فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)}.
طلبوا المائدةَ لتسكن قلوبهم بما يشاهدونه من عظيم الآية وعجيب المعجزة، فعُذِرُوا وأجيبوا إليها؛ إذ كان مرادُهم حصولَ اليقين وزيادةَ البصيرة.
ويقال كلٌ يطلب سُؤْله على حسب ضرورته وحالته، فمنهم من كان سكونه في مائدة من الطعام يجدها، ومنهم من يكون سكونه في (فائدة) من الموارد يَرِدُها، وعزيز منهم من يجد الفناء عن برهان يتأمله، أو بيان دليل يطلبه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}.
كان عيسى قال لهم: عليكم بتقوى الله فلا تسألوه هذه الآية، لأنكم مادمتم قد أعلنتم الإيمان فأنتم لا تقترحون على الله آية لإثبات صدق رسوله، وحسبكم ما أعطاه الله لي من آيات لصدق رسالتي. وعليكم ان تلزموا أنفسكم بالمنهج الذي أعلنتم أنكم مؤمنون به.
وقد توقف العلماء عند قولهم: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} وتساءل العلماء: كيف كان هذا القول، وخصوصًا أن معناه الظاهري: أيقدر ربك؟ وكيف للحواريين أن يقولوا ذلك بالرغم من أنهم أشهدوا عيسى عليه السلام بأنهم مسلمون؟ وقال العلماء أيضًا: إن من يتكلم في اللغة عليه أن يكون متبصرًا باشتقاقات الألفاظ واستعمالات الألفاظ وسمات الألفاظ، وكلمة «يستطيع» بمعنى يطيع كما قالوا: استجاب بمعنى أجاب، وكأن معنى سؤالهم: أيستجيب الله وينزل علينا مائدة من السماء؟ و«استطاع» تقابل: «استجاب» وسبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، وهو الذي يطيعه كل شيء، وهو الذي يرضخ لحكمه كل شيء، والحق لا يطلب، إنما يأمر مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82].
الله سبحانه وتعالى لا يقول لشيء كن إلا ويعلم أنه يطيع، ولا يأمره الحق أن يطيع إلا ويكون استعداده الانفعالي أنه حين يسمع قول الله: «كن» فلازم أن يكون، والمثال على هذا هو قوله سبحانه وتعالى: {إِذَا السماء انشقت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1- 2].
إنها لن تنتظر إلا سماع الأمر فقط. وساعة تسمع الأمر فهي تنفعل، ومعنى تنفعل أي تطيع. وكل الكون مطيع لخالقه سبحانه وتعالى. أو يكون معنى هل يستطيع: هل يفعل. وذلك من باب التعبير عن المسبب بالسبب؛ إذ الاستطاعة من أسباب إيجاد الفعل. وقيل المراد: هل تستطيع سؤال ربِّك من غير صارف ولا مانع يمنعك عن سؤاله؟ فقد قرأ الكسائي وغيره هل تستطيع ربَّك بنصب كلمة {ربَّك} وأصلها هل تستطيع سؤال ربَّك، فحذف المضاف (سؤال) وأقيم المضاف إليه وهو كلمة رب مقامه فنصب. وقال الزمخشري: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم، وقولهم: {هل يستطيع} كلام لا يتأتَّى مثله من مؤمنين معظمين لربهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)}.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت، ربك هل تستطيع أن تدعوه.
وأخرج الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين {هل يستطيع ربك} أو تستطيع ربك؟ فقال؟ أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل تستطيع ربك} بالتاء.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها {هل تستطيع ربك} بالتاء ونصب ربك.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قرأها {هل تستطيع ربك} قال: هل تستطيع أن تسأل ربك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن عليًا كان يقرأها {هل يستطيع ربك} قال: هل يعطيك ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب وأبي رجاء أنهما قرآ {هل يستطيع ربك} بالياء والرفع.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} قال: قالوا: هل يطيعك ربك إن سألته، فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم، فأكلوا منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {مائدة} قال: المائدة الخوان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

في {إذ} وجهان:
أحدهما: أوحيتُ إلى الحواريِّين، إذ قال الحَوَارِيُّونَ.
الثاني: اذكر إذْ قال الحوارِيُّون.
قرأ الجمهورُ {يَسْتَطِيعُ} بياء الغيبة {رَبُّكَ} مرفوعًا بالفاعلية، والكسائيُّ: {تَسْتَطِيعُ} بتاء الخطاب لعيسى، و{رَبَّكَ} بالنصب على التعظيم، وقاعدتُه أنه يُدْغِمُ لام «هلْ» في أحرف منها هذا المكان، وبقراءة الكسائيِّ قرأتْ عائشةُ، وكانت تقول: «الحواريُّونَ أعْرَفُ بالله مِنْ أن يقولوا: هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» وإنما قالوا: هَلْ تستطيعُ أن تَسْأل رَبَّكَ؛ كأنها- رضي الله عنها- نَزهَتْهُمْ عن هذه المقالةِ الشنيعة أنْ تُنْسَبَ إليهم، وبها قرأ معاذٌ أيضًا وعليٌّ وابن عبَّاس وسعيدُ بنُ جُبَيْر قال معاذ رضي الله تعالى عنه: أقرأنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم {هل تَسْتَطِيعُ رَبكَ} بالتَّاء.
وحينئذ فقد اختلفوا في هذه القراءة: هل تحتاجُ إلى حَذْفِ مضافٍ أم لا؟ فجمهور المُعْربين يقدِّرونَ: هل تستطيع سُؤال رَبِّكَ، وقال الفارسيُّ: «وقد يُمْكِنُ أنْ يُسْتغنَى عن تقدير «سُؤالَ» على أن يكون المعنى: هَلْ تستطيعُ أنْ يُنَزِّلَ رَبُّكَ بدُعَائِكَ، فيردُّ المعنى- ولا بد- إلى مقدَّر يدلُّ عليه ما ذُكِر من اللفظ»، قال أبو حيان: «وما قاله غيرُ ظاهرٍ؛ لأنَّ فعله تعالى، وإنْ كان مسبَّبًا عن الدعاءِ، فهو غيرُ مقدورٍ لعيسى».
واختار أبو عُبَيْد هذه القراءةَ، قال: «لأنَّ القراءة الأخرى تُشْبِهُ أن يكونَ الحواريُّون شَاكِّينَ، وهذه لا تُوهِمُ ذلك»، قال شهاب الدين: وهذا بناء من الناسِ على أنهم كانوا مؤمِنينَ، وهذا هو الحَقُّ.
قال ابن الأنباري: «لا يجوزُ لأحد أن يتوَهَّم على الحواريِّين؛ أنهم شَكُّوا في قُدْرة الله تعالى»، وبهذا يَظْهَرُ أنَّ قول الزمخشريِّ أنهم ليسوا مؤمنينَ ليس بجيِّدٍ، وكأنه خارقٌ للإجْماعِ، قال ابن عطية: «ولا خلاف أحفظُه أنَّهم كانوا مُؤمِنِينَ»، فأمَّا القراءةُ الأولى، فلا تَدُلُّ له؛ لأن الناس أجابوا عن ذلك بأجوبةٍ، منها: أنَّ معناه: هل يَسْهُلُ عليكَ أن تَسْألَ رَبَّكَ؛ كقولك لآخر: هَلْ تستطيعُ أن تَقُومَ؟ وأنت تعلمُ استطاعته لذلك، ومنها: أنهم سألُوهُ سؤال مستَخْبِرٍ: هل يُنَزِّلُ أم لا، فإن كان يُنَزِّلُ فاسأله لنا، ومنها: أنَّ المعنى هل يفعلُ ذلك، وهل يقع منه إجابةٌ لذلك؟ ومنه ما قيل لعبد الله بن زَيْدٍ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُرِيني كيف كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوضَّأُ؟ أي: هل تُحِبُّ ذلك؟ وقيل المعنى: هل يَطْلُب ربُّكَ الطاعةَ من نُزُولِ المائدةِ؟ قال أبو شَامَة: «مثلُ ذلك في الإشْكال ما رواه الهَيْثَمُ- وإن كان ضعيفًا- عن ثابتٍ عن أنس رضي الله عنهما» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادَ أبا طالبٍ في مرض، فقال: يَا ابْنَ أخِي، ادعُ رَبَّكَ الذي تَعْبُدُهُ فَيُعَافيني، فقال: اللهُمَّ اشْفِ عَمِّي، فقام أبو طالبٍ، كأنما نَشِطَ من عقالٍ، فقال: يا ابْنَ أخِي، إنَّ ربَّكَ الذي تَعْبُدُ ليُطِيعُكَ، قال: وأنْتَ يا عَمَّاه، لو أطَعْتَهُ، أو: لَئِنْ أطَعْتَ اللَّهَ، لَيُطِيعَنَّكَ، أي: لَيجيبَنَّكَ إلى مقْصُودك، قال شهاب الدين: والذي حَسَّنَ ذلك المقابلةُ منه صلى الله عليه وسلم للفْظِ عَمِّهِ، كقوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54] وقيل: التقدير: هَلْ يُطِيعُ؟ فالسينُ زائدة؛ كقولهم: اسْتَجَابَ وأجَابَ، قال: [الطويل]
وَدَاعٍ دَعَا يا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى ** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

وبهذه الأجوبةِ يُستغنى عن قولِ من قال: «إنَّ» يَسْتَطِيع «زائدةٌ»، والمعنى: هل يُنَزِّلُ رَبُّكَ؛ لأنَّه لا يُزادُ من الأفعال إلاَّ «كَانَ» بشرطَيْنِ، وشَذَّ زيادةُ غيرها في مواضعَ عَدَدْتُها في غيرِ هذا الكتاب، على أنَّ الكوفيِّين يُجيزُون زيادةَ بعض الأفعال مطلقًا، حَكَوْا: «قَعَدَ فلانٌ يَتَهَكَّمُ بِي»؛ وأنشدوا: [الوافر]
عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ ** كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغ فِي رَمَادِ

وحكى البصريُّون على وجْه الشُّذُوذِ: «مَا أصْبَحَ أبْرَدَهَا، ومَا أمْسَى أدْفَأهَا» يعنون الدُّنْيَا.
قال ابنُ الخطيبِ: وأمَّا القراءَةُ الثَّانِيَةُ ففيها إشْكَالٌ، وهو أنَّهُ تعالى حَكَى عنهُم أنَّهم قالُوا: {آمنَّا واشهدْ بأنَّا مُسْلمُون}، وبعد الإيمانِ كَيْفَ يَجُوزُ أن يقال: إنهم بقوا شاكِّين في اقتدار اللَّهِ على ذلك؟.
والجوابُ عنه من وُجُوهٍ:
الأول: أنَّهُ- تبارك وتعالى- ما وَصَفَهُم بالإيمان والإسلام بل حَكَى عنهم ادِّعَاءَهم لَهُمَا، ثمَّ تَبعَ ذلك بقوله- حِكَايةً عَنْهُم- {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السماء}؟ فدلَّ ذلك على أنَّهُم كَانُوا شاكِّين مُتَوقِّفِين، فإنَّ هذا اللَّفْظَ لا يَصْدُر مِمَّنْ كان كَامِلًا في الإيمان.
وقالوا: {وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة: 113]، وهذا يَدُلُّ على مَرَضٍ في القَلْب، وكذا قَوْلُ عيسى- عليه الصلاة والسلام- لهم: {اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ}، يَدُلُّ على أنَّهُم ما كانوا كامِلِين في الإيمان.
الثاني: أنَّهُم كانوا مُؤمِنين إلاَّ أنَّهُم طَلَبُوا هذه الآية لِيحْصُلَ لهم مَزِيد الطمأنينة، فلهذا السَّبِب قالوا: {وتَطْمئنَّ قُلُوبنا}.
الثالث: أنَّ مُرادَهُمُ استفهام أن ذلك هل هو كافٍ في الحِكْمةِ أم لا؟ وذلك لأنَّ أفْعَال اللَّهِ تعالى لمَّا كَانَتْ مَوْقُوفَةً على رِعايَةِ وجُوهِ الحكمة، فَفِي الموْضِع الَّذِي لا يَحْصُل فيه شَيْءٌ من وُجُوهِ الحِكْمَةِ يكونُ الفِعْلُ مُمْتَنِعًا، فإنَّ المُنَافيَ من جِهَةِ الحكمة كالمنافي جِهَة القُدْرَةِ، وهذا الجوابُ يَتَمَشَّى على قَوْلِ المُعْتَزِلَة.
وأمَّا على قَوْلِنا فهو مَحْمُولٌ على أنَّه تَبارك وتعالى هل قَضَى بذلك؟ وهل عَلِمَ وُقُوعه؟ فإن لَمْ يَقْضِ به، ولَمْ يعلم وُقُوعه كان ذلك محالًا غيْرَ مَقْدُورٍ؛ لأن خلافَ المَعْلُوم غَيْرُ مَقْدُورٍ.
الرابع: قال السديُّ: إن السِّين زَائِدةٌ، على أنَّ اسْتَطَاع بمعنى أطاعَ كما تقدَّم.
الخامس: لعل المُرادَ بالرَّبِّ جِبْرِيل؛ لأنَّهُ كان يُرَبِّيهِ ويَخُصُّهُ بأنْوَاع الإعَانَةِ، لقوله- تبارك وتعالى- في أوَّلِ الآية {أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} [المائدة: 110]، والمعنى: أنَّك تَدَّعِي أنه يُرَبِّيك، ويَخُصُّكَ بأنْوَاع الكَرَامَةِ، فهل يقدر على إنْزَالِ مَائِدَةٍ من السَّمَاءِ عَلَيْك؟.