فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
لو حكم عدلان بمثل، وحكم عدلان آخران بمثل آخر، فيه وجهان: أحدهما: يتخير، والثاني: يأخذ بالأغلظ.
فصل:
قال بعض مثبتي القياس: دلت الآية على أن العمل بالقياس والاجتهاد جائز لأنه تعالى فوّض تعيين المثل إلى اجتهاد الناس وظنونهم وهذا ضعيف لأنه لا شك أن الشارع تعبدنا بالعمل بالظن في صور كثيرة.
منها: الاجتهاد في القبلة، ومنها: العمل بشهادة الشاهدين ومنها: العمل بتقويم المقومين في قيم المتلفات وأروش الجنايات، ومنها: العمل بتحكيم الحكام في تعيين مثل المصيد المقتول، كما في هذه الآية، ومنها: عمل العامي بالفتوى.
ومنها: العمل بالظن في مصالح الدنيا.
إلا أنا نقول: إن ادعيتم أن تشبيه صورة شرعية بصورة شرعية في الحكم الشرعي هو عين هذه المسائل التي عددناها فذلك باطل في بديهة العقل، وإن سلمتم المغايرة لم يلزم، من كون الظن حجة في تلك الصور، كونه حجة في مسألة القياس، إلا إذا قسنا هذه المسألة على تلك المسائل وذلك يقتضي إثبات القياس بالقياس، وهو باطل.
وأيضًا فالفرق ظاهر بين البابين، لأن في جميع الصور المذكورة الحكم إنما ثبت في حق شخص واحد في زمان واحد في واقعة واحدة.
وأما الحكم الثابت بالقياس فإنه شرع عام في حق جميع المكلفين باق على وجه الدهر والتنصيص على أحكام الأشخاص الجزئية متعذر.
وأما التنصيص على الأحكام الكلية والشرائع العامة الباقية إلى آخر الدهر غير متعذر.
فظهر الفرق والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {هَدْيًا بالغ الكعبة} في الآية وجهان:
الأول: أن المعنى يحكمان به هديًا يساق إلى الكعبة فينحر هناك، وهذا يؤكد قول من أوجب المثل من طريق الخلقة لأنه تعالى لم يقل يحكمان به شيئًا يشتري به هدي وإنما قال يحكمان به هديًا وهذا صريح في أنهما يحكمان بالهدي لا غير.
الثاني: أن يكون المعنى يحكمان به شيئًا يشتري به ما يكون هديًا، وهذا بعيد عن ظاهر اللفظ، والحق هو الأول.
وقوله: {هَدْيًا} نصب على الحال من الكناية في قوله: {بِهِ} والتقدير يحكم بذلك المثل شاة أو بقرة أو بدنة فالضمير في قوله: {بِهِ} عائد إلى المثل والهدي حال منه، وعند التفطن لهذين الاعتبارين فمن الذي يرتاب في أن الواجب هو المثل من طريق الخلقة والله أعلم. اهـ.
وقال الفخر:
معنى بلوغه الكعبة، أن يذبح بالحرم فإن دفع مثل الصيد المقتول إلى الفقراء حيًا لم يجز بل يجب عليه ذبحه في الحرم، وإذا ذبحه في الحرم.
قال الشافعي رحمه الله: يجب عليه أن يتصدق به في الحرم أيضًا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: له أن يتصدق به حيث شاء، وسلم الشافعي أن له أن يصوم حيث شاء، لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم.
حجة الشافعي: أن نفس الذبح إيلام، فلا يجوز أن يكون قربة، بل القربة هي إيصال اللحم إلى الفقراء، فقوله: {هَدْيًا بالغ الكعبة} يوجب إيصال تلك الهدية إلى أهل الحرم والكعبة.
وحجة أبي حنيفة رحمه الله: أنها لما وصلت إلى الكعبة فقد صارت هديًا بالغ الكعبة، فوجب أن يخرج عن العهدة. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مساكين أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا}
قرأ نافع وابن عامر {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ} على إضافة الكفارة إلى الطعام، والباقون {أَوْ كَفَّارَةٌ} بالرفع والتنوين طعام بالرفع من غير التنوين، أما وجه القراءة الأولى: فهي أنه تعالى لما خير المكلف بين ثلاثة أشياء: الهدي، والصيام، والطعام، حسنت الإضافة، فكأنه قيل كفارة طعام لا كفارة هدي، ولا كفارة صيام، فاستقامت الإضافة لكون الكفارة من هذه الأشياء، وأما وجه قراءة من قرأ {أَوْ كَفَّارَةٌ} بالتنوين، فهو أنه عطف على قوله: {فَجَزَاء} و{طَعَامُ مساكين} عطف بيان، لأن الطعام هو الكفارة ولم تضف الكفارة إلى الطعام، لأن الكفارة ليست للطعام، وإنما الكفارة لقتل الصيد. اهـ.
وقال الفخر:
قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله: كلمة {أَوْ} في هذه الآية للتخيير، وقال أحمد وزفر: إنها للترتيب.
حجة الأولين أن كلمة «أو» في أصل اللغة للتخيير، والقول بأنها للترتيب ترك للظاهر.
حجة الباقين: أن كلمة «أو» قد تجيء لا لمعنى للتخيير، كما في قوله تعالى: {أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خلاف} [المائدة: 33] فإن المراد منه تخصيص كل واحد من هذه الأحكام بحالة معينة، فثبت أن هذا اللفظ يحتمل الترتيب، فنقول: والدليل دل على أن المراد هو الترتيب، لأن الواجب هاهنا شرع على سبيل التغليظ بدليل قوله: {لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} والتخيير ينافي التغليظ.
والجواب: أن إخراج المثل ليس أقوى عقوبة من إخراج الطعام، فالتخيير لا يقدح في القدر الحاصل من العقوبة في إيجاب المثل.
فصل:
إذا قتل صيدًا له مثل قال الشافعي رحمه الله: هو مخير بين ثلاثة أشياء: إن شاء أخرج المثل، وإن شاء قوم المثل بدراهم، ويشتري بها طعامًا ويتصدق به، وإن شاء صام، وأما الصيد الذي لا مثل له، فهو مخير فيه بين شيئين، بين أن يقوم الصيد بالدراهم ويشتري بتلك الدراهم طعامًا ويتصدق به، وبين أن يصوم، فعلى ما ذكرنا الصيد الذي له مثل إنما يشتري الطعام بقيمة مثله.
وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: إنما يشتري الطعام بقيمته: حجة الشافعي أن المثل من النعم هو الجزاء والطعام بناء عليه فيعدل به كما يعدل عن الصوم بالطعام، وأيضًا تقويم مثل الصيد أدخل في الضبط من تقويم نفس الصيد، وحجة أبي حنيفة رحمه الله: أن مثل المتلف إذا وجب اعتبر بالمتلف لا بغيره ما أمكن، والطعام إنما وجب مثلًا للمتلف فوجب أن يقدر به.
فصل:
اختلفوا في موضع التقويم: فقال أكثر الفقهاء: إنما يقوم في المكان الذي قتل الصيد فيه.
وقال الشعبي: يقوم بمكة بثمن مكة لأنه يكفر بها. اهـ. باختصار يسير.
وقال الفخر:
قال الفراء: العدل ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل المثل، تقول عندي عدل غلامك أو شاتك إذا كان عندك غلام يعدل غلامًا أو شاة تعدل شاة، أما إذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت عدل.
وقال أبو الهيثم: العدل المثل، والعدل القيمة، والعدل اسم حمل معدول بحمل آخر مسوى به، والعدل تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه.
وقال الزجاج وابن الأعرابي: العدل والعدل سواء وقوله: {صِيَامًا} نصب على التمييز، كما تقول عندي رطلان عسلا، وملء بيت قتا، والأصل فيه إدخال حرف من فيه، فإن لم يذكر نصبته.
تقول: رطلان من العسل وعدل ذلك من الصيام. اهـ.
قال الفخر:
مذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يصوم لكل مد يومًا وهو قول عطاء ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه يصوم لكل نصف صاع يومًا، والأصل في هذه المسألة أنهما توافقا على أن الصوم مقدر بطعام يوم، إلا أن طعام اليوم عند الشافعي مقدر بالمد، وعند أبي حنيفة رحمه الله مقدر بنصف صاع على ما ذكرناه في كفارة اليمين. اهـ.
قال الفخر:
زعم جمهور الفقهاء أن الخيار في تعيين أحد هذه الثلاثة إلى قاتل الصيد.
وقال محمد بن الحسن رحمه الله إلى الحكمين: حجة الجمهور أنه تعالى أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الثلاثة على التخيير، فوجب أن يكون قاتل الصيد مخيرًا بين أيها شاء، وحجة محمد رحمه الله أنه تعالى جعل الخيار إلى الحكمين فقال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْيًا} أي كذا وكذا.
وجوابنا: أن تأويل الآية {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم... أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مساكين أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا} وأما الذي يحكم به ذوا عدل فهو تعيين المثل، إما في القيمة أو في الخلقة. اهـ.
قال الفخر:
قوله تعالى: {لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}
الوبال في اللغة: عبارة عما فيه من الثقل والمكروه.
يقال: مرعى وبيل إذا كان فيه وخامة، وماء وبيل إذا لم يستمر، أو الطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا ينهضم، قال تعالى: {فأخذناه أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] أي ثقيلا. اهـ.
قال الفخر:
قوله تعالى: {عَفَا الله عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ والله عَزِيزٌ ذُو انتقام}
في الآية وجهان:
الأول: عفا الله عما مضى في الجاهلية وعما سلف قبل التحريم في الإسلام.
القول الثاني: وهو قول من لا يوجب الجزاء إلا في المرة الأولى، أما في المرة الثانية فإنه لا يوجب الجزاء عليه ويقول إنه أعظم من أن يكفره التصدق بالجزاء، فعلى هذا المراد: عفا الله عما سلف في المرة الأولى بسبب أداء الجزاء، ومن عاد إليه مرة ثانية فلا كفارة لجرمه بل ينتقم الله منه.
وحجة هذا القول: أن الفاء في وقوله: {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فاء الجزاء، والجزاء هو الكافي، فهذا يقتضي أن هذا الانتقام كاف في هذا الذنب، وكونه كافيًا يمنع من وجوب شيء آخر، وذلك يقتضي أن لا يجب الجزاء عليه. اهـ.
قال الفخر:
قال سيبويه في قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} وفي قوله: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا} [البقرة: 126] وفي قوله: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ} [الجن: 13] إن في هذه الآيات إضمارًا مقدرًا والتقدير: ومن عاد فهو ينتقم الله منه، ومن كفر فأنا أمتعه، ومن يؤمن بربه فهو لا يخاف، وبالجملة فلابد من إضمار مبتدأ يصير ذلك الفعل خبرًا عنه، والدليل عليه: أن الفعل يصير بنفسه جزاء، فلا حاجة إلى إدخال حرف الجزاء عليه فيصير إدخال حرف الفاء على الفعل لغوًا أما إذا أضمرنا المبتدأ احتجنا إلى إدخال حرف الفاء عليه ليرتبط بالشرط فلا تصير الفاء لغوًا والله أعلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} [المائدة: 2]، يعني إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة.
قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} الآية.
ذَهب جمهور العلماء إلى أن معنى هذه الآية الكريمة: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} لِقَتْلِه ذاكرًا لإِحْرامه، وخالف مجاهد- رَحمه الله- الجمهور قائلًا: إن معنى الآية: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} لِقَتْله في حال كونه ناسيًا لإحْرامه، واستدل لِذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ}، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أن مِن أنواع البيان التي تضمنها أنْ يقول بعض العلماء في الآية قولًا، ويكون فيها قرينة دالة على عدم صحّة ذلك القول. وإذا عرفت ذلك فاعلم أن في الآية قرينة واضحة دالة على عدم صحّة قول مجاهد رحمه الله، وهي قوله تعالى: {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}، فإنه يدل على أنه مُتعمِّدًا أمرًا لا يجوز، أما الناسي فهو غَير آثِم إجماعًا، فلا يناسِب أن يقال فيه: {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}، كما ترى، والعِلْم عند الله تعالى. اهـ.