فصل: تفسير الآية رقم (104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والبَحِيرَة: فعيلَةٌ بمعنى مفعُولَة، فدخولُ تاءِ التأنيثِ عليها لا ينقاس، ولكن لَمَّا جَرَتْ مَجْرَى الأسماءِ الجَوَامِد أُنِّثَتْ، وقد تقدم إيضاح هذا في قوله: {والنطيحة} [المائدة: 3]، واشتقاقُها من البَحْرِ، والبَحْرُ: السَّعَةُ، ومنه «بَحْرُ المَاءِ» لِسَعَتِه وَهِيَ النَاقَةُ المَشْقُوقَةُ الأُذُنِ، يُقَالُ: بَحَرتُ أذن النَّاقَة إذَا شَقَقْتهَا شقًّا واسعًا، والنَّاقَةُ بَحِيرةٌ ومَبْحُورَةٌ.
واختلف أهلُ اللغة في البحيرةِ عند العرب ما هي اختلافًا كثيرًا، فقال أبو عُبَيْدٍ: «هي الناقةُ التي تُنْتَجُ خمسةَ أبطنٍ في آخِرِهَا ذكرٌ، فتُشَقٌّ أذُنُهَا، وتُتْرَكُ فلا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ ولا تُطْرَدُ عن مَرْعىً ولا ماءٍ، وإذا لَقِيَهَا المُعْيي لم يركبْهَا» ورُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاس، إلا أنه لم يذكُرْ في آخرها ذَكَرًا، وقال بعضُهُمْ: «إذَا أُنْتِجَتِ الناقَةُ خَمْسَةَ أبْطُنٍ، نُظِر في الخامس: فإن كان ذَكَرًا، ذبحوه وأكَلُوه، وإن كان أنثى، شَقُّوا أذنها وتركُوها تَرْعَى وتَرِدُ ولا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ فهذه هي البَحِيرَةُ»، ورُوِيَ هذا عن قتادة، وقال بعضهم: «البحيرَةُ: الأنثى الَّتِي تكونُ خَامِسَ بطنٍ؛ كما تقدَّم بيانُه، إلاَّ أنها لا يَحِلُّ للنساءِ لَحْمُها ولا لَبَنُها، فإن ماتَتْ حَلَّتْ لهن»، وقال بعضُهُم: «البَحِيرَةَ: بِنْتُ السَّائبة»، وسيأتي تفسيرُ «السَّائِبَة»، فإذا ولدَتِ السائبةُ أنْثَى شقُّوا أذنها وتركُوها مع أمِّها ترعى وتَرِدُ ولا تُحْلَبُ ولا تُرْكَبُ حتَّى لِلْمُعْيِي، وهذا قولُ مجاهدٍ، وابنِ جُبَيْر، وقال بعضُهُمْ: «هِيَ التي مُنِعَ دَرُّهَا- أي لَبَنُهَا- لأجْلِ الطَّواغِيتِ، فلا يَحْلِبُهَا أحَدٌ» وقال بهذا سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ، وقيل: هي التي تُتْرَكُ في المَرْعَى بلا راعٍ، قاله ابنُ سيدة، وقيل: إذا ولدَتْ خَمْسَ إنَاثٍ شَقُّوا أذُنَهَا وتَرَكُوهَا.
نَقَلَ القُرْطِبِي عن الشَّافِعِيِّ رحمه الله، أنَّهُ قال: إذا أنْتَجَتِ النَّاقَةُ خَمْسَةُ أبْطُنٍ إناثٍ بُحِرَتْ أذُنُهَا، فحَرُمَتْ، قال: محرمة لا يَطْعمُ النَّاسُ لَحْمَها وقال بعضُهُمْ- ويُعْزَى لِمَسْرُوقٍ-: «إنَّهَا إذا وَلَدَتْ خَمْسًا، أو سَبْعًا، شَقُّوا أذُنَهَا»، وقيل: «هي الناقةُ تَلِدُ عَشرةَ أبْطُنٍ، فَتُشَقُّ أذنُها طُولًا بنصْفَيْن، وتُتْرَك؛ فلا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ ولا تُطْرَدُ عن مرعى ولا ماءٍ، وإذا ماتَتْ، حَلَّ لحمها للرجالِ دون النساء»، نقله ابن عطية، وكذا قاله أبو القاسم الرَّاغب، وقيل: البَحِيرَةُ السَّقْبُ، إذا وُلِدَ، نَحَرُوا أذنه، وقالُوا: اللَّهُمَّ، إنْ عاشَ، فَقَنِيٌّ، وإن مات، فَذَكِيٌّ، فإذا مات، أكلُوه، ووجه الجمع بين هذه الأقوالِ الكثيرة: أنَّ العربَ كانت تختلفُ أفعالُها في البحيرة.
والسائبةُ قيل: كان الرَّجُل إذا قَدِمَ من سفرٍ أو شُكْرِ نعمةٍ، سَيَّبَ بعيرًا فلم يُرْكَبْ ويفعل به ما تقدَّم في البحيرَة، وهذا قول أبي عُبَيْد، وقيل: هي الناقة تُنْتَجُ عَشْرَة إناثٍ، قال القرطبيُّ: ليْس بينهن ذكرٌ؛ فلا تُرْكبُ ولا يَشْرَب لبنهَا إلا ضَيْفٌ أو ولدٌ، قاله الفراء، وقيل: ما تُرِكَ لآلهتهم، فكان الرجُلُ يجيء بماشيتهِ إلى السَّدنة فيتركه عندهم ويسيل لبنه، وقيل: هي الناقَةُ تُتْرَكُ ليُحَجَّ عليها حَجَّة، ونُقِلَ ذلك عن الشافعيِّ، وقيل: هو العبدُ يُعْتَقُ على ألاَّ يَكُونَ عليه ولاءٌ، ولا عَقْلٌ ولا ميراثٌ قاله عَلقَمَةُ.
والسَّائِبَةُ هنا: فيها قولان:
أحدهما: أنها اسمُ فاعلٍ على بابه، من سَابَ يَسِيبُ، أي يَسْرَحُ، كسَيَّبَ المَاءَ، وهو مطاوعُ سَيَّبْتُهُ، يقال: سَيَّبْتُهُ فَسَابَ وانْسَابَ.
والثاني: أنه بمعنى مفعُول؛ نحو: {عِيشَة رَاضِيَة}، ومجيءُ فاعل بمعنى مفعول قليلٌ جدًّا؛ نحو: {ماء دافق}، والذي ينبغي أن يُقال: إنه فاعلٌ بمعنى ذي كذا، أي: بمعنى النَّسَب، نحو قولهم: لابنٌ، أي: صَاحِبُ لبنِ، ومنه في أحدِ القولَيْن: «عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، ومَاءٌ دَافِقٌ»، أي: ذاتُ رِضًا، وذو دَفْقٍ، وكذا هذا، أي: ذَاتُ سَيْبٍ.
والوصِيلَةُ هنا فعليةٌ بمعنى فاعلةٍ على ما سيأتي تفسيرُهُ، فدخولُ التاءِ قياسٌ، واختلف أهلُ اللغةِ فيها، هَلْ هي من جنْسِ الغَنَم، أو من جنْسِ الإبلِ؟ ثم اختلَفُوا بعد ذلك أيضًا، فقال الفرَّاء: «هي الشَّاةُ تُنْتَجُ سبعةَ ابطُنٍ عَناقَيْنِ عَناقَيْنِ، فإذا ولدتْ في آخرِهَا عَنَاقًا وجَدْيًا، قيل: وصلتْ أخَاهَا، فجَرَتْ مَجْرَى السَّائبة»، وقال الزجَّاج: «هي الشَّاة إذا ولدتْ ذكرًا، كان لآلهتهمْ، وإذا ولدتْ أنثى، كانت لهم»، وقال ابن عبَّاس- رضي الله عنه-: «هِيَ الشَّاةُ تُنْتَجُ سبْعَةَ أبْطُنٍ، فإذا كان السابعُ أنْثَى، لم تنتفعِ النساء منها بشَيْء، إلا أنْ تموتَ فيأكُلَهَا الرجَالُ والنِّسَاء، وإنْ كانَتْ ذَكَرًا ذبحُوه وأكلُوه جميعًا، وإنْ كان ذكرًا وأنثى، قالوا: وصلتْ أخَاهَا، فيتركُونَها معهُ لا تُذْبَحُ ولا ينتفعُ بها إلا الرجالُ، دون النِّساء، فإن ماتتِ، اشتركْنَ مع الرجالِ فيها»، وقال ابن قُتَيْبَةَ: إن كان السابعُ ذَكَرًا، ذُبِحَ وأكله الرجال، دون النساء، وقالوا: {خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139] وإنْ كانَتْ أنثى، تُرِكَتْ في الغنمِ، وإن كان ذَكَرًا وأنْثَى فكقَوْلِ ابن عبَّاس، وقيل: «هي الشَّاةُ تنتجُ عشْرَ إناثٍ متوالياتٍ في خَمْسة أبطنٍ، ثم ما ولدتْ بعد ذلك، فللذكورِ دون الإناث» وبهذا قال أبو إسحاق، وأبو عُبَيْدَة، إلا أن أبا عُبَيْدَة قال: «وإذَا وَلَدَتْ ذكرًا وأنثى معًا، قالوا: وَصَلَتْ أخَاهَا، فلم يذبَحُوه لمكانِهَا»، وقيل: هي الشَّاة تُنْتَجُ خَمْسَةَ أبطنٍ أو ثلاثةً، فإن كان جَدْيًا ذَبَحُوه، وإن كان أنثى أبْقَوْهَا، وإن كان ذَكرًا وأنثى، قالوا: وصلَتْ أخاها، هذا كلُّه عند من يَخُصُّها بجنْسِ الغَنَمِ، وأما من قال: إنها من الإبل فقال: «هي النَّاقَةُ تبتكرُ، فتلدُ أنثى، ثم تُثَنِّي بولادةِ أنثى أخرى، ليس بينهما ذكَرٌ، فيتركونها لآلهتهم، ويقولون: قد وصلتْ أنثى بأنثى، ليس بينهما ذكرٌ».
والحَامِي: اسمُ فاعلٍ من حَمَى يَحْمِي أي: مَنَعَ، واختلف فيه أهلُ اللغة، فعن الفرَّاء: «هو الفحْلُ يُولَدُ لولدِ ولدِه، فيقولون: قد حَمَى ظهرَه، فلا يُرْكبُ ولا يُستعملُ ولا يُطْرَدُ عن ماءٍ ولا شجرٍ»، وقال بعضهم: «هو الفحْلُ يُنْتجُ من بَيْن أولاده ذكُورَها وإناثَهَا عشْر إنَاثٍ»، روى ذلك ابن عطيَّة.
وقال بعضهم: هو الفحْلُ يُولَدُ مِنْ صُلْبهِ عَشَرَةُ أبْطُنٍ، فيقولون قد حَمَى ظهرَهُ، فيتركونَهُ كالسائبةِ فيما تقدَّم، وهذا قول ابن عبَّاس وابنِ مسْعُود، وإليه مال أبو عُبَيْدَة والزجَّاج، ورُوِيَ عن الشافعيِّ: أنه الفَحْلُ يَضْرِبُ في مال صاحبِهِ عَشْرَ سنينَ، وقال ابن زَيْدٍ: هو الفحلُ يُنْتَجُ له سَبْعُ إناثٍ متوالياتٍ، فيَحْمِي ظهره، فيُفْعَلُ به ما تقدَّم، فهذا منشأ خلاف أهْلِ اللغة في هذه الأشياءِ؛ أنه باعتبار اختلافِ مذاهب العرب وآرائهم الفاسِدَة فيها، وقد أنشد أهل اللغة في كلِّ واحدٍ من هذه الألفاظ معنًى يخُصُّه؛ فأنْشَدُوا في البحيرةِ قوله: [الطويل]
مُحَرَّمَةٌ لا يَطْعَمُ النَّاسُ لَحْمَهَا ** ولا نَحْنُ فِي شيءٍ كَذاكَ البَحَائِرُ

وأنشدوا في السَّائبةِ قوله: [الطويل]
وَسَائِبَةٍ لله مالِي تَشَكُّرًا ** إن اللَّه عَافَى عَامِرًا أوْ مُجَاشِعَا

ونشدوا في الوصيلةِ لتَأبَّطَ شَرًّا: [الطويل]
أجِدَّكَ أمَّا كُنْتَ فِي النَّاسِ نَاعِقًا ** تُرَاعِي بأعْلَى ذِي المَجَازِ الوَصَايلا

وأنشدوا في الحَامِي قوله: [الطويل]
حَمَاهَا أبُو قَابُوسَ فِي عِزِّ مُلْكِهِ ** كَمَا قَدْ حَمَى أوْلادَ أولادِهِ الفَحْلُ

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (104):

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم لما حرموا هذه الأشياء اضطروا إلى تحليل الميتة فحرموا الطيب وأحلوا الخبيث.
ولما اتخذوه دينًا واعتقدوه شرعًا ومضى عليه أسلافهم، دعتهم الحظوظ والأنفة من نسبة آبائهم إلى الضلال والشهادة عليهم بالسفه إلى الإصرار عليه وعدم الرجوع عنه بعد انكشاف قباحته وبيان شناعته حتى أفنى أكثرهم السيف ووطأتهم الدواهي، فوطأت أكتافهم وذللت أعناقهم وأكنافهم، فقال تعالى دالًا على ختام الآية التي قبله من عدم عقلهم: {وإذا قيل لهم} أي من أيّ قائل كان ولو أنه ربهم، بما ثبت من كلامهم بالعجز عنه أنه كلامه {تعالوا} أي ارفعوا أنفسكم عن هذا الحضيض السافل {إلى ما أنزل الله} أي الذي لا أعظم منه، وقد ثبت أنه أنزله بعجزكم عنه {وإلى الرسول} أي الذي من شأنه لكونه سبحانه أرسله أن يبلغكم ما يحبه لكم ويرضاه {قالوا حسبنا} أي يكفينا {ما وجدنا عليه آباءنا}.
ولما كانوا عالمين بأنه ليس في آبائهم عالم، وأنه من تأمل أدنى تأمل عرف أن الجاهل لا يهتدي إلى شيء، قال منكرًا عليهم موبخًا لهم: {أولو} أي يكفيهم ذلك إذا قالوا ذلك ولو {كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا} أي من الأشياء حق علمه لكونهم لم يأخذوه عن الله بطريق من الطرق الواصلة إليه، ولما كان من لا يعلم قد يشعر بجهله فيتعلم فيهتدي فيصير أهلًا للاقتداء به، وقد لا يشعر لكونه جهله مركبًا فلا يجوز الاقتداء به، بين أنهم من أهل هذا القسم فقال: {ولا يهتدون} أي لا يطلبون الهداية فلا توجد هدايتهم إلى صواب، لأن من لا يعلم لا صواب له، لأنه ليس للهدى آلة سوى العلم، وأدل دليل على عدم هدايتهم أنهم ضيعوا الطيب من أموالهم فاضطرهم ذلك إلى أكل الخبيث من الميتة، وأغضبوا بذلك خالقهم فدخلوا النار، فلا أقبح مما يختاره لنفسه المطبوع على الكدر، ولا أحسن مما يشرعه له رب البشر، وهذه الآية ناظرة إلى قوله تعالى في سورة النساء: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا} [المساء: 117] إلى قوله: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} [النساء: 119] فالتفت حينئذ إلى قوله: {رجس من عمل الشيطان} أيّ التفات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

المعنى معلوم وهو رد على أصحاب التقليد وقد استقصينا الكلام فيه في مواضع كثيرة.
واعلم أن الواو في قوله: {أولو كان آباؤهم} واو الحال قد دخلت عليها همزة الإنكار، وتقديره أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون.
واعلم أن الاقتداء إنما يجوز بالعالم المهتدي، وإنما يكون عالمًا مهتديًا إذا بنى قوله على الحجة والدليل، فإذا لم يكن كذلك لم يكن عالمًا مهتديًا، فوجب أن لا يجوز الاقتداء به. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم أخبر عن جهلهم فقال: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا إلى مَا أنزل الله وإلى الرَّسُول} من تحليل ما حرمتم على أنفسكم، وما بيّن رسوله.
ويقال: تعالوا إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} من الدين والسنة.
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله} يعني: أيتبعون آباءهم وإن كان آباؤهم جهالًا، فنهاهم الله عن التقليد، وأمرهم بالتمسك بالحق وبالحجة. اهـ.

.قال الخازن:

{وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} يعني: وإذا قيل لهؤلاء الذين بحروا البحائر وفعلوا هذه الأشياء أضافوها إلى الله كذبًا تعالوا إلى ما أنزل الله يعني في كتابه وإلى الرسول يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه كتابه ليبين لكم كذب ما تضيفونه إلى الله ويبين لكم الشرائع والأحكام وإن الذي تفعلونه ليس بشيء {قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} يعني قد اكتفينا بما أخذنا عنهم من الدين ونحن لهم تقع قال الله ردًا عليهم {أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون} يعني إنما يصح الاقتداء بالعالم المهتدي الذي يبني قوله على الحجة والبرهان والدليل وأن آباءهم ما كانوا كذلك فيصح اقتداؤهم بهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي للذين عبَّر عنهم «بأكثرُهم» على سبيل الهداية والإرشاد {تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله} من الكتاب المبين للحلال والحرام {وَإِلَى الرسول} الذي أُنزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال وتُميِّزوا الحرامَ من الحلال {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} بيان لعنادهم واستعصائهم على الهادي إلى الحق وانقيادِهم للداعي إلى الضلال {أَوْ لَّوْ كَانَ آبَاؤُهم لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} قيل: الواو للحال دخلت عليها الهمزة للإنكار والتعجيب، أي أحَسْبُهم ذلك ولو كان آباؤهم جَهَلةً ضالين؟ وقيل: للعطف على شرطية أخرى مقدّرة قبلها وهو الأظهر، والتقدير أحَسْبهم ذلك أو أيقولون هذا القولَ لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئًا من الدين ولا يهتدون الصواب؟ ولو كانوا لا يعلمون الخ. وكلتاهما في موقع الحال أي أحسْبُهم ما وجدوا عليه آباؤهم كائنين على كل حال مفروض؟