فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



2- وقوله جل وعز: {رب العالمين} قال أهل اللغة الرب المالك وأنشدوا:
وهو الرب والشهيد على يو ** م الحيارين والبلاء بلاء

وأصل هذا أنه يقال ربه يربه ربا وهو راب ورب إذا قام بصلاحه ويقال على التكثير رباه ورببه وربته وروى الربع عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رب العالمين قال الجن والأنس وروى الربيع ابن أنس عن أبي العالية قال الجن عالم والإنسان عالم وسوى ذلك للأرض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمس مائة عالم خلقهم الله لعبادته وقال أبو عبيدة رب العالمين أي المخلوقين وانشد العجاج فخندق هامة هذا العالم.
والقول الأول اجل هذه الأقوال واعرفها في اللغة لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة وعالم مشتق من العلامة وقال الخليل العلم والعلامة والمعلم ما دل على شيء فالعالم دال على أن له خالقا مدبرا.
3- وقوله تعالى: {ملك يوم الدين} ويقرأ {مالك يوم الدين} واختار أبو حاتم مالك قال وهو اجمع من ملك لأنك تقول أن الله مالك الناس ومالك الطير ومالك الريح ومالك كل شيء من الأشياء ونوع من الأنواع ولا يقال الله ملك الطير ولا ملك الريح ونحو ذلك وإنما يحسن ملك الناس وحدهم.
وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة منهم أبو عبيد وأبو العباس محمد بن يزيد واحتجوا بقوله تعالى لمن الملك اليوم والملك مصدر الملك ومصدر المالك ملك بالكسر وهذا احتجاج حسن وأيضا فان حجة أبى حاتم لا تلزم لأنه إنما لم يستعمل ملك الطير والرياح لأنه ليس فيه معنى مدح وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن أبي داود بن الأنباري قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي مالك عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مالك يوم الدين} يوم الدين هو يوم الحساب.
وقال مجاهد الدين الجزاء والمعنيان واحد لأن يوم القيامة يوم الحساب ويوم الجزاء والدين في غير هذه الطاعة والدين أيضا العادة كما قال أهذا دينه أبدا وديني والمعاني متقاربة لأنه إذا أطاع فقد دان.
والعادة تجري مجرى الدين وفلان في دين فلان أي في سلطانه وطاعته فان قيل لم خصت القيامة بهذا فالجواب أن يوم القيامة يوم يضطر فيه الخلائق إلى أن يعرفوا أن الأمر كله لله تعالى وقيل خصه لأن في الدنيا ملوكا وجبارين ويوم القيامة يرجع الأمر كله إلى الله تعالى.
4- وقوله تعالى: {إياك نعبد} ولم يقل نعبدك لأن هذا أوكد قال سيبويه كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم إليهم وهم ببيانه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم والعبادة في اللغة الطاعة مع تذلل وخضوع يقال طريق معبد إذا كان قد ذلل بالوطء وبعير معبد إذا طلي بالقطران أي امتهن كما يمتهن العبد قال طرفة:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ** أفردت إفراد البعير المعبد

يقال عبد من كذا أي انف منه كما قال الشاعر:
واعبد أن تهجى تميم بد ارم

5- ثم قال تعالى: {وإياك نستعين} أعاد إياك توكيدا ولم يقل ونستعين كما يقال المال بين زيد وبين عمرو فتعاد بين توكيدا وقال إياك ولم يقل إياه لأن المعنى قل يا محمد إياك نعبد على أن العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب كما قال الأعشى:
عنده الحزم والتقى واسى الصر ** ع وحمل لمضلع الأثقال

ثم قال ورجع من الغيبة إلى الخطاب:
ووفاء إذا أجرت فما غر ** ت حبال وصلتها بحبال

وقال تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} ثم قال أن هذا كان لكم جزاء وعكس هذا أن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة فلا كما قال تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}.
وفي الكلام حذف والمعنى وإياك نستعين على ذلك.
6- ثم قال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} وهم على الهدى أي ثبتنا كما تقول للقائم قم حتى أعود إليك أي اثبت قائما ومعنى اهدنا أرشدنا وأصل هدى أرشد ومنه: {واهدنا إلى سواء الصراط} ويكون هدى بمعنى بين كما قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} ويكون هدى بمعنى ألهم كما قال تعالى: {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} أي ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى ويكون هدى بمعنى دعا كما قال تعالى: {ولكل قوم هاد} أي نبي يدعوهم وأصل هذا كله أرشد والمعنى أرشدنا إلى الصراط المستقيم.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا هاشم بن القاسم الحراني قال حدثنا أبو إسحاق النحوي عن حمزة بن حبيب عن حمران بن أعين عن أبي منصور بن أخي الحارث عن الحارث عن على قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصراط المستقيم كتاب الله». وروى مسعر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله في قوله تعالى {اهدنا الصراط المستقيم} قال كتاب الله وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال هو الإسلام والصراط في اللغة الطريق الواضح وكتاب الله بمنزلة الطريق الواضح وكذلك الإسلام وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط ** إذا اعوج الموارد مستقيم

أمير المؤمنين جمعت دينا ** وحلما فاضلا لذوي الحلوم

7- ثم قال تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس الذين انعم عليهم النبيون وقال غيره يعني الأنبياء والمؤمنين وقيل هم جميع الناس ثم قال تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وروي عن عمر أنه قرأ {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين} وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا محمد ابن إدريس المكي قال اخبرنا محمد بن سعيد قال اخبرنا عمرو عن سماك عن عباد عن عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون قال قلت فإني حنيف مسلم قال فرأيت وجهه تبسم فرحا صلى الله عليه وسلم وروى بديل العقيلي عن عبد الله بن شقيق وبعضهم يقول عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال يا رسول الله من هؤلاء المغضوب عليهم فأشار إلى اليهود قال فمن هم الضالون قال: «هؤلاء الضالون» يعني النصارى فعلى هذا يكون عاما براد به الخاص وذلك كثير في كلام العرب مستغن عن الشواهد لشهرته. اهـ.

.قال الفراء:

سورة الفاتحة:
{الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
قوله تعالى: {الْحَمْدُ للَّهِ} اجتمع القرّاء على رفع الحمد. وأمّا أهل البَدْو فمنهم من يقول: {الحمدَ لِلّه}. ومنهم من يقول: {الحمدِ لِلّه}. ومنهم من يقول: {الحمدُ لُلّهِ} فيرفع الدال واللام.
فأما مَن نَصب فإنه يقول: {الحمد} ليس باسم إنما هو مَصْدر؛ يجوز لقائله أن يقول: أحمد اللّه، فإذا صَلح مكان المصدر فَعل أو يَفْعل جاز فيه النصب؛ من ذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ} يصلح مكانها في مثله من الكلام أن يقول: فاضربوا الرقاب. ومن ذلك قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} يصلح أن تقول في مثله من الكلام: نعوذ باللّه. ومنه قول العرب: سَقْينًا لكَ، ورَعْيًا لك؛ يجوز مكانه: سقاك الله، ورعاك الله.
وأما من خفض الدال من {الحمدِ} فإنه قال: هذه كلمة كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد؛ فثقُل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضَمّة بعدها كسرة، أو كَسْرَة بعدها ضَمّة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل إِبِل؛ فكسروا الدال ليكون على المثال من أسمائهم. وأمّا الذين رفعوا الّلام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان؛ مثلُ: الحُلُم والعُقُب.
ولا تُنْكرنّ أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كَثُر بهما الكلام. ومن ذلك قول العرب: بِأَبَا إنما هو بِأَبِى الياءُ من المتكلم ليست من الأب؛ فلما كَثُرَ بهما الكلام توهّموا أنهما حرف واحد فصيّروها ألفا ليكون على مثال: حُبْلَى وسَكْرَى؛ وما أشبهه من كلام العرب. أنشدني أبو ثَرْوان:
قال الجواري ما ذَهَبْتَ مَذْهَبَا ** وعبنني ولم أكنْ مُعَيِّبَا

هل أنتَ إلا ذاهب لِتلْعَبَا ** أرَيْتَ إنْ أعطِيتَ نَهْدًا كَعْثَبَا

أذاك أم نُعطيكَ هَيْدًا هَيْدَبَا ** أَبْرَدَ في الظَّلماء من مَسِّ الصَّبَا

فقلتُ: لا، بل ذا كما يا بِيَبَا ** أجدرُ ألاّ تَفْضَحَا وتَحْرَبَا

هل أنتَ إلاّ ذاهب لتلْعَبَا ذهب بهل إلى معنى ما.
{عَلَيْهُم} و{عَلَيْهِم} وهما لغتان؛ لكل لغة مذهب في العربية.
فأما من رفع الهاء فإنه يقول: أصلها رفع في نصبها وخفضها ورفعها؛ فأما الرفع فقولهم: هُم قالوا ذاك، في الابتداء؛ ألا ترى أنها مرفوعة لا يجوز فتحها ولا كسرها. والنصب في قولك: ضَرَبَهُم مرفوعة لا يجوز فتحها ولا كسرها؛ فتركت في عليهمُ على جهتها الأولى.
وأما من قال: {عليهِم} فإنه استثقل الضمّة في الهاء وقبلها ياء ساكنة، فقال: {عليهِم} لكثرة دَور المكنىّ في الكلام. وكذلك يفعلون بها إذا اتصلت بحرف مكسور مثل بِهِم وبِهُم، يجوز فيه الوجهان مع الكسرة والياء الساكنة. ولا تبال أن تكون الياء مفتوحا ما قبلها أو مكسورا؛ فإذا انفتح ما قبل الياء فصارت ألفًا في اللفظ لم يُجْز في هم إلا الرفع؛ مثل قوله تبارك وتعالى: {وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِِّ} ولا يجوز: مَوْلاهِم الحقِّ، وقوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} لا يجوز: فبِهُداهِم اقْتَدهْ.
ومثله مما قالوا فيه بالوجهين إذا وليته ياء ساكنة أو كسرة، قوله: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} و: {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا} يجوز رفع الألف من أمّ وأمها وكسرها في الحرفين جميعا لمكان الياء. والكسرة مثل قوله تّبارك وتعالى: {فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} وقول من رَوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أُوصى امرأً بِأمّه». فمن رفع قال: الرفع هو الأصل في الأمّ والأمّهات. ومن كسر قال: هي كثيرة المجرى في الكلام؛ فاستثقل ضمةً قبلها ياء ساكنة أو كسرة. وإنما يجوز كسر ألف أمّ. إذا وليها كسرة أو ياء؛ فإذا انفتح ما قبلها فقلت: فلان عند أمّه، لم يجز أن تقول: عند إِمّه، وكذلك إِذا كان ما قبلها حرفا مضموما لم يجز كسرها؛ فتقول: اتّبعتُ أمّه، ولا يجوز الكسر.
وكذلك إذا كان ما قبلها حرفا مجزوما لم يكن في الأمّ إلا ضم الألف؛ كقولك: من أُمّه، وعن أُمّه. ألا ترى أنك تقول: عنهُم ومِنهُم {واضربهُم}. ولا تقول: عنهِم ولا مِنهِم، ولا اضِربهِم. فكل موضع حَسُن فيه كسر الهاء مثل قولهم: فيهم وأشباهها، جاز فيه كسر الألف من {أمّ} وهي قياسها. ولا يجوز أن تقول: كتب إلى إِمّه ولا على إِمّه؛ لأن الذي قبلها ألف في اللفظ وإنما هي ياء في الكتاب: إلى وعلى. وكذلك: قد طالت يدا أُمه بالخير. ولا يجوز أن تقول: يدا إِمّه. فإن قلت: جلس بين يدي أَمِّه؛ جاز كسرها وضمها لأن الذي قبلها ياء. ومن ذلك أن تقول: هم ضاربو أُمّهاتهم؛ برفع الألف لا يكون غيره. وتقول: ما هم بضاربي أُمّهاتهم وإِمّهاتهم؛ يجوز الوجهان جميعا لمكان الياء. ولا تُبال أن يكون ما قبل ألف أمّ موصولا بها أو منقطعا منها؛ والوجهان يجوزان فيه؛ تقول: هذهِ أمّ زيد وإِمُّ زيد. وإذا ابتدأتها لم تكن إلا مرفوعة، كم كانت هُم لا تكون إلا مرفوعة في الابتداء، فأما هم فلا تكسر إلا مع حرف يتصل بها لا يفرق بينه وبينها مثل بِهِم.
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ}.
وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} بخفض {غيرِ} لأنها نعت للذين، لا للهاء والميم من {عليهم}. وإنما جاز أن تكون {غير} نعتًا لمعرفة؛ لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف ولام، وليس بمصمودٍ له ولا الأوّل أيضا بمصمود له، وهى في الكلام بمنزلة قولك: لا أمرّ إلا بالصادق غيرِ الكاذب؛ كأنك تريد بمن يصدق ولا يكذب. ولا يجوز أن تقول: مررت بعبد الله غيرِ الظريفِ إلا على التكرير؛ لأن عبد الله مُوَقّت، و{غير} في مذهبِ نكرةٍ غير موقتة، ولا تكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة. والنصب جائز في: {غير} تجعله قطعا من: {عليهم}. وقد يجوز أن تجعل: {الذين} قبلها في موضع توقيت، وتخفض: {غيرِ} على التكرير: {صراط غيرِ المغضوب عليهم}.
وأما قوله تعالى: {وَلاَ الضَّالِّينَ} فإن معنى: {غير} معنى: {لا} فلذلك رُدّت عليها: {ولا}. هذا كما تقول: فلان غير محسن ولا مُجْمِل؛ فإِذا كانت: {غير} بمعنى سوى لم يجز أن تُكَرَّ عليها: {لا} ألا ترى أنه لا يجوز: عندي سوى عبد الله ولا زيد.
وقد قال بعض من لا يعرف العربية: إن معنى: {غير} في الحمد معنى سوى، وإن لا صلة في الكلام، واحتجَّ بقول الشاعر:
في بئرِ لاحُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

وهذا غير جائز؛ لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله، فهو جَحْد محض. وإنما يجوز أن تجعل لا صلة إذا اتصلت بَجحْد قبلها؛ مثل قوله:
ما كان يرضى رسولُ اللهِ دينَهم ** والطيِّبان أبو بكر ولا عمرُ

فجعل لا صلة لمكان الجحد الذي في أوّل الكلام؛ هذا التفسير أوضح؛ أراد في بئر لا حور، لا الصحيحة في الجحد؛ لأنه أراد في: بئر ماء لا يُحير عليه شيئًا؛ كأنك قلت: إلى غير رشد توجه وما درى. والعرب تقول: طحنت الطاحنةُ فما أحارت شيئا؛ أي لم يتبين لها أثر عمل. اهـ.