فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: الأصْلُ في هذا المجازِ، أنَّ الأسِير في العربِ كان يجمع إلى رقبتِهِ بحبْلٍ، فإذا أطلقَ حلَّ ذلك الحَبْل، فسُمِّيَ الإطلاقُ مِنَ الرَّقبَةِ فَكُّ رقبة، وأجازَ أبُو حنيفَةَ والثَّوْرِي إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَة في جَميعهَا، إلاَّ كَفارَة القَتْل؛ لأنَّ اللَّه تعالى قَيَّدَ الرَّقَبة فيها بالإيمان، قُلْنَا: المُطْلَقُ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ، كما أنَّ اللَّهَ تعالى قَيَّدَ الشَّهَادَة بالعَدَالَةِ في موضعٍ فقال تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2]، وأطلق في موضعٍ فقال تعالى: {واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، ثم العدالةُ مشروطةٌ في جميعها حَمْلًا للمُطْلَقِ على المُقَيَّدِ، كذلك هذا.
ولا يجُوزُ إعْتَاقَ المُرْتَدِّ بالاتِّفَاقِ عن الكَفَّارة، ويُشْتَرَطُ أن يكونَ سليمَ الرِّقِّ، حتَّى لو أعْتَقَ عن كَفَّارتِهِ مُكَاتبًا، أوْ أمَّ ولدٍ، أوْ عبدًا اشْتَراه بِشَرْطِ العَتْقِ، أو اشْتَرَى قَرِيبَهُ الذي يُعْتَقُ عليه بِنيَّةِ الكَفَّارة يعتق، ولا يجُوزُ عن الكفَّارة.
وجوَّز أصْحَابُ الرَّأي عِتْق المُكَاتِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أدَّى شيئًا من النُّجُومِ، وعِتْق القَرِيبِ عن الكَفَّارة.
قوله تعالى: {ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}، ذلك إشارةٌ إلى ما تقدَّم من الإطْعَام والكِسْوَة، وتحْرِيرِ الرَّقَبَة يُكفِّر عنكم حِنْثَ اليَمِين وقْتَ حَلْفِكُمْ و«إذَا حَلَفْتُمْ» قال أبو البقاء: «منصوبٌ على الظَّرْف وناصبُه {كَفَّارة}، أي: ذلك الإطعامُ، أو ما عُطِفَ عليه يُكَفِّر عنْكُمْ كَفَّارةُ»، لكان صحيحًا بمعنى تلك الأشياء، أو التأنيث للكفَّارة، والمعنى: «إذَا حَلَفْتُمْ حَنْثْتُم، فترك ذِكْرَ الحِنْثِ؛ لوقوع العلْمِ بأن الكفَّارة، إنما تَجِبُ بالحِنْثِ بالحَلِفِ لا بنَفْسِ الحَلِفِ، كقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أي: فأفْطَرَ».
ولابد من هذا الذي ذكره الزمخشريُّ، وهو تقديرُ الحِنْثِ، ولذلك عِيبَ على أبي البقاء قوله: «العَامِلُ في {إذَا} كفارةُ أيْمانِكُمْ؛ لأن المعنى: ذلك يُكَفِّرُ أيْمَانكُمْ وَقْتَ حَلْفِكُمْ»، فقيل له: الكفَّارةُ ليستْ واقعةً في وقْتِ الحَلْفِ، فكيف يَعْمَلُ في الظرْفِ ما لا يقعُ فيه؟ وظاهرُ الآية أنَّ {إذَا} متمحِّضَة للظرفيَّةِ، وليس فيها معنى الشرطِ، وهو غيرُ الغالبِ فيها، وقد يجوزُ أن تكون شرطًا، ويكونُ جوابُها محذوفًا على قاعدةِ البصريِّين يدُلُّ عليه ما تقدَّم، أو هو نفسُ المتقدِّم عند أبي زَيْدٍ والكوفيين، والتقدير: إذا حَلَفْتُمْ وحَنِثْتُم، فذلك كفارةُ إثْمِ أيْمَانِكُمْ؛ كقولهم: «أنْتَ ظَالِمٌ إنْ فَعَلْتَ».
قوله تعالى: {واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} قيل: المرادُ به تَرْكُ الحَلْفِ، أي: لا تحلِفُوا، وقِيل: المُرَادُ تَقْلِيلُ الأيْمان، أي: لا تُكثِروا مِنْهَا.
قال الشَّاعر: [الطويل]
قَليلُ الأَلايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ** فإنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الألِيَّةُ بَرَّتِ

والصحيحُ: أنَّ المُرَادَ: حِفْظُ اليمينِ على الحنْثِ، هذا إذا لم يكن حلف بِيَمينِهِ على ترْكِ مَنْدُوبٍ أو فعلٍ مكرُوهٍ، فإن حَلَفَ على تَرْكِ مَنْدُوبٍ أو فِعْلِ مَكْرُوهٍ، فالأفْضَلُ أن يُحنِثَ نَفْسَهُ ويُكَفِّر للحَدِيثِ المُتقدِّم.
قوله تعالى: {كَذِلِكَ} هذه الكاف نعتٌ لمصدر محذوف عند جماهير المُعْربين، أي: يبيِّن الله آياته تبيينًا مثل ذلك التبيين، وعند سيبويه أنه حالٌ من ضميرِ ذلك المصْدَرِ على ما عُرِفَ. اهـ. باختصار.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ...} الآية (89).
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال «لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87] في القوم الذين كانوا حرَّموا النساء، واللحم على أنفسهم، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}».
وأخرج أبو الشيخ عن يعلى بن مسلم قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: اقرأ ما قبلها فقرأت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} إلى قوله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: اللغو أن تحرم هذا الذي أحل الله لك وأشباهه تكفرعن يمينك ولا تحرمه، فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم به {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} فإن مت عليه أخذت به.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الحلال أن يحرمه، فقال الله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} أن تتركه وتكفر عن يمينك {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: ما أقمت عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هما الرجلان يتبايعان. يقول أحدهما: والله لا أبيعك بكذا، ويقول الآخر: والله لا أشتريه بكذا.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: اللغو. أن يصل الرجل كلامه بالحلف، والله لتجيئن، والله لتأكلن، والله لتشربن، ونحو هذا لا يريد به يمينًا، ولا يتعمد به حلفًا، فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال: الأيمان ثلاثة. يمين تكفر، ويمين لا تكفر، ويمين لا يؤاخذ بها، فأما التي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أو معصية الله فيكفر يمينه، والتي لا تكفر الرجل يحلف على الكذب متعمدًا ولا تكفر، والتي لا يؤاخذ بها فالرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق فهو اللغو لا يؤاخذ به. والله أعلم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال: اللغو. الخطأ، أن يحلف على الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه، فلا يكون كذلك تجوّز لك عنه ولا كفَّارة عليك فيه {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: ما تعمدت فيه المآثم فعليك فيه الكفارة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن مجاهد {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: بما تعمدتم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: الرجل يحلف على الشيء وهو يعلمه.
وأخرج أبو الشيخ عن عائشة قالت: إنما اللغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب، وإنما الكفارة في كل يمين حلف عليها في جد من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن، فذاك عقد الأيمان الذي فرض الله فيه الكفارة.
قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين}.
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس قال «كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به، ومن لم يجد فنصف صاع من بر».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مدًا من حنطة بمد الأول».
وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنا نعطي في كفارة اليمين بالمد الذي يقتات به.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال: أني أحلف لا أعطي أقوامًا ثم يبدو لي أن أعطيهم، فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو نصف صاع من قمح.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قمح.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من حنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: في كفارة اليمين نصف صاع من حنطة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد قال: كل طعام في القرآن فهو نصف صاع، في كفارة اليمين وغيرها.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس قال: في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن زيد بن ثابت. أنه قال: في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر. في كفارة اليمين قال: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: ثلاث فيهن مد مد، كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الصيام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} قال: يغديهم ويعشيهم، إن شئت خبزًا ولحمًا، أو خبزًا وزيتًا، أو خبزًا وسمنًا، أو خبزًا وتمرًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين. في كفارة اليمين قال: أكلة واحدة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن كفارة اليمين فقال: رغيفين وعرق لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سفيان الثوري عن جابر قال: قيل للشعبي أردد على مسكين واحد. قال: لا يجزيك إلا عشرة مساكين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن. أنه كان لا يرى بأسًا أن يطعم مسكينًا واحدًا عشر مرات في كفارة اليمين.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من عسركم ويسركم.
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتًا فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتًا فيه شدة، فنزلت {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتًا فيه فضل، وبعضهم يقوت قوتًا دون ذلك، فقال الله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} ليس بأرفعه ولا أدناه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من أوسط ما نطعم أهلينا الخبز والتمر، والخبز والزيت، والخبز والسمن، ومن أفضل ما نطعمهم الخبز واللحم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال: كانوا يقولون: أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والسمن، وأخسه الخبز والتمر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: كان أهل المدينة يفضلون الحر على العبد، والكبير على الصغير، يقولون: الصغير على قدره والكبير على قدره، فنزلت {من أوسط ما تطعمون أهليكم} فأمروا بأوسط من ذلك ليس بأرفعه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {من أوسط} يعني من أعدل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {من أوسط} قال: من أمثل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: قوتهم، والطعام صاع من كل شيء إلا الحنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: كل شيء فيه إطعام مسكين فهو مد بمد أهل مكة.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {أو كسوتهم} قال: «عباءة لكل مسكين».
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال «قلنا يا رسول الله: {أو كسوتهم} ما هو؟ قال: عباءة».