فصل: من فوائد أبي السعود في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المثال أنت أعلم بما فعل بي وهذا لا ينفي العلم عنه غير أنه أثبت لسلطانه أنه أعلم بالخارجي منه.
وقال ابن أبي الفضل في قول الزمخشري ليس بالقوي لأن السؤال إنما وقع عن كل الأمة وكل الأمة ما كانوا كافرين حتى يريد الرسول توبيخهم، وقيل معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به لأنك علام الغيوب ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم فكأنه لا علم لنا إلا جنب علمك حكاه الزمخشري بهذا اللفظ.
قال الزجاج معناه مختصرًا.
وقال ابن عطية قول ابن عباس أصوب لأنه يترجح بالتسليم إلى الله تعالى ورد الأمر إليه إذ لا يعلمون إلا بما شوفهوا به مدة حياتهم وينقصهم ما في قلوب المشافهين من نفاق ونحوه وما كان بعدهم من أممهم والله تعالى يعلم جميع ذلك على التفصيل والكمال فرأوا التسليم له والخشوع لعلمه المحيط انتهى.
وقيل لا علم لنا بما كان بعدنا وإنما الحكم للخاتمة.
قال الزمخشري وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين انتهى.
وقال ابن أبي الفضل الأصحّ ما اختاره ابن عباس أي تعلم ما أظهروا وما أضمروا ونحن ما نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا فبهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم لأن علمهم عند الله كلا علم انتهى، فيكون مما نفيت فيه الحقيقة ظاهرًا والمقصود نفي الكمال كأنه قال: لا علم لنا كامل، تقول لا رجل في الدار أي كامل الرجولية في فوته ونفاذه.
وقال أبو عبد الله الرازي ثبت في علم الأصول أن العلم غير والظن غير والحاصل عند كل أحد من الغير إنما هو الظن لا العلم ولذلك قال عليه السلام: «نحن نحكم بالظواهر والله متولي السرائر».
وقال عليه السلام: «إنكم تختصمون إلى الحديث» والأنبياء قالوا: لا علم لنا البتة بأحوالهم إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن والظن كان معتبرًا في الدنيا لأن الأحكام في الدنيا كانت مبنية على الظنون أما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن لأن الأحْكام فيها مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور فلهذا السبب قالوا {لا علم} ولم يذكروا البتة ما معهم من الظن، لأن الظن لا عبرة به في القيامة انتهى كلامه.
وقال ابن عطية: لا علم لنا بسؤالك ولا جواب لنا عنه.
وقرأ ابن عباس وأبو حيوة {ماذا أجبتم} مبنيًّا للفاعل.
وقرأ علام بالنصب وهو على حذف الخبر لفهم المعنى فيتم الكلام بالمقدر في قوله: {إنك أنت} أي إنك الموصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره.
وقال الزمخشري ثم نصب {علام الغيوب} على الاختصاص أو على النداء أو صفة لاسم إن انتهى.
وهذا الوجه الأخير لا يجوز لأنهم أجمعوا على أن ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا يجوز أن يوصف وأما ضمير الغائب ففيه خلاف شاذّ، للكسائي.
وقرأ حمزة وأبو بكر {الغيوب} بكسر الغين حيث وقع كأنّ من قال ذلك من العرب قد استثقل توالي ضمتين مع الياء ففر إلى حركة مغايرة للضمة مناسبة لمجاورة الياء وهي للكسرة. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} نُصب على أنه بدل اشتمال من مفعول اتقوا لما بينهما من الملابسة، فإن مدارَ البداية ليس ملابسةَ الظرفية والمظروفية ونحوِها فقط، بل هو تعلّقٌ ما، مُصحِّحٌ لانتقال الذهن من المُبدلَ منه إلى البَدَل بوجه إجماليَ كما فيما نحن فيه، فإن كونَه تعالى خالقَ الأشياء كافةً مالكَ يومِ الدين خاصةً كافٍ في الباب، مع أن الأمرَ بتقوى الله تعالى يتبادر منه إلى الذهن أن المتقى أيُّ شأنٍ من شؤونه وأيُّ فعلٍ من أفعاله. وقيل: هناك مضافٌ محذوفٌ به يتحقق الاشتمال، أي اتقوا عذابَ الله فحينئذ يجوزُ انتصابُه منه بطريق الظرفية، وقيل: منصوب بمُضْمر معطوفٍ على {اتقوا} وما عُطف عليه، أي واحذروا أو اذكروا يوم الخ، فإن تذكير ذلك اليوم الهائل مما يُضْطرُّهم إلى تقوى الله عز وجل وتلقِّي أمره بسمع الإجابة والطاعة، وقيل: هو ظرف لقوله تعالى: {لاَّ يَهِدِّى}، أي لا يهديهم يومئذ إلى طريق الجنة كما يهدي إليه المؤمنين، وقيل: منصوب بقوله تعالى: {واسمعوا} بحذف مضاف، أي اسمعوا خبرَ ذلك اليوم، وقيل: منصوب بفعل مؤخر قد حُذف للدلالة على ضيق العبارة عن شرحه وبيانِه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامّة التامة والدواهي العامة، كأنه قيل: {يوم يجمع الله الرسل فيقول} الخ، يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه نطاقُ المقال، وإظهارُ الاسمِ الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة وتشديد التهويل، وتخصيصُ الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم، كيف لا و{ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} وقد قال الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} بل لإبانة شرفهم وأصالتهم، والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمعِ غيرِهم بناءً على ظهور كونهم أتباعًا لهم، ولإظهار سقوطِ منزلتهم وعدم لياقتهم بالانتظام في سلك جمع الرسل، كيف لا وهم عليهم السلام يُجمعون على وجه الإجلال، وأولئك يسحبون على وجوههم بالأغلال {فَيَقُولُ} لهم مشيرًا إلى خروجهم عن عُهدة الرسالة كما ينبغي حسبما يُعربُ عنه تخصيصُ السؤال بجواب الأمم إعرابًا واضحًا، وإلا لصدر الخطاب بأن يقال: هل بلغتم رسالاتي؟ وماذا في قوله عز وجل: {مَاذَا أَجَبْتُمُ} عبارةٌ عن مصدر الفعل، فهو نصْبٌ على المصدرية أيْ أيَّ إجابةٍ أُجبتم من جهة أُممِكم إجابةَ قَبول أو إجابةَ رد؟ وقيل: عبارة عن الجواب فهو في محل النصب بعد حذف الجارِّ عنه أيْ بأيِّ جوابٍ أجبتم؟ وعلى التقديرين ففي توجيه السؤال عما صدرَ عنهم وهم شهودٌ إلى الرسل عليهم السلام كسؤال الموؤودة بمَحْضرٍ من الوائد، والعدولِ عن إسناد الجواب إليهم بأن يقال: ماذا أجابوا؟ من الأنباء عن كمال تحقيرِ شأنهم وشدة الغيظ والسُّخط عليهم ما لا يخفى {قَالُواْ} استئناف مبني على سؤال نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل: فماذا يقول الرسل عليهم السلام هنالك؟ فقيل: يقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا} وصيغةُ الماضي للدلالة على التقرر والتحقق كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أصحاب الجنة} {ونادى أصحاب الأعراف} ونظائرِهما، وإنما يقولون ذلك تفويضًا للأمر إلى علمه تعالى وإحاطتِه بما اعتراهم من جهتهم من مقاساة الأهوال ومعاناة الهموم والأوجال وعَرْضًا لعجزهم عن بيانه لكثرته وفظاعتِه {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} تعليل لذلك، أي فتعلَمُ ما أجابوا وأظهروا لنا وما لم نعلمْه مما أضمَروه في قلوبهم، وفيه إظهارٌ للشَّكاةِ وردّ للأمر إلى علمه تعالى بما لَقُوا من قبلهم من الخطوب، وكابدوا من الكروب، والتجاءٌ إلى ربهم في الانتقام منهم، وقيل: المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا، وإنما الحكم للخاتمة ورُدَّ ذلك بأنهم يعرفونهم بسيماهم فكيف يخفى عليهم أمرُهم؟ وأنت خبير بأن مُرادهم حينئذ أن بعضهم كانوا في زمانهم على الحق ثم صاروا كَفَرة، وعن ابن عباس ومجاهد والسُدّي رضي الله عنهم أنهم يفزَعون من أول الأمر ويذهَلون عن الجواب ثم يُجيبون بعدما ثابت إليهم عقولُهم بالشهادة على أممهم، ولا يلائمه التعليل المذكور. وقيل: المرادُ به المبالغةُ في تحقيق فضيحتهم، وقرئ {علامَ الغيوب} بالنصب على النداء أو الاختصاص بالمدح، على أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: {أَنتَ} أي إنك أنت المنعوتُ بنعوتِ كمالِك المعروفُ بذلك. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله سبحانه: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} قيل ظرف لقوله عز وجل: {لاَّ يَهِدِّى} [المائدة: 108]، ونظر فيه الحلبي من حيث إنه سبحانه لا يهديهم مطلقًا لا في ذلك اليوم ولا في الدنيا وهذا احتمال ذكره الزمخشري، ونقل عن المغربي أيضًا وهو ظاهر على تقدير أن يكون المراد لا يهديهم إلى طريق الجنة، وفيه مراعاة لمذهب الاعتزال من نفي الهداية المطلقة لا يجوز على الله جل وعلا ولذلك خصص المهدي إليه، وقيل: إنه بدل من مفعول {واتقوا} [المائدة: 108] فهو حينئذ مفعول لا ظرف.
وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعدًا لطول الفصل بالجملتين، وقال الحلبي: لا بعد فإن هاتين الجملتين من تمام معنى الجملة الأولى وهو عند القائلين بالبدلية بدل اشتمال.
وتعقب ذلك العلم العراقي بأن الانصاف أن بدل الاشتمال هاهنا ممتنع لأنه لابد فيه من اشتمال البدل على المبدل منه أو بالعكس وهنا يستحيل ذلك ولهذا قال الحلبي: لابد في هذا الوجه من تقدير مضاف ليصح.
والمراد اتقوا عقاب الله يوم وحينئذ يصح انتصاب اليوم على الظرفية، وقال المحقق التفتازاني: وجه بدل الاشتمال ما بينهما من الملابسة بغير الكلية والبعضية بطريق اشتمال المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف بل بمعنى أن ينتقل الذهن إليه في الجملة ويقتضيه بوجه إجمالي مثلًا إذا قيل اتقوا الله يتبادر الذهن منه إلى أنه من أي أمر من أموره وأي يوم من أيام أفعاله يجب الاتقاء أيوم جمعه سبحانه للرسل أم غير ذلك، واعترض بأنه اشترط في ذلك أن لا يكون ظرفية وهذا ظرف زمان لو أبدل منه لأوهم ذلك، وقيل: إنه منصوب بمضمر معطوف على {اتقوا} الخ واحذروا أو واذكروا يوم الخ فإن تذكير ذلك اليوم الهائل مما يضطرهم إلى تقوى الله تعالى وتلقي أمره بسمع الإجابة، وقيل: منصوب بقوله سبحانه: {واسمعوا} [المائدة: 108] بحذف مضاف أي واسمعوا خبر ذلك اليوم.
وقيل: منصوب بفعل مؤخر قد حذف للدلالة على ضيق العبارة عن شرحه وبيانه لكمال فظاعة ما يقع فيه كأنه قيل: يوم يجمع الله الرسل الخ يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه نطاق المقال، وتخصيص الرسل بالذكر مع أن ذلك يوم مجموع له الناس لإبانة شرفهم وأصالتهم والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم بناء على ظهور كونهم أتباعًا لهم.
وقيل: ولا يخفى لطفه على بعض الاحتمالات الآتية في الآية لأن المقام مقام ذكر الشهداء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الشهداء على أممهم كما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} [القصص: 75] ففي بيان حالهم وما يقع لهم يوم القيامة وهم هم من وعظ الشهداء الذين البحث فيهم ما لا يخفى، وبهذا تتصل الآية بما قبلها أتم اتصال، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة وتشديد التهويل.
{فَيَقُولُ} لهم {مَاذَا أَجَبْتُمُ} أي في الدنيا حين بلغتم الرسالة وخرجتم عن العهدة كما ينبىء عن ذلك العدول عن تصدير الخطاب بهل بلغتم، وفي العدول عن ماذا أجاب أممكم ما لا يخفى من الإنباء عن كمال تحقير شأنهم وشدة السخط والغيط عليهم، والسؤال لتوبيخ أولئك أيضًا وإلا فهو سبحانه علام الغيوب.
و{مَاذَا} متعلق بأجبتم على أنه مفعول مطلق له أي أي إجابة أجبتم من قبل أممكم إجابة قبول أو إجابة رد.
وقيل: التقدير بماذا أجبتم أي بأي شيء أجبتم على أن يكون السؤال عن الجواب لا الإجابة فحذف حرف الجر وانتصب المجرور.
وضعف بأن حذف حرف الجر وانتصاب مجروره لا يجوز إلا في الضرورة كقوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا ** وكذا تقديره مجرورًا.

وقال العوفي: إن {مَا} اسم استفهام مبتدأ و{ذَا} بمعنى الذي خبره و{أَجَبْتُمُ} صلته والعائد محذوف أي ما الذي أجبتم به.
واعترض بأنه لا يجوز حذف العائد المجرور إلا إذا جر الموصول بمثل ذلك الحرف الجار واتحد متعلقاهما، وغاية ما أجابوا به عن ذلك أن الحذف وقع على التدريج وهو كما ترى.
{قَالُواْ} استئناف مبني على سؤال نشأ من سوق الكلام كأنه قيل: فماذا يقول الرسل عليهم الصلاة والسلام حينئذ؟ فقيل: يقولون {لاَ عِلْمَ لَنَا} والتعبير بالماضي للدلالة على التقرر والتحقق كـ{نُفِخَ في الصور} [الحاقة: 13] وغيره، ونفي العلم عن أنفسهم مع علمهم بماذا أجيبوا كما تدل عليه شهادتهم عليهم الصلاة والسلام على أممهم هنالك حسبما نطقت به بعض الآيات ليس على حقيقته بل هو كناية عن إظهار التشكي والالتجاء إلى الله تعالى بتفويض الأمر كله إليه عز شأنه.