فصل: تفسير الآية رقم (111):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (111):

قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وإذ أوحيت} أي بإلهام باطنًا وبإيصال الأوامر على لسانك ظاهرًا {إلى الحواريين} أي الأنصار {أن آمنوا بي وبرسولي} أي الذي أمرته بالإبلاغ يعني إبلاغ الناس ما آمرهم به، ثم استأنف مبينًا لسرعة أجابتهم لجعله محببًا إليهم مطاعًا فيهم بقوله: {قالوا آمنا}.
ولما كان الإيمان باطنًا فلابد في إثباته من دليل ظاهر، وكان في سياق عدّ النعم والطواعية لوحي الملك الأعظم دلوا عليه بتمام الانقياد، ناسب المقام زيادة التأكيد بإثبات النون الثالثة في قولهم: {واشهد بأننا} بخلاف آل عمران {مسلمون} أي منقادون أتم انقياد، فلا اختيار لنا إلا ما تأمرنا به، وانظر ما أنسب إعادة «إذ» عند التذكير بروح كامل حسًا أو معنى وحذفها عند الناقص، فأثبتها عند التأييد بها في أصل الخلق وفي الكمال الموجب للحياة الأبدية وفي تعليم الكتاب وما بعده المفيض لحياة الأبد على كل من تخلّق بأخلاقه وفي خلق الطير وهو ظاهر وهكذا إلى الآخر.
ذكرُ شيء مما عزي إليه من الحكمة في الإنجيل: قال متى: وكان يسوع يطوف المدن والقرى ويعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل الأمراض والأوجاع، ثم قال: فلما سمع يوحنا في السجن بأعمال المسيح أرسل إليه اثنين من تلاميذه قائلًا: أنت هو الآتي أم نترجى آخر؟ قال لوقا: وفي تلك الساعة أبرأ كثيرًا من الأمراض والأوجاع والأرواح الشريرة ووهب النظر لعميان كثيرين، فأجاب يسوع وقال لهما: اذهبا وأعلما يوحنا بما رأيتما وسمعتما، العميان يبصرون والعرج يمشون والبرص يتطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون، فطوبى لمن لا يشك فيّ! فلما ذهب تلميذا يوحنا بدأ يسوع يقول للجمع من أجل يوحنا: لماذا خرجتم إلى البرية تنظرون- قال لوقا: قصبة تحركها الريح- أم لماذا خرجتم تنظرون؟ إنسانًا لابسًا لباسًا ناعمًا؟ إن اللباس الناعم يكون في بيوت الملوك، قال لوقا: فإن الذين عليهم لباس المجد والتنعم هم في بيوت الملوك- انتهى.
لكن لماذا خرجتم تنظرون؟ نبيًا؟ نعم، أقول لكم: إنه أفضل من هذا الذي كتب من أجله: هوذا أنا مرسل ملكي أمام وجهك ليسهل طريقك قدامك، الحق أقول لكم! إنه لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمد، والصغير في ملكوت السماء أعظم منه، وجميع الشعب الذي سمع والعشارون شكروا الله حيث اعتمدوا من معمودية يوحنا، فأما الفريسيون والكتاب فعلموا أنهم رفضوا أمر الله لهم إذ لم يعتمدوا منه؛ قال متى: ثم قال: من له أذنان سامعتان فليسمع! بماذا أشبه هذا الجيل؟ يشبه صبيانًا جلوسًا في الأسواق، يصيحون إلى أصحابهم قائلين: زمّرنا لكم فلم ترقصوا، ونحنا لكم فلم تبكوا، جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب، فقالوا: معه جنون، جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فقالوا: هذا إنسان أكول شرّيب خليل العشارين والخطأة، فتبررت الحكمة من بنيها، حينئذ بدأ يعيّر المدن التي كان فيها أكثر قواته، لأنهم لم يتوبوا، ويقول: الويل لك يا كورزين! والويل لك يا بيت صيدا! لأن القوات اللاتي كنّ فيكما قديمًا لو كنّ في صور وصيدا لتابوا بالمسوح والرماد، لكن أقول لكم: إن لصور وصيدا راحة في يوم الدين أكثر منكن، وأنت يا كفرناحوم لو ارتفعت إلى السماء ستهبطين إلى الجحيم، لأنه لو كان في سدوم هذه القوات التي كانت فيك إذن لثبتت إلى اليوم، وأقول لكم أيضًا: إن أرض سدوم تجد راحة يوم الدين أكثر منك.
ثم قال: وانتقل يسوع من هناك ودخل إلى مجمعهم وإذا رجل هناك يده يابسة- وقال لوقا: يده اليمنى يابسة- فسألوه قائلين: هل يحل أن يشفى في السبت؟ فقال لهم: أي إنسان منكم يكون له خروف، يسقط في حفرة في السبت، ولا يمسكه ويقيمه؟ فبكم أحزي الإنسان أفضل من الخروف، فإذن جيد هو فعل الخير في السبت؛ وقال لوقا: فقال للرجل اليابس اليد: قف في الوسط، فقام، وقال لهم يسوع: أسألكم ماذا يحل أن يعمل في السبت؟ خير أم شر؟ نفس تخلص أم تهلك؟ فسكتوا؛ قال متى: حينئذ قال للإنسان: أمدد يدك، فمدها فصحت مثل الأخرى، فخرج الفريسيون- قال مرقس: مع أصحاب هيرودس- متوامرين في إهلاكه، فعلم يسوع وانتقل من هناك وتبعه جمع كثير، فشقى جميعهم، وأمرهم أن لا يظهروا ذلك لكي يتم ما قيل في أشعيا النبي القائل: ها هوذا فتاي الذي هويت، وحبيبي الذي به سررت، أضع روحي عليه ويخبر الأمم بالحكم، لا يماري ولا يصيح ولا يسمع أحد صوته في الشوارع، قصبة مرضوضة لا تكسر، وسراج مطفطف لا يطفأ حتى يخرج الحكم في الغلبة، وعلى اسمه تتكل الأمم؛ ثم قال: وفي ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس جانب البحر، فاجتمع إليه جمع كبير حتى أنه صعد إلى السفينة وجلس، وكان الجمع كله قيامًا على الشطّ، وكلهم بأمثال كثيرة قائلًا: ها هو ذا خرج الزارع ليزرع، وفيما هو يزرع سقط البعض على الطريق، فأتى الطير وأكله- وقال لوقا: فديس وأكله طائر السماء- وبعض سقط على الصخرة حيث لم يكن له أرض كثيرة، وللوقت شرق إذ ليس له عمق أرض، ولما أشرقت الشمس احترق، وحيث لم يكن له أصل يبس، وبعض سقط في الشوك فطلع الشوك وخنقه؛ وقال مرقس: فخنقه بعلوه عليه فلم يأتي بثمرة؛ وقال متى: وبعض سقط في الأرض الجيدة فأعطى ثمره، للواحد مائة وللآخر ستين وللآخر ثلاثين- قال لوقا: فلما قال هذا نادى: من له أذنان سامعتان فليسمع- فتقدم إليه تلاميذه وقالوا له: لماذا تكلمهم بالأمثال؟ فأجابهم وقال: أنتم أعطيتم معرفة سرائر ملكوت السماوات- وقال لوقا: فقال لهم: لكم أعطي علم سرائر ملكوت الله- وأولئك لم يعطوا، ومن كان له يعطي ويزاد، ومن ليس له فالذي له يؤخذ منه- وقال لوقا: والذي ليس له ينزع منه الذي يظن أنه له- فلهذا أكلمهم بالأمثال، لأنهم يبصرون فلا يبصرون، ويسمعون فلا يسمعون ولا يفهمون، لكي تتم فيهم نبوة أشعيا لقائل: سمعًا يسمعون فلا يفهمون، ونظرًا ينظرون فلا يبصرون، لقد غلظ قلب هذا الشعب، وثقلت آذانهم عن السماع، وغمضوا أعينهم لكيلا يبصروا بعيونهم ولا يسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم، فأما أنتم فطوبى لعيونكم! لأنها تنظر، ولآذانكم! لأنها تسمع؛ وقال لوقا: ومثل الزرع هذا هو كلام الله؛ وقال متى: كل من يسمع كلام الملكوت ولا يفهم يأتي الشرير فيخطف ما يزرع في قلبه، هذا الذي زرع على الطريق، والذي زرع على الصخرة هو الذي يسمع الكلام وللوقت يقبله بفرح، وليس له فيه أصل، لكن في زمان يسير، إذا حدث ضيق أو طرد فللوقت يشك- وقال مرقس: بسبب الكلمة فيشكون للوقت: وقال لوقا: وهم إنما يؤمنون إلى زمان التجربة، وفي زمان التجربة يشكون- والذي يزرع في الشوك فهو الذي يسمع الكلام فيخنق الكلام فيه؛ وقال لوقا: فتغلب عليهم هموم هذا الدهر وطلب الغنى؛ وقال مرقس: ومحبة الغنى وسائر الشهوات التي يسلكونها، فتخنق الكلمة فلا تثمر فيهم؛ وقال متى: فيكون بغير ثمرة، والذي زرع في الأرض الجيدة هو الذي يسمع الكلام ويتفهم ويعطي ثمره؛ وقال لوقا: وأما الذي وقع في الأرض الصالحة فهم الذين يسمعون الكلمة بقلب جيد فيحفظونها ويثمرون بالصبر؛ قال متى: للواحد مائة وللآخر ستين وللآخر ثلاثين.
وضرب لهم مثلًا آخر قائلًا: يشبه ملكوت السماوات إنسانًا زرع زرعًا جيدًا في حقله، فلما نام الناس جاء عدوه فزرع زوانًا في وسط القمح ومضى، فلما نبت القمح ظهر الزوان، فجاء عبيد رب البيت فقالوا له: يا سيد! أليس زرعًا جيدًا زرعت في حقلك! فمن أين صار فيه زوان؟ فقال لهم: عدو فعل هذا، فقال عبيده: تريد أن نذهب فنجمعه؟ فقال لهم: لا، لئلا تنقلع معه الحنطة، دعوهما ينبتان جميعًا إلى زمان الحصاد، وأقول للحصادين: أولًا اجمعوا الزوان فشدوه حزمًا ليحرق، فأما القمح فاجمعوه إلى أهرائي.
وضرب لهم مثلًا آخر قائلًا: يشب ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله، لأنها أصغر الزراريع كلها- وقال مرقس: وهي أصغر الحبوب التي على الأرض- فإذا طالت صارت أكبر من جميع البقول وتصير شجرة- وقال مرقس: وصنعت أغصانًا عظامًا؛ وقال لوقا: فنمت وصارت شجرة عظيمة- حتى أن طائر السماء يستظل تحت أغصانها.
وكلمهم بمثل آخر وقال لهم: يشبه ملكوت السماوات خميرًا أخذته امرأة وعجنته في ثلاثة أكيال دقيق فاختمر الجميع؛ وقال مرقس: وكان يقول لهم: هل يوقد سراج فيوضع تحت مكيال أو سرير، لكن على منارة؛ وقال لوقا: ليس أحد يوقد سراجًا فيغطيه، ولا يجعله تحت سرير، لكن يضعه على منارة فيرى نوره كل من يدخل؛ قال مرقس: كذلك ليس خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن؛ وقال لوقا: سراج الجسد العين، فإذا كانت عينك بسيطة فجسدك كله نير، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا أحرص أن لا يكون النور الذي فيك ظلامًا، فإن كان جسدك كله نيرًا وليس فيه جزء مظلم فإنه يكون كاملًا نيرًا، كما أن السراج ينير لك بلمع ضيائه؛ وقال مرقس: من له أذنان سامعتان فليسمع، وقال لهم: انظروا ماذا تسمعون، فبالكيل الذي تكيلون يكال لكم- وتزادون أيها السامعون لأن الذي له يعطي ومن ليس عنده فالذي عنده يؤخذ منه، وقال: يشبه ملكوت الله إنسانًا يلقي زرعه على الأرض وينام، ويقوم ليلًا ونهارًا والزرع ينمو ويطول وهو لا يعلم، أولًا أعشب وبعد ذلك سَنُبل، ثم يمتلئ السنبل حتى إذا انتهت الثمرة حينئذ يضع المنجل إذ قد دنا الحصاد؛ قال متى: هذا كله قاله يسوع للجموع ليتم ما قيل في النبي القائل: أفتح فاي بالأمثال وأنطق بالخفيات من قبل أساس العالم.
حينئذ ترك الجمع وجاء إلى البيت فجاء إليه تلاميذه وقالوا: فسر لنا مثل زوال الحقل، أجاب: الذي زرع الزرع الجيد هو ابن الإنسان، والحقل هو العالم، والزرع الجيد هو بنو الملكوت، والزوان هو بنو الشر، والعدو الذي زرعه هو الشيطان، والحصاد هو منتهى الدهر، والحصادون هم الملائكة، فكما أنهم يجمعون الزوان أولًا، وبالنار يحرق، هكذا يكون منتهى هذا الدهر، يرسل ملائكته ويجمعون من مملكته كل الشوك وفاعلي الإثم، فيلقونهم في أتون النار، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، حينئذ يضيء الصديقون مثل الشمس في ملكوت أبيهم، من له أذنان سامعتان فليسمع.
ويشبه ملكوت السماوات كنزًا مُخفىّ في حقل وجده إنسان فخبأه، ومِن فرحه مضى وباع كل شيء واشترى ذلك الحقل.
وأيضًا يشبه ملكوت السماوات إنسانًا تاجرًا بطلب الجوهر الفاخر الحسن.
فوجد درة كثيرة الثمن فمضى وباع كل ماله واشتراها.
وأيضًا يشبه ملكوت السماوات شبكة ألقيت في البحر فجمعت من كل جنس، فلما امتلأت أطلعوها إلى الشّط فجلسوا وجمعوا الخيار في الأوعية، والرديء رموه خارجًا، هكذا يكون في انقضاء هذا الزمان، تخرج الملائكة ويميزون الأشرار من وسط الصديقين.
ويلقونهم في أتون النار.
هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
فلما أكمل يسوع هذه الأمثال انتقل من هناك وجاء إلى بلدته وكان يُعلِّم في مجامعهم حتى أنهم بهتوا وقالوا: من أين له هذه الحكمة والقوة! وقال مرقس: من أين له هذا التعليم وهذه الحكمة التي أعطيها والقوات التي تكون على يديه- انتهى.
أليس هذا ابن النجار؟ وقال لوقا: وكان جميعهم يشهدون له ويتعجبون من كلام النعمة الذي كان يخرج من فمه، وكانوا يقولون: أليس هذا ابن يوسف؟ انتهى.
أليس أمه تسمى مريم وإخوته يعقوب ويوسا وسمعان ويهودا؟ أليس هو وأخواته عندنا جميعًا؟ فمن أين له هذا كله؟ وكانوا يشكون فيه، فإن يسوع قال لهم: لا يهان نبي إلا في بلدته وبيته؛ وقال مرقس: ليس يهان نبي إلا في بلدته وعند أنسابه وبيته؛ وقال لوقا: فقال لهم: لعلكم تقولون لي هذا المثل: أيها الطبيب! اشف نفسك والذي سمعنا أنك صنعته في كفرناحوم افعله أيضًا هاهنا في مدينتك، فقال لهم: الحق أقول لكم، إنه لا يقبل نبي في مدينته، الحق أقول لكم، إن الأرامل كثيرة كنّ في إسرائيل في أيام إليا إذ أغلقت السماء ثلاث سنين وستة أشهر، وصار جوع عظيم في الأرض كلها، ولم يرسل إلياء إلى واحدة منهن إلا أرملة في صارفة صيدا، وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل على عهد اليشع النبي ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان الشامي، فامتلأ جميعهم غضبًا عندما سمعوا هذا وأخرجوه خارج المدينة، وجاؤوا به إلى أعلى الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه ليطرحوه إلى أسفل، فأما هو فجاز وسطهم ومضى، ونزل إلى كفرناحوم مدينة في الجليل، وكان يعلمهم في السبت وبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان.