فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ} إن شئت رفعت الميتة، وإن شئت نصبتها فقلت (ميتة) ولك أن تقول تكن ويكن بالتاء والياء.
وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تقول: العاقبة والعافية. وهو مثل قوله: {إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}.
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (141)} هذه الكروم، ثم قال: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهًا} في لونه {وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} في طعمه، منه حلو ومنه حامض.
وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} هذا لمن حضره من اليتامى والمساكين.
وقوله: {وَلا تُسْرِفُوا} في أن تعطوا كله. وذلك أن ثابت بن قيس خلّى بين الناس وبين نخله، فذهب به كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال اللّه تبارك وتعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
وقوله: {وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا (142)} يقول: وأنشأ لكم من الأنعام حمولة، يريد ما أطاق الحمل والعمل:
والفرش: الصغار. ثم قال: وقوله: {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} (143) فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا.
وقوله: {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت اثنين واثنين لدخول (من) كان صوابا كما تقول: رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعدا وقائما.
والمعنى في قوله: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثم قال: {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ} يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و(ما) في قوله: {أمّا اشتملت} في موضع نصب، نصبته بإتباعه الذكرين والأنثيين.
وقوله: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا (144)} يقول: أوصّاكم اللّه بهذا معاينة؟
وقوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا (145)} ثم قال جلّ وجهه: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وإن شئت (تكون) وفى (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح الرفع في القراءة لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثم تردّ ما بعدها عليها.
ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل: قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب: قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفى أظنّ وأخواتها: أن تقول (أظنه زيد أخوك و) أظنّه فيها زيد. ويجوز في إنّ وأخواتها كقول اللّه تبارك وتعالى: {يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ} وكقوله: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فتذكّر الهاء وتوحّدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز فتقول: إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} {وَأَخَذَتِ} جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز: قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت: أتجيز تثنيتها في قول من قال: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قبل أنّ الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبى الفعل، والواو في الجمع تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما: إنها أسد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طال صلاتك، (ثم أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك فذكّرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ- مثل عندك، وفوقك، وفيها- فأنّث وذكّر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (فى قام) جاريتك على أن تقول: قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إذا كان غدا فأتنا. وتقول: اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا كأنه قال: ليس أحد إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قال: إذا كان غدوة فأتنا لم يجز له أن يقول: إذا غدوة كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت: إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت: إن كان شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب. قال وأنشدنى بعضهم:
فعينىّ هلّا تبكيان عفاقا ** إذا كان طعنا بينهم وعناقا

فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب يقولون: لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك.
وقوله: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما (146)} حرّم عليهم الثّرب، وشحوم الكلى.
ثم قال: {إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما} و(ما) في موضع نصب بالفعل بالاستثناء.
و(الحوايا) في موضع رفع، تردّها على الظهور: إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهى المباعر وبنات اللبن. والنصب على أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} وهى الألية. و(ما) في موضع نصب.
وقوله: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (151)} إن شئت جعلت (لا تشركوا) نهيا أدخلت عليه (أن). وإن شئت جعلته خبرا و(تشركوا) في موضع نصب كقولك: أمرتك ألّا تذهب (نصب) إلى زيد، وأن لا تذهب (جزم) وإن شئت جعلت ما نسقته على (ألّا تشركوا به) بعضه جزما ونصبا بعضه كما قال: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ}، فنصب أوله ونهى عن آخره كما قال الشاعر:
حجّ وأوصى بسليمى الأعبدا ** ألّا ترى ولا تكلم أحدا

ولا تمشّ بفضاء بعدا فنوى الخبر في أوّله ونهى في آخره. قال: والجزم في هذه الآية أحبّ إلىّ لقوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ} فجعلت أوّله نهيا لقوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ}.
وقوله: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا (153)} تكسر إنّ إذا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها. وإن شئت جعلتها خفضا، تريد {ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} {وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}.
وقوله: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} يعنى اليهودية والنصرانية. يقول: لا تتبعوها فتضلوا.
وقوله: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (154)} تماما على المحسن. ويكون المحسن في مذهب جمع كما قال: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}. وفى قراءة عبد اللّه تماما على الذين أحسنوا تصديقا لذلك.
وإن شئت جعلت (الذي) على معنى (ما) تريد: تماما على ما أحسن موسى، فيكون المعنى: تماما على إحسانه. ويكون (أحسن) مرفوعا تريد على الذي هو أحسن، وتنصب (أحسن) هاهنا تنوى بها الخفض لأن العرب تقول: مررت بالذي هو خير منك، وشرّ منك، ولا يقولون: مررت بالذي قائم لأن (خيرا منك) كالمعرفة إذ لم تدخل فيه الألف واللام. وكذلك يقولون: مررت بالذي أخيك، وبالذي مثلك، إذا جعلوا صلة الذي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذى أنشدنى الكسائىّ:
إن الزّبيرىّ الذي مثل الحلم ** مشّى بأسلابك في أهل العلم

وقوله: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (155)} جعلت مباركا من نعت الكتاب فرفعته. ولو نصبته على الخروج من الهاء في (أنزلناه) كان صوابا.
وقوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ (156)} (أن) في موضع نصب من مكانين. أحدهما: أنزلناه لئلا تقولوا إنما أنزل. والآخر من قوله: واتقوا أن تقولوا، (لا) يصلح في موضع (أن) هاهنا كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} يصلح فيه لا تضلون كما قال: {سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ (158)} لقبض أرواحهم: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}: القيامة {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ}: طلوع الشمس من مغربها.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ (159)} قرأها علىّ {فارقوا}، وقال: واللّه ما فرّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} وكلّ وجه.
وقوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} يقول من قتالهم في شيء، ثم نسختها: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وقوله: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (160)} من خفض يريد: فله عشر حسنات أمثالها. ولو قال هاهنا: فله عشر مثلها يريد عشر حسنات مثلها كان صوابا. ومن قال: عشر أمثالها جعلهنّ من نعت العشر. و(مثل) يجوز توحيده: أن تقول في مثله من الكلام: هم مثلكم، وأمثالكم قال اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} فوحّد، وقال: {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} فجمع. ولو قلت: عشر أمثالها كما تقول: عندى خمسة أثواب لجاز.
وقوله: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ}: بلا إله إلا اللّه، والسيئة: الشّرك.
وقوله: {دِينًا قِيَمًا (161)} و{قيّما}. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنى عمرو بن أبى المقدام عن رجل عن عمران بن حذيفة قال: رآنى أبى حذيفة راكعا قد صوّبت رأسى، قال ارفع رأسك، دينا قيما. {دينا قيما} منصوب على المصدر. و{مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} كذلك.
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (165)} جعلت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم خلائف كل الأمم {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} في الرزق {ليبلوكم} بذلك {فيما آتاكم}. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الأنعام:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ}.
فأمَّا قوله عز وجل: {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} فـ{أَجَلٌ} على الابتداء وليس على {قَضَى}.
{أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}.
قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ} ثم قال: {مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم كما قال: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب.
{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
وقال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} فنصب لام {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} لأن معنى {كَتَبَ} كأنه قال: واللهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ثم أبدل فقال: {الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ} أي: لَيَجْمَعَنَّ الذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ}.
وقال: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} على النعت. وقال بعضهم {فاطرُ} بالرفع على الابتداء أيْ: هُوَ فاطرُ.
وقال بعضهم {وهو يُطْعِمُ ولا يَطْعَم} وقال بعضهم {ولا يُطْعَمُ} و{يَطْعَمُ} هو الوجه، لأَنَّكَ إنَّما تقول: هُوَ يُطْعَمُ لمن يَطْعَمُ فتخبر أنَّهُ لا يأكل شيئا. وإنّما تقرأ {يُطْعَمُ} لاجتماع الناس عليها.
وقال: {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ} أي: وقيل لي: {لاَ تَكُونَنَّ}. وصارت {أُمِرْتُ} بَدَلًا من ذلك لأنه حين قال: {أُمِرْتُ} قد أخبر أنَّهُ قد قيل له.
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.
وقال: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا} على الصفة. وقال بعضهم {رَبَّنا} على يا ربنا [108]. وأمَّا {واللهِ} فجره على القسم، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت اللهَ رَبَّنا. ومنهم من يجر بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم وهذا في القياس رديء. وقد جاء مثله شاذا قولهم: [من الرجز وهو الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة]:
وَبَلَدٍ عامِيَّةٍ أَعْماؤُهُ

وإِنَّما هُوَ: رُبَّ بَلَدٍ وقال: [من الوافر وهو الشاهد التسعون بعد المائة]
نَهَيْتُكَ عَنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو ** بِعاقِبَةٍ وَأَنْت إِذٍ صَحِيحُ

يقول: حِينَئِدٍ فالقى حينَ وأَضمْرها. وصارت الواو عوضا من رُبَّ في وَبَلَدٍ. وقد يضعون بَلْ في هذا الموضع. قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة]:
ما بالُ عَيْنٍ عَنْ كَراها قَدْ جَفَتْ ** مُسْبِلَةً تَسْتَنُّ لَمّا عَرَفَتْ

دارًا لِلَيْلى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ ** بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ

فيمن قال: طَلَحَتْ.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}.
وقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} وواحد الأَكِنَّةِ: الكِنان. والوَقْرُ في الأُذُن بالفتح، والوِقْرُ على الظهر بالكسر. وقال يونس: سألتُ رؤبة فقال: وَقِرَتْ أُذُنُهُ تَوْقَرُ اذا كان فيها الوَقْر. وقال أبو زيد: سمِعت العرب تقول: أُذُنٌ مَوْقُورَةٌ فهذا يقول: وُقِرَتْ. قال الشاعر: [من الرمل وهو الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة]:
وَكلامٍ سَيِّئٍ قَدْ وُقِرَتْ ** أُذُنِي مِنْهُ وَما بِي مِنْ صَمَمْ

وقال: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} فبعضهم يزعم أنَّ واحدَه أُسْطُورَة وبعضهم إِسّطارَة، ولا أُراهُ إِلاّ من الجمع الذي ليس له واحدٌ نحو: عَبادِيد ومَذاكِير وأَبابِيل. وقال بعضُهم: واحد الأَبابيل: إبِّيل، وقال بعضهم: إِبَّوْل مثل: عِجَّوْل ولم أجد العرب تعرف له واحدا. فأمّا الشَّماطِيطُ فإِنهم يزعمون أنّ واحدَهُ شِمْطاط. وكل هذه لها واحد الا انه ليس يستعمل، ولم يُتَكَلَّمْ به لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعًا. وسمعت العرب الفصحاء يقولون: أَرْسَلَ إِبِلَهُ أَبابيلَ يريدون جماعات فلم يُتَكَلَّمْ لها بواحد.
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.