فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {فمن لم يجد} معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة من الإطعام او الكسوة أو عتق الرقبة واختلف العلماء في حد هذا العادم الوجد حتى يصح له الصيام، فقال الشافعي رحمه الله وجماعة من العلماء إذا كان المكفر لا يملك إلا قوته وقوت عياله يومه وليلته فله أن يصوم، فإن كان عنده زائدًا على ذلك ما يطعم عشرة مساكين لزمه الإطعام، وهذا أيضًا هو مذهب مالك وأصحابه قال مالك في المدونة: لا يجزئه صيام وهو يقدر على أحد الوجوه الثلاثة، وروي عن ابن القاسم أن من تفضل له نفقة يوم فإنه لا يصوم، وقال ابن المواز: ولا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته أو يكون في البلد لا يعطف عليه فيه، وقال ابن القاسم في كتاب ابن مزين: إن كان لحانث فضل عن قوت يومه أطعم إلا أن يخاف الجوع أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيه، وقال سعيد بن جبير: إن لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم وقال قتادة: إذا لم يكن له إلا قدر ما يكفر به صام، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا كان له درهمان أطعم، قال الطبري: وقال آخرون: جائز لمن لم تكن عنده مائتا درهم أن يصوم وهو ممن لا يجد وقال آخرون: جائز لمن لم يكن عنده فضل على رأس ماله الذي يتصرف به في معاشه أن يصوم، وقرأ أبي بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وكذلك عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي، وقال بذلك جماعة من العلماء منهم مجاهد وغيره، وقال مالك رحمه الله وغيره: إن تابع فحسن وإن فرق أجزأ، وقوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم} إشارة إلى ما ذكر من الأشياء الثلاثة وقوله: {إذا حلفتم} معناه ثم أردتم الحنث أو وقعتم فيه وباقي الآية وصاة وتوقيف على النعمة والإيمان. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} سبب نزولها: أنه لما نزل قوله: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللحم: يا رسول الله كيف نصنع بأيْماننا التي حلفنا عليها؟ فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس.
وقد سبق ذكر «اللغو» في سورة «البقرة».
قوله تعالى: {بما عقدتم الأيمان} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {عقدتم} بغير ألف، مشددة القاف.
قال أبو عمرو: معناها: وكدّتم.
وقرأ أبو بكر، والمفضّل عن عاصم: {عقَدْتُم} خفيفة بغير ألف، واختارها أبو عبيد.
قال ابن جرير: معناها: أوجبتموها على أنفسكم.
وقرأ ابن عامر: {عاقدتم} بألف، مثل {عاهدتم} قال القاضي أبو يعلى: وهذه القراءة المشددة لا تحتمل إِلا عقد قول.
فأما المخففة، فتحتمل عقد القلب، وعقد القول.
وذكر المفسّرون في معنى الكلام قولين.
أحدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين، قاله مجاهد.
والثاني: بما عقَّدتم عليه قلوبكم أنه كذب، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى: {فكفارته} قال ابن جرير: الهاء عائدةٌ على «ما» في قوله: {بما عقَّدتم}.
فصل:
فأما إِطعام المساكين، فروي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، والحسن في آخرين: أن لكل مسكين مدَّبُرٍّ، وبه قال مالك، والشافعي.
وروي عن عمر، وعلي، وعائشة في آخرين: لكل مسكين نصف صاع من بُرّ، قال عمر، وعائشة: أو صاعًا من تمر، وبه قال أبو حنيفة.
ومذهب أصحابنا في جميع الكفارات التي فيها إِطعام، مثل كفارة اليمين، والظهار، وفدية الأذى، والمفرّطة في قضاء رمضان، مدَّبُرٍّ، أو نصف صاع تمر أو شعير.
ومِنْ شرط صحة الكفارة، تمليك الطعام للفقراء، فإن غدَّاهم وعشَّاهم، لم يجزئه، وبه قال سعيد بن جبير، والحكم، والشافعي.
وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك.
ولا يجوز صرف مدّين إِلى مسكين واحدٍ، ولا إِخراج القيمة في الكفارة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
قال الزجاج: وإِنما وقع لفظ الذكير في المساكين، ولو كانوا إِناثًا لأجزأ، لأن المغلَّب في كلام العرب التذكير.
وفي قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قولان:
أحدهما: من أوسطه في القدر، قاله عمر، وعلي، وابن عباس، ومجاهد.
والثاني: مِن أوسط أجناس الطعام، قاله ابن عمر، والأسود، وعَبيدة، والحسن، وابن سيرين.
وروي عن ابن عباس قال: كان أهل المدينة [يقولون:] للحُرِّ مِن القوت أكثر ما للمملوك، وللكبير أكثر ما للصغير، فنزلت {من أوسط ما تطعمون أهليكم} ليس بأفضله ولا بأخسِّه.
وفي كسوتهم خمسة أقوال:
أحدها: أنها ثوبٌ واحدٌ، قاله ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، والشافعي.
والثاني: ثوبان، قاله أبو موسى الأشعري، وابن المسيّب، والحسن، وابن سيرين، والضحاك.
والثالث: إِزار ورداء وقميص، قاله ابن عمر.
والرابع: ثوب جامع كالملحفة، قاله إِبراهيم النخعي.
والخامس: كسوة تجزىء فيها الصلاة، قاله مالك.
ومذهب أصحابنا: أنه إِن كسا الرجل، كساه ثوبًا، والمرأة ثوبين، درعًا وخمارًا، وهو أدنى ما تُجزئ فيه الصلاة.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الجوزاء، ويحيى بن يعمر: {أو كُسوتهم} بضم الكاف.
وقد قرأ سعيد بن جبير، وأبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارىء: {أو كاسوتهم} بهمزة مكسورة، مفتوحة الكاف، مكسورة التاء والهاء، وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران الجوزي مثله، إِلا إنهما فتحا الهمزة.
قال المصنف: ولا أرى هذه القراءة جائزة، لأنها تسقط أصلًا من أصول الكفارة.
قوله تعالى: {أو تحرير رقبةٍ} تحريرها: عتقها، والمراد بالرقبة: جملة الشخص.
واتفقوا على اشتراط إِيمان الرقبة في كفارة القتل لموضع النص.
واختلفوا في إِيمان الرقبة المذكورة في هذه الكفارة على قولين.
أحدهما: أنه شرط، وبه قال الشافعي، لأن الله تعالى قيد بذكر الإِيمان في كفارة القتل، فوجب حمل المطلق على المقيّد.
والثاني: ليس بشرط، وبه قال أبو حنيفة، وعن أحمد رضي الله عنه في إِيمان الرقبة المعتقة في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع، والمنذورة، روايتان.
قوله تعالى: {فمن لم يجد} اختلفوا فيما إِذا لم يجده، صام، على خمسة أقوال:
أحدها: أنه إِذا لم يجد درهمين صام، قاله الحسن.
والثاني: ثلاثة دراهم، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: إِذا لم يجد إِلا قَدْرَ ما يكفِّر به صام، قاله قتادة.
والرابع: مِئتي درهم، قاله أبو حنيفة.
والخامس: إِذا لم يكن له إِلا قدر قوته وقوت عائلته يومه وليلته، قاله أحمد، والشافعي، وفي تتابع الثلاثة أيام، قولان:
أحدهما: أنه شرط، وكان أُبيّ، وابن مسعود يقرآن: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} وبه قال ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، وقتادة، وأبو حنيفة، وهو قول أصحابنا.
والثاني: ليس بشرط، ويجوز التفريق، وبه قال الحسن، ومالك.
وللشافعي فيه قولان.
قوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم إِذا حلفتم} فيه إِضمار تقديره: إِذا حلفتم وحنثتم.
وفي قوله: {واحفظوا أيمانكم} ثلاثة أقوال:
أحدها: أقلّوا منها، ويشهد له قوله: {ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم} وأنشدوا:
قليل الألايا حافظ ليمينه

والثاني: احفظوا أنفسكم من الحنث فيها.
والثالث: راعوها لكي تؤدُّوا الكفارة عند الحنث فيها. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
أمرهم الله تعالى بأن يكفروا أيمانهم، لأنه لما حرموا الحلال على أنفسهم، كان ذلك يمينًا منهم.
ولهذا قال أصحابنا: إذا قال الرجل لشيء حلال: هذا الشيء عليّ حرام يكون ذلك يمينًا، فأمرهم الله تعالى بأن يأكلوا، ويحنثوا في أيمانهم، وفي الآية دليل: أن الرجل إذا حلف على شيء، والحنث خير له، ينبغي أن يحنث ويكفر بيمينه.
وفيها دليل: أن الكفارة بعد الحنث، لأنه أمرهم بالحنث، بقوله: فكلوا ثم أمرهم بالكفارة وهو قوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أيمانكم} قال ابن عباس: اللغو أن يحلف الرجل على شيء بالله، وهو يرى أنه صادق، وهو فيه كاذب.
وهكذا روي عن أبي هريرة أنه كان يقول: لغو اليمين: أن يحلف الرجل على شيء، يظن أنه الذي حلف عليه هو صادق، فإذا هو غير ذلك.
وقال الحسن: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك، وليس هو كذلك.
وقال سعيد بن جبير: الرجل يحلف باليمين الذي لا ينبغي أن يحلف بها، يحرم شيئًا هو حلال، فلا يؤاخذه الله بتركه، لكن يؤاخذه الله إن فعل.
وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا، وأخرجني الله من مالي وولدي، وقالت عائشة: اللغو: هو قول الرجل لا والله، وبلى والله، على شيء لم يعقده قلبه.
ثم قال: {ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم في رواية حفص {عَقَّدتُّمُ} بالتشديد، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، في رواية أبي بكر: {عَقَّدتُّمُ} بالتخفيف، وقرأ ابن عامر: {بِمَا عَقَّدتُّمُ} فمن قرأ: {عاقدتم} فهو من المعاقدة، والمعاقدة تجري بين الاثنين، وهو أن يحلف الرجل لصاحبه بشيء، ومن قرأ بالتشديد فهو للتأكيد.
ومن قرأ بالتخفيف لأن اليمين تكون مرة واحدة.
والتشديد تجري في التكرار والإعادة.
وروى عبد الرزاق عن بكار بن عبد الله قال: سئل وهب بن منبه عن قوله: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أيمانكم} قال: الأيمان ثلاثة: لغو وعقد وصبر، فأما اللغو: فلا والله، وبلى والله، لا يعقد عليه القلب، وأما العقد: أن يحلف الرجل لا يفعله فيفعله، فعليه الكفارة، وأما الصبر: بأن يحلف على مال ليقتطعه بيمينه، فلا كفارة له.
وروى حسين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال: الأيمان ثلاثة: يمين تكفر، ويمين لا تكفر، ويمين لا يؤاخذ الله بها.
وذكر إلى آخره ثم بيّن كفارة اليمين فقال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مساكين مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: الغداء والعشاء.