فصل: وقوله تعالى: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (282):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.وقوله تعالى: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (282):

اعلم أنه تعالى ذكر السفيه في مواضع من كتابه في أمر الدين والدنيا:
فأما في أمر الدين، فمثل قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها}.
وقال: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ} الآية.
وإنما ذلك في أمر الدين.
وقال في نوع آخر: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا}.
فهذا وإن كان خطاب غير السفهاء، ولكن المراد بقوله: {أَمْوالَكُمُ} أي أموالهم، ولذلك قال: {وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ}.
فعلم به أن المراد بقوله: {أموالكم} الأموال التي أضيفت إليكم ولاية لا ملكا.
وذلك يدل دلالة ظاهرة، على أن على السفيه في أمواله ولاية، وأن أمر أمواله مفوض إلى وليه، حتى إنه يرزقه منه ويكسوه، فقال: أموالكم، وأراد به أموالكم من حيث نفاذ التصرف، وأموالهم من حيث الملك.
ومثله قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال في موضع آخر {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً} أي يسلم بعضكم على بعض.
وأصل السفه في الدين والدنيا واحد، وهو الخفة والجهل بموضع الحط والأمر الذي قصد له، فالسفيه في الدين والسفيه في رأيه هو الجاهل فيه، ومنه قول الشاعر:
نخاف أن تسفه أحلامنا ** ونخمل الدهر مع الخامل

والبذيء اللسان يسمى سفيها، لأنه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس وأصحاب العقول الخفيفة.
وجمع اللّه تعالى بين السفيه والضعيف، والضعيف هاهنا عند المفسرين هو العاجز عن الإملاء، إما بعيّه أو خرسه أو جهله بأداء الكلام.
فليملل وليه من يقوم مقامه، وليس في ذلك تصريح بأن إقرار الولي عليه مقبول.
وفي هذه الآية دليل ظاهر على أن الحجر ثابت على السفيه، ولا فيه بيان معنى السفه الذي يقتضي الحجر على الحر الثابت شرعا، بل قوله تعالى: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ} إلى قوله: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} يدل على أن المداينة جرت معه، فإنه قال: إذا تداينتم، ثم قال: فإن لم يستطع بعض المتداينين أن يكتبوا فليكتب الولي بالعدل، وليس الضعف اسما للمحجور عليه، فإنه يتناول الخرف والأخرس والعيي.
نعم قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ} يدل على ذلك، على ما سنبينه في سورة النساء.
فأما قوله: {سفيها أو ضعيفا} بعد أن ابتدأ الآية، فقد اقتضى أن يكون الذي عليه الحق جائز المداينة والتصرف، فأجاز تصرف هؤلاء كلهم، فلما بلغ إلى حال إملاء الكتاب والإشهاد، ذكر من لا يكمل لذلك، إما لجهل بالشروط أو ضعف عقل، لا يحسن معه الإملاء.
فإن لم يوجد نقصان عقله حجر عليه، إما لصغره أو لخرف وكبر سن، لأن قوله: {ضَعِيفًا} يحتمل الأمرين جميعا.
وذكر معهما من لا يستطيع أن يمل هو لمرض أو لكبر سن، فثقل لسانه عن الإملاء، وإذا كان كذلك فليس على المريض ومن ثقل لسانه بخرس وليّ، عند أحد من العلماء، مثل ما يثبت على الصبي والسفيه عند من يحجر عليه.
نعم يبقى أن يقال إن قوله: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يقتضي كون المداينة جارية مع السفيه والضعيف وغيرهما.
ولا شك أن السفيه لا يمنعه السفه من الإملاء إذا لم يكن موليا عليه، فإن منعه من الإملاء، فهو الضعيف الذي لا يستطيع أن يمل، فما معنى ذكر السفه ها هنا؟ فيقال: معناه أن السفيه لخفة عقله لا يستطيع الشرائط، إلا أن يشار إليه ويعرف الشرائط فيه.
وبالجملة لفظ السفيه مشترك، يشتمل على معان مختلفة، فيجوز إطلاقه على الصبي والمجنون والكافر وبذيء اللسان والمنافق، وهؤلاء لا يستحقون الحجر.
نعم لما قال اللّه عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ} عرفنا أن المراد به سفه يتعلق بالمال، وسيأتي بيانه إن شاء اللّه.

.قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ}:

ظن ظانون أن ذلك يتناول الأحرار والعبيد، لأن العبيد من رجالنا وأهل ديننا.
فقيل لهم: قد قال: {إِذا تَدايَنْتُمْ} وساق الخطاب إلى قوله: {مِنْ رِجالِكُمْ} وظاهر الخطاب تناوله للذين يتداينون، والعيد لا يملكون ذلك دون إذن السادة.
ولعلهم يقولون إن خصوص أول الآية لا يمنع التعلق بعموم آخرها، وفيه من اختلاف الأصوليين ما لا يخفى.
وأقوى ما قيل في رد شهادة العبيد من دلالة كتاب اللّه تعالى، أن اللّه تعالى جعل الشهادة منصبا، وجعل الشاهد قواما بالقسط لإحياء حقوق المسلمين، فقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}.
وإنما يبين معنى كونه ناهضا به، إذا دعي إليها وأجاب ووجبت عليه الإجابة، كما قال تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا}.
ولا يتصور استقلال العبد بهذا المعنى، لكونه ممنوعا من الخروج إلى القاضي، وتصحيح دعوى المدعى، ولأجل ذلك لم يجعل أهلا للولاية في حق أولاده، لأنها تستدعي القيام بالنظر، ولا يتأتى ذلك مع قيام الرق، فلم يثبت له المنصب.
والمرأة في معنى الاستقلال، لما كانت دون الرجل، أثر ذلك في شهادتها وولايتها جميعا، ولكن لا يسلب الأمران عنها.
ولأجل ذلك لم يكن العبد مساويا للحر في الجمعة حتى لا تنعقد به، فإنها تستدعي أسبابا لا تتهيأ للعبد.
ولأن الشهادة منصب أخذ على الشاهد فيه تخير ضروب من الوقار وحفظ الحرمة، حتى يتخير من الحرف أعلاها وأولاها، ومن الأفعال أرتبها وأحسنها، ولا تخير من العبد أصلا، فإن السيد يصرفه كيف شاء، في دنيات الأعمال وعليتها، فليس يؤهل لمنصب لا يستقل به، ولذلك لم يكن وليا ولا حاكما.
وقد جمع اللّه تعالى بين درجة الشاهد والحاكم فقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}.
فجعل الحاكم شاهدا للّه تعالى، ولم يجعل العبد أهلا له، لأن المقصود منه الاستقلال بهذا المهم إذا دعت الحاجة اليه، ولا يتأتى ذلك من العبد أصلا. فكذلك منصب الشهود.
وقد جعل اللّه تعالى للعبد المملوك نهاية المثل في عدم القدرة فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ}.
وكيف يكون بهذه المثابة من يقدر على تنفيذ قوله في الغير في الدماء والفروج؟ ولم يثبت له قول نافذ في حكم ما، إلا فيما لا طريق إليه إلا من جهته، كالإسلام والطلاق، فإن الحجر عليه فيه يؤذن بامتناع الطلاق رأسا، وفيه مفسدة وارعة عن النكاح، وكذا الإقرار بالدم عند بعض العلماء، فإنه لا طريق إلى الخلاص عن المظلمة إلا من هذه الجهة.
فأما الشهادة فلا تدعو الضرورة فيها إلى العبيد لقيام الحر بها دونهم، فهذا تمام هذا المعنى.
فأما الشهادة فلا تدعو الضرورة فيها إلى العبيد الحر بها دونهم، فهذا تمام هذا المعنى.
وفيه معنى آخر، وهو أن قبول قول زيد على عمرو، بعيد عن قياس الأصول، إلا أن الشرع رأى ذلك لمصلحة إحياء الحقوق وخوفا من ضياعها، ولأجل ذلك كانت الشهادة من فروض الكفايات كالجهاد، فإذا لم يكن من أهل الخطاب بالجهاد، ولو حضر وقاتل لم يسهم له، وجب ألا يكون من أهل الخطاب بالشهادة، ومتى شهد لم تقبل شهادته، ولم يكن له حكم الشهود، كما لم يثبت له حكم المجاهد، وإن شهد القتال في استحقاق السهم.
ولما أثر نقص لأنوثة في منصب الولاية، سلب استقلال المرأة بالشهادة، إلا أن يكون معها رجل.
فإثبات استقلال العبيد بالشهادة إيفاء رتبتهم على رتبة النساء، فإن كان كذلك، فلتكن رتبتهم موفية على رتبتهن في الولاية، والأمر بالعكس من ذلك، وذلك يدل على سقوط رتبة الشهادة في حق العبيد.
نعم يقبل خبر العبيد على الانفراد وخبر النسوة كمثل، لأن طريق قبول الخبر شيء، وطريق قبول الشهادة شيء، فليس يتعلق بالخبر دعوى واستحضار لأداء الشهادة، ويتعلق ذلك بالشهادة.
فالذي يروي الخبر، يخبر عما علمه، سواء استشهد أو لم يستشهد، وليس يتعلق قبوله بحاكم ومجلس حكم، وإنما سبيله إخبار عن شيء شاهده إن كان قد شاهده.
وأما الشهادة، فسبيلها سبيل إيجاب حق على ممتنع باستحضار واستدعاء، ولا يتأتى ذلك للعبد على ما بيناه من قبل.
وقد نقل عن علي رضي اللّه عنه إجازة شهادة الصبيان، وذلك لم يثبت عنه، مع أن قوله: {مِنْ رِجالِكُمْ} لا يتناوله.
ولا يقبل خبره أيضا، ولا يلزم بخبره حكم، فإن عدالته غير ثابتة، ولا أنه بالمعاصي يأثم، فلا عبرة بقوله.
وكيف يوثق بقول من يعلم أنه لو كذب فلا يؤاخذ بالكذب، ولا تبعة عليه في الآخرة؟
ودلت الآية على أن الأعمى من أهل الشهادة فإنه من رجالنا، ولكن إذا علم يقينا، مثل ما روى ابن عباس قال: سئل النبي صلّى اللّه عليه وسلم عن الشهادة فقال: ترى هذه الشمس فاشهد على مثلها أو دع.
وذلك يدل على اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به، لا من يشهد بالاستدلال الذي يجوز أن يخطئ.
نعم يجوز له وطء امرأته إذا عرف صوتها، لأن الإقدام على الوطء جائز بغالب الظن، فلو زفت إليه امرأة وقيل هذه امرأتك، وهو لا يعرفها جاز له وطؤها.
ويحل له قبول هدية جاره بقول الرسول.
ولو أخبر مخبر عن زيد بإقرار أو بيع أو قذف أو غصب، لما جاز له إقامة الشهادة على المخبر عنه، لأن سبيل الشهادة اليقين والمشاهدة، وفي غيرها يجوز استعمال غالب الظن، ولذلك قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف: إذا علمه قبل العمى جازت له الشهادة بعد العمى، ويكون العمى الحائل بينه وبين المشهود عليه، كالغيبة والموت في المشهود عليه، فهذا مذهب هؤلاء.
والذي يمنع أداء الأعمى فيما يحمل بصيرا لا وجه لقوله على ما يجب بعد أن كان الأعمى مرضيا عدلا.
وتصح شهادته بالنسب الذي يثبت بالخبر المستفيض، كما يخبر عما تواتر حكمه من الرسول صلّى اللّه عليه وسلم.
ومن العلماء من قبل شهادة الأعمى فيما طريقة الصوت، لأنه رأى أن الاستدلال بذلك يترقى إلى حد اليقين، ورأى أن اشتباه الأصوات كاشتباه الصور والألوان، وهو ضعيف يلزم منه جواز الاعتماد على الصوت للبصير.
ومقتضى عموم كتاب اللّه تعالى، تجويز شهادة البدوي على القروي، لأنه قد يكون عدلا مرضيا وهو من رجالنا وأهل ديننا، وكونه بدويا ككونه من أهل بلد آخر.
وفي السلف من لا يجوز ذلك، وهو رواية ابن وهب عن مالك، ومذهب أحمد.
والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول، تسوي بين القروي والبدوي، مثل قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

.{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} إلى قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} (282):

واختلاف الأماكن أيّ أثر له؟
وقد روى أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية».
وليس فيه فرق بين القروي في الحضر أو في السفر، ومتى كان في السفر فلا خلاف في قبوله.
وروى عكرمة عن ابن عباس، أنه شهد أعرابي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على رؤية الهلال، فأمر بلالا أن ينادي في الناس فيصوموا غدا.
فقبل شهادة الأعرابي وأمر الناس بالصيام.
وجائز أن يكون خبر أبي هريرة في وقت كان الشرك والنفاق والتساهل في أمر الدين غالبا على أهل البادية، كما قال تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ}.
فإنما منع قبول شهادة من هذه صفته من الأعراب.
وقد وصف اللّه تعالى قوما آخرين من الأعراب فقال: {وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ} الآية. فمن كانت هذه صفته فبعيد أن لا تقبل شهادته، مع قبولها على البدوي الآخر المماثل له، وقبولها على القروي في السفر.
قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رجالكم فإن لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ} الآية (282):
اعلم أن ظاهر الآية يقتضي أن تكون شهادة النساء شهادة ضرورة معدولا بها عن أصل الشهادة، فإنه قال: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين.
فاقتضى الظاهر عدم القدرة على الرجلين، إلا أنه جوز على خلاف الظاهر للإجماع، وشرط كون الرجل معهن، فلم يجعل لهن رتبة الاستقلال، فدل مجموع ذلك على أن شهادة النساء شرعت في المداينات التي كثر اللّه تعالى أسباب توثيقها، لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوى بها وتكررها، فجعل التوثيق:
تارة بالكتابة.
وتارة بالإشهاد.
وتارة بالرهن.
وتارة بالضمان.
فأدخل في جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال.
ولا يتوهم عاقل أن قوله: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يشتمل على دين المهر مع البضع، وعلى الصلح عن دم العمد، فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين، بل هي شهادة على النكاح، ولو شهد على المهر فيقبل، نعم لا يصير النكاح تبعا للمهر بحال.
نعم، ما ليس بمال إذا كان تبعا للمال، مثل الأجل المذكور في المداينة، فيقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، لأن الأجل يؤول إلى المآل.
فإن قال قائل: المهر في النكاح تابع للنكاح، ولا يجب إلا معه، فلم يثبت بشهادة النساء، وليس المهر من جملة المداينات المذكورة في الآية؟
قلنا: لأن المهر من حيث كان دينا، سلك به مسلك الديون كلها في أنواع التوثيق، كالرهون والضمان وغيرهما، فألحق بقياس الأموال.
فإن قال قائل: العتق تعددت جهات تحصيله، وكذلك الطلاق، وتزيد جهاتها من الكنايات والصرائح والتعليق والتنجيز على جهات تحصيل الأموال، فلم لم يجعل ذلك ملحقا بالأموال؟
فالجواب: أن الحاجة لا تتكرر إلى توثيق جهات الطلاق مسيس الحاجة إلى الوثائق في المداينات، ولذلك بالغ الشرع في إبانة جهات الوثائق فيها، وقال في الرجعة والطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.