فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي جميعًا، عن هشام- هو ابن حسان- عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس فيمن أصاب صيدًا فحُكم عليه ثم عاد، قال: لا يحكم عليه، ينتقم الله منه.
وهكذا قال شُرَيْح، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النَّخَعِي. رواهن ابن جرير، ثم اختار القول الأول.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا العباس بن يزيد العبدي، حدثنا المُعْتَمِر بن سليمان، عن زيد أبي المعلى، عن الحسن البصري؛ أن رجلا أصاب صيدًا، فتجوز عنه، ثم عاد فأصاب صيدًا آخر، فنزلت نار من السماء فأحرقته فهو قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}.
وقال ابن جرير في قوله: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} يقول عَزَّ ذكره: والله منيع في سلطانه لا يقهره قاهر، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة والمنعة.
وقوله: {ذُو انْتِقَامٍ} يعني: أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
والتصريح بالنهي مع كونه معلومًا لاسيما من قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبه عليه، واللام في {الصيد} للعهد حسبما سلف، وإطلاقه على غير المأكول شائع، وإلى التعميم ذهبت الإمامية، وأنشدوا لعلي كرم الله تعالى وجهه:
صيد الملوك ثعالب وأرانب ** وإذا ركبت فصيدي الأبطال

وخصه الشافعية بالمأكول قالوا: لأنه الغالب فيه عرفا، وأيد ذلك بما رواه الشيخان «خمس يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور».
وفي رواية لمسلم «والحية» بدل العقرب، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة البحث.
والحرم جمع حرام كردح جمع رداح والحرام والمحرم بمعنى والمراد به من أحرم بحج أو عمرة وإن كان في الحل وفي حكمه من كان في الحرم وإن كان حلالًا، وقيل: المراد به من كان في الحرم وإن لم يكن محرمًا بنسك وفي حكمه المحرم وإن كان في الحل، وقال أبو علي الجبائي: الآية تدل على تحريم قتل الصيد على المحرم بنسك أينما كان وعلى من في الحرم كيفما كان معا، وقال علي بن عيسى: لا تدل إلا على تحريم ذلك على الأول خاصة، ولعل الحق مع علي لا مع أبيه، وذكر القتل دون الذبح ونحوه للإيذان بأن الصيد وإن ذبح في حكم الميتة، وإلى ذلك ذهب الإمام الأعظم وأحمد ومالك رضي الله تعالى عنهم، وهو القول الجديد للشافعي رضي الله تعالى عنه، وفي القديم لا يكون في حكم الميتة ويحل أكله للغير ويحرم على المحرم.
{وَمَن قَتَلَهُ} كائنًا {مّنكُمْ} حال كونه {مُّتَعَمّدًا} أي ذاكر لإحرامه عالمًا بحرمة قتل ما يقتله ومثله من قتله خطأ للسنة.
فقد أخرج ابن جرير عن الزهري قال: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ.
وأخرج الشافعي وابن المنذر عن عمرو بن دينار قال: رأيت الناس أجمعين يغرمون في الخطأ، وقال بعضهم: التقييد به بالعمد لأنه الأصل والخطأ ملحق به قياسًا.
واعترض بأن القياس في الكفارات مختلف فيه، والحنفية لا تراه، وقيل: التقييد به لأنه المورد، فقد روي أنه عن لهم حمار وحشي فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فقيل له: قتلته وأنت محرم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية.
واعترض بأن الخبر على تقدير ثبوته إنما يدل على أن القتل من أبي اليسر كان عن قصد وهو غير العمد بالمعنى السابق إذ قد أخذ فيه العلم بالتحريم، وفعل أبي اليسر خال عن ذلك بشهادة الخبر إذ يدل أيضًا على أن حرمة قتل المحرم الصيد علمت بعد نزول الآية.
وأجيب بأنا لا نسلم أن أبا اليسر لم يكن عالمًا بالحرمة إذ ذاك.
فقد روي عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الصيد كان حرامًا في الجاهلية حيث كانوا يضربون من قتل صيدًا ضربًا شديدًا، والمعلوم من الآية كون ذلك من شرعنا، وقيل: إن العلم بالحرمة جاء من قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلّى الصيد} [المائدة: 1] ولعله أولى.
وعن داود أنه لا شيء في الخطأ أخذًا بظاهر الآية.
وروى ابن المنذر ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وابن جبير وطاوس.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال: من قتله ناسيًا لإحرامه فعليه الجزاء ومن قتله متعمدًا لقتله غير ناس لإحرامه فذاك إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وأخرج ابن جرير عن الحسن ومجاهد نحو ذلك، و{مِنْ} يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر؛ ويجوز أن تكون موصولة.
والفاء في قوله تعالى: {فَجَزَاء مّثْلُ ما قَتْلَ} جزائية على الأول وزائدة لشبه المبتدأ بالشرط الثاني.
و{جزاء} بالرفع والتنوين مبتدأ و{مَثَلُ} مرفوع على أنه صفته والخبر محذوف أي فعليه، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي فواجبه أو فالواجب عليه جزاء مماثل لما قتله.
وجوز أبو البقاء أن يكون {مَثَلُ} بدلا؛ والزجاج أن يكون {جزاء} مبتدأ و{مَثَلُ} خبره إذ التقدير جزاء ذلك الفعل أو المقتول مماثل لما قتله، وبهذا قرأ الكوفيون ويعقوب؛ وقرأ باقي السبعة برفع {جزاء} مضافًا إلى {مَثَلُ}.
واستشكل ذلك الواحدي بل قال: ينبغي أن لا يجوز لأن الجزاء الواجب للمقتول لا لمثله.
ولا يخفى أن هذا طعن في المنقول المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غاية في الشناعة، وما ذكر مجاب عنه، أما أولا فبأن {جزاء} كما قيل مصدر مضاف لمفعوله الثاني أي فعليه أن يجزي مثل ما قتل ومفعوله الأول محذوف والتقدير فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله ثم حذف المفعول الأول لدلالة الكلام عليه وأضيف المصدر إلى الثاني، وقد يقال لا حاجة إلى ارتكاب هذه المؤنة بأن يجعل مصدرًا مضافًا إلى مفعوله من غير تقدير مفعول آخر على أن معنى أن يجزي مثل أن يعطي المثل جزاء، وأما ثانيًا فبأن تجعل الإضافة بيانية أي جزاء هو مثل ما قتل، وأما ثالثًا فبأن يكون {مَثَلُ} مقحما كما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا.
واعترض هذا بأنه يفوت عليه اشتراط الممائلة بين الجزاء والمقتول وكون جزائه المحكوم به ما يقاومه ويعادله وهو يقتضي الممائلة مما لا يكاد يسلم انفهامه من هذه الجملة كما لا يخفى.
وقرأ محمد بن مقاتل بتنوين {جزاء} ونصبه ونصب {مَثَلُ} أي فليجز جزاء أو فعليه أن يجزي جزاء مثل ما قتل، وقرأ السلمي برفع {جزاء} منونًا ونصب {مَثَلُ} أما رفع {جزاء} فظاهر وأما نصب {مثل} فبجزاء أو بفعل محذوف دل جزاء عليه أي يخرج أو يؤدي مثل.
وقرأ عبد الله: {فَجَزَاؤُهُ} برفع جزاء مضافًا إلى الضمير ورفع {مثل} على الابتداء والخبرية.
والمراد عند الإمام الأعظم وأبي يوسف المثل باعتبار القيمة يقوم الصيد من حيث إنه صيد لا من حيث ما زاد عليه بالصنع في المكان الذي أصابه المحرم فيه أو في أقرب الأماكن إليه مما يباع فيه ويشرى وكذا يعتبر الزمان الذي أصابه فيه لاختلاف القيم باختلاف الأمكنة والأزمنة فإن بلغت قيمته قيمة هدي يخير الجاني بين أن يشتري بها ما قيمته قيمة الصيد فيهديه إلى الحرم وبين أن يشتري بها طعامًا فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره، ولا يجوز أن يطعم مسكينًا أقل من نصف صاع ولا يمنع أن يعطيه أكثر ولو كان كل الطعام غير أنه إن فعل أجزأ عن إطعام مسكين نصف صاع وعليه أن يكمل بحسابه ويقع الباقي تطوعًا وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يومًا فإن فضل ما لا يبلغ طعام مسكين تصدق به أو صام عنه يومًا كاملًا لأن الصوم أقل من يوم لم يعهد في الشرع وإن لم تبلغ قيمته قيمة هدي فإن بلغت ما يشتري به طعام مسكين يخير بين الإطعام والصوم وإن لم تبلغ إلا ما يشتري به مدا من الحنطة مثلًا يخير بين أن يطعم ذلك المقدار وبين أن يصوم يومًا كاملًا لما قلنا فيكون قوله تعالى: {مِنَ النعم} تفسيرًا للهدي المشتري بالقيمة على أحد وجوه التخيير فإن من فعل ذلك يصدق عليه أنه جزى بمثل ما قتل من النعم.
ونظر فيه صاحب «التقريب» لأن قراءة رفع {جزاء} و{مثل} تقتضي أن يكون الجزاء مماثلًا من النعم للصيد فإن كان الجزاء القيمة فليس مماثلًا له منها بل الجزاء قيمة يشتري بها مماثل.
وأجاب في «الكشف» بأن ما يشتري بالجزاء جزاء أيضًا فإن طعام المساكين جزاء بالإجماع وهو مشترى بالقيمة.
والحاصل أنه يصدق عليه أنه جزاء وأنه اشترى بالجزاء ولا تنافي بينهما، وادعى صاحب «الهداية» «أن {مِنَ النعم} بيان لما قتل وأن معنى الآية فجزاء هو قيمة ما قتل من النعم بجعل المثل بمعنى القيمة وحمل النعم على النعم الوحشي لأن الجزاء إنما يجب بقتله لا بقتل الحيوان الأهلي، وقد ثبت كما قال أبو عبيدة والأصمعي أن النعم كما تطلق على الأهلي في اللغة تطلق على الوحشي»، وكان كلام أبي البقاء حيث قال: يجوز أن يكون {مِنَ النعم} حالا من الضمير في {قَتْلَ} لأن المقتول يكون من النعم مبنيًا على هذا، وهو مع بعد إرادته من النظم الكريم خلاف المتبادر في نفسه، فإن المشهور أن النعم في اللغة الإبل والبقر والغنم دون ما ذكر، وقد نص على ذلك الزجاج وذكر أنه إذا أفردت الإبل قيل لها نعم أيضًا وإن أفردت البقرة والغنم لا تسمى نعمًا.
وقال محمد ونسب إلى الشافعي ومالك والإمامية أيضًا: المراد بالمثل والنظير في المنظر فيما له نظير في ذلك لا في القيمة ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة لأن الله تعالى أوجب مثل المقتول مقيدًا بالنعم فمن اعتبر القيمة فقد خالف النص لأنها ليست بنعم ولأن الصحابة كعلي كرم الله تعالى وجهه وعمر وعبد الله بن مسعود وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين أوجبوا في النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة إلى غير ذلك، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو داود «الضبع صيد وفيه شاة» وما ليس له نظير من حيث الخلقة مثل العصفور والحمام تجب فيه القيمة عند محمد كما هو عند الإمام الأعظم وصاحبه، وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه يعتبر المماثلة من حيث الصفات فأوجب في الحمام شاة لمشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب ويهدر وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر ومقاتل رضي الله تعالى عنهم، وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: أول من فدى طير الحرم بشاة عثمان رضي الله تعالى عنه، ولأبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى أطلق المثل والمثل المطلق هو المثل صورة ومعنى وهو المشارك في النوع وهو غير مراد هنا بالإجماع فبقي أن يراد المثل معنى وهو القيمة وهذا لأن المعهود في الشرع في إطلاق لفظ المثل أن يراد المشارك في النوع أو القيمة فقد قال تعالى في ضمان العدوان: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] والمراد الأعم منها أعني المماثل في النوع إذا كان المتلف مثليًا والقيمة إذا كان قيميًا بناء على أنه مشترك معنوي، والحيوانات من القيميات شرعًا إهدارًا للماثلة الكائنة في تمام الصورة فيها تغليبًا للاختلاف الباطني في أبناء نوع واحد فما ظنك إذا انتفى المشاركة في النوع أيضًا فلم يبق إلا مشاكلة في بعض الصورة كطول العنق والرجلين في النعامة مع البدنة ونحو ذلك في غيره فإذا حكم الشرع بانتفاء اعتبار المماثلة مع المشاكلة في تمام الصورة ولم يضمن المتلف بما شاركه في تمام نوعه بل بالمثل المعنوي فعند عدمها وكون المشاكلة في بعض الهيئة انتفاء الاعتبار أظهر إلا أن لا يمكن وذلك بأن يكون للفظ محمل يمكن سواه فالواجب إذا عهد المراد بلفظ في الشرع وتردد فيه في موضع يصح حمله على ذلك المعهود وغيره أن يحمل على المعهود وما نحن فيه كذلك فوجب المصير إليه وأن يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم من الحكم بالنظير على أنه كان باعتبار التقدير بالقيمة إلا أن الناس إذ ذاك لما كانوا أرباب مواش كان الأداء عليهم منها أيسر لا على معنى أنه لا يجزىء غير ذلك، وحديث التقييد بالنعم قد علمت الجواب عنه، وذكر مولانا شيخ الإسلام أن الموجب الأصلي للجناية والجزاء المماثل للمقتول إنما هو قيمته لكن لا باعتبار أن الجاني يعمد إليها فيصرفها إلى المصارف ابتداء بل باعتبار أن يجعلها معيارًا فيقدر بها إحدى الخصال الثلاث فيقيمها مقامها فقوله تعالى: {مّثْلُ مَا قَتَلَ} وصف لازم للجزاء غير مفارق عنه بحال.