فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
مَنْ تَعَجَّل ميراثَ صدقه في دنياه من قبولٍ حصل له من الناس، أو رياسةٍ عقدت له، له أو نفع وصل إليه من جاهٍ أو مالٍ. فلا شيء له في آجله من صواب صدقه، لأن الحقَّ سبحانه نصّ بأنَّ يومَ القيامة ينفع فيه الصادقين صدقهم.
قوله جلّ ذكره: {رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}.
ورضاءُ الحق سبحانه إثباتُ مَحَلّ لهم، وثناؤه عليهم ومدحُه لهم، وتخصيصهم بأفضاله وفنون نواله. ورضاؤهم عن الحق- سبحانه في الآخرة وصولهم إلى مناهم؛ فهو الفوز العظيم والنجاة الكبرى. اهـ.

.من فوائد ابن القيم:

قال عليه الرحمة:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الرضى:
وقد أجمع العلماء على أنه مستحب مؤكد استحبابه واختلفوا في وجوبه على قولين وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يحكيهما على قولين لأصحاب أحمد وكان يذهب إلى القول باستحبابه قال: ولم يجىء الأمر به كما جاء الأمر بالصبر وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم.
قال: وأما ما يروي من الأثر: من لم يصير على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي فهذا أثر إسرائيلي ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ولاسيما عند من يرى أنه من جملة الأحوال التي ليست بمكتسبة بل هو موهبة محضة فكيف يؤمر به وليس مقدورا عليه وهذه مسألة اختلف فيها أرباب السلوك على ثلاث طرق فالخراسانيون قالوا: الرضى من جملة المقامات وهو نهاية التوكل فعلى هذا: يمكن أن يتوصل إليه العبد باكتسابه والعراقيون قالوا: هو من جملة الأحوال وليس كسبيا للعبد بل هو نازلة تحل بالقلب كسائر الأحوال والفرق بين المقامات والأحوال: أن المقامات عندهم من المكاسب والأحوال مجرد المواهب.
وحكمت فرقة ثالثة بين الطائفتين منهم القشيري صاحب الرسالة وغيره فقالوا: يمكن الجمع بينهما بأن يقال: بداية الرضى مكتسبة للعبد وهي من جملة المقامات ونهايته من جملة الأحوال وليست مكتسبة فأوله مقام ونهايته حال.
واحتج من جعله من جملة المقامات: بأن الله مدح أهله وأثنى عليهم وندبهم إليه فدل ذلك على أنه مقدور لهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وقال: من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا غفرت له ذنوبه وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين وإليهما ينتهي وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه وألوهيته والرضى برسوله والانقياد له والرضى بدينه والتسليم له ومن اجتمعت له هذه الأربعة: فهو الصديق حقا وهي سهلة بالدعوى واللسان وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان ولاسيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها من ذلك: تبين أن الرضى كان لسانه به ناطقا فهو على لسانه لا على حاله فالرضى بإلهيته يتضمن الرضى بمحبته وحده وخوفه ورجائه والإنابة إليه والتبتل إليه وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه فعل الراضي بمحبوبه كل الرضى وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له والرضى بربوبيته: يتضمن الرضى بتدبيره لعبده ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وأن يكون راضيا بكل ما يفعل به.
فالأول: يتضمن رضاه بما يؤمر به.
والثاني: يتضمن رضاه بما يقدر عليه وأما الرضى بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره ألبتة لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه لا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلا بحكمه فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم وأحسن أحواله: أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور وأما الرضى بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى: رضي كل الرضى ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده وشيخه وطائفته وههنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم فإياك أن تستوحش من الاغتراب والتفرد فإنه والله عين العزة والصحبة مع الله ورسوله وروح الأنس به والرضى به ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا بل الصادق كلما وجد مس الاغتراب وذاق حلاوته وتنسم روحه قال: اللهم زدني اغترابا ووحشة من العالم وأنسا بك وكلما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التفرد: رأى الوحشة عين الأنس بالناس والذل عين العز بهم والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزبالة أذهانهم والانقطاع عين التقيد برسومهم وأوضاعهم فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدا من الخلق ولم يبع حظه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان وغايته: مودة بينهم في الحياة الدنيا فإذا انقطعت الأسباب وحقت الحقائق وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وبليت السرائر ولم يجد من دون مولاه الحق من قوة ولا ناصر: تبين له حينئذ مواقع الربح والخسران وما الذي يخف أو يرجح به الميزان والله المستعان وعليه التكلان.
والتحقيق في المسألة: أن الرضى كسبي باعتبار سببه موهبي باعتبار حقيقته فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه فإذا تمكن في أسبابه وغرس شجرته: اجتنى منها ثمرة الرضى فإن الرضى آخر التوكل فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض: حصل له الرضى ولابد ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه رحمة بهم وتخفيفا عنهم لكن ندبهم إليه وأثنى على أهله وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها فمن رضي عن ربه رضي الله عنه بل رضي العبد عن الله من نتائج رضى الله عنه فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده: رضي قبله أوجب له أن يرضى عنه ورضى بعده هو ثمرة رضاه عنه ولذلك كان الرضى باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العارفين وحياة المحبين ونعيم العابدين وقرة عيون المشتاقين ومن أعظم أسباب حصول الرضى: أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه فإنه يوصله إلى مقام الرضى ولابد قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضى فقال إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه فيقول: إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت وإن تركتني عبدت وإن دعوتني أجبت وقال الجنيد: الرضى هو صحة العلم الواصل إلى القلب فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضى.
وليس الرضى والمحبة كالرجاء والخوف فإن الرضى والمحبة حالان من أحوال أهل الجنة لا يفارقان المتلبس بهما في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة بخلاف الخوف والرجاء فإنهما يفارقان أهل الجنة بحصول ما كانوا يرجونه وأمنهم مما كانوا يخافونه وإن كان رجاؤهم لما ينالون من كرامته دائما.
لكنه ليس رجاء مشوبا بشك بل هو رجاء واثق بوعد صادق من حبيب قادر فهذا لون ورجاؤهم في الدنيا لون وقال ابن عطاء: الرضى سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به قلت: وهذا رضى بما منه وأما الرضى به: فأعلى من هذا وأفضل ففرق بين من هو راض بمحبوبه وبين من هو راض بما يناله من محبوبه من حظوظ نفسه والله أعلم.
وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان.
والصواب: أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى كرضى المريض بشرب الدواء الكريه ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمإ ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها.
وطريق الرضى طريق مختصرة قريبة جدا موصلة إلى أجل غاية ولكن فيها مشقة ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة ولا فيها من العقبات والمفاوز ما فيها وإنما عقبتها همة عالية ونفس زكية وتوطين النفس على كل ما يرد عليها من الله ويسهل ذلك على العبد: علمه بضعفه وعجزه ورحمته به وشفقته عليه وبره به فإذا شهد هذا وهذا ولم يطرح نفسه بين يديه ويرضى به وعنه وتنجذب دواعي حبه ورضاه كلها إليه: فنفسه نفس مطرودة عن الله بعيدة عنه ليست مؤهلة لقربه وموالاته أو نفس ممتحنة مبتلاة بأصناف البلايا والمحن.
فطريق الرضى والمحبة: تسير العبد وهو مستلق على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل وثمرة الرضى: الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في المنام وكأني ذكرت له شيئامن أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته لا أذكره الآن فقال: أما أنا فطريقتي الفرح بالله والسرور به أو نحو هذا من العبارة وهكذا كانت حاله في الحياة يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حاله لكن قد قال الواسطي: استعمل الرضى جهدك ولا تدع الرضى يستعملك فتكون محجوبا بلذته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع وهذا الذي أشار إليه الواسطى هو عقبة عظيمة عند القوم ومقطع لهم فإن مساكنة الأحوال والسكون إليها والوقوف عندها: استلذاذا ومحبة: حجاب بينهم وبين ربهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم وكان الواسطي كثير التحذير من هذه العقبة شديد التنبيه عليها ومن كلامه: إياكم واستحلاء الطاعات فإنها سموم قاتلة فهذا معنى قوله: استعمل الرضى جهدك ولا تدع الرضى يستعملك أي لا يكون عملك لأجل حصول حلاوة الرضى بحيث تكون هي الباعثة لك عليه بل اجعله آلة لك وسببا موصلا إلى قصدك ومطلوبك فتكون مستعملا له لا أنه مستعمل لك وهذا لا يختص بالرضى بل هو عام في جميع الأحوال والمقامات القلبية التي يسكن إليها القلب حتى إنه أيضا لا يكون عاملا على المحبة لأجل المحبة.
وما فيها من اللذة والسرور والنعيم به بل يستعمل المحبة في مرضاة المحبوب لا يقف عندها فهذا من علل المحبة وقال ذو النون: ثلاثة من أعلام الرضى: ترك الاختيار قبل القضاء وفقدان المرارة بعد القضاء وهيجان الحب في حشو البلاء وقيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة فقال: رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له وقال الفضيل بن عياض لبشر الحافي: الرضى أفضل من الزهد في الدنيا لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلته وسئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: أسألك الرضى بعد القضاء فقال: لأن الرضى قبل القضا عزم على الرضى والرضى بعد القضا هو الرضى وقيل: الرضى ارتفاع الجزع في أي حكم كان وقيل: رفع الاختيار وقيل: استقبال الأحكام بالفرح وقيل سكون القلب تحت مجاري الأحكام وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد وهو ترك السخط وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: أما بعد فإن الخير كله في الرضى فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر وقال أبو علي الدقاق: الإنسان خزف وليس للخزف من الخطر ما يعارض فيه حكم الحق تعالى.
وقال أبو عثمان الحيري: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته وما نقلني إلى غيره فسخطته والرضى ثلاثة أقسام: رضى العوام بما قسمه الله وأعطاه ورضى الخواص بما قدره وقضاه ورضى خواص الخواص به بدلا من كل ما سواه.