فصل: تفسير الآية رقم (90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أو كسوتهم} قال: عباءة لكل مسكين أو شملة.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {أو كسوتهم} قال: ثوب ثوب لكل إنسان، وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الكسوة ثوب أو إزار.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {أو كسوتهم} قال: القميص أو الرداء أو الإزار. قال: ويجزي في كفارة اليمين كل ثوب إلا التبان أو القلنسوة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد {أو كسوتهم} قال: أدناه ثوب، وأعلاه ما شئت.
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب {أو كسوتهم} قال: إزار وعمامة.
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري قال: السراويل لا يجزي، والقلنسوة لا تجزي.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين. أنه سئل عن قوله: {أو كسوتهم} قال: لو أن وفدًا قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة قلتم قد كسوا.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء. في الرجل يكون عليه الكفارة من اليمين فيكسو خمس مساكين، ويطعم خمسة أن ذلك جائز؟.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ «إطعام عشرة مساكين أو كاسوتهم» ثم قال سعيد: أو كاسوتهم في الطعام.
أما قوله تعالى: {أو تحرير رقبة}.
وأخرج ابن أبو شيبة وأبو الشيخ عن الحسن قال: لا يجزي الأعمى ولا المقعد في الرقبة.
وأخرج أبو الشيخ عن فضالة بن عبيد قال: يجزي ولد الزنا في الرقبة الواجبة.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء بن أبي رياح قال: تجزي الرقبة لصغيرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن: أنه كان لا يرى عتق الكافر في شيء من الكفارات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: لا يجزي ولد الزنا في الرقبة، ويجزئ اليهودي والنصراني في كفارة اليمين. والله تعالى أعلم.
أما قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس. في آية كفارة اليمين قال: هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة، الأول فالأوّل، فإن لم يجد شيئًا من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله نحن بالخيار؟ قال: «أنت بالخيار، إن شئت أعتقت، وإن شئت كسوت، وإن شئت أطعمت، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: من كان عنده درهمان فعليه أن يطعم في الكفارة.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: إذا كان عنده خمسون درهمًا فهو ممن يجد ويجب عليه الإطعام، وإن كانت أقل فهو ممن لا يجد ويصوم.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي قال: إذا كان عنده عشرون درهمًا فعليه أن يطعم في الكفارة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب. أنه كان يقرأها {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}.
وأخرج مالك والبيهقي عن حميد بن قيس المكي قال: كنت أطوف مع مجاهد، فجاءه إنسان يسأله عن صيام الكفارة أيتابع؟ قال حميد: فقلت: لا. فضرب مجاهد في صدري، ثم قال: إنها في قراءة أبي بن كعب {متتابعات}.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري وأبو الشيخ والبيهقي من طرق عن ابن مسعود. أنه كان يقرأها {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} قال سفيان: ونظرت في مصحف ربيع بن خيثم، فرأيت فيه {فمن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيام متتابعات}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن متتابعات.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان يقرأها {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كل صوم في القرآن فهو متتابع، إلاَّ قضاء رمضان فإنه عدة من أيام أخر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي. أنه كان لا يفرق في صيام اليمين ثلاثة أيام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن. إنه كان يقول في صوم كفارة اليمين: يصومه متتابعات، فإن أفطر من عذر يقضي يومًا مكان يوم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {ذلك} يعني الذي ذكر من الكفارة {كفارة أيمانكم إذا حلفتم} يعني اليمين العمد {واحفظوا أيمانكم} يعني لا تعمدوا الأيمان الكاذبة {كذلك} يعني هكذا {يبين الله لكم آياته} يعني ما ذكر من الكفارة {لعلكم تشكرون} فمن صام من كفارة اليمين يومًا أو يومين ثم وجد ما يطعم فليطعم، ويجعل صومه تطوّعًا.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن أبي شيبة وابن مردويه عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا حلف لم يحنث، حتى نزلت آية الكفارة، فكان بعد ذلك يقول: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وقبلت رخصة الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: من حلف على ملك يمين ليضربه فكفارته تركه، ومع الكفارة حسنة.
وأخرج أبو الشيخ عن جبير بن مطعم. أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم، وقال: ورب هذه القبلة لو حلفت لحلفت صادقًا، وإنما هو شيء افتديت به يميني.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي نجيح. أن ناسًا من أهل البيت حلفوا عند البيت خمسين رجلًا قسامة، فكأنهم حلفوا على باطل، ثم خرجوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق قالوا تحت صخرة، فبينما هم قائلون تحتها إذ انقلبت الصخرة عليهم، فخرجوا يشتدون من تحتها، فانفلقت خمسين فلقة، فقتلت كل فلقة رجلًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (90):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم بيان حال المأكل وكان داعية إلى المشرب، احتيج إلى بيانه، فبين تعالى المحرم منه.
فعلم أن ما عداه مأذون في التمتع به، وذلك محاذٍ في تحريم شيء مقترن باللازم بعد إحلال آخر لما في أول السورة من تحريم الميتة وما ذكر معها بعد إحلال بهيمة الأنعام وما معها، فقال تعالى مذكرًا لهم بما أقروا به من الإيمان الذي معناه الإذعان: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا به.
ونبههم على ما يريد العدو بهم من الشر بقوله تعالى: {إنما الخمر} وهي كل ما أسكر سواء فيه قليله وكثيره، وأضاف إليها ما واخاها في الضرر دينًا ودنيا وفي كونه سببًا للخصام وكثرة اللغط المقتضي للحلف والإقسام تأكيدًا لتحريم الخمر بالتنبيه على أن الكل من أفعال الجاهلية، فلا فرق بين شاربها والذابح على النصب والمعتمد على الأزلام فقال: {والميسر} أي الذي تقدم ذكره في البقرة {والأنصاب والأزلام} المتقدم أيضًا ذكرُهما أول السورة، والزلم: القدح لا ريش له- قاله البخاري؛ وحكمة ترتيبها هكذا أنه لما كانت الخمر غاية في الحمل على إتلاف المال، قرن بها ما يليها في ذلك وهو القمار، ولما كان الميسر مفسدة المال، قرن به مفسدة الدين وهي الأنصاب، ولما كان تعظيم الأنصاب شركًا جليًا إن عبدت، وخفيًا إن ذبح عليها دون عبادة، قرن بها نوعًا من الشرك الخفي وهو الاستقسام بالأزلام: ثم أمر باجتناب الكل إشارة وعبارة على أتم وجه فقال: {رجس} أي قذر أهل لأن يبعد عنه بكل اعتبار حتى عن ذكره سواء كان عينًا أو معنى، وسواء كانت الرجسية في الحس أو المعنى، ووحد الخبر للنص على الخمر والإعلام بأن أخبار الثلاثة حذفت وقدرت، لأنها أهل لأن يقال في كل واحد منها على حدتها كذلك ولا يكفي عنها خبر واحد على سبيل الجمع؛ ثم زاد في التنفير عنها تأكيدًا لرجسيتها بقوله: {من عمل الشيطان} أي المحترق البعيد، ثم صرح بما اقتضاه السياق من الاجتناب فقال: {فاجتنبوه} أي تعمدوا أن تكونوا عنه في جانب آخر غير جانبه.
وأفرد لما تقدم من الحِكَم، ثم علل بما يفهم أنه لا فوز بشيء من المطالب مع مباشرتها فقال: {لعلكم تفلحون} أي تظفرون بجميع مطالبكم، روى البخاري في التفسير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء» وفي رواية: «نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب» وفي رواية عنه: «سمعت عمر على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب- وفي رواية: من الزبيب- والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل» وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا، وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانًا وفلانًا إذ جاء رجل فقال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس! فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل» وفي رواية عنه: «حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلًا، وعامة خمرنا البسر والتمر» قال الأصبهاني: وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع، ووجه اتصاله بما قبله أنه تعالى قال فيما تقدم {لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} إلى قوله: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حلالا طَيّبًا} [المائدة: 87، 88] ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر لا جرم أنه تعالى بيّن أنهما غير داخلين في المحللات، بل في المحرمات.
واعلم أنا قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله: {وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام} [المائدة: 3] فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع.
وفي اشتقاق لفظ الخمر وجهان: الأول: سميت الخمر خمرًا لأنها خامرت العقل، أي خالطته فسترته، والثاني: قال ابن الأعرابي: تركت فاختمرت، أي تغير ريحها، والميسر هو قمارهم في الجزور، والأنصاب هي آلهتهم التي نصبوها يعبدونها، والأزلام سهام مكتوب عليها خير وشر.
واعلم أنه تعالى وصف هذه الأقسام الأربعة بوصفين: الأول: قوله: {رِجْسٌ} والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل.
يقال: رجس الرجل رجسًا ورجس إذا عمل عملًا قبيحًا، وأصله من الرجس بفتح الراء، وهو شدة الصوت.
يقال: سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد فكان الرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح.
الوصف الثاني: قوله: {مِنْ عَمَلِ الشيطان} وهذا أيضًا مكمل لكونه رجسًا لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر والكافر نجس لقوله: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث لقوله: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] وأيضًا كل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد من تلك الإضافة المبالغة في كمال قبحه.
قال تعالى: {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ قَالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان} [القصص: 15] ثم إنه تعالى لما وصف هذه الأربعة بهذين الوصفين قال: {فاجتنبوه} أي كونوا جانبًا منه، والهاء عائدة إلى ماذا- فيه وجهان: الأول: أنها عائدة إلى الرجس، والرجس واقع على الأربعة المذكورة، فكان الأمر بالاجتناب متناولًا للكل.
الثاني: أنها عائدة إلى المضاف المحذوف، كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: {رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان}. اهـ.