فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وطعَامُهُ}: نسقٌ على {صَيْدُ}، أي: أحِلَّ لكمُ الصيدُ وطعامُهُ، فالصَّيْدُ الاصْطِيَادُ، والطَّعامُ بمعنى الإطعامِ، أي: إنه اسمُ مصدرٍ، ويُقَدَّرُ المفعولُ حينئذٍ محذوفًا، أي: إطعامُكُمْ إياه أنفسكُمْ، ويجوز أن يكون الصَّيْدُ بمعنى المَصِيد، والهاءُ في {طَعَامُهُ} تعودُ على البَحْر على هذا أي: أُحِلَّ لكُمْ مَصِيدُ البَحْرِ وطعامُ البَحْر؛ فالطعامُ على هذا غَيْرُ الصَّيْدِ وعلى هذا ففيهِ وجوهٌ:
أحسنها ما ذكرهُ أبو بَكْر الصِّدِّيق، وعُمَرُ رضي الله عنهما: أنَّ الصَّيدَ ما صِيدَ بالْحِيلَةِ حال حِيَاتِهِ- والطَّعَامُ ما رَمَى بِهِ البَحْرُ، أو نضبَ عَنْهُ المَاءُ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ.
قوله تعالى: {متاعًا لَكُمْ} في نصبه وجهان:
أحدهما: أنه منصوبٌ على المصدر، وإليه ذهب مكي وابن عطيَّة وأبو البقاء وغيرهم، والتقدير: مَتَّعَكُمْ به متاعًا تَنْتَفِعُونَ وتَأتَدِمُونَ به، وقال مكيٌّ: لأنَّ قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ} بمعنى أمْتَعْتُكُمْ به إمْتَاعًا؛ كقوله: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} [النساء: 24].
والثاني: أنه مفعول من أجله، قال الزمخشري: «أي: أحلَّ لكُمْ تمتيعًا لكم، وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] في باب الحال؛ لأنَّ قوله: {مَتَاعًا لكُمْ} مفعولٌ له مختصٌّ بالطعام؛ كما أنَّ «نَافِلَةً» حالٌ مختصٌّ بيعقوب، يعني أُحِلَّ لكم طعامُه تمتيعًا لتَنَائِكُمْ تأكلونه طَرِيًّا ولسيَّارَتِكُمْ يتزوَّدونه قديدًا». انتهى، فقد خصَّصَ الزمخشريّ كونه مفعولًا له بكون الفعْلِ، وهو {أُحِلَّ} مسندًا لقوله: {طَعَامهُ}، وليس علَّةً لحِلِّ الصيدِ، وإنما هو علَّةٌ لحِلِّ الطعام فقط، وإنما حملهُ على ذلك مذهبُهُ- وهو مذهبُ أبي حنيفةَ-؛ من أنَّ صيدَ البَحْرِ مُنْقَسِمٌ إلى ما يُؤكَلُ، وإلى ما لا يُؤكَلُ، وأن طعامه هو المأكُولُ منه، وأنه لا يقع التمثيلُ إلا بالمأكُول منه طريًّا وقَدِيدًا، وقوله: «نَافِلَةً»، يعني أنَّ هذه الحالَ مختصةٌ بيعقوبَ؛ لأنه ولدُ ولدٍ؛ بخلافِ إسحاقَ، فإنه ولدُه لصُلْبه، والنافلةُ إنما تُطْلَقُ على ولد الولدِ، دونَ الولد، فكذا {متاعًا}، إلاَّ أنَّ هذا يؤدِّي إلى أنَّ الفعل الواحدَ يُسْنَدُ لفاعلين متعاطفَيْن يكونُ في إسناده إلى أحدهما معلَّلًا وإلى الآخر ليْسَ كذلك، فإذا قلت: «قَامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو إجلالاَ لَكَ»، فيجوز أن يكون «قِيَامُ زيدٍ» هو المختصَّ بالإجلال، أو بالعكْسِ، وهذا فيه إلباسٌ، وأمَّا ما أورده من الحالِ في الآية الكريمة، فَثمَّ قرينةٌ أوْجَبَتْ صرْفَ الحالِ إلى أحدهما، دون ما نحْنُ فيه من الآية الكريمة، وأمَّا غيرُ مذهبه؛ فإنه يكونُ مفعولًا له غير مختص بأحدِ المتعاطفيْنِ وهو ظاهرٌ جَلِيٌّ، و{لَكُمْ} إنْ قلنا: {مَتَاعًا} مصدرٌ، فيجوز أن يكونَ صفةً له، ويكونُ مصدرًا مبيِّنًا لكونه وُصِفَ، وإن قلنا: إنه مفعولٌ له، فيتعلَّقُ بفعلٍ محذوفٍ، أي: أعني التقديرُ: لأنْ أمَتِّعَكُمْ، ولأنْ أمَتِّعَكُمْ، ولأنْ أجلَّكَ، وهكذا ما جاء من نظائره.
قوله: {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} {ما} مصدريةٌ، و{دمتم} صلتها وهي مصدريةٌ ظرفيةٌ أي: حُرِّم عليكم صيدُ البر مدةَ دوامِكم مُحْرمين.
والجمهور على ضمِّ دال {دمتم} من لغة من قال: دام يدوم.
وقرأ يحيى: {دِمتم} بكسرها من لغة من يقول: دام يدام كخاف يخاف، وهما كاللغتين في مات يموتُ ويمات، وقد تقدَّم [الآية 57 آل عمران].
والجمهورُ على {وحُرِّم} مبنيًا للمفعول، {صيدُ} رفعًا على قيامه مقام الفاعل، وقرئ: {وحَرَّم} مبنيًا للفاعل، «صيدَ» نصبًا على المفعول به.
والجمهورُ أيضًا على {حُرُمًا} بضم الحاء والراء جمعُ «حَرام» بمعنى مُحْرِم كـ «قَذَال» و«قُذُل».
وقرأ ابن عباس {حَرَمًا} بفتحهما، أي: ذوي حَرَم أي إحرام، وقيل: جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه، والأحسنُ أن يكون من باب «رجل عدل» جعلهم نفسَ المصدرِ فإنَّ «حَرَما» بمعنى إحرام، وتقدم أن المصدر يقع للواحدِ فما فوقُ بلفظٍ واحد.
والبَرُّ معروفٌ، قال الليث: «ويستعمل نكرة يقال: جلست بَرَّا، وخرجْتُ برًّا».
قال الأزهري: «وهو من كلام المولدين» وفيه نظر لقول سلمان الفارسي: «إنَّ لكلِّ امرئ جَوَّانِيًّا وبَرَّانيًا» أي باطنٌ وظاهرٌ، وهو من تغيير النسب، وقد تقدم استيفاء هذه المادة في البقرة [الآية 44]. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} إيمانًا علميًا {لاَ تُحَرّمُواْ} بتقصيركم في السلوك {طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} من مكاشفات الأحوال وتجليات الصفات {وَلاَ تَعْتَدُواْ} [المائدة: 87] بظهور النفس بصفاتها {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} أي اجعلوا ما من الله تعالى به عليكم من علوم التجليات ومواهب الأحوال والمقامات غذاء قلوبكم {حلالا طَيّبًا واتقوا الله} [المائدة: 88] في حصول ذلك لكم بأن تردوها منه وله، وجعل غير واحد هذا خطابًا للواصلين من أرباب السلوك حيث أرادوا الرجوع إلى حال أهل البدايات من المجاهدات فنهوا عن ذلك وأمروا بأكل الحلال الطيب، وفسروا الحلال بما وصل إلى المعارف من خزائن الغيب بلا كلفة، والطيب ما يقوي القلب في شوق الله تعالى وذكر جلاله، وقيل: الحلال الطيب ما يأكل على شهود وإلا فعلى ذكر، فإن الأكل على الغفلة حرام في شرع السلوك، وقال آخرون: الحلال الطيب هو الذي يراه العارف في خزانة القدر فيأخذه منها بوصف الرضا والتسليم، والحرام ما قدر لغيره وهو يجتهد في طلبه لنفسه {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أيمانكم} وهو الحلف لملالة النفس وكلالة القوى وغلبة سلطان الهوى، وعدوا من اللغو في اليمين الإقسام على الله تعالى بحماله وجلاله سبحانه عند غلبة الشوق ووجدان الذوق أن يرزقه شيئًا من إقباله عز وجل ووصاله فإن ذلك لغو في شريعة الرضا ومذهب التسليم.
والذي يقتضيه ذلك ما أشير إليه بقوله:
أريد وصاله ويريد هجري ** فاترك ما أريد لما يريد

لكن لا يؤاخذ الله تعالى عليه الحالف لعلمه بضعف حاله.
وعدوا من ذلك أيضًا ما يجري على لسان السالكين في غلبة الوجد من تجديد العهد وتأكيد العقد كقول بعضهم:
وحقك لا نظرت إلى سواكا ** بعين مودة حتى أراكا

فإن ذلك ينافي التوحيد وهل في الدار ديار كلا بل هو الله الواحد القهار {ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الايمان} وذلك إذا عزمتم على الهجران وتعرضتم للخذلان عن صميم الفؤاد {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مساكين} وهي على ما قال البعض الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وهم القلب والسر والروح والخفي، وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضا والأنس والهيبة والشهود والكشوف والأوسط الذكر والفكر والشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء، وإطعام الحواس ذلك أن يشغلها به {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} لباس التقوى {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهي رقبة النفس فيحررها من عبودية الحرص والهوى {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} ولم يستطع {فَصِيَامُ ثلاثة أَيَّامٍ} [المائدة: 89] فيمسك في اليوم الأول عما عزم عليه وفي اليوم الثاني عما لا يعنيه وفي اليوم الثالث عن العود إليه، وقيل كنى سبحانه بصيام ثلاثة أيام عن التوبة والاستقامة عليها ما دامت الدنيا، فقد قيل: الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى ويوم أنت فيه ويوم لا تدري ما الله سبحانه قاض فيه {وَأَطِيعُواْ الله} بالفناء فيه {وَأَطِيعُواْ الرسول} بالبقاء بعد الفناء {واحذروا} ظهور ذلك بالنظر إلى نفوسكم {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ} [المائدة: 92] ولم يقصر فيه فالقصور منكم {لَيْسَ عَلَى الذين ءامَنُواْ} بالتقليد {وَعَمِلُواْ الصالحات} الأعمال البدنية الشرعية {جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} من المباحات {إِذَا مَا اتقوا} الشبهة والإسراف {وَءامَنُواْ} بالتحقيق {وَعَمِلُواْ الصالحات} الأعمال القلبية الحقيقية من تخلية القلب عما سواه سبحانه ومن تحليته بالأحوال المضادة لهواه من الصدق والإخلاص والتوكل والتسليم ونحو ذلك {ثُمَّ اتَّقَواْ} شرك الأنانية {وَءامَنُواْ} بالهوية {ثُمَّ اتَّقَواْ} هذا الشرك وهو الفناء {وَأَحْسِنُواْ} بالبقاء به جل شأنه قاله النيسابوري.
وقال غيره: ليس على الذين آمنوا الإيمان العيني بتوحيد الأفعال وعملوا بمقتضى إيمانهم أعمالًا تخرجهم عن حجب الأفعال وتصلحهم لرؤية أفعال الحق جناح وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم واتخذوا الله تعالى وقاية في صدور الأفعال منهم وآمنوا بتوحيد الصفات وعملوا ما يخرجهم عن حجبها ويصلحهم لمشاهدة الصفات الإلهية بالمحو فيها ثم اتقوا بقايا صفاتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في ظهور صفاته عليهم وآمنوا بتوحيد الذات ثم اتقوا بقية ذواتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في وجودهم بالفناء المحض والاستهلاك في عين الذات وأحسنوا بشهود التفصيل في عين الجمع والاستقامة في البقاء بعد الفناء {والله يُحِبُّ المحسنين} [المائدة: 93] الباقين بعد فنائهم أو المشاهدين للوحدة في عين الكثرة المراعين لحقوق التفاصيل في عين الجمع بالوجود الحقاني {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} بالغيب {لَيَبْلُوَنَّكُمُ} في أثناء السير والإحرام لزيارة كعبة الوصول {بِشيء مّنَ الصيد} أي الحظوظ والمقاصد النفسانية {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم} أي يتيسر لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليه.
وقيل: ما تناله الأيدي اللذات البدنية وما تناله الرماح اللذات الخيالية {لِيَعْلَمَ الله} العلم الذي ترتب عليه الجزاء {مَن يَخَافُهُ بالغيب} أي في حال الغيبة ولا يكون ذلك إلا للمؤمنين بالغيب لتعلقه بالعقاب الذي هو من باب الأفعال، وأما في الحضور فالخشية والهيبة دون الخوف، والأولى بتجلي صفات الربوبية والعظمة، والثانية بتجلي الذات، فالخوف كما قيل من صفات النفس والخشية من صفات القلب، والهيبة من صفات الروح {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} بتناول شيء من الحظوظ {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] وهو عذاب الاحتجاب {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي في حال الإحرام الحقيقي {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّدًا} بأن ارتكب شيئًا من الحظوظ النفسانية قصدًا {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ} بأن يقهر تلك القوة التي ارتكب بها من قوى النفس البهيمية بأمر يماثل ذلك الحظ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ} وهما القوتان النظرية والعملية {هَدْيًا بالغ الكعبة} الحقيقية وذلك بإفنائها في الله عز وجل: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مساكين أَو عَدْلُ ذلك صِيَامًا} [المائدة: 95] أي أو يستر تلك القوة بصدقة أو صيام {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر} وهو ما في العالم الروحاني من المعارف {وَطَعَامُهُ} وهو العلم النافع من علم المعاملات والأخلاق {متاعا} أي تمتيعًا لكم أيها السالكون بطريق الحق {وَلِلسَّيَّارَةِ} المسافرين سفر الآخرة، {وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر} وهو في العالم الجسماني من المحسوسات والحظوظ النفسانية {واتقوا الله} في سيركم {الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 69] بالفناء فاجتهدوا في السلوك ولا تقفوا مع الموانع وهو الله تعالى الميسر للرشاد وإليه المرجع والمعاد. اهـ.