فصل: قال الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



السادس: ليْسَ المَقْصُود من هذا السُّؤال كونَهُم شاكِّين فيه، بل المَقْصُود تَقْرِير أن ذلك في غاية الظُّهُور، كمن يَأخُذُ بِيَدِ ضعيفٍ، ويقول: هل يَقْدِر السُّلْطَان على إشْبَاع هذا، وبكون غَرَضُه أنَّ ذلكَ أمْرق واضِحٌ لا يجُوزُ للعَاقِل أن يَشُكَّ فيه.
قوله: {أن يُنَزِّلَ} في قراءةِ الجماعة في محلِّ نصب مفعولًا به، أي: الإنْزالَ، وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: والتقدير: على أن يُنَزِّلَ، أو في أن يُنَزِّلَ، ويجوزُ ألاَّ يحتاج إلى حرف جرٍّ على أن يكون {يَسْتَطِيع} بمعنى «يُطِيقُ» قلت: إنما احتاج إلى تقدير حَرْفي الجَرِّ في الأول؛ لأنه حمل الاستطاعة على الإجابة، وأمَّا قوله أخيرًا: إنَّ {يَسْتَطيعُ} بمعنى «يُطِيقُ» فإنما يَظْهرُ كلَّ الظهورِ على رأي الزمخشريِّ من كونهم ليسوا بمؤمنين، وأمَّا على قراءةِ الكسائيِّ، فقالوا: هي في محلِّ نصْبٍ على المفعولية بالسؤالِ المقدَّر، أي: هلْ تستطيعُ أنت أن تسألَ ربَّكَ الإنْزالَ، فيكون المصدرُ المقدَّرُ مضافًا لمفعوله الأوَّل، وهو {رَبُّكَ}، فلمَّا حُذِفَ المصدرُ، انتصب، وفيه نظرٌ؛ من أنهم أعمَلُوا المصدر مضمرًا، وهو لا يجوزُ عند البصريِّين، يُؤوِّلُونَ ما وردَ ظاهرُه ذلك، ويجوز أن يكون {أنْ يُنَزِّلَ} بدلًا من {رَبُّكَ} بدل اشتمالٍ، والتقديرُ: هل تستطيعُ، أي: هل تُطِيقُ إنزال الله تعالى مائدةً بسببِ دعائِكَ؟ وهو وجهٌ حسن.
و{مَائِدَةً} مفعول {يُنَزِّلُ}، والمائدة: الخِوانُ عليه طعامٌ، فإن لم يكن عليه طعامٌ فليست بمائدةٍ، هذا هو المشهور، إلا أن الراغب قال: «والمائدةُ: الطبقُ الذي عليه طعامٌ، ويقال لكلِّ واحدٍ منها مائدةٌ»، وهو مخالفٌ لما عليه المعظمُ، وهذه المسألة لها نظائرُ في اللغة، لا يقال للخوانِ مائدةٌ إلا وعليه طعامٌ، وإلا فهو خوانٌ، ولا يقال كأسٌ إلا وفيها خَمْرٌ، وإلا فهي قدحٌ، ولا يقال ذنُوبٌ وسَجْلٌ إلا وفيه ماء، وإلا فهو دَلْو، ولا يقال جرابٌ إلا وهو مدبوعٌ وإلا فهو إهابٌ، ولا قَلَمٌ إلاَّ وهو مَبْريٌّ وإلا فهو أنْبُوبٌ، واختلف اللغويون في اشتقاقها، فقال الزجَّاج رحمه الله تعالى: «هي من مَادَ يَمِيدُ إذا تحرَّك، ومنه قوله: {رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31] ومنه: مَيْدُ البَحْرِ»، وهو ما يُصِيبُ راكبَه، فكأنها تميدُ بما عليها من الطعام.
وقال أهلُ الكوفة: لأنها تميدُ بالآكِلِينَ، قال الزجَّاج رحمه الله تعالى: «وهي فاعِلةٌ على الأصلِ»، وقال أبو عُبَيْدٍ: «هي فَاعِلَةٌ بمعنى مفعُولَة مشتقَّةٌ من مادهُ بمعنى أعْطَاهُ، وامتادَهُ بمعنى اسْتَعْطَاهُ، فهي بمعنى مَفْعُولَة»، قال: «كَعِيشَةٍ راضيةٍ» وأصلُها أنها ميدَ بها صاحبُها، أي: أعْطِيَهَا، والعربُ تقول: مَادَنِي فلانٌ يَمِيدُنِي، إذا أدَّى إليَّ وأعْطَانِي وقال أبو بَكْرِ بنُ الأنباريِّ: «سُمِّيتْ مائدةً؛ لأنها غياثٌ وعطاءٌ، من قول العرب: مَادَ فلانٌ فُلانًا إذا أحْسَنَ إلَيْه» وأنشد: [السريع]
إلى أميرِ المُؤمِنِينَ المُمْتَادْ

أي: المُحْسنِ لرعيَّته، وهي فاعلةٌ من المَيْدِ بمعنى مُعْطِيَةٍ، فهو قريبٌ من قولِ أبِي عُبَيْدٍ في الاشتقاقِ، إلا أنَّها عنده بمعنى فاعلةٍ على بابها، وابنُ قتيبة وافق أبا عُبَيْدٍ في كونها بمعنى مَفْعُولَة، قال: «لأنَّها يُمَادُ بها الآكلُونَ أي يُعْطَوْنَهَا»، وقيل: هي من المَيْدِ، وهو الميلُ، وهذا هو معنى قول الزجَّاج.
قوله تعالى: {مِنَ السَّماءِ} يجوز أنْ يتعلَّق بالفعلِ قبله، وأنْ يتعلَّق بمحذوف؛ على أنه صفةٌ لـ {مَائِدَة}، أي: مائدةً كَائِنَةً من السَّماءِ، أي: نازلةً منها. اهـ.

.قال الفيروزابادي:

بصيرة في طوع:
الطَّوْع: الانقياد، وضِدّ الكَره.
قال تعالى: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} والطاعة مثله.
لكن أَكثر ما يقال في الائتمار فيما أُمر.
وقوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ}، أَى أَطيعوا، أَى لِيَكُنْ منكم طاعة معروفة بلا إِثم.
وهولى طائع، وطَيِّعٌ، وطاعٍ، وطاعٌ، والجمع: طُوَّعٌ.
وهو يَطُوع لى وطاوعته على كذا، وأَطاع الله طاعة.
وهو مُطيع، ومِطْواع، ومِطواعة، قال:
إِذا سُدْتَه سُدْت مِطواعةً ** ومهما وكَلْتَ إِليه كفاه

وهو من ناسٍ مَطاويع.
وهو متطوِّع بكذا: مبترّع متنفّل.
وهو من المُطَّوِّعة، أَى من الذين يتطوَّعون بالجهاد.
وقال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} إِلى قوله: {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}.
والمتطوِّع من يتكلّف الطاعة.
وكلّ متنفّل خير تبرّعا متطوّع.
قال تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}.
وقرأَ الكوفيّون غير عاصم: {فَمَنْ يَطَّوَّعْ}.
أَى يَتَطوَّع.
وقوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أَى تابَعته، وقيل: سَهّلت له نفسُه وطاوعته.
وقال مجاهد: أَى شجّعته وأَعانته، وأَجابته إِليه.
وقال الأَخفش: هو مثل طوّقت له، ومعناه: رخَّصت وسهّلت.
والاستطاعة: والإِطاقة، وربما قالوا: استطاع يَسْطِيع، يحذفون التاءَ استثقالًا لها مع الطاءِ، ويكرهون إِدغام التاءِ فيها فتُحرَّكَ السّين وهى لا تحرّك أَبدا.
وقرأَ حمزة غير خلاَّد {فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ} بالإِدغام، فجمع بين السّاكنين.
وذكر الأَخفش أَن بعض العرب يقول: اسْتَاع يَسْتيع فيحذف الطاء استثقالا وهون يريد استطاع يستطيع، قال: وبعض يقولون: أَسْطاع يُسْطيع بقطع الهمزة وهو يريد أَطاع يُطيع، ويجعل السّين عِوضًا عن ذهاب حركة العين، أَى عين الفعل.
ويقال: تطاوَعَ لهذا الأَمر: تكلّف استطاعته حتى يستطيعه.
وهو ضد معنى قول عمرو بن معد يكرب رضى الله عنه:
إِذا لم تستطع أَمرًا فَدَعْهُ ** وجاوِزْه إِلى ما تستطيع

وقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}، أَى هل يقدر.
وقرأَ الكسائىّ: {هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ} بالتَّاءِ ونصب الباءِ، أَى هل تستدعى إِجابته في أَن يُنزل علينا مائدة من السّماءِ، أَو هل تستطيع سؤال ربّك، وهو استفعال من قولك: طاع لى يطوع.
وأَصل الاستطاعة الاستطواع.
فلمَّا أُسقطت الواو جُعلت الهاءُ بدلًا منها.
والمُطَّوِّعَة: الذين يتطوَّعون بالجهاد، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ}، أَى المتطوّعين فأَدغم.
والاستطاعة عند المحققين، اسم للمعانى التي بها يتمكّن الإِنسان ممّا يريده من إِحداث الفعل.
وهى أَربعة أَشياء: بِنْية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قابلة للتأثير وآلة: إِن كان الفعل آليًّا؛ كالكتابة، فإِنَّ الكاتب يحتاج إِلى هذه الأَربعة في إِيجاده للكتابة، ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إِذا فَقَد واحدا من هذه الأَربعة فصاعدًا.
ويضادّه العجز، وهو أَلاّ يجد أَحَدَ هذه الأَربعة فصاعدًا.
ومتى وجدها فمستطيع مطلقًا، ومتى فقدها فعاجز مطلقًا.
ومتى وجد بعضه دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه آخر، ولأَن يوصف بالعجز أَولى.
والاستطاعة أَخصّ من القدرة.
وقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فإِنه يحتاج إِلى هذه الأَربعة.
وقوله صلَّى الله عليه وسلم: «الاستطاعة الزَّاد والراحلة» فإِنه بيان لما يُحتاج إِليه من الآلة، وخصّه بالذِّكر دون الأُخر إِذ كان معلومًا من حيث العقل ومقتضى الشرع أَن التكليف من دون تلك الأُخر لا يصحّ.
قوله: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ}، الإِشارة بالاستطاعة هاهنا إِلى عدم الآلة من المال والظَّهْر.
وقد يقال: فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرّياضة، وذلك يرجع إِلى افتقاد الآلة وعدم التصّور، وقد يصحّ معه التَّكليف ولا يصير به الإِنسان معذورًا.
وعلى هذا الوجه قال: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، وقد حمل على هذه قوله: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ}.
وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} قيل: إِنَّهم قالوا ذاك قبل أَن قويت معرفتهم بالله.
وقيل: إِنَّهم لم يقصدوا قَصْد القدرة، وإِنما قصدوا أَنه: هل تقتضى الحكمة أَن يَفعل ذلك.
وقيل: يستطيع ويُطِيع بمعنى واحد، ومعناه: هل يجيب، كقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَى يُجاب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (113):

قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت المعجزات إنما تطلب لإيمان من لم يكن آمن، وكان في هذا الجواب أتم زجر لهم، تشوف السامع إلى جوابهم فقيل: لم ينتهوا بل {قالوا} إنا لا نريدها لأجل إزالة شك عندنا بل {نريد} مجموع أمور: {أن نأكل منها} فإنا جياع؛ ولما كان التقدير: فتحصل لنا بركتها، عطف عليه: {وتطمئن قلوبنا} أي بضم ما رأينا منها إلى ما سبق من معجزاتك من غير سؤالنا فيه {ونعلم} أي بعين اليقين وحقه {أن قد صدقتنا} أي في كل ما أخبرتنا به {ونكون عليها} وأشاروا إلى عمومها بالتبعيض فقالوا: {من الشاهدين} أي شهادة رؤية مستعلية عليها بأنها وقعت، لا شهادة إيمان بأنها جائزة الوقوع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} نصب بأن.
{وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} عطف كله، بيّنوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه.
وفي قولهم: {نَّأْكُلَ مِنْهَا} وجهان: أحدهما أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها؛ وذلك أن عيسى عليه السلام كان إذا خرج اتبعه خمسة آلاف أو أكثر، بعضهم كانوا أصحابه، وبعضهم كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم لمرض كان بهم أو عِلّة، إذ كانوا زَمْنى أو عميانا، وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون، فخرج يومًا إلى موضع فوقعوا في مفازة، ولم يكن معهم نفقة فجاعوا وقالوا للحواريين: قولوا لعيسى حتى يدعو بأن تنزل علينا مائدة من السماء؛ فجاءه شمعون رأس الحواريين وأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو بأن تنزل عليهم مائدة من السماء، فجاء شمعون رأس الحواريين وأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو بأن تنزل عليهم مائدة من السماء فقال عيسى لشمعون: قل لهم {اتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فأخبر بذلك شمعون القوم فقالوا له: قل له: {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} الآية.
الثاني {نَّأْكُلَ مِنْهَا} لننال بركتها لا لحاجة دعتهم إليها، قال الماورديّ: وهذا أشبه؛ لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال وقولهم: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها تطمئن إلى أن الله تعالى بعثك إلينا نبيًا.
الثاني تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لدعوتنا.
الثالث تطمئن إلى أن الله تعالى قد أجابنا إلى ما سألنا؛ ذكرها الماورديّ.
وقال المهدويّ: أي تطمئن بأن الله قد قبل صومنا وعملنا.
قال الثعلبيّ: نستيقن قدرته فتسكن قلوبنا.
{وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} بأنك رسول الله.
{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} لله بالوحدانية، ولك بالرسالة والنبوّة.
وقيل: {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} لك عند من لم يرها إذا رجعنا إليهم. اهـ.