فصل: قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} (228):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} (228):

قال قائلون: لما وعظها بترك الكتمان، دل على وجوب قبول قولها فبنى عليه وقوع الطلاق عليها بقولها إذا قالت: حضت، وقد علق الطلاق على حيضها.
وهذا عندنا لا يقوى، فإنه ليس النهي عن الكتمان دالا على أن قولها حجة على الزوج في قطع نكاحها، كما لا يدل على وقوع الطلاق على ضرتها، كيف وقوله تعالى: {يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} ليس يظهر في معنى الحيض لأن الدم إنما يكون حيضا إذا سال، ولا يكون حيضا في الرحم، لأن الحيض حكم يتعلق بالدم الخارج، فما دام في الرحم فلا حكم له.
نعم يجوز أن يقال: إن كل دم سائل لا يكون حيضا، وإنما يكون حيضا بالعادة والوقت وبراءة الرحم من الحمل، فهي إذا قالت: حضت ثلاث حيض، وهذه الأمور التي يقف عليها الحيض من قبلها، فالقول قولها: وإنما التصديق متعلق بحيض قد وجد ودم قد سال.
وبالجملة قوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} ليس يظهر في الحيض، وإنما تظهر دلالته على الحمل، وهو مما يعرف بغير قولها، وإذا علق الطلاق على حملها فقالت: أنا حامل، يقع الطلاق ما لم تستبرئ ويظهر حملها، ويجوز أن يكون معنى ذلك منعها من التزوج، ومنعها من إهلاك الولد وإجهاض الجنين، وهذا لا يبعد فهمه من الآية، فالمعتمد فيه الإجماع.

.وقوله تعالى: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (228):

وليس ذلك شرطا في النهي عن الكتمان، وإنما هو على وجه التأكيد وهو كقوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
وقول مريم عليها السلام: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}.
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الآية (228):
اعلم أن اللّه تعالى سماه بعلا، وذلك يدل على بقاء الزوجية، ولكن قال بردهن، وذلك يدل على وجود سبب يزول به النكاح.
ولا يبعد أن يقال: زال النكاح، وله الإستدراك، كما يزول الملك في زمن الخيار على قول، وله الإستدراك.
ودلت هذه الآية على جواز إطلاق العموم في المسميات، ثم يعطف عليه بحكم يختص به بعض ما انتظمه العموم، فلا يمنع ذلك اعتبار عموم فيما شمله، في غير ما يختص به المعطوف، لأن قوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ} عام في المطلقات ثلاثا، وفيما دونها لا خلاف فيه.
ثم قوله: {وبعولتهن} حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث، ولم يوجب ذلك الاقتصار بحكم قوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} على ما دون الثلاث، ونظيره من القرآن.
وأصل البعل: السيد المالك يقال: من بعل هذه الناقة؟ أي من ربها وسيدها؟

.قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (228):

يقتضي وجوب حقوق لها في التحصن والنفقة والمهر.
وقوله: {وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} يقتضي أنه مفضل عليها وذكر اللّه تعالى بيان ذلك في قوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}.
فأخبر أنه جعل قيما عليها بما أنفق من ماله، وفيه دليل على أنه: إذا أعسر بالنفقة لم يكن قيما عليها، وإذا لم يكن قيما عليها فهي كلحم على وضم فلابد لها من قوّام، ولم يشرع النكاح إلا لتحصينها وحاجتها إلى القوام، فإذا زال هذا المعنى، فالأصل أن لا يثبت الرق على الحرة.
والشافعي يقول: لكونه قواما عليها، يمنعها من الحج وصوم التطوع.
واعلم أن قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} تطرق إليه التخصيص في مواضع: منها في الأمة، ومنها في الآيسة والصغيرة، ومنها في الحامل في قوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الآية.
ومنه ما قبل الدخول بقوله تعالى: {فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها}.
وقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} خص منه ما قبل الدخول، وخص منه المطلق ثلاثا.

.قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} (229):

فرأى الشافعي أنه بيان لما يبقى معه الرجعة من الطلاق، ويدل عليه ما ذكره عقيبه من قوله: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ}.
وظن قوم ممن يرى جمع الطلقات في قرء واحد بدعة، أن قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} يقتضي التفريق، لأنه لو طلق إثنتين معا، لما جاز أن يقال: طلقها مرتين، وأن من دفع إلى رجل درهمين، فلا يقال إنه أعطاه مرتين حتى يفرق الدفع.
ويقال لهذا القائل: لو كان المراد به بيان ما ذكره، لم يكن هذا النظم المذكور دالا، لأنه ليس التبديع عنده من جهة جمع فعل الطلاق، فإنه إن طلقها مرتين في قرء واحد عنده فهو حرام، وإن كان قد طلق مرتين حقيقة، فيحرم عنده أعداد الطلقات في قرء واحد، تعدد الإيقاع أو اتحد، وليس في قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} ما ينبئ عن ميقات تحريم المرات وحلها، فليس في اللفظ بيان ما ذكروه.
نعم، إذا كان الطلاق الواحد يدل على إسقاط الملك ولا يسقط به، فيحسن أن يقال: إنما يسقط لمرتين، إذا كان يسقط بعدد منه، وليس كإعطاء درهمين معا، فإن الدراهم الثاني لا يتعلق بالأول في رجوعهما إلى فائدة واحدة، ومعنى واحد، حتى يقال ذلك المعنى لا يثبت بمرة واحدة، بل يثبت بمرتين، أما الطلاق فإسقاط ملك النكاح، فإذا لم يسقط ملك النكاح بطلقة واحدة، فالطلقتان منه في حالة واحدة، كالطلقتين في ساعتين، ومثله قوله تعالى: {نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ}.
لا أن ذلك في حالتين منفصلتين، بعد تخلل فاصل بين الآخر الأول والثاني، فإن نعيم الآخرة متصل، لا انقطاع له ولا انفصال فيه.
ويحتمل أن اللّه تعالى ذكر بيان الرخصة على خلاف القياس، فقال: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} أي: لكم أن تطلقوا مرتين وتراجعوا بعدهما، فإن طلقتم الثالثة فلا رجعة، إلا أن تنكح زوجا غيره، وهذا لا يقتضي كون مخالفة الرخصة بدعة، ولما كانت هذه الرخصة في إثبات الرجعة مع صريح إسقاط الملك فيما غلب فيه التحريم، وجعل مبعضه مكملا، وفاسده صحيحا، فصحيحه وصريحه في إسقاط الرجعة، كيف لا يكون باتا للملك، وقاطعا للرجعة، بديهة في قياس الطلاق؟
نعم كرر اللّه تعالى الرجعة في مواضع فقال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} إلى قوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْرًا}.
وليس في هذا دليل على أنه إذا أخذ بما هو الأصل في إسقاط ملك هو له أن لا يجوز.
وربما احتج بعض الجهال بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
وظاهره يقتضي تحريم الثلاث، لما فيه من تحريم ما أحل اللّه لنا من الطيبات.
وهذا جهل، فإن اللّه تعالى إنما نهانا عن تحريم طيبات أحلها لنا، مع بقاء سبب الحل، كما كانت العادة جارية به في الجاهلية، من البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحام.
فأما إذا كان الحل عارضا لأجل الملك، فما دام الملك قائما فله الحل، فإذا زال الملك، زال الحل، كما يزول الانتفاع بالبيع في العبد والجارية والثوب.
كيف والحل في حق الأجنبية، مع أن الأصل في الأبضاع التحريم عجب، فأما رفع ملك ثبت له، وحصول تحريم في ضمن ذلك، بالرجوع إلى الأصل في تحريم الأجنبيات، حيث لا ملك، فلا تتناوله هذه الآية.
وأما السائبة: فهي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. وقيل: البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الأذن، يقال: بحرت أذن الناقة، أي شققتها شقا واسعا، والناقة بحيرة ومبحورة.
وأما الوصيلة والحام: فإن الوصيلة من الغنم إذا ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها.
والحام: من الإبل، كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطواويس وسيبوه.
يقول سبحانه في سورة لمائدة الآية 103، ناهيا عن هذه: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.
ومن اعتقد تناول هذه الآية لتحريم البيع والعتق وسائر الإزالات ثم خص بدليل، فهو جاهل جدا لمعاني الكلام.
وما ذكره مالك بن أنس، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، والليث ابن سعد، والحسن بن صالح، أن طلاق العدة السني، أن يطلقها واحدة، ولا يطلقها في تلك العدة أخرى، فإنه لا حاجة إليها في قطع النكاح، إنما الحاجة إلى الطلقة الأولى، وهي تبين عند انقضاء العدة من غير حاجة إلى الثانية، فأي معنى للثالثة؟
وهذا لازم على أبي حنيفة، إذا سلك مسلك النظر في مراعاة الحاجة إلى قطع النكاح.
نعم إذا راجعها فله أن يطلقها الثانية، أما الطلاق الثاني في القرء الثاني في عدم الحاجة، كالطلاق الثاني في القرء الأول. هذا حسن على قياس أصولهم.
فإن قال من يذب عن أبي حنيفة: إن ظاهر قوله مرتين، يبيح في القرءين، فيبيح في القرء الواحد، فاعتبار الأقراء من أي أصل تلقوه وليس في إيقاع الثانية في القرء الثاني فائدة أصلا، فلا هو يقطع النفقة ولا أنه يقطع سببا من الأسباب، إلا أن يقول جاهل إنه يقطع الميراث، إن كان في حالة الصحة ومات فجأة، وهذا جهل عظيم في إباحة اعتقاد الطلاق لهذا القدر من الغرم، وجوزوا الطلاق الأول من غير حاجة في حق غير المدخول بها، وفيه قطع للنكاح، ولم يجوزوا الطلقتين، مع أن الثانية لا حاجة إليها في قطع هذا النكاح، وليس في إيقاعها إلا توقع التدرج به إلى منع التزوج بها ابتداء، فإذا لم يحرم قطع هذا النكاح من غير حاجة، فالنكاح الآخر لأن لا يحرم قطعه أولى، والنكاح الآخر يجوز قطعه بالطلاق الثالث في القرء الثالث من غير حاجة إليه، فأي مستند لهم في اعتبار صورة الأقراء، وغاية ما ذكروه مستندا لاعتبار الأقراء ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض... القصة... إلى أن قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر اللّه تعالى أن يطلق لها النساء.
وهذا الذي قالوه فيه نظر، فإنه روي في بعض الأخبار عن سعيد ابن جبير وزيد بن أسلم، عن ابن عمر، أن النبي عليه السلام، أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم قال: إن شاء طلق وإن شاء أمسك. من غير ذكر هذه الزيادة.
ويجوز أن يقال: إن الزيادة من الثقة مقبولة، مع أنه قيل: إذا لم تنقل الزيادة نقل الأصل، فذلك يوجب ضعفا ووهيا.
وأحسن الأحوال للمخالف أن يقبل منهم هذه الزيادة، وهي موافقة لأصلنا، فإنا نقول على مذهب لنا صحيح، إنه إذا طلق امرأته في الحيض.
وندبناه إلى الرجعة فراجعها، فإذا طهرت بعد ذلك، فيكره له طلاقها، لأن ذلك يوجب أن يكون قد راجع للطلاق فقط، لا لغرض آخر، ويكره أن تكون الرجعة للطلاق فقط فلا جرم قيل يمسكها إلى أن تحيض مرة أخرى وتطهر، وهذا وفق مذهبنا ومقتضى قولنا.
ومستند أبي حنيفة في إيجاب الفصل بين تطليقتين، هو هذا الخبر الذي يروونه وبينا وجه الكلام عليه، مع أنه نقل عن أبي حنيفة، أنه إذا طلقها ثم راجعها في ذلك الطهر، جاز له إيقاع طلقة أخرى في ذلك الطهر بعينه، يقدر كأن الطلاق لاقاها في الحيض، فإذا طهرت لم لا يجوز أن يطلقها طلقة أخرى وقد تحللت الرجعة؟
وأبو بكر الرازي ذكر أن أبا حنيفة ذكر هذه المسألة في الأصول، ومنعه من إيقاع التطليقة الثانية في ذلك الطهر وإن راجعها، حتى يفصل بينهما بحيضة.
قال الرازي: وهذا هو الصحيح عندنا، والرواية الأخرى غير معمول بها.
ومما جعلوه مستندا لقولهم في اعتبار الأقراء ما رواه عطاء الخراساني عن الحسن قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض، ثم إنه أراد أن يتبعها بطلقتين أخريين عند القرئين الباقيين، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال لابن عمر: «ما هكذا أمرك اللّه تعالى، إنك قد أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء». وأمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فراجعتها وقال: إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك، فقلت: يا رسول اللّه، أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان لي أن أراجعها؟ «قال لا: كانت تبين فتكون معصية»، وهذا يرويه عطاء الخراساني وهو ضعيف جدا،، نعم تواترت الأخبار في سائر أخبار ابن عمر، حين ذكر الطهر الذي هو وقت لإيقاع طلاق السنة: «ثم طلقها إن شئت»، ولم يخصص ثلاثا مما دونها كان ذلك طلاقها الإثنين أو الثلاث معا، وليس لهم أن يقولوا: إن مطلق قوله: طلق مخصوص بالأقل، كلفظه لوكيله: طلق، لأن ذلك إنما يكون حيث لا تكون الطلقات مملوكة له، فأما إذا كانت مملوكة له، فمطلق اللفظ يتناول الجنس الذي يملكه.
وقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} خص منه الزوجان إذا كانا مملوكين، واختلفوا فيما إذا رق أحدهما:
فالشافعي يعتبر الطلاق بالرجال.
وأبو حنيفة يعتبر عدده بالنساء.
والبتي يقول: من أي جانب جاء الرق انتقص عدد الطلاق.
وذكر بعض الروافض، أن الثلاث لا يقعن إذا جمع بينهن، وإنما يرد إلى واحد.
والحجاج بن أرطأة كان على هذا المذهب فيما نقله أبو يوسف عنه.
وقال محمد بن إسحاق بن محمد: ترد إلى واحدة.
وزعموا أن قول اللّه تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} لبيان الطلاق المشروع، وحصر المشروع في المذكور وقال: {إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فإن الطلاق لا يقع إلا على هذا الوجه، ورأوا أن هذه التصرف البديع في التصرفات لما شرع على وجه، لم يثبت إلا على ما شرع، ولم يشرع إلا مفرقا، فلا يثبت إلا مفرقا، وقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لابن عمر لما قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ إذا عصيت ربك وبانت امرأتك يقضي على هذا الكلام ويستأصله.
ولأن الطلقات مملوكة له جميعا فإن سبب الملك النكاح، والنكاح بالإضافة إلى الثاني والثالث واحد.
وكيف لا، والأصل أن يزول بدفعه، ولكن حكم بالعدد منه نظرا للمالك ورخصة، فإذا جمع عاد إلى الأصل فوقع.
وصح أن ركانة طلق امرأته البتة، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: ما أردت إلا واحدة، فقال: واللّه ما أردت إلا واحدة، ولو كان لا يقع الثلاث لم يكن لهذا معنى.
واحتج من معنى وقوع الثلاث بما رواه عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد ربه امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول اللّه: «كيف طلقتها؟ أطلقتها ثلاثا في مجلس واحد؟».
قال: نعم، قال: «إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت» قال: فراجعها.
وروي ابن جريج عن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس: ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وأبى بكر، وصدر من خلافة عمر ترد إلى الواحدة؟ قال نعم.
وذكر علماء الحديث أن هذين الحديثين منكران.
وذكروا عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة: أي أنهم كانوا يطلقون طلقة واحدة، هذا الذي يطلقون ثلاثا، أي ما كانوا يطلقون في كل قرء طلقة، وإنما كانوا يطلقون في جميع العدة واحدة إلى أن تبين وتنقضي العدة.