فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا} من هول ذلك اليوم، ومن شدة المسألة، وهي في بعض مواطن يوم القيامة قالوا: {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} ما كان وما لم يكن.
وروى أسباط عن السدي قال: نزلوا منزلًا ذهبت فيه العقول فلما سئلوا؟ قالوا: لا علم لنا ثم نزلوا منزلًا آخر، فشهدوا على قومهم.
ويقال: هذا عند زفرة جهنم فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل عند ذلك إلا قال: نفسي نفسي فعند ذلك قالوا: لا علم لنا.
ويقال: كان ذلك عند أول البعث، ثم يشهدون بعد ذلك بتبليغ الرسالة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ومعنى مسألته للرسل توبيخ الذين أُرسلوا إِليهم.
فأما قول الرسل: {لا علم لنا} ففيه ستة أقوال:
أحدها: أنهم طاشت عقولهم حين زفرت جهنم، فقالوا: {لا علم لنا} ثم تُرَدُّ إِليهم عقولُهم، فينطلقون بحجتهم، رواه أبو الضحى عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أن المعنى: {لا علم لنا} إِلاّ علمٌ أنت أعلم به منا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أن المراد بقوله: {ماذا أُجبتم}: ماذا عملوا بعدكم، وأحدثوا، فيقولون: {لا علم لنا} قاله ابن جريج، وفيه بُعْد.
والرابع: أن المعنى: {لا علم لنا} مع علمك، لأنك تعلم الغيب، ذكره الزجاج.
والخامس: أن المعنى: {لا علم لنا} كعلمك، إِذ كنت تعلم ما أظهر القوم وما أضمروا، ونحن نعلم ما أظهروا، ولا نعلم ما أضمروا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا، هذا اختيار بن الأنباري.
والسادس: {لا علم لنا} بجميع أفعالهم إِذ كنا نعلم بعضها وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان بعد وفاتنا، وإِنما يستحق الجزاء بما تقع به الخاتمة، حكاه ابن الأنباري.
قال المفسرون: إِذا ردَّ الأنبياء العلم إِلى الله أُبْلِسَتِ الأممُ، وعلمت أن ما أتته في الدنيا غير غائب عنه، وأن الكل لا يخرجون عن قبضته. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف أهل التأويل في المعنى المراد بقولهم: {لاَ عِلْمَ لَنَا} فقيل: معناه لا علم لنا بباطن ما أجاب به أُممنا؛ لأن ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء؛ وهذا مرويّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المعنى لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا، فحذف؛ عن ابن عباس ومجاهد بخلاف.
وقال ابن عباس أيضًا: معناه لا علم لنا إلاَّ علم أنت أعلم به منا.
وقيل: إنهم يَذْهَلُونَ من هول ذلك ويفزعون من الجواب، ثم يجيبون بعدما تثوب إليهم عقولهم فيقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا}؛ قاله الحسن ومجاهد والسدي.
قال النحاس: وهذا لا يصح؛ لأن الرسل صلوات الله عليهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
قلت: هذا في أكثر مواطن القيامة؛ ففي الخبر «إن جهنم إذا جِيءَ بها زَفَرت زفرة فلا يبقى نبيّ ولا صِدّيق إلاَّ جَثَا لركبتيه» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خوّفني جبريل يوم القيامة حتى أبكاني فقلت يا جبرائيل ألم يغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخر؟ فقال لي يا محمد لتشهدنّ من هَوْل ذلك اليوم ما يُنسيك المغفرة».
قلت: فإن كان السؤال عند زفرة جهنم كما قاله بعضهم فقول مجاهد والحسن صحيح؛ والله أعلم.
قال النحاس: والصحيح في هذا أن المعنى: ماذا أجِبتم في السر والعلانية ليكون هذا توبيخًا للكفار؛ فيقولون: لا علم لنا؛ فيكون هذا تكذيبًا لمن اتخذ المسيح إلهًا.
وقال ابن جريح: معنى قوله: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} ماذا عملوا بعدكم؟ قالوا: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب}.
قال أبو عبيد: ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يرد عليّ أقوام الحوض فيختلجون فأقول أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وكسر الغين من الغيوب حمزة والكسائي وأبو بكر، وضم الباقون.
قال الماورديّ فإن قيل: فلم سألهم عما هو أعلم به منهم؟ فعنه جوابان: أحدهما أنه سألهم ليعلمهم ما لم يعلموا من كفر أممهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم.
الثاني أنه أراد أن يفضحهم بذلك على رؤوس الأشهاد ليكون ذلك نوعًا من العقوبة لهم. اهـ.

.قال الثعالبي:

{مَاذَا أَجَبْتُمُ}: معناه: ماذا أجابَتْكُمْ الأُمَمُ، وهذا السؤالُ للرُّسُل إنما هو لتقُومَ الحجة على الأممِ، واختلف الناسُ في معنى قولهم عليهم السلام: {لاَ عِلْمَ لَنَا}: قال الطبريُّ: ذُهِلُوا عن الجوابِ، لهولِ المَطْلَع؛ وقاله الحسنُ، وعن مجاهدٍ؛ أنه قال: يَفْزَعُون، فيقولُون: لا علْمَ لنا، وضعَّف بعضُ النَّاس هذا المنْزَع؛ بقوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103]، وقال ابنُ عبَّاس: معنى الآية: لاَ عِلْمَ لنا إلا ما علَّمتنا؛ أنْتَ أعلم به منَّا، وقولُ ابنِ عباس حَسَن، وهو أصوبُ هذه المناحِي؛ لأنه يتخرَّج على التسليم للَّه تعالى، وردِّ الأمر إلَيْه؛ إذ هو العالِمُ بجميعِ ذلك؛ على التَّفْصيل والكمالِ، فرأَوُا التسليمَ والخضوعَ لعلْمه المحيطِ سبحانه، قال مكِّيٌّ: قال ابنُ عباس: المعنى: لا علم لنا إلاَّ عِلمٌ أنت أعلَمُ به منَّا، وهو اختيار الطبريِّ، وقيل: لما كان السؤالُ عامًّا يقتضي بعمومه سؤالَهُم عَنْ سِرِّ الأمم وعلانِيَتِها، رَدُّوا الأمر إلَيْهِ؛ إذ ليس عندهم إلاَّ علْمُ الظاهر؛ قال مكِّيٌّ: وهذا القولُ أحبُّ الأقوالِ إلَيَّ، قال: ومعنى مسألة اللَّه الرُسلَ عمَّا أَجِيبُوا، إنما هو لمعنَى التوبيخِ لمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْه؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ} [التكوير: 8]، انتهى من «الهداية». اهـ.

.قال في الميزان:

وأما نفيهم العلم يومئذ عن أنفسهم بقولهم: {لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب} فإثباتهم جميع علوم الغيوب لله سبحانه على وجه الحصر يدل على أن المنفى ليس أصل العلم فإن ظاهر قولهم: {إنك أنت علام الغيوب} يدل على أنه لتعليل النفى، ومن المعلوم أن انحصار جميع علوم الغيب في الله سبحانه لا يقتضى رفع كل علم عن غيره وخاصة إذا كان علما بالشهادة، والمسؤول عنه أعنى كيفية إجابة الناس لرسلهم من قبيل الشهادة دون الغيب.
فقولهم: {لا علم لنا} ليس نفيا لمطلق العلم بل لحق العلم الذي لا يخلو عن التعلق بالغيب فإن من المعلوم أن العلم إنما يكشف لعالمه من الواقع على قدر ما يتعلق بأمر من حيث أسبابه ومتعلقاته، والواقع في العين مرتبط بجميع أجزاء الخارج مما يتقدم على الأمر الواقع في الخارج وما يحيط به مما يصاحبه زمانا فالعلم بأمر من الامور الخارجية بحقيقة معنى العلم لا يحصل إلا بالاحاطة بجميع أجزاء الوجود ثم بصانعه المتعالى من أن يحيط به شئ، وهذا أمر وراء الطاقة الإنسانية.
فلم يرزق الإنسان من العلم في هذا الكون الذي يبهته التفكير في سعة ساحته، وتهوله النظرة في عظمة أجرامه ومجراته، ويطير لبه الغور في متون ذراته، ويأخذه الدوار إذا أراد الجرى بين هاتين الغايتين إلا اليسير من العلم على قدر ما يحتاج إليه في مسير حياته كالشمعة الصغيرة يحملها طارق الليل المظلم لا ينتفع من نورها إلا أن يميز ما يضع عليه قدمه من الأرض.
فما يتعلق به علم الإنسان ناشب بوجوده متعلق بواقعيته بأطراف ثم بأطراف أطراف، وهكذا كل ذلك في غيب من إدراك الإنسان فلا يتعلق العلم بحقيقة معنى الكلمة بشئ إلا إذا كان متعلقا بجميع الغيوب في الوجود، ولا يسع ذلك لمخلوق محدود مقدر إنسانا أو غيره إلا لله الواحد القهار الذي عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، قال الله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216) فدل على أن من طبع الإنسان الجهل فلا يرزق من العلم إلا محدودا مقدرا كما قال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} (الحجر: 21).
وقال تعالى: {ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء} (البقرة: 255) فدل على أن العلم كله لله، وإنما يحيط منه الإنسان بما شاء الله، وقال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الاسراء: 85) فدل على أن هناك علما كثيرا لم يؤت الإنسان إلا قليلا منه.
فإذن حقيقة الأمر أن العلم حق العلم لا يوجد عند غير الله سبحانه، وإذ كان يوم القيامة يوما يظهر فيه الأشياء بحقائقها على ما تفيده الآيات الواصفة لأمره فلا مجال فيه إلا للكلام الحق كما قال تعالى: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق} (النبأ: 39) كان من الجواب الحق إذا ما سئل الرسل فقيل لهم: {ماذا أجبتم} أن يجيبوا بنفى العلم عن أنفسهم لكونه من الغيب، ويثبتوه لربهم سبحانه بقولهم: {لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب}.
وهذا الجواب منهم عليهم السلام نحو خضوع لحضرة العظمة والكبرياء واعتراف بحاجتهم الذاتية وبطلانهم الحقيقي قبال مولاهم الحق رعاية لأدب الحضور وإظهارا لحقيقة الأمر، وليس جوابا نهائيا لا جواب بعده ألبتة: أما أولا فلأن الله سبحانه جعلهم شهداء على اممهم كما ذكره في قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} (النساء: 41) وقال: {ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء} (الزمر: 69) ولا معنى لجعلهم شهداء إلا ليشهدوا على أممهم يوم القيامة بما هو حق الشهادة يومئذ، فلا محالة هم سيشهدون يومئذ كما قدر الله ذلك فقولهم يومئذ: {لا علم لنا} جرى على الأدب العبودي قبال الملك الحق الذي له الأمر والملك يومئذ، وبيان لحقيقة الحال وهو أنه هو يملك العلم لذاته ولا يملك غيره إلا ما ملكه، ولا ضير أن يجيبوا بعد هذا الجواب بمالهم من العلم الموهوب المتعلق بأحوال أممهم، وهذا مما يؤيد ما قدمناه في البحث عن قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} الآية (البقرة: 143) في الجزء الأول من هذا الكتاب: أن هذا العلم والشهادة ليسا من نوع العلم والشهادة المعروفين عندنا وأنهما من العلم المخصوص بالله الموهوب لطائفة من عباده المكرمين.
وأما ثانيا فلأن الله سبحانه أثبت العلم لطائفة من مقربى عباده يوم القيامة على ما له من الشأن، قال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} (الروم: 56) وقال تعالى: {وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم} (الاعراف: 46) وقال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف: 87) وعيسى بن مريم عليه السلام ممن تعمه الآية وهو رسول فهو ممن يشهد بالحق وهم يعلمون، وقال تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} (الفرقان: 31) والمراد بالرسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذى تحكيه الآية من قوله هو بعينه جواب لما تشتمل عليه هذه الآية من السؤال أعنى قوله تعالى: {فيقول ماذا أجبتم} فظهر أن قول الرسل عليهم السلام: {لا علم لنا} ليس جوابا نهائيا كما تقدم.
وأما ثالثا فلأن القرآن يذكر السؤال عن المرسلين والمرسل إليهم جميعا كما قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} (الاعراف: 6) ثم ذكر عن الأمم المرسل إليهم جوابات كثيرة عن سؤالات كثيرة، والجواب يستلزم العلم كما أن السؤال يقرره، وقال أيضا فيهم: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق: 22)، وقال أيضا: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} (السجدة: 12) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، وإذا كانت الأمم- وخاصة المجرمون منهم- على علم في هذا اليوم فكيف يتصور أن يعدمه الرسل الكرام عليهم السلام فالمصير إلى ما قدمناه. اهـ.

.قال الفخر:

قرئ {علام الغيوب} بالنصب.
قال صاحب الكشاف والتقدير أن الكلام قد تمّ بقوله: {إِنَّكَ أَنتَ} أي أنت الموصوف بأوصافك المعروفة، من العلم وغيره.
ثم نصب {علام الغيوب} على الاختصاص، أو على النداء، أو وصفًا لاسم إن. اهـ.