فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {عَنْ أشْيَاءَ}: متعلق بـ {تَسْألُوا}.
واختلف النحويُّون في {أشْيَاء} على خمسة مذاهب:
أحدها- وهو رأي الخليل وسيبويه والمازنيِّ وجمهور البصريين-: أنها اسمُ جمعٍ من لفظ «شَيْء»، فهي مفردةٌ لفظًا جمعٌ معنًى؛ كـ «طَرْفَاء»، و«قَصْبَاء»، وأصلها: «شَيْئًاء» بهمزتين بينهما ألفٌ، ووزنها فعلاء؛ كـ «طَرْفَاء»، فاستثقلوا اجتماع همزتين بينهما ألفٌ، لاسيما وقد سبقها حرفُ علَّة، وهي الياءُ، وكَثُر دورُ هذه اللفظةِ في لسانهم، فقلبوا الكلمةَ بأنْ قَدَّمُوا لامَها، وهي الهمزةُ الأولى على فائها، وهي الشين؛ فقالوا «أشْيَاء» فصارَ وزنُها «لَفْعَاء»، ومُنِعَتْ من الصرف؛ لألف التأنيث الممدودة، ورُجِّح هذا المذهبُ بأنه لم يلزمْ منه شيءٌ غيرُ القَلْب، والقلبُ في لسانهم كثيرٌ كـ «الجَاهِ، والحَادِي، والقسيِّ، وناءَ، وآدُرٍ، وآرَامٍ، وضِئَاء في قراءة قُنْبُل، وأيِسَ»، والأصل: «وَجهٌ، وواحِدٌ، وقُووسٌ، ونَأى، وأدْوُرٌ، وأرَامٌ، وضِيَاء، ويَئِسَ»، واعترضَ بعضُهم على هذا بأن القلْبَ على خلافِ الأصْلِ، وأنه لم يَرِدْ إلا ضرورةً، أو في قليلٍ من الكلام، وهذا مردودٌ بما قدَّمْتُه من الأمثلةِ، ونحن لا نُنْكِرُ أنَّ القلبَ غير مُطَّردٍ؛ وأما الشاذُّ القليلُ، فنحو قولهم: «رَعَمْلِي» في «لَعَمْرِي»، و«شَوَاعِي» في «شَوَائع»؛ قال: [الكامل]
وكَأنَّ أوْلاَهَا كِعَابُ مُقَامِرٍ ** ضُرِبَتْ على شُزُنٍ فَهُنَّ شَوَاعِي

يريد شَوَائِع.
وأمَّا المذاهبُ الآتية، فإنه يَرِدُ عليها إشكالاتٌ، هذا المذهبُ سالمٌ منها؛ فلذلك اعتبره الجُمْهُور دون غيره.
وقال ابنُ الخطيبِ: منعَ الصَّرْفُ لثلاثة أوجهٍ:
أحدها: ما تقدَّم، وهو أنَّ هذه الكلمةَ لمَّا كانَتْ في الأصْلِ على وزن «فَعْلاء» مثل «حَمْرَاء»، فلم يتَصَرَّفْ كَحَمْرَاء.
وثانيها: لمَّا كانَتْ في الأصْل «شياء»، ثُمَّ جُعِلَت أشْيَاء مَنَعَ ذَلِكَ الصَّرْف.
وثالثها: أنَّا لمَّا قَطَعْنَا الحَرْفَ الأخِيرَ منهُ، وجَعَلْنَاهُ أوَّلَه، والكَلِمَةُ إذا قُطِع منها الحرْفُ الأخيرُ صارت كنصْفِ كَلِمَة، ونِصْفُ الكلمةِ لا تَقْبَلُ الإعراب، ومن حيث إنَّ ذلك الحَرْفَ الذي قَطَعْنَاهُ، لم نحذِفْهُ بالكُلِّيَّة، بل ألصَقْنَاهُ بأوَّلِ الكَلِمَةِ، فَكَأنَّها بَاقِيَةٌ بِتَمامِهَا، فلا جرم مَنْعْنَاهُ في بَعْضِ وُجُوه الإعراب دون البَعْض.
الثاني- وبه قال الفراء-: أن «أشْيَاء» جمع لـ «شَيْء»، والأصل في «شَيْء»: «شَيِّئ» على «فَيْعِلٍ» كـ «لَيِّن»، ثم خُفِّفَ إلى «شَيْء»؛ كما خففوا لَينًا، وهَيِّنًا، وميِّتًا إلى لَيْنٍ، وهيْنٍ، وميْتٍ، ثم جمعه بعد تخفيفه، وأصله «أشْيِئَاء» بهمزتين بينهما ألفٌ بعد ياءٍ بزنة «أفْعِلاء»، فاجتمع همزتان: لامُ الكلمة والتي للتأنيث، والألف تشبهُ الهمزة والجَمْعُ ثقيلٌ، فخَفَّفُوا الكلمة؛ بأن قلبوا الهمزة الأولى ياءً؛ لانكسار ما قبلها، فيجتمع ياءان، أولاهما مكسورةٌ، فحذفوا الياء التي هي عينُ الكلمة تخفيفًا، فصارت «أشْيَاء»، ووزنها الآن بعد الحذف «أفْلاء» فمَنْعُ الصرف؛ لأجْلِ ألفِ التأنيثِ، وهذه طريقةُ بعضهم في تَصْريف هذا المذهب؛ كمكي بن ابي طالب، وقال بعضهم كأبي البقاء: لمَّا صارت إلى أشْيِئَاء، حُذِفَتِ الهمزة الثانيةُ التي هي لام الكلمة؛ لأنَّها بها حصل الثِّقَلُ، وفُتِحَتِ الياءُ المكسورةُ؛ لتسلمَ ألف الجَمْعِ، فصار وزنُها: أفْعَاء.
المذهب الثالث- وبه قال الأخفش-: أنَّ أشْياء جمعُ «شَيْءٍ» بزنة فَلْسٍ، أي: ليس مخفَّفًا من «شَيِّئ»، كما يقوله الفرَّاء، بل جمع «شَيْء»، وقال: إنَّ فَعْلًا يجمعُ على أفْعِلاَء، فصار أشْيِئَاء بهمزتَيْنِ بينهما ألفٌ بعد ياء، ثم عُمِلَ فيه ما عُمِلَ في مذْهَب الفرَّاء، والطريقانِ المذْكُوران عن مَكِّيٍّ وأبي البقاء في تصريف هذا المذهب جاريان هنا، وأكثر المصنِّفين يذكرون مذهب الفرَّاء عنه وعن الأخفش، قال مكي: «وقال الفرَّاء والأخفش؛ والزياديُّ: «أشْيَاء» وزنها «أفْعِلاء»، وأصلها «أشْيِئَاء»؛ كـ «هَيِّنٍ وأهْوِنَاء»، لكنه خُفِّفَ».
ثم ذكر تصريفَ الكلمةِ إلى آخره، وقال أبو البقاء: «وقال الأخفشُ والفراء: أصلُ الكلمةِ «شَيِّئ» مثل «هَيِّنٍ»، ثم خُفِّف بالحذف»، وذكر التصريف إلى آخره، فهؤلاء نقلوا مذهبهما شيئًا واحدًا، والحقُّ ما ذكرته عنهُما؛ ويدلُّ على ما قلته ما قاله الواحديُّ؛ فإنه قال: «وذهبَ الفرَّاء في هذ الحرف مذهب الأخفش»، غير أنه خلطَ حين ادَّعى أنها كهَيْنٍ وليْنٍ حين جمعا على أهْوِنَاء وألْيِنَاء، وهَيْنٍ تخفيف «هَيِّن»؛ فلذلك جاز معه على أفْعِلاء، وشَيْء ليس مخفَّفًا من «شَيِّئ» حتى يُجْمَعَ على أفْعِلاء، وهذان المذهَبَان- أعني مذهب الفراء والأخفشِ- وإن سَلِمَا من منع الصَّرْف بغير علَّة، فقد ردَّهُمَا الناس، قال الزجَّاج: «وهذا القَوْلُ غَلَطٌ؛ لأنَّ «شَيئًا» فعلٌ، وفعلٌ لا يجمعُ على أفْعِلاء، فأما هَيِّنٌ وليِّنٌ، فأصلُه: هَيِينٌ ولَيِينٌ، فجُمِعَ على أفعلاء، كما يُجْمَعُ فَعِيلٌ على أفعلاء؛ مثل: نَصِيب وأنْصِبَاء».
قال شهاب الدين: وهذا غريبٌ جدًّا، أعني كونه جعل أنَّ أصلَ «هيِّن» «هَيِين» بزنة فعيلٍ، وكذا ليِّنٌ ولَيِينٌ، ولذلك صرح بتشبيههما بنصيبٍ، والناسُ يقولون: إنَّ هَيِّنًا أصله هَيْونٌ، كميِّتٍ أصله مَيْوتٌ، ثم أعِلَّ الإعلال المعروف، وأصل ليِّنٍ: لَيْينٌ بياءين، الأولى ساكنة والثانية مكسورةٌ، فأدغمتِ الأولى، والاشتقاقُ يساعدُهم؛ فإن الهيِّنَ من هانَ يَهُونُ، ولأنَّهم حين جمعوه على أفعلاء أظْهَرُوا الواو، فقالوا: أهْوِنَاء.
وقال الزجَّاج: إنَّ المازنيَّ ناظر الأخفش في هذه المسألة، فقال له: كيف تُصَغِّرُ أشْيَاء؟ قال: أقول فيها أُشيَّاء.
فقال المازنيُّ: لو كانت أفعالًا، لرُدَّتْ في التصغير إلى واحدهَا، وقيل: شُيَيْئَات، مثل شُعَيْعات، وإجماعُ البصريِّين أن تصغير «أصدقَاء» إن كان لمؤنث «صُدَيِّقَات»، وإن كان لمذكر: «صُدَيقُونَ» فانقطع الأخْفَشُ، وبَسْطُ هذا أنَّ الجمع المُكَسَّرَ، إذا صُغِّرَ: فإمَّا أن يكون من جموع القلَّة، وهي أربعٌ على الصحيح: أفْعِلَةٌ وأفْعُل وأفْعَالٌ وفِعْلَةٌ، فيُصَغَّرُ على لفظه، وإن كان من جموع الكثرة فلا يُصغَّر على لفظه على الصحيح، وإنْ وردَ منه شيءٌ، عُدَّ شَاذًّا كـ «أصَيْلان» تصغير «أصْلاَن» جمع «أصيل»، بل يُرَدُّ إلى واحده؛ فإن كان من غير العقلاء، صُغِّرَ وجُمِعَ بالألف والتاء، فتقول في تصغير حُمُرٍ جمع حِمارٍ: «حُمَيْرات»، وإن كان من العقلاء صُغِّرَ وجمع بالواو والنون، فتقول في تصغير «رِجَال»: «رُجَيْلُونَ»، وإن كان اسم جمعٍ كـ «قَوْم» و«رَهْط» أو اسم جنسٍ، كـ «قَمَر» و«شَجَر» صُغِّر على لفظه كسائر المفردات، رجعنا إلى «أشْيَاء»، فتصغيرُهم لها على لفظها يَدُلُّ على أنها اسمُ جمع؛ لأنَّ اسم الجمع يُصَغَّر على لفظه، نحو: «رُهَيْط» و«قُوَيْم»، وليس بجمعِ تكسيرٍ؛ إذ هي من جموعِ الكثرة، ولم تُرَدَّ إلى واحدها، وهذا لازمٌ للأخفشِ؛ لأنه بصريٌّ، والبصريُّ لابد وأن يفعل ذلك، وأصَيْلان عنده شاذٌ، فلا يقاسُ عليه، وفي عبارة مَكِّيٍّ قال: «وأيضًا فإنه يلزمُهُم أن يُصَغِّروا «أشْيَاء» على «شُوَيَّات»، أو على «شُيَيْئَات»، وذلك لم يَقُلْه أحد».
قال شهاب الدين: قوله: «شُوَيَّات» ليس بجيِّد؛ فإن هذا ليس موضع قلب الياء واوًا، ألا ترى أنك إذا صغَّرْتَ بيتًا، قلت: بُيَيْتًا لا بُوَيْتًا، إلاَّ أنّ الكوفيِّين يُجيزُونَ ذلك، فيمكنُ أن يُرَى رأيهم، وقد ردَّ مكيٌّ أيضًا مذهب الفراء والأخفش بشيئين:
أحدهما: أنه يلزمُ منه عدمُ النظير؛ إذ لم يقع «أفْعِلاء» جمعًا لـ «فَيْعِل» فيكون هذا نظيرهُ، وهَيِّن وأهْوِنَاء شاذٌّ لا يقاس عليه.
والثاني: أن حذفه واعتلاله مُجْرى على غير قياسٍ، فهذا القولُ خارجٌ في جمعه واعتلاله عن القياس والسَّماع.
المذهب الرابع- وهو قول الكسائي وأبي حاتم-: أنها جمعُ شيءٍ على أفعالٍ كـ «بَيْتٍ» و«أبْيَاتٍ» و«ضَيْفٍ» و«أضْيَافٍ»، واعترض الناس هذا القول؛ بأنه يلزم منه منعُ الصرفِ بغير علته؛ إذ لو كان على «أفْعَال»، لانصرفَ كأبْيَاتٍ، قال الزجَّاج «أجمع البصريُّون وأكثر الكوفيِّين على أن قول الكسائيِّ خطأ، وألزموه ألاَّ يصرفَ أنْبَاء وأسْمَاء».
قال شهاب الدين: والكسائيُّ قد استشعر بهذا الردِّ، فاعتذر عنه، ولكن بما لا يُقْبَلُ، قال الكسائيُّ- رحمه الله-: «هي- أي أشياء- على وزن أفعالٍ، ولكنها كَثُرَتْ في الكلام، فأشبهَتْ فعلاء، فلم تُصْرَف كما لم يُصْرَفْ حَمْرَاء»، قال: «وجَمَعُوهَا أشَاوَى، كما جمعوا عذرَاء وعَذارَى، وصَحْرَاء وصَحَارى، وأشْيَاوَات كما قيل حَمْرَاوَات»، يعني أنهم عاملوا «أشْيَاء»، وإن كانت على أفعالٍ معاملةَ حَمْرَاء وعَذْرَاء في جمعي التكسير والتصحيح، إلا أن الفرَّاء والزجَّاج اعترضا على هذا الاعتذار، فقال الفرَّاء: «لو كان كما قال، لكان أملكَ الوجهين أنْ تُجْرَى؛ لأن الحرْفَ إذا كَثُرَ في الكلام، خَفَّ وجاز أن يُجْرَى كما كَثُرَتِ التسميةُ بـ «يَزِيدَ»، وأجروه في النَّكرة، وفيه ياءٌ زائدةٌ تَمْنَعُ من الإجراء».
والمراد بالإجراء الصرْفُ، وقال الزجَّاج: «أجمع البصريون وأكثر الكوفيِّين» وقد تقدَّم آنفًا، وقال مكي: وقال الكسائيُّ وأبو عُبَيْد: لم تَنْصَرِفْ- أي أشياء-؛ لأنها أشبهت «حَمْرَاء»؛ لأن العرب تقول: «أشْيَاوَات» كما تقول: «حَمْرَاوَات» قال: «ويلزمُهما ألاَّ يَصْرِفَا في الجمْعِ أسْمَاء وأبْنَاء لقول العرب فيهما: أسْمَاوَات وأبْنَاوَات»، وقد تقدَّم شرح هذا، ثم إنَّ مَكِّيًّا- رحمه الله- بعد أن ذكر عن الكسائيِّ ما تقدَّم، ونقل مذهب الأخفشِ والفرَّاء، قال: «قال أبو حاتم: أشياء أفعال جمع شَيءٍ كأبياتٍ» فهذا يُوهِمُ أن مذهب الكسائيِّ المتقدِّمَ غيرُ هذا المذهب، وليس كذلك، بل هو هو، وقد أجاب بعضهم عن الكسائيِّ بأن النحويِّين قد اعتبروا في باب ما لا يَنصرِفُ الشبه اللفظيَّ، دون المعنويَّ، يَدُلُّ على ذلك مسألةُ «سَراويلَ» في لغةِ مَنْ يمنعُه؛ فإنَّ فيه تأويليْن: أحدهما: أنه مفردٌ أعجميٌّ، حُمِلَ على مُوازنِهِ في العربيَّة، أي صيغة مصابيح مثلًا؛ ويدُلُّ له أيضًا أنهم أجروا ألف الإلحاقِ المقْصُورة مُجْرَى ألف التأنيث المقْصُورة، ولكن مع العلميَّة، فاعتبروا مُجَرَّدَ الصُّورة.
المذهب الخامس: أنَّ وزنها «أفْعِلاء» أيضًا جَمْعًا لـ «شَييءٍ» بزنة «ظَرِيفٍ»، وفعيلٌ يجمع على أفْعِلاء، كـ «نَصِيبٍ وأنْصِبَاء»، و«صَديقٍ وأصْدِقَاء»، ثم حُذِفت الهمزة الأولى التي هي لامُ الكلمة، وفُتحتِ الياءُ؛ لتسلمَ ألفُ الجمع؛ فصارت أشياء، ووزنُها بعد الحذف أفْعَاء، وجعله مَكِّيٌّ في التصريف كتصريف مذهب الأخفشِ؛ من حيث إنه تُبْدَلُ الهمزة ياءً، ثم تُحْذفُ إحدى الياءين، قال- رحمه الله-: «وحَسَّنَ الحذفَ في الجمع حَذْفُها في الواحد، وإنما حُذِفَتْ من الواحد؛ تخفيفًا لكثرة الاستعمال؛ إذ «شَيْء» يقعُ على كل مُسَمًّى من عرضٍ، أو جوهرٍ، أو جسمٍ، فلم ينصرفْ لهمزةِ التأنيثِ في الجمع»، قال: «وهذا قولٌ حسنٌ جارٍ في الجَمْعِ، وتُرِكَ الصرفُ على القياس، لولا أنَّ التصغير يعترضُهُ، كما اعترض الأخْفَش».
قال شهاب الدين: قوله: «هذا قول حسن»، فيه نظر؛ لكثرة ما يَرِدُ عليه، وهو ظاهر ممَّا تقدَّم، ولمَّا ذكر أبو حيان هذا المذهب، قال في تصريفه: «ثمَّ حذفتِ الهمزة الأولى، وفتحت ياءُ المدِّ؛ لكون ما بعدها ألفًا»، قال: وَزْنُهَا في هذا القولِ إلى «أفْيَاء»، وفي القول قبله إلى «أفْلاء»، كذا رأيته «أفْيَاء»، بالياء، وهذا غلطٌ فاحشٌ، ثم إنِّي جوَّزتُ أن يكون هذا غلطًا عليه من الكاتبِ، وإنما كانت «أفْعَاء» بالعين، فصحَّفها الكاتب إلى «أفْيَاء»، وقد ردَّ الناس هذا القول: بأنَّ أصل شَيْء: «شَيِيءٌ» بزنة «صديقٍ» دعوى من غير دليل، وبأنه كان ينبغي ألاَّ يُصَغَّر على لفظه، بل يُرَدُّ إلى مفرده؛ كما تقدم تحريره.
وقد تلخص القول في {أشْيَاء}: أنها هَلْ هي اسمُ جمعٍ، وأصلها «شَيْئَاء»؛ كطَرْفَاء، ثم قُلِبت لامُها قبل فائِها، فصار وزنُها «لَفْعَاء» أو جمعٌ صريحٌ؟ وإذا قيل بأنها جمعٌ صريحٌ، فهل أصلها «أفْعِلاء» ثم تحذفُ، فتصير إلى «أفْعَاء» أو «أفْلاَء»، أو أنَّ وزنها «أفْعَال»؛ كأبْيَات.
قوله تعالى: {إنْ تُبْدَ} شرط، وجوابه {تَسُؤكُمْ}، وهذه الجملة الشرطية في محلِّ جرِّ صفةً لـ {أشْيَاء}، وكذا الشرطيَّة المعطوفة أيضًا، وقرأ ابن عبَّاس: {إنَّ تَبْدُ لَكُمْ تَسُؤكُمْ} ببناء الفعليْنِ للفاعلِ، مع كون حرف المضارعةِ تاءً مثنَّاةً من فوقُ، والفاعل ضميرُ {أشْياء}، وقرأ الشعبي- فيما نقله عنه أبو محمَّد بن عطيَّة: {إنْ يَبْدُ} بفتح الياء من تحتُ، وضم الدال، {يَسُؤكُمْ} بفتح الياء من تحتُ، والفاعل ضميرٌ عائدٌ على ما يليق تقديره بالمعنى، أي: إنْ يَبْدُ لكُمْ جوابُ سؤالكُمْ أو سُؤلُكُمْ، يَسُؤكُمْ، ولا جائزٌ أن تعود على {أشْيَاء}؛ لأنه جارٍ مجرَى المؤنَّث المجازيِّ، ومتى أسند فعلٌ إلى ضمير مؤنَّثٍ مطلقًا، وجبَ لَحَاقُ العلامة على الصحيح، ولا يُلتفتُ لضرورة الشعر، ونقل غيره عن الشعبيِّ؛ أنه قرأ: {يُبْدَ لَكُمْ يَسُؤكُمْ} بالياء من تحت فيهما، إلا أنه ضمَّ الياء الأولى وفتح الثانية، والمعنى: إن يُبْدَ- أي يُظْهَر- السؤالُ عَنْهَا، يَسُؤكُمْ ذلك السُّؤالُ، أي: جوابُهُ، أو هُوَ؛ لأنه سببٌ في ذلك والمُبْدِيه هو اللَّهُ تعالى، والضميرُ في {عَنْهَا} يحتمل أن يعود على نوعِ الأشياءِ المنهِيِّ عنها، لا عليها أنفسها، قاله ابن عطيَّة، ونقله الواحديُّ عن صاحب «النَّظمِ»، ونظَّرهُ بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] يعني آدم، {ثُمَّ جعلْنَاهُ} قال «يعني ابنَ آدَمَ» فعاد الضميرُ على ما دلَّ عليه الأول، ويحتملُ أن يعود عليها أنْفُسِها، قاله الزمخشريُّ بمعناه.