فصل: من فوائد ابن كثير في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن كثير في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ...} الآية.
يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر، وهو القمار.
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: الشَطْرَنج من الميسر. رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن عُبَيس بن مرحوم، عن حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن لَيْث، عن عطاء ومجاهد وطاوس- قال سفيان: أو اثنين منهم- قالوا: كل شيء من القمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز.
ورُوي عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب وقالا حتى الكعاب، والجوز، والبيض التي تلعب بها الصبيان، وقال موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.
وقال الضحاك، عن ابن عباس قال: الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة.
وقال مالك، عن داود بن الحُصَيْن: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين.
وقال الزهري، عن الأعرج قال: الميسر والضرب بالقداح على الأموال والثمار.
وقال القاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو من الميسر.
رواهن ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا هذه الكِعَاب الموسومة التي يزجر بها زجرًا فإنها من الميسر». حديث غريب.
وكأن المراد بهذا هو النرد، الذي ورد في الحديث به في صحيح مسلم، عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغ يده في لحم خنزير ودَمه». وفي موطأ مالك ومسند أحمد، وسنني أبي داود وابن ماجه، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله». وروي موقوفًا عن أبي موسى من قوله، فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا الجُعَيْد، عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي، أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول: أخبرني، ما سمعت أباك يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل الذي يلعب بالنرد، ثم يقوم فيصلي، مثل الذي يتوضأ بالقَيْح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي».
وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر: أنه شرّ من النرد. وتقدم عن علي أنه قال: هو من الميسر، ونص على تحريمه مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وكرهه الشافعي، رحمهم الله تعالى.
وأما الأنصاب، فقال ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وغير واحد: هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها.
وأما الأزلام فقالوا أيضًا: هي قداح كانوا يستقسمون بها.
وقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي سَخَط من عمل الشيطان. وقال سعيد بن جبير: إثم. وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان.
{فَاجْتَنِبُوهُ} الضمير عائد على الرجس، أي اتركوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهذا ترغيب.
ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وهذا تهديد وترهيب.
ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر:
قال الإمام أحمد: حدثنا سُرَيج حدثنا أبو مَعْشَر، عن أبي وَهْب مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فأنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} إلى آخر الآية [البقرة: 219]. فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خلط في قراءته، فأنزل الله عز وجل آية أغلظ منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وكان الناس يشربون، حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق. ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قالوا: انتهينا ربنا. وقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وناس ماتوا على سرفهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسًا من عمل الشيطان؟ فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} إلى آخر الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم». انفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا خَلَف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مَيْسَرة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بَيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فَدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: ألا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قال عمر: انتهينا.
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عَمْرو بن عبد الله السَّبِيعي وعن أبي ميسرة- واسمه عمرو بن شُرَحبيل الهمداني- عن عُمَر، به. وليس له عنه سواه، قال أبو زُرْعَة: ولم يسمع منه. وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي.
وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنْطَة، والشعير، والخمر ما خامر العقل.
وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن بِشْر، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدثني نافع، عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب.
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن أبي حميد، عن المصري- يعني أبا طعمة قارئ مصر- قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء نزل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية [البقرة: 219] فقيل: حرمت الخمر. فقالوا: يا رسول الله، ننتفع بها كما قال الله تعالى. قال: فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]. فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم ثم نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت الخمر».
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يعلى، حدثنا محمد بن إسحاق، عن القعقاع بن حكيم؛ أن عبد الرحمن بن وَعْلَة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر، فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف- أو: من دوس- فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فلان، أما علمت أن الله حرمها؟» فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فلان، بماذا أمرته؟» فقال: أمرته أن يبيعها. قال: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها». فأمر بها فأفرغت في البطحاء.
رواه مسلم من طريق ابن وَهْب، عن مالك، عن زيد بن أسلم. ومن طريق ابن وهب أيضًا، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد كلاهما- عن عبد الرحمن بن وَعْلَة، عن ابن عباس، به. ورواه النسائي، عن قتيبة، عن مالك، به.
حديث آخر: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر، فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال: «إنها قد حرمت بعدك». قال: يا رسول الله، فأبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، حرم عليهم شُحُوم البقر والغنم، فأذابوه، وباعوه، والله حَرّم الخمر وثمنها».
وقد رواه أيضًا الإمام أحمد فقال: حدثنا رَوْح، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرام قال: سمعت شهر بن حوشب قال: حدثني عبد الرحمن بن غَنْم: أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر، فلما كان عام حُرّمت جاء براوية، فلما نظر إليه ضحك فقال أشعرت أنها حرمت بعدك؟ فقال: يا رسول الله، ألا أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، انطلقوا إلى ما حُرّم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه، فباعوه به ما يأكلون، وإن الخمر حرام وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام».
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا قُتَيْبَةُ بن سعيد، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن نافع بن كَيسان أن أباه أخبره أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق، يريد بها التجارة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئتك بشراب طيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا كيسان، إنها قد حرمت بعدك». قال: فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها قد حرمت وحرم ثمنها». فانطلق كيسان إلى الزقاق، فأخذ بأرجلها ثم هراقها.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيي بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبي بن كَعْب، وسُهَيْل بن بيضاء، ونفرًا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب يأخذ منهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فما قالوا: حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس اكف ما بقي في إنائك، فوالله ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذ.
أخرجاه في الصحيحين- من غير وجه- عن أنس وفي رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنتُ ساقي القوم يوم حُرّمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفَضيخ البسرُ والتمرُ، فإذا مناد ينادي، قال: اخرج فانظر. فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت، فَجرت في سِكَكِ المدينة، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فَأهْرقها. فهرقتها، فقالوا- أو: قال بعضهم: قُتل فلان وفلان وهي في بطونهم. قال: فأنزل الله: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.