فصل: تفسير الآية رقم (96):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: أنه متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه قُوَّةُ الكلامِ؛ كأنه قيل: جُوزيَ بذلِكَ لِيَذُوقَ.
الثالث: أنه متعلِّقٌ بالاستقرارِ المقدَّرِ قبل قوله: {فَجَزَاء}؛ إذ التقديرُ: فعليهِ جزاءٌ لِيَذُوقَ.
الرابع: أنه متعلِّقٌ بـ {صِيَام}، أي: صَوْمُهُ لِيَذُوقَ.
الخامس: أنه متعلِّقٌ بـ {طَعَام}، أي: طعام لِيَذُوقَ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء، وهي ضعيفةٌ جدًّا، وأجودُها الأولُ.
السادس: أنها تتعلَّقُ بـ {عَدْلُ ذَلِكَ}، نقله أبو حيان عن بعضِ المُعْرِبين، قال: «غَلَطٌ».
والوَبَالُ: سوءُ العاقبةِ وما يُخاف ضَرَرُهُ، قال الراغبُ: والوَابِلُ: المطرُ الثقيلُ القَطْرِ، ولمراعاة الثِّقَلِ، قيل للأمرِ الذي يُخاف ضَرَرُه: وَبَال، قال تعالى: فـ{ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} [الحشر: 15]، ويقال: «طَعَام وَبِيلٌ»، و«كَلأٌ وَبِيلٌ» يُخافُ وبالُه؛ قال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16]، وقال غيره: «والوبَالُ في اللغةِ؛ ثِقَلُ الشيءِ في المْكُروهِ، يقال: «مَرْعى وبَيلٌ»، إذا كان يُسْتَوْخَمُ، و«مَاءٌ وَبِيلٌ» إذا كان لا يُسْتَمْرَأ، واسْتَوْبَلْتُ الأرضَ: كرهتُها خَوْفًا من وبالِها».
والذَّوْقُ هنا استعارةٌ بليغةٌ.
قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} «من» يجوز أن تكون شرطيةً، فالفاءُ جوابُها، و«يَنْتَقِمْ» خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، أي: فهو يَنْتَقِمُ، ولا يجوز الجزمُ مع الفاءِ ألبتة، قال: سيبويه: «الفَاءُ» في قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ}، وفي قوله: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ} [البقرة: 126]، و{فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا} [الجن: 13] إنَّ في هذه الآيات إضْمَارًا مُقَدَّرًا، والتَّقدير: ومَنْ عادَ فهو ينتَقِمُ اللَّه منه ومن كفر فأنا أمتِّعُهُ، ومن يُؤمِن بربه فهو لا يَخَافُ، وبالجُمْلَةِ فلابد من إضْمَارِ مبتدأ يكونُ ذَلِكَ الفِعْلُ خَبَرًا عنه؛ لانَّ الفِعْلَ يَصِيرُ بِنَفْسِهِ جزاءً، فلا حاجَةَ إلى إدْخَال حَرْفِ الجزاءِ عليه، فيَصِيرُ إدْخال حَرْفِ «الفَاءِ» على الفِعْلِ لَغْوًا، أما إذَا أضْمَرْنا المُبْتَدَأ، احْتَجْنَا إلى إدخال «الفَاءِ» عليه؛ ليَرْتَبِطَ بالشَّرْط فلا تَصِير «الفَاء» لَغْوًا.
ويجُوزُ أن تكون «من» موصولةً، ودخلتِ الفاءُ في خبر المبتدأ، لَمَّا أشبه الشرطَ، فالفاءُ زائدةٌ، والجملةُ بعدها خبرٌ، ولا حاجَةَ إلى إضمارِ مبتدأ بعد الفاء؛ بخلافِ ما تقدَّمَ.
قال أبو البقاء: «حَسَّنَ دُخُولَ الفاءِ كونُ فِعْلِ الشرطِ مَاضِيًا لَفْظًا». اهـ. باختصار.
فصل:

.تفسير الآية رقم (96):

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا عامًا في كل صيد، بين أنه خاص بصيد البر فقال: {أحل لكم صيد البحر} أي اصطياده، أي الذي مبناه غالبًا على الحاجة، والمراد به جميع المياه من الأنهار والبرك وغيرها {وطعامه} أي مصيده طريًا وقديدًا ولو كان طافيًا قذفه البحر، وهو الحيتان بأنواعها وكل ما لا يعيش في البر، وما أكل مثله في البر.
ولما أحل ذلك ذكر علته فقال: {متاعًا لكم} أي إذا كنتم مسافرين أو مقيمين {وللسيارة} أي يتزودونه إلى حيث أرادوا من البر أو البحر، وفي تحليل صيد البحر حال الابتلاء من النعمة على هذه الأمة ما يبين فضلها على من كان قبلها ممن جعل صيد البحر له محنة يوم الابتلاء- ولله الحمد، والظاهر أن المراد بصيد البحر الفعل، لأن ثَمَّ أمرين: الاصطياد والأكل، والمراد بيان حكمهما، فكأنه أحل اصطياد حيوان البحر، وأحل طعام البحر مطلقًا ما اصطادوه وما لم يصطادوه، سواء كانوا مسافرين أو مقيمين، وذلك لأنه لما قدَّم تحريم اصطياد ما في البر بقوله: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] أتبعه بيان إحلال اصطياد مصيد البحر في حال تحريم ذلك، ثم أتبعه بيان حرمة مصيد البر بقوله: {وحرم عليكم صيد البر} أي اصطياده وأكل ما صيد منه لكم وهو ما لا عيش له إلاّ فيه، وما يعيش فيه وفي البحر، فإن صيدَ للحلال حل للمحرم أكله، فإنه غير منسوب إليه اصطياده بالفعل ولا بالقوة {ما دمتم حرمًا} لأن مبنى أمره غالبًا في الاصطياد والأكل مما صيد على الترف والرفاهية، وقد تقدم أيضًا حرمة اصطياد مصيد البر وحرمة الأكل مما صيد منه، وتكرر ذلك بتكرر الإحرام في آية {غير محلي الصيد} [المائدة: 1] وآية {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] فلا يعارضه مفهوم {ما دمتم حرمًا} [المائدة: 96] وعبر بذلك ليكون نصًا في الحرمة في كل جزء من أجزاء وقت الإحرام إلى تمام التحلل- والله أعلم، ولا يسقط الجزاء بالخطأ والجهل كسائر محظورات الإحرام.
ولما كان الاصطياد بحشر المصيد إلى حيث يعجز عن الخلاص منه، وكانت حالة الإحرام أشبه شيء بحالة الحشر في التجرد عن المخيط والإعراض عن الدنيا وتمتعاتها، ختم الآية بقوله عطفًا على ما تقديره: فلا تأكلوا شيئًا منه في حال إحرامكم: {واتقوا الله} أي الذي له الأمر كله في ذلك وفي غيره من الاصطياد وغيره {الذي إليه تحشرون} ليكون العرض عليه نصبَ أعينكم فتكونوا مواظبين على طاعته محترزين عن معصيته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

المراد بالصيد المصيد، وجملة ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس، الحيتان وجميع أنواعها حلال، والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلفوا فيما سوى هذين.
فقال أبو حنيفة رحمه الله إنه حرام.
وقال ابن أبي ليلى والأكثرون إنه حلال، وتمسكوا فيه بعموم هذه الآية، والمراد بالبحر جميع المياه والأنهار. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر} على المحرم والحلال. وهو على ثلاثة أوجه: الحيتان وأجناسها وكلها حلال، والثاني: الضفادع وأجناسها وكلها حرام. والثاني فيه قولان، أحدهما: حلال، والثاني: حرام، وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال بعضهم: كل ماكان مثاله في البر فهو حلال في البحر وما كان مثاله [جزاء ما] في البر فهو حرام في البحر.
فأراد بالبحر جميع المياه لقوله: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} [الروم: 41]. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى عطف طعام البحر على صيده والعطف يقتضي المغايرة وذكروا فيه وجوهًا:
الأول: وهو الأحسن ما ذكره أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه هذا هو الأصح مما قيل في هذا الموضع.
والوجه الثاني: أن صيد البحر هو الطري، وأما طعام البحر فهو الذي جعل مملحًا، لأنه لما صار عتيقًا سقط اسم الصيد عنه، وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومقاتل والنخعي وهو ضعيف لأن الذي صار مالحًا فقد كان طريًا وصيدًا في أول الأمر فيلزم التكرار.
والثالث: أن الاصطياد قد يكون للأكل وقد يكون لغيره مثل اصطياد الصدف لأجل اللؤلؤ، واصطياد بعض الحيوانات البحرية لأجل عظامها وأسنانها فقد حصل التغاير بين الاصطياد من البحر وبين الأكل من طعام البحر والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَطَعَامُهُ} قال بعضهم: هو ما مات في الماء فقذفه الماء إلى الساحل ميتًا وهو قول أبي بكر وعمر وإبنه وأبي هريرة وابن عباس، وقال بعضهم: هو المليح منه، وهو قول ابن جبير وعكرمة والنخعي وابن المسيب وقتادة. اهـ.

.قال السمرقندي:

ويقال: {وَطَعَامُهُ} ما نضب الماء عنه فأخذ بغير صيد ميتًا.
ويقال: كل ما سقاه الماء فأنبت من الأرض فهو طعام البحر.
قال الفقيه: حدّثنا الفضل بن أبي حفص.
قال: حدّثنا أبو جعفر الطحاوي.
قال: حدّثنا محمد بن خزيمة قال: حدّثنا حجاج بن المنهال قال: حدّثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: كنت في البحرين، فسألني أهل البحرين عما يقذف البحر من السمك، فقلت: كلوه.
فلما رجعت إلى المدينة سألت عن ذلك عمر بن الخطاب فقال: ما أمرتهم به؟ فقلت: أمرتهم بأكله فقال: لو أمرتهم بغير ذلك لضربتك بالدرة.
ثم قرأ عمر: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ متاعا لَّكُمْ} فصيده ما صيد وطعامه: ما رمي به. اهـ.

.قال الفخر:

قال الشافعي رحمه الله: السمكة الطافية في البحر محللة.
وقال أبو حنيفة رحمه الله محرّمة: حجة الشافعي القرآن والخبر، أما القرآن فهو أنه يمكن أكله فيكون طعامًا فوجب أن يحل لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ} وأما الخبر فقوله عليه السلام في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته». اهـ.
قال الفخر:
قوله: {للسيارة} يعني أحلّ لكم صيد البحر للمقيم والمسافر، فالطري للمقيم، والمالح للمسافر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والسيّارة: الجماعة السائرة في الأرض للسفر والتجارة، مؤنث سيّار، والتأنيث باعتبار الجماعة.
قال تعالى: {وجاءت سيّارة} [يوسف: 19].
والمعنى أحلّ لكم صيد البحر تتمتّعون بأكله ويتمتّع به المسافرون، أي تبيعونه لمن يتّجرون ويجلبونه إلى الأمصار. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر تحريم الصيد على المحرم في ثلاثة مواضع من هذه السورة من قوله: {غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] إلى قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} [المائدة: 2] ومن قوله: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلى قوله: {وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}. اهـ.
قال الفخر:
اتفق المسلمون على أن المحرم يحرم عليه الصيد، واختلفوا في الصيد الذي يصيده الحلال هل يحل للمحرم فيه أربعة أقوال: الأول: وهو قول علي وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وطاوس، وذكره الثوري وإسحاق أنه يحرم عليه بكل حال، وعولوا فيه على قوله: {وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وذلك لأن صيد البر يدخل فيه ما اصطاده المحرم وما اصطاده الحلال، وكل ذلك صيد البر، وروى أبو داود في «سننه» عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحرث عن أبيه قال: كان الحرث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعامًا وصنع فيه الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش فبعث إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فجاءه الرسول فجاء فقالوا له كل فقال علي: أطعمونا قوتًا حلالًا فإنا حرم، ثم قال علي عليه السلام أنشد الله من كان هاهنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله فقالوا نعم.
والقول الثاني: أن لحم الصيد مباح للمحرم بشرط أن لا يصطاده المحرم ولا يصطاد له، وهو قول الشافعي رحمه الله، والحجة فيه ما روى أبو داود في «سننه» عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم».
والقول الثالث: أنه إذا صيد للمحرم بغير إعانته وإشارته حل له وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، روي عن أبي قتادة أنه اصطاد حمار وحش وهو حلال في أصحاب محرمين له فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فقال: «هل أشرتم هل أعنتم فقالوا لا.
فقال: هل بقي من لحمه شيء أوجب الإباحة عند عدم الإشارة والإعانة من غير تفصيل»
.
واعلم أن هذين القولين مفرعان على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، والثاني في غاية الضعف. اهـ.