فصل: من فوائد سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ بَدْرًا، وَهُوَ خَالُ ابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ زَادَ الْبَرْقَانِيُّ: فَقَدِمَ الْجَارُودُ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ قَدْ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَإِنِّي إذَا رَأَيْت حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى حُقَّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إلَيْك.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَنْ يَشْهَدُ لِي عَلَى مَا تَقُولُ؟» فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَدَعَا عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «عَلَامَ تَشْهَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»؟ فَقَالَ: «لَمْ أَرَهُ حِينَ شَرِبَ، وَقَدْ رَأَيْته سَكْرَانَ يَقِيءُ».
فَقَالَ عُمَرُ: «لَقَدْ تَنَطَّعْت فِي الشَّهَادَةِ».
ثُمَّ كَتَبَ عُمَرَ إلَى قُدَامَةَ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا قَدِمَ قُدَامَةُ وَالْجَارُودُ بِالْمَدِينَةِ كَلَّمَ الْجَارُودُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ: «أَشَهِيدٌ أَنْتَ أَمْ خَصْمٌ»؟ فَقَالَ الْجَارُودُ: أَنَا شَهِيدٌ.
قَالَ: «قَدْ كُنْت أَدَّيْت الشَّهَادَةَ».
فَسَكَتَ الْجَارُودُ، ثُمَّ قَالَ: لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي أَنْشُدُك اللَّهَ.
فَقَالَ عُمَرُ: «أَمَا وَاَللَّهِ لَتَمْلِكَنَّ لِسَانَك أَوْ لَأَسُوءَنَّكَ».
فَقَالَ الْجَارُودُ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا ذَلِكَ بِالْحَقِّ أَنْ يَشْرَبَ ابْنُ عَمِّك وَتَسُوءَنِي: فَتَوَعَّدَهُ عُمَرُ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ جَالِسٌ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ كُنْت تَشُكُّ فِي شَهَادَتِنَا فَسَلْ بِنْتَ الْوَلِيدِ امْرَأَةَ ابْنِ مَظْعُونٍ».
فَأَرْسَلَ عُمَرُ إلَى هِنْدَ يَنْشُدُهَا بِاَللَّهِ، فَأَقَامَتْ هِنْدُ عَلَى زَوْجِهَا قُدَامَةَ الشَّهَادَةَ.
فَقَالَ عُمَرُ: «يَا قُدَامَةُ؛ إنِّي جَالِدُك».
فَقَالَ قُدَامَةُ: وَاَللَّهِ لَوْ شَرِبْت كَمَا تَقُولُونَ مَا كَانَ لَك أَنْ تَجْلِدَنِي يَا عُمَرُ.
قَالَ: «لِمَ يَا قُدَامَةُ؟» قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ إلَى: {الْمُحْسِنِينَ}.
فَقَالَ عُمَرُ: «إنَّك أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ؛ إذَا اتَّقَيْت اللَّهَ اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ».
ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: «مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟» فَقَالَ الْقَوْمُ: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا دَامَ وَجِعًا، فَسَكَتَ عُمَرُ عَنْ جَلْدِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ عَلَى جَلْدِهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟» فَقَالُوا: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا دَامَ وَجِعًا.
فَقَالَ عُمَرُ: «إنَّهُ وَاَللَّهِ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ تَحْتَ السَّوْطِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَهِيَ فِي عُنُقِي، وَاَللَّهِ لَأَجْلِدَنَّهُ، ائْتُونِي بِسَوْطٍ».
فَجَاءَ مَوْلَاهُ أَسْلَمُ بِسَوْطٍ رَقِيقٍ صَغِيرٍ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لِأَسْلَمَ: «قَدْ أَخَذْتُك بِإِقْرَارِ أَهْلِكَ، ائْتُونِي بِسَوْطٍ غَيْرِ هَذَا».
قَالَ: فَجَاءَهُ أَسْلَمُ بِسَوْطٍ تَامٍّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ، فَغَاضَبَ قُدَامَةُ عُمَرَ وَهَجَرَهُ، فَحَجَّا وَقُدَامَةُ مُهَاجِرٌ لِعُمَرَ، حَتَّى قَفَلُوا مِنْ حَجِّهِمْ، وَنَزَلَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا وَقَامَ بِهَا؛ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ قَالَ: «عَجِّلُوا عَلَيَّ بِقُدَامَةَ، انْطَلِقُوا فَأْتُونِي بِهِ، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ جَاءَنِي آتٍ فَقَالَ لِي: سَالِمْ قُدَامَةُ فَإِنَّهُ أَخُوكَ».
فَلَمَّا جَاءُوا قُدَامَةَ أَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ؛ فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ أَنْ يُجَرَّ إلَيْهِ جَرًّا حَتَّى كَلَّمَهُ عُمَرُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ صُلْحِهِمَا.
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعُمَرَ فِي حَدِيثِ الْبَرْقَانِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَبَسْطُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَاتَّقَى اللَّهَ فِي غَيْرِهِ لَا يُحَدُّ عَلَى الْخَمْرِ مَا حُدَّ أَحَدٌ، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَفْسَدِ تَأْوِيلٍ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى قُدَامَةَ، وَعَرَفَهُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهُ كَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنَّ حَرَامًا لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيًا عَلَى شَجْوِهِ إلَّا بَكَيْت عَلَى عُمَرَ. اهـ.

.من فوائد سيد قطب في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
وفي سياق قضية التشريع بالتحريم والتحليل، وفي خط التربية للأمة المسلمة في المدينة، وتخليصها من جو الجاهلية ورواسبها وتقاليدها الشخصية والاجتماعية، يجيء النص القاطع الأخير في تحريم الخمر والميسر مقرونين إلى تحريم الأنصاب والأزلام. أي إلى الشرك بالله.
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين. ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين}.
لقد كانت الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من معالم الحياة الجاهلية، ومن التقاليد المتغلغلة في المجتمع الجاهلي. وكانت كلها حزمة واحدة ذات ارتباط عميق في مزاولتها، وفي كونها من سمات ذلك المجتمع وتقاليده.. فلقد كانوا يشربون الخمر في إسراف، ويجعلونها من المفاخر التي يتسابقون في مجالسها ويتكاثرون؛ ويديرون عليها فخرهم في الشعر ومدحهم كذلك! وكان يصاحب مجالس الشراب نحر الذبائح واتخاذ الشواء منها للشاربين وللسقاة ولأحلاس هذه المجالس ومن يلوذون بها ويلتفون حولها! وكانت هذه الذبائح تنحر على الأنصاب وهي أصنام لهم كانوا يذبحون عليها ذبائحهم وينضحونها بدمها «كما كانت تذبح عليها الذبائح التي تقدم للآلهة أي لكهنتها!». وفي ذبائح مجالس الخمر وغيرها من المناسبات الاجتماعية التي تشبهها كان يجري الميسر عن طريق الأزلام. وهي قداح كانوا يستقسمون بها الذبيحة، فيأخذ كل منهم نصيبه منها بحسب قدحه. فالذي قدحه «المعلى» يأخذ النصيب الأوفر، وهكذا حتى يكون من لا نصيب لقدحه. وقد يكون هو صاحب الذبيحة فيخسرها كلها!
وهكذا يبدو تشابك العادات والتقاليد الاجتماعية؛ ويبدو جريانها كذلك وفق حال الجاهلية وتصوراتها الاعتقادية.
ولم يبدأ المنهج الإسلامي في معالجة هذه التقاليد في أول الأمر، لأنها إنما تقوم على جذور اعتقادية فاسدة؛ فعلاجها من فوق السطح قبل علاج جذورها الغائرة جهد ضائع. حاشا للمنهج الرباني أن يفعله! إنما بدأ الإسلام من عقدة النفس البشرية الأولى. عقدة العقيدة. بدأ باجتثاث التصور الجاهلي الاعتقادي جملة من جذوره؛ وإقامة التصور الإسلامي الصحيح. إقامته من أعماق القاعدة المرتكزة إلى الفطرة.. بيّن للناس فساد تصوراتهم عن الألوهية وهداهم إلى الإله الحق. وحين عرفوا إلهم الحق بدأت نفوسهم تستمع إلى ما يحبه منهم هذا الإله الحق وما يكرهه. وما كانوا قبل ذلك ليسمعوا! أو يطيعوا أمرًا ولا نهيًا؛ وما كانوا ليقلعوا عن مألوفاتهم الجاهلية مهما تكرر لهم النهي وبذلت لهم النصيحة.. إن عقدة الفطرة البشرية هي عقدة العقيدة؛ وما لم تنعقد هذه العقدة أولًا فلن يثبت فيها شيء من خلق أو تهذيب أو إصلاح اجتماعي.
إن مفتاح الفطرة البشرية ها هنا. وما لم تفتح بمفتاحها فستظل سراديبها مغلقة ودروبها ملتوية، وكما كشف منها زقاق انبهمت أزقة؛ وكلما ضاء منها جانب أظلمت جوانب، وكلما حلت منها عقدة تعقدت عقد، وكلما فتح منها درب سدت دروب ومسالك.. إلى ما لا نهاية..
لذلك لم يبدأ المنهج الإسلامي في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها، من هذه الرذائل والانحرافات.. إنما بدأ من العقيدة.. بدأ من شهادة أن لاإله إلا الله.. وطالت فترة إنشاء لا إله إلا الله هذه في الزمن حتى بلغت نحو ثلاثة عشر عامًا، لم يكن فيها غاية إلا هذه الغاية! تعريف الناس بإلههم الحق وتعبيدهم له وتطويعهم لسلطانه.. حتى إذا خلصت نفوسهم لله؛ وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره الله.. عندئذ بدأت التكاليف- بما فيها الشعائر التعبدية- وعندئذ بدأت عملية تنقية رواسب الجاهلية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والسلوكية.. بدأت في الوقت الذي يأمر الله فيطيع العباد بلا جدال. لأنهم لا يعلمون لهم خيرة فيما يأمر الله به أو ينهى عنه أيًا كان!
أو بتعبير آخر: لقد بدأت الأوامر والنواهي بعد «الإسلام».. بعد الاستسلام.. بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء.. بعد أن لم يعد يفكر في أن يكون له إلى جانب أمر الله رأي أو اختيار.. أو كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» تحت عنوان: «انحلت العقدة الكبرى»:
«.. انحلت العقدة الكبرى.. عقدة الشرك والكفر.. فانحلت العقد كلها؛ وجاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي؛ وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة. وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى؛ ولا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضى؛ ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى. حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم؛ وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد.. نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم؛ فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة؛ وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة».
ومع هذا فلم يكن تحريم الخمر وما يتصل بها من الميسر أمرًا مفاجئًا.. فلقد سبقت هذا التحريم القاطع مراحل وخطوات في علاج هذه التقاليد الاجتماعية المتغلغلة، المتلبسة بعادات النفوس ومألوفاتها، والمتلبسة كذلك ببعض الجوانب الاقتصادية وملابساتها.
لقد كانت هذه هي المرحلة الثالثة أو الرابعة في علاج مشكلة الخمر في المنهج الإسلامي:
كانت المرحلة الأولى مرحلة إطلاق سهم في الاتجاه حين قال الله سبحانه في سورة النحل المكية: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا...} فكانت أول ما يطرق حس المسلم من وضع السكر «وهو المخمر» في مقابل الرزق الحسن.. فكأنما هو شيء والرزق الحسن شيء آخر.
ثم كانت الثانية بتحريك الوجدان الديني عن طريق المنطق التشريعي في نفوس المسلمين حين نزلت التي في سورة البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر. قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى ما دام الإثم أكبر من النفع. إذ أنه قلما يخلو شيء من نفع؛ ولكن حله أو حرمته إنما ترتكز على غلبة الضر أو النفع.
ثم كانت الثالثة بكسر عادة الشراب، وإيقاع التنافر بينها وبين فريضة الصلاة حين نزلت التي في النساء: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} والصلاة في خمسة أوقات معظمها متقارب؛ ولا يكفي ما بينها للسكر ثم الإفاقة. وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشراب- وخاصة عادة الصبوح في الصباح والغبوق بعد العصر أو المغرب كما كانت عادة الجاهليين- وفيه كسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي. وفيه- وهو أمر له وزنه في نفس المسلم- ذلك التناقض بين الوفاء بفريضة الصلاة في مواعيدها والوفاء بعادة الشراب في مواعيدها!
ثم كانت هذة الرابعة الحاسمة والأخيرة، وقد تهيأت النفوس لها تهيؤًا كاملًا فلم يكن إلا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية والإذعان:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء. فنزلت التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء. فنزلت التي في النساء: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى..} الآية.. فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء. فنزلت التي في المائدة: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: «انتهينا. انتهينا». أخرجه أصحاب السنن.