فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)}.
أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيفزعون فيقول: ماذا أجبتم فيقولون: لا علم لنا، فيرد إليهم أفئدتهم فيعلمون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: ذلك أنهم نزلوا منزلًا ذهلت فيه العقول، فلما سئلوا قالوا: لا علم لنا، ثم نزلوا منزلًا آخر فشهدوا على قومهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيقولون للرب تبارك وتعالى: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: فرقا تذهل عقولهم، ثم يرد الله عقولهم إليهم، فيكونون هم الذين يسألون يقول الله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} [الأعراف: 6].
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: من هول ذلك اليوم.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: يأتي على الخلق ساعة يذهل فيها عقل كل ذي عقل، {يوم يجمع الله الرسل}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عطاء بن أبي رباح قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال: والذي نفسي بيده لتفسرن لي آيًا من كتاب الله عز وجل أو لأكفرن به، فقال ابن عباس: ويحك..! أنا لها اليوم، أي آي؟ قال: أخبرني عن قوله عز وجل: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} وقال في آية أخرى {ونزعنا من كل أمة شهيدًا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله} [القصص: 75] فكيف علموا وقد قالوا لا علم لنا؟ وأخبرني عن قول الله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] وقال في آية أخرى {لا تختصموا لديَّ} [ق: 38] فكيف يختصمون وقد قال: لا تختصموا لديَّ؟ وأخبرني عن قول الله: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} [يس: 65] فكيف شهدوا وقد ختم على الأفواه؟ فقال ابن عباس: ثكلتك أمك يا ابن الأزرق، إن للقيامة أحوالًا وأهوالًا وفظائع وزلازل، فإذا تشققت السموات، وتناثرت النجوم، وذهب ضوء الشمس والقمر، وذهلت الأمهات عن الأولاد، وقذفت الحوامل ما في البطون، وسجرت البحار، ودكدكت الجبال، ولم يلتفت والد إلى ولد، ولا ولد إلى والد، وجيء بالجنة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب على يمين العرش، ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكل زمام سبعون ألف ملك، لها عينان زرقاوان، تجر الشفة السفلى أربعين عامًا، تخطر كما يخطر الفحل، لو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر، ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش، فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها، فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول: لك الحمد إلهي إذ جعلتني أنتقم من أعدائك ولم تجعل لي شيئًا مما خلقت تنتقم به مني إلى أهلي، فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحب على وجه الأرض، حتى إذا كانت من الموقف على مسيرة مائة عام، وهو قول الله تعالى: {إذا رأتهم من مكان بعيد} [الفرقان: 12] زفرت زفرة فلا يبقي ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق منتخب، ولا شهيد مما هنالك الآخر جاثيًا على ركبتيه، ثم تزفر الثانية زفرة فلا يبقى قطرة من الدموع إلا بدرت، فلو كان لكل آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيًا لظن أنه سيواقعها، ثم تزفر الثالثة زفرة فتنقطع القلوب من أماكنها، فتصير بين اللهوات والحناجر، ويعلو سواد العيون بياضها، ينادي كل آدمي يومئذ يا رب نفسي نفسي، لا أسألك غيرها، حتى أن إبراهيم ليتعلق بساق العرش ينادي: يا رب نفسي نفسي، لا أسألك غيرها، ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب أمتي أمتي، لا همة له غيركم، فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم {ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} طاشت الأحلام وذهلت العقول، فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها {نزعنا من كل أمة شهيدًا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله} [القصص: 75] وأما قوله تعالى: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] فيؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمملوك من المالك، وللضعيف من الشديد، وللجماء من القرناء حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه، فإذا أدى إلى كل ذي حق حقه أمر بأهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، اختصموا فقالوا: ربنا هؤلاء أضلونا {ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابًا ضعفًا في النار} [ص: 16] فيقول الله تعالى: {لا تختصموا لديَّ وقد قدمت إليكم بالوعيد} [ق: 38] إنما الخصومة بالموقف، وقد قضيت بينكم بالموقف، فلا تختصموا لدي. وأما قوله: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} [يس: 65] فهذا يوم القيامة، حيث يرى الكفار ما يعطي الله أهل التوحيد من الفضائل والخير. يقولون: تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين، فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن: وتشهد الأرجل تصديقًا للأيدي، ثم يأذن الله للأفواه فتنطق {فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} [فصلت: 21]. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في نصب {يَوْمَ} أحدَ عشرَ وجهًا:
أحدها: أنه منصوبٌ بـ {اتَّقُوا}، أي: اتَّقُوا اللَّهَ في يومِ جمعِهِ الرُّسُلَ، قاله الحُوفِيُّ، وهذا ينبغي ألاَّ يجوزَ؛ لأنَّ أمرهم بالتقوى في يوم القيامةِ لا يكون؛ إذ ليس بيومِ تَكْليفٍ وابتلاءٍ، ولذلك قال الواحديُّ: ولم يُنْصَبِ اليومُ على الظرْفِ للاتِّقاء؛ لأنَّهم لم يُؤمَرُوا بالتقوَى في ذلك اليوم، ولكنْ على المفعول به؛ كقوله: {واتقوا يَوْمًا} [البقرة: 48].
الثاني: أنه منصوب بـ {اتَّقُوا} مضْمَرًا يدلُّ عليه {واتَّقُوا الله}، قال الزَّجَّاج: «وهو محمولٌ على قوله: {واتَّقُوا الله}، ثم قال: {يَوْمَ يَجْمَعُ}، أي: واتقوا ذلك اليومَ»، فدلَّ ذِكْرُ الاتقاءِ في الأوَّل على الاتقاء في هذه الآية، ولا يكونُ منصوبًا على الظَّرْف للاتقاء؛ لأنهم لم يُؤمَرُوا بالاتقاء في ذلك اليَوْم، ولكنْ على المفعول به؛ كقوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48].
الثالث: أنه منصوب بإضمار «اذْكُرُوا».
الرابع: بإضمار «احْذَرُوا».
الخامس: أنه بدلُ اشتمالٍ من الجلالة، قال الزمخشريُّ: {يَوْمَ يَجْمَعُ} بدلٌ من المنصوب في {واتَّقُوا الله}، وهو من بدلِ الاشتمال، كأنه قيل: «واتقُوا الله يَوْمَ جَمْعِهِ».
انتهى، ولابد من حذفِ مضافٍ على هذا الوجهِ؛ حتى تَصِحَّ له هذه العبارةُ التي ظاهرها ليْسَ بجيدٍ؛ لأنَّ الاشتمالَ لا يُوصَفُ به الباري تعالى على أيِّ مذهبٍ فَسَّرنَاهُ من مذاهب النحويين في الاشتمالِ، والتقديرُ: واتقوا- عقاب الله- يَوْمَ يَجْمَعُ رُسُلَهُ، فإنَّ العقابَ مشتملٌ على زمانِه، أو زمانُه مشتملٌ عليه، أو عامِلُهُمَا مشتملٌ عليهما على حسب الخلاف في تفسير البدلِ الاشتماليِّ، فقد تبيَّن لك امتناعُ هذه العباراتِ بالنسبةِ إلى الجلالةِ الشريفة، واستبعد أبو حيان هذا الوجه بطُولِ الفصْلِ بجملتين، ولا بُعْدَ؛ فإنَّ هاتين الجملتَيْنِ من تمامِ معنى الجملة الأولى.
السادسُ: أنه منصوبٌ بـ {لا يَهْدِي} قاله الزمخشريُّ وأبو البقاء؛ قال الزمخشريُّ: «أي: لا يهديهمْ طريقَ الجنَّة يومئذٍ كما يُفْعَلُ بغَيْرهِمْ»، وقال أبو البقاء: «أي: لا يهدِيِهمْ في ذلك اليَوْمِ إلى حُجَّةٍ، أو إلى طريقِ الجنَّة».
السابع: أنه مفعولٌ به، وناصبُه «اسْمَعُوا»، ولابد من حذف مضاف حينئذٍ، لأنَّ الزمان لا يُسْمَعُ، فقدَّره أبو البقاء: «واسمعوا خَبَرَ يَوْمِ يُجْمَعُ»، ولم يذكر أبو البقاء غير هذين الوجهَيْن، وبدأ بأولهما، وفي نصبه بـ {لا يَهْدِي} نظرٌ؛ من حيث إنه لا يهديهم مطلقًا، لا في ذلك اليوم ولا في الدنيا، أعني المحْكُوم عليهم بالفسْقِ، وفي تقدير الزمخشريِّ «لا يَهْدِيهِمْ إلى طريقِ الجنَّة» نُحُوٌّ إلى مذهبه من أنَّ نَفْي الهداية المطلقة لا يجوزُ على الله تعالى؛ ولذلك خَصَّصَ المُهْدَى إليه، ولم يذكر غيره، والذي سَهَّلَ ذلك عنده أيضًا كونُه في يومٍ لا تَكْلِيفَ فيه، وأما في دار التكليفِ فلا يُجيزُ المعتزليُّ أن يُنْسَبَ إلى الله تعالى نَفْيُ الهدايةِ مطلقًا ألبتة.
الثامن: أنه منصوبٌ بـ «اسْمَعُوا» قاله الحُوفِيُّ، وفيه نظرٌ؛ لأنهم ليسوا مكلَّفين بالسَّماعِ في ذلك اليومِ؛ إذ المُرادُ بالسماعِ السماعُ التكليفيُّ.
التاسع: أنه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ متأخِّرٍ، أي: يوم يَجْمَعُ اللَّهُ الرسلَ كان كيتَ وكَيْتَ، قاله الزمخشريُّ.
العاشر: قال شهاب الدين: يجوز أن تكونَ المسألة من باب الإعْمَال؛ فإنَّ كُلًا من هذه العوامِلِ الثلاثةِ المتقدِّمة يَصِحُّ تسلُّطُه عليه؛ بدليل أنَّ العلماء جَوَّزوا فيه ذلك، وتكون المسألةُ مِمَّا تنازع فيها ثلاثةُ عوامل، وهي «اتَّقُوا»، و«اسْمَعُوا»، و«لا يَهْدِي»، ويكونُ من إعمال الأخير؛ لأنه قد حُذِفَ من الأوَّلِينَ ولا مانعَ يمنع من الصناعة، وأمَّا المعنى فقد قَدَّمْتُ أنه لا يظهرُ نصْبُ «يَوْمَ» بشيء من الثلاثة؛ لأنَّ المعنى يأباه، وإنما أجَزْتُ ذلك؛ جَرْيًا على ما قالوه وجَوَّزوه، وكذا الحُوفِيُّ جَوَّز أن ينتصب بـ «اتَّقُوا» وب «اسْمَعُوا» أو بـ «لاَ يَهْدِي»، وكذا الحُوفِيُّ جَوَّز أن ينتصب بـ «اتَّقُوا» وب «اسْمَعُوا».
الحادي عشر: أنه منصوبٌ بـ {قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} أي: قال الرسُلُ يوم جمْعِهِمْ، وقول الله لهم ماذ أجِبْتُمْ، واختاره أبو حيان على جميع ما تقدَّم، قال: وهو نظيرُ ما قلناه في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ} [البقرة: 30]، وهو وجه حسنٌ.
قوله: {مَاذَا أجِبْتُمْ} فيه أربعةُ أقوال:
أحدها: أنَّ {مَاذَا} بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فغلب فيه جانبُ الاستفهام، ومحلُّه النصبُ على المصدرِ بما بعده، والتقديرُ: أيَّ إجابةٍ أجِبْتُم قال الزمخشريُّ: {مَاذَا أجِبْتُمْ} منتصبٌ انتصابَ مصدره على معنى: أيَّ إجابةٍ أجِبْتُمْ، ولو أُريدَ الجوابُ، لقيل: بمَاذا أُجِبْتُمْ، أي: لو أُريدَ الكلامُ المجابُ، لقيل: بماذا، ومِنْ مجيء {مَاذَا} كلِّه مصدرًا قوله: [البسيط]
مَاذَا يَغِيرُ ابنَتَيْ رَبْعٍ عَوِيلُهُمَا ** لاتَرْقُدانِ وَلاَ بُؤسَى لِمَنْ رَقَدَا

الثاني: أن «ما» استفهاميةٌ في محلِّ رفع بالابتداء، و«ذَا» خبره، وهي موصولةٌ بمعنى «الَّذي»؛ لاستكمال الشرطَيْن المذكورَيْن، و{أُجِبْتُمْ} صلتُها، والعائدُ محذوفٌ، أي: ما الَّذي أجِبْتُمْ به، فحذفَ العائد، قاله الحُوفِيُّ، وهذا لا يجوزُ؛ لأنه لا يجوزُ حذفُ العائدِ المجرورِ، إلا إذا جُرَّ الموصولُ بحرف مثلِ ذلك الحرفِ الجارِّ للعائد، وأنْ يَتَّحِدَ متعلَّقاهُمَا؛ نحو: «مَرَرْتُ بالَّذي مَرَرْتَ»، أي: به: وهذا الموصولُ غير مَجْرُورٍ، لو قلتَ: «رَأيْتُ الذي مَرَرْتَ»، أي: مررتَ به، لم يجُزْ، اللهم إلا أنْ يُدَّعى حَذْفُهُ على التدريج أن يُحْذَفَ حرفُ الجرِّ، فيصلَ الفعلُ إلى الضمير، فيحذفَ؛ كقوله: {وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا} [التوبة: 69]، أي: في أحدِ أوجهه، وقوله: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] في أحد وجهيه، وعلى الجملةِ فهو ضيعف.