ وضوء النبي عليه السلام والمدّ رطل وثلث، وكذلك في جميع الكفارات، وهو قول ثابت وابن عباس وابن عمر وابن المسيب والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن واحتجوا بها.
أبو بكر الجورقي، أبو العباس بن منصور الفيروزابادي، أحمد بن حفص حدّثني أبي حدّثني إبراهيم بن طهمان عن منصور بن المعتمر عن الزهري عن حمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: رجل أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: إني وقعت على أهلي وذلك في رمضان، فأمره أن يعتق رقبة، قال: ماأجدها، قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: ما أطيقه، قال: «فأطعم ستين مسكينًا»، قال: ما أجد، قال: فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بكيل فيه خمسة عشر صاعًا من تمر، قال: «خذ هذا فأطعمه»، قال: والذي بعثك بالحق ما بين لا بتيها أدلّ شيء هو منها فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «خذه في أطعمة أهلك» [...] وخمسة عشر صاعًا إذا قسم على ستين مسكينًا خص كل مسكين له مد.
وقال أبو حنيفة: إن أطعم من الحنطة نصف صاع وإن أطعم من الشعير والتمر والزيت ونحوها فإنه يعطى صاعًا كاملًا لا يجزي أقل من ذلك، وقول عمر بن الخطاب وإبنه والنخعي والشعبي وابن جبير ومجاهد والحكم والضحّاك واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي بوسق صاعًا فأعطى رجلًا وجبت عليه كفّارة، وقال: «أعطه لستين مسكينًا».
وقال علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه ومحمد بن كعب: غداء وعشاء، وعند الشافعي لا يجوز أحد القيم في الزكوات والكفارات، وأجاز أبو حنيفة فاعتبر الشافعي النص. وأبو حنيفة المنفعة والمصلحة، وعند الشافعي لا يجوز أن يعطى أقل من عشرة مساكين وأبو حنيفة إن أعطى مسكينًا في عشرة أيام جاز، وقال الشافعي: لا يجوز أن يعطي الكفارة إلاّ حرًّا مسلمًا محتاجًا ولا يجوز أن يعطى العبيد والكفار ولا الأغنياء.
فقال أبو حنيفة: إن أعطى الكفارة أهل الذمة جاز فأما الزكاة فلا يجوز أن يعطى أهل الذمة بلا خلاف، ودليل الشافعي قوله: {وَلاَ تُؤْتُواْ السفهاء أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] والكافر من أسفه السفهاء قال الله: {ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء} [البقرة: 13] وحجة أبي حنيفة قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ} [الإنسان: 8] الآية. والأسير لا يكون إلاّ من الكافرين {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} أي من خير قوت عيالكم فلو إنه يقتات الحنطة لم يخوله أن يعطى الشعير.
وقرأ الصادق: أهاليكم {كِسْوَتُهُمْ} قرأه العامة: بكسر الكاف، وقرأ السلمي نصبه. وهما لغتان مثل إسوة وأسوة، ورِشوة ورَشوة.
وقرأ ابن جبير أو كاسوتهم يعني كاسوة أهلك في الطعام والأسوة الميل والتمايل أي يطعمون المساكين كما يطعمون أهليكم، واختلف العلماء في الكسوة التي تجري في الكفارات وقال قوم: هي ثوب واحد مما يقع عليه إسم الكسوة أزار أو رداء أو قميص أو سراويل أو كساء أو عمامة ونحوها. وهو قول ابن عباس والحكم والحسن ومجاهد وعطاء والباقر وإليه ذهب الشافعي. وقال آخرون: ثوب جامع لا تجزي فيها العمامة، وهو مذهب النخعي وأبي حنيفة وقال مالك كل ما يجوز فيه الصلاة.
وقال ابن المسيب والضحّاك: لكل مسكين ثوبان، واحتجا بأن أبا موسى الأشعري كان بذمته كفارة فكسا عشرة مساكين لكل واحد ثوبين ظهرانيًا ومعقدًا من معقد البحرين.
وقال شهر بن حوشب: ثوب ثمنه خمسة دراهم {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}.
قال الشافعي: لا يجوز في كفارة واجبة إلاّ رقبة مؤمنة، مثل كفارة القتل واليمين والظهار والجماع في نهار رمضان.
والسدي والوصيفة ووافقه أبو حنيفة في كفارة القتل وأجاز في غيرها الرقبة الكافرة، ودليل الشافعي أن اللّه عز وجل قاله في كفارة القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فقيّد وأطلق في سائرها والمطلق محمول على المقيّد واحتج أيضًا بما روى: أن رجلًا جاء إلى النبي عليه السلام فقال: أوجبت يا رسول اللّه، فقال: اعتق رقبة فجاء برقبة أعجمية إلى النبي عليه السلام، فقال لها رسول اللّه: من ربك؟ ففهمها اللّه فأشارت إنه واحد، فقال: من أنا؟ فأشارت إلى السماء أي إنك رسول اللّه، فقال عليه السلام: «اعتقها فإنها مؤمنة» وأوجبت لفظة مطلقة يحتمله.
وروى أبو سلمة عن الشديد «أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة فجاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقال: إن أمي أوصت أن يعتق عنها رقبة وعندي جارية نوبية سوداء أفأعتقها؟ قال: أدع بها فجيء بها، فقال: من ربك؟ قالت: اللّه، قال: من أنا، قالت: رسول اللّه، قال: أعتقها فإنها مؤمنة» واتبع أبو حنيفة ظاهر الآية.
ويجوز في الكفارة من الرقاب الصغير والكبير والذكر والأنثى، وأما إذا كان معيوبًا فاعلم أن العيب عيبان عيب يمنعه من العمل. فلا يجوز مثل الأعمى، والأشل والمقعد والمجنون المطبق والأخرس. فإن كان عيبًا خفيفًا لا يمنعه من العمل فيجوز مثل الأجدع والمقطوع الخنصر ونحوها وهذا كما يقول في الكسوة. فإن كان الثوب لبيسًا قد بلي وانقطع منه جل المنفعة لم يجز وإن لبس خفيفًا لم ينقطع منه جل المنفعة. والمكفّر بالخيار، مخير بين هذه الأشياء لأن اللّه ذكره بلفظ التخيير وهو أو {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} واختلف الفقهاء في صفة من لم يجد متى يجوز له الصيام.
فقال أبو حنيفة: إذا كان عندهم مائتا درهم وعشرون مثقالًا أو أقل ما يجب فيه الزكاة لم يجز له الصيام، فإن كان أقل من ذلك فهو غير واجد وجاز له الصوم.
وقال متأخرو الفقهاء: إذا كان له كفاية من المال يتصرف فيها لمعاشه. فإن فضل عن رأس ماله مقدار ما يكفر منه بالإطعام فليس له أن يصوم وإن لم يفضل عن رأس ماله مقدار ما يطعم فله أن يصوم.
وقال الشافعي: إذا كان عنده قوته وقوت عياله يومه وليلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين لزمته الكفارة بالطعام وإن لم يكن عنده هذا القدر فله الصيام.
وقال بعضهم: إذا ملك ما يمكنه الإطعام فليس له الصيام وإن لم يفضل له من الكفاية شيء. وهو قول ابن جبير والحسن قالا: إذا كان عنده درهمان وثلاثة فهو واحد وإن لم يجد شيئًا من هذا {فَصِيَامُ} أي فعليه أي فكفارته صيام {ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} واختلفوا في كيفية الصيام.
فللشافعي فيه قولان، أحدهما: إنها متتابعة وإن فرده لم يجز، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري واختيار المزني قياسًا على الصوم في كفارة الظهار واعتبارًا بقراءة عبد اللّه وأُبي، فصيام ثلاثة أيام متتابعان وهذا قول ابن عباس وقتادة. والقول الثاني: إنه بالخيار إن شاء تابع وإن يشأ فرق والمتابعة أحسن وأفضل وهو مذهب مالك.
{ذلك} الذي ذكرت {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} قسمتم كقوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184، 184] وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} [البقرة: 196] يعني فأقصر وأحلق {واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} فلا تحلفوا فإذا حلفتم فلا تحزنون {كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} قد ذكرنا اختلاف المفسرين والفقهاء في لغو اليمين.
{وَلَكِنَ يُؤَاخِذُوكُمْ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} اختلف في سبب نزولها على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في عثمان بن مظعون، حين حرَّم على نفسه الطعام، والنساء، بيمين حَلَفَهَا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن رَوَاحة، وكان عنده ضيف فأَخَّرَتْ زوجته قِرَاهُ فَحَلَفَ لا يَأكل من الطعام شيئًا، وَحَلَفَتِ الزوجة لا تأكل منه إن لم يأكل، وحَلَفَ الضيف لا يأكل منه إن لم يأكلا، فأكل عبد الله وأكلا معه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «أَحْسَنْتَ» ونزلت فيه هذه الآية، قاله ابن زيد.
وقوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ} وعقدها هو لفظ باللسان وقصد بالقلب، لأن ما لم يقصده في أَيمَانِهِ، فهو لغو لا يؤاخذ به.
ثم في عقدها قولان:
أحدهما: أن يكون على فعل مستقبل، ولا يكون على خبر ماض، والفعل المستقبل نوعان: نفي وإثبات، فالنفي أن يقول والله لا فعلت كذا، والإِثبات أن يقول: والله لأَفْعَلَنَّ كذا.
وأما الخبر الماضي فهو أن يقول: والله ما فعلت، وقد فعل، أو يقول: والله لقد فعلت كذا، وما فعل، فينعقد يمينه بالفعل المستقبل في نوعي إثباته ونفيه.
وفي انعقادها بالخبر الماضي قولان:
أحدهما: أنها لا تنعقد بالخبر الماضي، قاله أبو حنيفة وأهل العراق.
والقول الثاني: أنها تنعقد على فعل مستقبل وخبر ماض يتعلق الحنث بهما، قاله الشافعي، واهل الحجاز.
ثم قال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنها كفارة ما عقدوه من الأيمان، قالته عائشة، والحسن، والشعبي، وقتادة.
والثاني: أنها كفارة الحنث فيما عقدة منها، وهذا يشبه أن يكون قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وإبراهيم.
والأصح من إطلاق هذين القولين أن يعتبر حال اليمين في عقدها وحلها، فإنها لا تخلو من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون عقدها حلها معصية كقوله: والله لا قَتَلْتُ نفسًا ولا شربت خمرًا، فإذا حنث فقتل النفس، وشرب الخمر، كانت الكفار لتكفير مأثم الحنث.
والحال الثالثة: أن يكون عقدها مباحًا، وحلها مباحًا كقوله: والله لا لبست هذا الثوب، فالكفارة تتعلق بهما وهي بالحنث أخص.
ثم قال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ} فيه قولان:
أحدهما: من أوسط أجناس الطعام، قاله ابن عمر، والحسن، وابن سيرين.
والثاني: من أَوسطه في القدر، قاله علي، وعمر، وابن عباس، ومجاهد.