فصل: الآية الثانية والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية الثانية والأربعون:

{فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}.
{فَإِنْ طَلَّقَها} أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي حتى تتزوج بزوج آخر.
وقد أخذ بظاهر الآية سعيد بن المسيّب ومن وافقه قالوا: يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}.
وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لابد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من اعتبار ذلك، وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيّب ومن تابعه.
وفي الآية دليل على أنه لابد من أن يكون ذلك نكاحا شرعيا مقصودا لذاته لا حيلة إلى التحليل وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأول فإن ذلك حرام بالأدلة الواردة في ذمّه وذمّ فاعله وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك.
وقد بسط الكلام على هذا الحافظ ابن القيم رحمه اللّه في إعلام الموقعين وإغاثة اللهفان.
{فَإِنْ طَلَّقَها} أي الزوج الثاني {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} أي الزوج الأول والمرأة {أَنْ يَتَراجَعا} أي يرجع كل واحد منهما لصاحبه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحرّ إذا طلق زوجته ثلاثا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجا ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول فإنها تكون عنده على ثلاث تطليقات.
{إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر. وأما إذا لم يحصل ظن ذلك: بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود اللّه أو ترددا أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن فلا يجوز الدخل في هذا النكاح لأنه مظنة المعصية للّه والوقوع فيما حرمه على الزوجين.

.الآية الثالثة والأربعون:

{وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}.
البلوغ إلى الشيء: معناه الحقيقي الوصول إليه، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلا مجازا لعلاقة مع قرينة- كما هنا- فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي لأن المرأة إذا بلغت آخر جزء من مدة العدة وجاوزته إلى الجزء الذي هو الأجل للانقضاء فقد خرجت من العدة، ولم يبق للزوج عليها سبيل.
قال القرطبي في تفسيره إن معنى بلغن هنا قاربن بإجماع العلماء. وقال:
ولأن المعنى يضطر إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك.
والإمساك بمعروف: هو القيام بحقوق الزوجية واستدامتها. بل اختاروا أحد أمرين:
إما الإمساك بمعروف من غير قصد إضرار.
أو التسريح بإحسان: أي تركها حتى تنقضي عدتها من غير مراجعة ضرار.
{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا} كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدّتها، ثم مراجعتها لا عن حاجة ولا لمحبة، ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيع مدة الانتظار ضرارا لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم لهنّ.
وأخرج ابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما بال أقوام يلعبون بحدود اللّه!! يقول قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك، قد راجعتك!! ليس هذا طلاق المسلمين طلقوا المرأة في قبل عدّتها».

.الآية الرابعة والأربعون:

{وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)}.
الخطاب في هذه الآية بقوله: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ} وبقوله: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} إما أن يكون للأزواج، ويكون معنى العضل منهم أن يمنعوهنّ من أن يتزوجنّ من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن لحمية الجاهلية، كما يقع كثيرا من الخلفاء والسلاطين غيرة على من كان تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم، لأنهم لما نالوه من رياسة الدنيا وما صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس بني آدم إلا من عصمة اللّه منهم بالورع والتواضع وإما أن يكون الخطاب للأولياء، ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنه سبب له لكونهم المزوجين للنساء المطلقات من الأزواج المطلقين لهن.
وبلوغ الأجل المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي: أي نهايته لا كما سبق في الآية الأولى.
والعضل: الحبس وقيل التضييق، والمنع وهو راجع إلى معنى الحبس، وكل مشكل عند العرب معضل. وداء عضال: أي شديد عسير البرء.
وقوله: {أَزْواجَهُنَّ} إن أريد به المطلقون لهن فهو مجاز باعتبار ما كان، وإن أريد به من يردن أن يتزوجنه فهو مجاز أيضا باعتبار ما سيكون، وقد أخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فأتاني ابن عم فأنكحتها إياه فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقا لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقلت له: يا لكع أكرمتك به وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها، واللّه لا ترجع إليك أبدا! وكان رجلا لا بأس وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم اللّه حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل اللّه: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} الآية. قال: ففيّ نزلت هذه الآية فكفّرت عن يميني وأنكحتها إياه.

.الآية الخامسة والأربعون:

{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}.
لما ذكر اللّه سبحانه النكاح والطلاق ذكر الرضاع فإن الزوجين قد يفترقان وبينهما ولد، ولهذا قيل: إن هذا خاص في المطلقات وقيل: هو عام.
{حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} تأكيد للدلالة على كون هذا التقدير تحقيقا لا تقريبا.
وفيه رد على أبي حنيفة في قوله: إن مدة الرضاع ثلاثون شهرا وكذا على زفر، وفي قوله تعالى: {لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما بل هو التمام ويجوز الاقتصار على ما دونه والآية تدل على وجوب الرضاعة على الأم لولدها.
وقد حمل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها.
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} أي على الأب الذي يولد له. وآثر هذا اللفظ دون قوله: {وعلى الوالد} للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات، ولهذا ينسبون إليهم دونهن كأنهن إنما ولدن لهم فقط. ذكر معناه في الكشاف. والمراد بالرزق هنا الطعام الكافي المتعارف به بين الناس، والمراد بالكسوة ما يتعارفون به أيضا.
وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الآباء للأمهات المرضعات. وهذا في المطلقات طلاقا بائنا وأما غيرهن فنفقتهن وكسوتهن واجبة على الأزواج من غير إرضاعهن لأولادهن.
{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها} هو تقييد لقوله: {بِالْمَعْرُوفِ} أي هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ويعجز عنه.
وقيل: المراد لا يكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعى القصد.
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها على البناء للفاعل والمفعول: أي لا تضار الأب بسبب الولد بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق والكسوة أو بأن تفرط في حفظ الولد والقيام بما يحتاج إليه. أو لا تضار من زوجها بأن يقصر عليها في شيء مما يجب عليه أو ينتزع ولدها منها بلا سبب.
ويجوز أن تكون الباء في قوله: {بِوَلَدِها} صلة لقوله: {تُضَارَّ} على أنه بمعنى تضر أي لا تضر والدة بولدها فتسيء تربيته أو تقصر في غذائه.
وأضيف الولد تارة إلى الأب وتارة إلى الأم لأن كل واحد منهما يستحق أن ينسب إليه مع ما في ذلك من الاستعطاف. وهذه الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها: أي لا يكلّف كل واحد منهما ما لا يطيقه فلا تضاره بسبب ولده.
{وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} معطوف على قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ} وما بينهما تفسير للمعروف أو تعليل له معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.
واختلف أهل العلم في معنى قوله هذا: فقيل: هو وارث الصبي: أي إذا مات المولود له كان على وارث هذا الصبي المولود وإرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك. قاله عمر بن الخطاب وقتادة والسّدي والحسن ومجاهد وعطاء وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وابن أبي ليلى على خلاف بينهم: هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث؟
أو على الذكور فقط؟ أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه؟
وقيل: المراد بالوارث وارث الأب يجب عليه نفقة المرضعة وكسوتها بالمعروف.
قاله الضحاك.
وقال مالك في تفسير هذه الآية بمثل ما قاله الضحاك ولكنه قال: إنها منسوخة وإنها لا تلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه، وشرطه الضحاك بأن لا يكون للصبي مال، وإن كان له مال أخذت أجرة رضاعه من ماله.
وقيل: المراد بالوارث المذكور في الآية هو الصبي نفسه: أي عليه من ماله إرضاع نفسه إذا مات أبوه وورث من ماله، قاله قبيصة بن ذؤيب وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز وروي عن الشافعي.
وقيل: هو الباقي من والدي المولود بعد موت الآخر منهما، فإذا مات الأب كان على الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال، قاله سفيان الثوري.
وقيل: إن معنى قوله: {وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} أي وارث المرضعة يجب عليه أن يصنع بالمولود كما كانت الأم تصنعه به من الرضاع والخدمة والتربية.
وقيل: إن معنى على الوارث: أنه يحرم عليه الإضرار بالأم كما يحرم على الأب، وبه قالت طائفة من أهل العلم، قالوا: وهذا هو الأصل فمن ادّعى أنه يرجع فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل.
قال القرطبي: وهو الصحيح إذ لو أراد الجميع الذي هو الرضاع والإنفاق وعدم الضرر لقال: وعلى الوارث مثل هؤلاء فدل على أنه معطوف على المنع من المضارّة وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبد الوهاب.
قال ابن عطية وقال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله مثل ذلك أن لا تضارّ، وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه. وحكى ابن القاسم عن مالك مثل ما قدمنا عنه من دعوى النسخ. ولا يخفى عليك ضعف ما ذهبت إليه هذه الطائفة فإن ما خصصوا به معنى قوله: {وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} من ذلك المعنى- أي عدم الإضرار بالمرضعة- قد أفاده قوله: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها} يصدق ذلك على كل مضارّة ترد عليها من المولود له أو غيره.
وأما قول القرطبي: لو أراد الجميع لقال مثل هؤلاء، فلا يخفى ما فيه من الضعف البين، فإن اسم الاشارة يصلح للمتعدد كما يصلح للواحد بتأويل المذكور أو نحوه.
وأما ما ذهب إليه أهل القول الأوّل من أن المراد بالوارث وارث الصبيّ، فيقال عليه إنه لم يكن وارثا حقيقة مع وجود الصبيّ حيا، بل هو وارث مجازا باعتبار ما يؤول إليه.
وأما ما ذهب إليه أهل القول الثاني فهو وإن كان فيه حمل الوارث على معناه الحقيقي لكن في إيجاب النفقة عليه مع غنى الصبيّ ما فيه ولهذا قيده القائل به بأن يكون الصبي فقيرا. ووجه الاختلاف في تفسير الوارث ما تقدّم من ذكر الوالدة والمولود له والولد، فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم.
{فَإِنْ أَرادا فِصالًا} الضمير للوالدين، والفصال: الفطام عن الرضاع أي التفريق بين الصبيّ والثدي، ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه.
{عَنْ تَراضٍ مِنْهُما} أي صادرا عن تراض من الأبوين إذا كان الفصال قبل الحولين.
{وَتَشاوُرٍ} أي استخراج رأي من أهل العلم في ذلك حتى يخبروا أن الفطام قبل الحولين لا يضر بالولد.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} في ذلك الفصال لما بين اللّه سبحانه أن مدّة الرضاع حولين كاملين قيد ذلك بقوله: {لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} وظاهره أن الأب وحده إذا أراد أن يفصل الصبي قبل الحولين كان ذلك جائزا له. وهنا اعتبر سبحانه تراضي الأبوين وتشاورهما فلابد من الجمع بين الأمرين بأن يقال: إن الإرادة المذكورة في قوله: {لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ}.
لابد أن تكون منهما، أو يقال: إن تلك الإرادة إذا لم يكن الأبوان للصبيّ حيين بأن يكون الموجود أحدهما أو كانت المرضعة للصبيّ غير أمه.
{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} قال الزجاج: التقدير أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة. وعن سيبويه أنه حذف اللام لأنه يتعدّى إلى مفعولين والمفعول الأول محذوف.
والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم.
{فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ} قيل: والمعنى أنه لا بأس عليكم أن تسترضعوا أولادكم غير أمهاتهم إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهنّ بحساب ما قد أرضعن لكم إلى وقت إرادة الاسترضاع، قاله سفيان الثوري ومجاهد.
وقال قتادة والزهري: إن معنى الآية: إذا سلمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي كان ذلك عن اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر. وعلى هذا فيكون قوله: سلمتم، عاما للرجال والنساء تغليبا.
وعلى القول الأول الخطاب للرجال فقط. وقيل: المعنى إذا سلتم لمن أردتم استرضاعها أجرها فيكون المعنى إذا سلمتم ما أردتم إيتاءه: أي إعطاءه إلى المرضعات بالمعروف بما يتعارفه الناس من أجر المرضعات من دون مماطلة لهن أو حط بعض ما هو لهنّ من ذلك فإن عدم توفير أجرهن يبعثهن على التساهل بأمر الصبيّ والتفريط بشأنه.