فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ سعيد بن جبير {مِن وَسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلَيكُمْ}.
ثم اختلفوا في القدر على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه مُدٌّ واحد من سائر الأجناس، قاله ابن عمر، وزيد بن ثابت، وعطاء، وقتادة، وهو قول الشافعي.
والثاني: أنه نصف صاع من سائر الأجناس، قاله علي، وعمر، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثالث: أنه غداء وعشاء، قاله علي في رواية الحارث عنه، وهو قول محمد بن كعب القرظي، والحسن البصري.
والرابع: أنه ما جرت به عادة المكفر في عياله، إن كان يشبعهم أشبع المساكين، وإن كان لا يشبعهم فعلى قدر ذلك، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والخامس: أنه أحد الأمرين من غداء أو عشاء، قاله بعض البصريين.
ثم قال تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} وفيها خمسة أقاويل:
أحدها: كسوة ثوب واحد، قاله: ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، الشافعي.
والثاني: كسوة ثوبين، قاله أبو موسى الأشعري، وابن المسيب، والحسن، وابن سيرين.
والثالث: كسوة ثوب جامع كالملحفة والكساء، قاله إبراهيم.
والرابع: كسوة إزار ورداء وقميص، قاله ابن عمر.
والخامس: كسوة ما تجزىء فيه الصلاة، قاله بعض البصريين.
ثم قال تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} يعني أو فك رقبة من أسر العبودية إلى حال الحرية والتحرير، والفك: العتق، قال الفرزدق:
أبني غدانة إنني حررتكم ** فوهبتكم لعطية بن جعال

ويجزىء صغيرها، وكبيرها، وذكرها، وأنثاها، وفي استحقاق أَثمانها قولان:
أحدهما: أنه مستحق ولا تجزىء الكفارة، قاله الشافعي.
والثاني: أنه غير مستحق، قاله أبو حنيفة.
ثم قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} فجعل الله الصوم بدلًا من المال عند العجز عنه، وجعله مع اليسار مخيرًا بين التكفير بالإِطعام، أو بالكسوة، أو بالعتق، وفيها قولان:
أحدهما: أن الواجب منها أحدها لا يعينه عند الجمهور من الفقهاء.
والثاني: أن جميعها واجب، وله الاقتصار على أحدها، قاله بعض المتكلمين، وشاذ من الفقهاء.
وهذا إذا حقق خلف في العبارة دون المعنى.
واختلف فيما إذا لم يجده صام على خمسة أقاويل:
أحدها: إذا لم يجد قوته وقوت من يقوت صام، قاله الشافعي.
والثاني: إذا لم يجد ثلاثة دراهم صام، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: إذا لم يجد درهمين، قاله الحسن.
والرابع: إذا لم يجد مائتي درهم صام، قاله أبو حنيفة.
والخامس: إذا لم يجد فاضلًا عن رأس ماله الذي يتصرف فيه لمعاشه صام. وفي تتابع صيامه قولان:
أحدهما: يلزمه، قاله مجاهد، وإبراهيم، وكان أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود يقرآن: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}.
والثاني: إن صامها متفرقة جاز، قاله مالك، والشافعي في أحد قوليه:
{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} يعني وحنثتم، فإن قيل فلِمَ لَمْ يذكر مع الكفارة التوبة؟ قيل: لأنه ليس كل يمين حنث فيها كانت مأثمًا توجب التوبة، فإن اقترن بها المأثم لزمت التوبة بالندم، وترك العزم على المعاودة.
{وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني احفظوها أن تحلفوا.
والثاني: احفظوها أن تحنثوا. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {بما عقدتم} معناه شددتم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {عقّدتم} مشددة القاف، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي {عقَدتم} خفيفة القاف، وقرأ ابن عامر {عاقدتم} بألف على وزن فاعلتم، قال أبو علي من شدد القاف احتمل أمرين أحدهما أن يكون لتكثير الفعل لأنه خاطب جماعة والآخر يكون عقد مثل ضعف لا يراد به التكثير كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين. ومن قرأ {عقَدتم} فخفف القاف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد، وقال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدًا لجارهم ** شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا

ومن قرأ {عاقدتم} فيحتمل ضربين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص، والآخر أن يراد به فاعلت الذي يقتضي فاعلين كأن المعنى يؤاخذكم بما عاقدتم عليه الإيمان، ويعدي عاقد بـ«على» لما هو في معنى عاهد، قال الله تعالى: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله} [الفتح: 10] وهذا كما عديت {ناديتم إلى الصلاة} [المائدة: 58] بـ«إلى» وبابها أن تقول ناديت زيدًا و{ناديناه من جانب الطور الأيمن} [مريم: 52] لكن لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا كقوله تعالى: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} [فصلت: 33] عديت نادى بـ«إلى»، ثم يتسع في قوله تعالى: {عاقدتم} عليه الإيمان فيحذف الجار، ويصل الفعل إلى المفعول، ثم يحذف من الصلة الضمير الذي يعود على الموصول، وتقديره يؤاخذكم بما عقدتموه الأيمان. كما حذف من قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر}[الحجر: 94] و{الأيمان} جمع يمين وهي الألية سميت يمينًا لما كان عرفهم أن يصفقوا بأيمان بعضهم على بعض عند الألية. وقوله تعالى: {فكفارته} معناه فالشيء الساتر على إثم الحنث في اليمين إطعام، والضمير على الصناعة النحوية عائد على ما، ويحتمل {ما} في هذا الموضع أن تكون بمعنى الذي، وتحتمل أن تكون مصدرية وهو عائد مع المعنى الذي ذكرناه على إثم الحنث، ولم يجر له ذكر صحيح لكن المعنى يقتضيه و{إطعام عشرة مساكين} معناه إشباعهم مرة، قال الحسن بن أبي الحسن إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة، وإن أعطاهم أعطاهم مكوكًا مكوكًا، وحكم هؤلاء أن لا يتكرر واحد منهم في كفارة يمين واحدة، وسواء أطعموا أفرادًا أو جماعة في حين واحد ولا يجزىء في شيء من ذلك ذمي وإن أطعم صبي فيعطى حظ كبير، ولا يجوز أن يطعم عبد ولا ذو رحم تلزم نفقته، فإن كان ممن لا تلزم المكفر نفقته فقد قال مالك لا يعجبني أن يطعمه، ولكن إن فعل وكان فقيرًا اجزأه، ولا يجوز أن يطعم منها غني، وإن أطعم جهلًا بغناه ففي المدونة وغير كتاب أنه لا يجزىء وفي الأسدية أنه يجزىء واختلف الناس في معنى قوله: {من أوسط} فرأى مالك رحمه الله وجماعة معه هذا التوسط في القدر، ورأى ذلك جماعة في الصنف، والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف.
فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مدًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك رطل وثلث من دقيق، وهذا لضيق المعيشة بالمدينة، ورأى في غيرها أن يتوسع ولذلك استحسن الغداء والعشاء، وأفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث، قال ابن المواز: ومد وثلث وسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء، قال ابن حبيب: ولا يجزىء الخبز قفارًا ولكن بأدام زيت أو لبن أو لحم أو نحوه، وفي شرح ابن مزين أن الخبز القفار يجزىء، ورأى من يقول إن التوسط إنما هو الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك، ومذهب المدونة أن يراعي المكفر عيش البلد، وفي كتاب ابن المواز أن المراعى عيشه في أهله الخاص به، وكأن الآية على التأويل الأول معناها من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم في الجملة من مدينة أو صقع، وعلى التأويل الثاني معناها من أوسط ما يطعم شخص أهله. وقرأ الجمهور {أهليكم} وهو جمع أهل على السلامة وقرأ جعفر بن محمد {من أوسط ما تطعمون أهاليكم}، وهذا جمع مكسر قال أبو الفتح «أهال» بمنزلة ليال، كأن واحدها أهلاة وليلاة، والعرب تقول أهل وأهلة ومنه قول الشاعر:
وأهلة ود قد تبريت ودهم

ويقال ليلة وليلاة وأنشد ابن الأعرابي:
في كل ما يوم وكل ليلاه ** حتى يقول من رآه إذ رآه

يا ويحه من جمل ما أشقاه

وقرأ الجمهور {أو كِسوتهم} بكسر الكاف يراد به كسوة الثياب وقرأ سعيد بن المسيب وأبو عبد الرحمن وإبراهيم النخعي {أو كُسوتهم} بضم الكاف، وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني {أو كأسوتهم} من الأسوة قال أبو الفتح كأنه قال أو بما يكفي مثلهم فهو على حذف المضاف بتقدير أو ككفاية أسوتهم، قال وإن شئت جعلت الأسوة هي الكفاية فلم تحتج إلى حذف مضاف.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، والقراءة مخالفة لخط المصحف، ومعناها على خلاف ما تأول أهل العلم من أن الحانث في اليمين بالله مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق، والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة الإطعام وبدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر، ورب مدة ومسغبة يكون فيها الإطعام أفضل من العتق لكن ذلك شاذ وغير معهود والحكم للأغلب، واختلف العلماء في حد الكسوة فراعى على قوم نفس اللفظ فإذا كان الحانث المكفر كاسيًا والمسكين مكسوًا حصل الإجزاء، وهذه رتبة تنحصل بثوب واحد أي ثوب كان بعد إجماع الناس أن القلنسوة بانفرادها لا تجزىء في كفارة اليمين، قال مجاهد: يجزىء في كفارة اليمين ثوب واحد فما زاد، وقال الحسن: الكسوة ثوب لكل مسكين وقاله طاوس، وقال منصور: الكسوة ثوب قميص أو رداء أو إزار قاله أبو جعفر وعطاء وابن عباس، وقال قد تجزىء العباءة في الكفارة وكذلك الشملة، وقال الحسن بن أبي الحسن: تجزىء العمامة في كفارة اليمين، وقال مجاهد: يجزىء كل شيء إلا التبان، وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: نعم الثوب التبان، أسنده الطبري وقال الحكم بن عتيبة: تجزىء عمامة يلف بها رأسه وراعى قوم معهود الزي والكسوة المتعارفة، فقال بعضهم لا يجزىء الثوب الواحد إلا إذا كان جامعًا مما قد يتزيى به كالكساء والملحفة، قال إبراهيم النخعي: يجزىء الثوب الجامع وليس القميص والدرع والخمار ثوبًا جامعًا.
قال القاضي أبو محمد: قد يكون القميص الكامل جامعًا وزيًا، وقال بعضهم: الكسوة في الكفارة إزار وقميص ورداء قاله ابن عمر رضي الله عنه، وروي عن الحسن وابن سيرين وأبي موسى الأشعري أن الكسوة في الكفارة ثوبان لكل مسكين، وعلق مالك رحمه الله الحكم بما يجزىء في الصلاة، وهذا أحسن نظر، فقال: يجزىء في الرجل ثوب واحد، وقال ابن حبيب يكسى قميصًا أو إزارًا يبلغ أن يلتف به مشتملًا، وكلام ابن حبيب تفسير، قال مالك: تكسى المراة درعًا وخمارًا، وقال ابن القاسم في العتبية: وإن كسا صغير الإناث فدرع وخمار كالكبيرة، والكفارة واحدة لا ينقص منها لصغير، قال عنه ابن المواز ولا تعجبني كسوة المراضع بحال، فأما من أمر بالصلاة فيكسوه قيمصًا ويجزئه، قال ابن المواز من رأيه: بل كسوة رجل كبير وإلا لم يجزىء، قال أشهب، تعطى الأنثى إذا لم تبلغ الصلاة ثوب رجل ويجزىء وقاله ابن الماجشون، وقوله: {أو تحرير رقبة} التحرير الإخراج من الرق، ويستعمل في الأسر والمشقات وتعب الدنيا ونحوها، فمنه قوله تعالى عن أم مريم: {إني نذرت لك ما في بطني محررًا} [آل عمران: 35] أي من شغوب الدنيا، ومن ذلك قول الفرزدق:
ابني غدانة إنني حررتكم ** فوهبتكم لعطية بن جعال

أي حررتكم من الهجاء، وخص الرقبة من الإنسان إذ هو العضو الذي فيه يكون الغل والتوثق غالبًا من الحيوان، فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها، واختلف الناس في صفة المعتق في الكفارة كيف ينبغي أن يكون، فقالت جماعة من العلماء: هذه رقبة مطلقة لم تقيد بأيمان فيجوز في كفارة اليمين عتق الكافر، وهذا مذهب الطبري وجماعة من العلماء، وقالت فرقة كل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في القتل الخطأ فلا يجزي في شيء من الكفارات كافر، وهذا قول مالك رحمه الله وجماعة معه، وقال مالك رحمه الله: لا يجزي أعمى ولا أبرص ولا مجنون، وقال ابن شهاب وجماعة، وفي الأعور قولان في المذهب، وكذلك في الأصم وفي الخصي، وفي العلماء من رأى أن جميع هذا يجزىء وفرق النخعي فجوز عتق من يعمل أشغاله وخدمته ومنع عتق من لا يعمل كالأعمى والمقعد والأشل اليدين، قال مالك رحمه الله: والأعجمي عندي يجزىء من قصر النفقة وغيره أحب إليّ، قال سحنون يريد بعد أن يجيب إلى الإسلام، فإن كان الأعجمي لم يجب إلا أنه ممن يجبر على الإسلام كالكبير من المجوس والصغير من الحربيين الكتابيين فقال ابن القاسم يجزىء عتقه وإن لم يسلم وقال أشهب لا يجزىء حتى يسلم، ولا يجزىء عند مالك من فيه شعبة حرية كالمدبر وأم الولد ونحوه.