فصل: من فوائد القرطبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قد روي عن عمار من غير طريق موقوفًا وهو أصح.
وقال ابن عباس: إن عيسى عليه السلام قال لهم: صوموا ثلاثين يومًا ثم اسألوا ما شئتم يعطيكموه فصاموا فلما فرغوا قالوا يا عيسى إنا لو عملنا عملًا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا وسألوا المائدة الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضوعها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم.
وقال سلمان الفارسي: لما سأل الحواريون المائدة لبس عيسى صوفًا وبكى وقال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء الآية، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها وهي تهوي إليهم منقضَّة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة واليهود ينظرون إلى شيء لم ينظروا مثله ولم يجدوا ريحًا أطيب من ريحه فقال عيسى عليه السلام ليقم أحسنكم عملًا فليكشف عنها ويسمّ الله.
فقال شمعون الصفار رأس الحواريين: أنت أولى بذلك منا.
فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى بكاء كثيرًا ثم كشف المنديل عنها وقال بسم الله خير الرازقين، فإذا هو بسمكة مشوية ليس فيها شوك ولا عليها فلوس تسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها ألوان البقول ما خلا الكراث، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد.
فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى: ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الجنة ولكنه شيء اخترعه الله بقدرته العالية.
كلوا مما سألتم واشكروا يمددكم ويزدكم من فضله.
فقالوا: يا روح الله كن أول من يأكل منها فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها يأكل منها من سألها، فخافوا أن يأكلوا منها فدعا لها أهل الفاقة والمرض والبرص والجذام والمقعدين فقال: كلوا من رزق الله لكم الشفاء ولغيركم البلاء، فأكلوا منها وهم ألف وثلثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزِمن ومبتلى وصدروا عنها وهم شباع، وإذا السمكة بحالها حين أنزلت ثم طارت المائدة صعودًا وهم ينظرون إليها حتى توارت ولم يأكل منها مريض أو زَمِن أو مبتلى إلا عوفي ولا فقير إلا استغنى.
وندم من لم يأكل منها.
وقيل: مكثت أربعين صباحًا تنزل ضحى فإذا نزلت اجتمع إليها الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء يأكلون منها ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى يفيء الفيء، فإذا فاء الفيء، طارت وهم ينظرون إليها حتى تتوارى عنهم وكانت تنزل غبًا يومًا ويومًا لا تنزل فأوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها وقالوا: ترون المائدة حقًا تنزل من السماء، فأوحى الله عز وجل عيسى لعيه السلام إني شرطت أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين فقال عيسى عليه السلام عند ذلك {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فمسخ الله منهم ثلثمائة وثلاثين رجلًا باتوا ليلتهم مع نسائهم على فرشهم ثم أصبحوا خنازير يسعون في الطرق يأكلون العذرة من الكناسات والحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعموا إلى عيسى عليه السلام وبكوا ولما أبصرت الخنزير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف به وجعل عيسى عليه السلام يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برؤوسهم ولا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا.
وقال كعب: أنزلت المائدة منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل شيء إلا اللحم وقال ابن عباس: أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم.
وقال الكلبي: كان عليها خبز بر وبقل.
وقال وهب بن منبه: أنزل الله أقرصة من شعير وحيتانًا فكان القوم يأكلون ويخرجون ثم يجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوا بأجمعهم وفضل.
وقال قتادة: كانت تنزل عليهم بكرة وعشيًا حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل.
وقال الكلبي ومقاتل: أنزل الله سمكًا وخمسة أرغفة فأكلوا منها ما شاء الله والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا الحديث ضحك من لم يشهد منهم وقالوا ويحكم إنما سحر أعينكم فمن أراد الله به خيرًا ثبته ومن أراد فتنته رجع إلى كفره فمسخوا خنازير وليس فيهم صبي ولا أمرأة فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا وكذلك كل ممسوخ. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قَالَ الله إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} هذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين، وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق، فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير.
قال ابن عمر: إن أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون، قال الله تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فإني أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ العالمين}.
واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فالذي عليه الجمهور وهو الحق نزولها، لقوله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}.
وقال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مَثَل ضَرَبه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه.
وقيل: وعدهم بالإجابة فلما قال لهم: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ} الآية استعفوا منها، واستغفروا الله وقالوا: لا نريد هذا، قاله الحسن.
وهذا القول والذي قبله خطأ، والصواب أنها نزلت.
قال ابن عباس: إن عيسى ابن مريم قال لبني إسرائيل: «صُوموا ثلاثين يومًا ثم سلوا الله ما شئتم يعطكم» فصاموا ثلاثين يومًا وقالوا: يا عيسى لو عملنا لأحد فقضينا عملنا لأطعمنا، وإنا صُمْنا وجعنا فادع الله أن ينزّل علينا مائدة من السماء، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحْوات، فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أوّلهم.
وذكر أبو عبد الله محمد بن عليّ الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» له: حدّثنا عمر بن أبي عمر قال حدّثنا عمّار بن هارون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظليّ عن عليّ بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهديّ عن سلمان الفارسيّ قال: لما سألت الحواريون عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه المائدة قام فوضع ثياب الصوف، ولبس ثياب المسوح وهو سربال من مسوح أسود ولِحَاف أسود فقام فألزق القدم بالقدم، وألصق العقب بالعقب، والإبهام بالإبهام، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم طأطأ رأسه، خاشعًا لله، ثم أرسل عينيه يبكي حتى جرى الدمع على لحيته، وجعل يقطر على صدره ثم قال: {اللهم رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السماء تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وارزقنا وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} {قَالَ الله إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} الآية، فنزلت سفرة حمراء مدوّرة بين غمامتين، غمامة من فوقها وغَمامة من تحتها، والناس ينظرون إليها، فقال عيسى: «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة إلهي أسألك من العجائب فتعطي» فهبطت بين يدي عيسى عليه السلام وعليها منديل مغطّى، فخرَّ عيسى ساجدًا والحواريون معه، وهم يجدون لها رائحة طيبة لم يكونوا يجدون مثلها قبل ذلك، فقال عيسى: «أيكم أعبد لله وأجرأُ على الله وأوثق بالله فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها ونذكر اسم الله عليها ونحمد الله عليها» فقال الحواريون: يا روح الله أنت أحقُّ بذلك، فقام عيسى صلوات الله عليه- فتوضأ وضوءًا حسنًا، وصلّى صلاة جديدة، ودعا دعاء كثيرًا، ثم جلس إلى السفرة، فكشف عنها، فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك تسيل سيلان الدّسم، وقد نُضّد حولها من كل البقول ما عدا الكراث، وعند رأسها ملح وخَلّ، وعند ذنبها خمسة أرغفة على واحد منها خمس رمّانات، وعلى الآخر تمرات، وعلى الآخر زيتون.
قال الثعلبيّ: على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث بيض، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قَديد.
فبلغ ذلك اليهود فجاءوا غمًا وكمدا ينظرون إليه فرأوا عجبًا، فقال شمعون وهو رأس الحواريون يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى صلوات الله عليه: «أما افترقتم بعد عن هذه المسائل ما أخوفني أن تعذّبوا».
فقال شمعون: وإله بني إسرائيل ما أردت بذلك سوءًا.
فقالوا: يا روح الله لو كان مع هذه الآية آية أخرى، قال عيسى عليه السلام: «يا سمكة احْيَيْ بإذن الله» فاضطربت السمكة طريّة تبص عيناها، ففزع الحواريون فقال عيسى: «مالي أراكم تسألون عن الشيء فإذا أعطيتموه كرهتموه ما أخوفني أن تعذبوا» وقال: «لقد نزلت من السماء وما عليها طعام من الدنيا ولا من طعام الجنة ولكنه شيء ابتدعه الله بالقدرة البالغة فقال لها كوني فكانت» فقال عيسى: «يا سمكة عودي كما كنت» فعادت مشوية كما كانت، فقال الحواريون: يا روح الله كن أوّل من يأكل منها، فقال عيسى: «معاذ الله إنما يأكل منها من طلبها وسألها» فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون مَثُلَة وفتنة، فلما رأى عيسى ذلك دعا عليها الفقراء والمساكين والمرضى والزمني والمجذَّمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الأصفر، وقال: «كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله عليه» وقال: «يكون المهنأ لكم والعذاب على غيركم» فأكلوا حتى صدروا عن سبعة آلاف وثلثمائة يتجشئون فبريء كل سقيم أكل منه، واستغنى كل فقير أكل منه حتى الممات، فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه فما بقي صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب ولا غني ولا فقير إلا جاءوا يأكلون منه، فضغط بعضهم بعضًا فلما رأى ذلك عيسى جعلها نوبا بينهم، فكانت تنزل يومًا ولا تنزل يومًا، كناقة ثمود ترعى يومًا وتشرب يومًا، فنزلت أربعين يومًا تنزل ضُحًا فلا تزال هكذا حتى يفيء الفيء موضعه.
وقال الثعلبيّ: فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صُعُدًا فيأكل منها الناس، ثم ترجع إلى السماء والناس ينظرون إلى ظلّها حتى تتوارى عنهم، فلما تمّ أربعون يومًا أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام «يا عيسى اجعل مائدتي هذه للفقراء دون الأغنياء» فتمارى الأغنياء في ذلك وعادوا الفقراء وشكّوا وشكّكوا الناس، فقال الله يا عيسى: «إني آخذ بشرطي»، فأصبح منهم ثلاثة وثلاثون خنزيرًا يأكلون العَذِرة يطلبونها بالأكباء، والأكباء هي الكُناسة واحدها كبا بعدما كانوا يأكلون الطعام الطيّب وينامون على الفرش اللينة، فلما رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسى يبكون، وجاءت الخنازير فجثوا على ركبهم قدّام عيسى، فجعلوا يبكون وتقطر دموعهم فعرفهم عيسى فجعل يقول: «ألست بفلان»؟ فيومئ برأسه ولا يستطيع الكلام، فلبثوا كذلك سبعة أيام ومنهم من يقول: أربعة أيام ثم دعا الله عيسى أن يقبض أرواحهم، فأصبحوا لا يدري أين ذهبوا؟ الأرض ابتلعتهم أو ما صنعوا؟!
قلت: في هذا الحديث مقال ولا يصح من قبل إسناده.
وعن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السُّلَمي كان طعام المائدة خبزًا وسمكًا.
وقال ابن عطية: كانوا يجدون في السمك طيب كل طعام؛ وذكره الثعلبي.
وقال عمّار بن ياسر وقَتَادة: كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمار من ثمار الجنة.
وقال وهب بن مُنَبِّه: أنزل الله تعالى أقرصة من شعير وحيتانًا.
وخرّج التِّرمذي في أبواب التفسير عن عمّار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدةُ من السماء خبزًا ولحمًا وأُمِروا ألا يَخونوا ولا يَدّخِروا لغدٍ فخانوا وادّخروا ورفعوا لغدٍ فَمُسِخوا قِرَدة وخنازير» قال أبو عيسى: هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عَرُوَبة عن قَتَادة عن خِلاَسٍ عن عمّار بن ياسِرٍ موقوفًا ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قَزَعة؛ حدّثنا حُمَيد بن مَسْعدة قال حدّثنا سفيان بن حبيب عن سعيد بن أبي عروبة نحوه ولم يرفعه، وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة، ولا نعلم للحديث المرفوع أصلًا.