فصل: الآية السادسة والأربعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية السادسة والأربعون:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}.
لما ذكر سبحانه عدّة الطلاق واتصل بذكرها ذكر الإرضاع عقب ذلك بذكر عدة الوفاة لئلا يتوهم أن عدّة الوفاة مثل عدة الطلاق.
قال الزجاج: ومعنى الآية والرجال الذين يتوفون منكم ولهم زوجات فالزوجات يتربصن.
وقال أبو علي الفارسي تقديره: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم.
وقيل: التقدير: وأزواج الذين إلخ. ذكره صاحب الكشاف، وفيه أن قوله: {وَيَذَرُونَ أَزْواجًا} لا يلائم ذلك التقدير، لأن الظاهر من النكرة المعادة المغايرة ووجه الحكمة في جعل العدّة للوفاة هذا المقدار أن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا ولا يتأخر عن هذا الأجل. وظاهر هذه الآية العموم وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدّتها هذه العدّة ولكنه قد خصص هذا العموم قوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وإلى هذا ذهب الجمهور وروي عن بعض الصحابة وجماعة من أهل العلم أن الحامل تعتد بآخر الأجلين جمعا بين العام والخاص وإعمالا لهما.
والحق ما قاله الجمهور والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة لا يناسب قوانين اللغة ولا قواعد الشرع. ولا معنى لإخراج الخاص من بين أفراد العام إلا بيان أن حكمه مغاير لحكم العام ومخالف له. وقد صح عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه أذن لسبيعة الأسلمية أن تتزوج بعد الوضع.
والتربص: التأني والتصبر عن النكاح وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض والآيسة، وإن عدتهنّ جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشرا.
وقيل: إن عدة الأمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام. قال ابن العربي:
إجماعا إلا ما يحكى عن الأصم فإنه يسوي بين الحرة والأمة.
وقال الباجي: ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروى عن ابن سيرين أنه قال عدتها عدة الحرة، وليس بالثابت عنه. ووجه ما ذهب إليه الأصم وابن سيرين ما في هذه الآية من العموم ووجه ما ذهب إليه من عداهما قياس عدة الوفاة على الحد فإنه ينصف للأمة لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ}. وقد تقدم حديث:
طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان وهو صالح للاحتجاج به، وليس المراد منه إلا جعل طلاقها على النصف من طلاق الحرة وعدّتها على النصف من عدّتها ولكنه لما لم يمكن أن يقال طلاقها تطليقة ونصف، وعدتها حيضة ونصف لكون ذلك لا يعقل، كانت عدّتها وطلاقها ذلك القدر المذكور في الحديث جبرا للكسر، ولكن هاهنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور وهو أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا هو ما قدمناه من معرفة خلوها من الحمل ولا يعرف إلا بتلك المدة ولا فرق بين الحرة والأمة في مثل ذلك بخلاف كون عدتها في غير الوفاة حيضتين، فإن ذلك يعرف به خلو الرحم ويؤيد عدم الفرق ما سيأتي في عدة أم الولد.
واختلف أهل العلم في أم الولد يموت سيدها: فقال سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في رواية عنه: إنها تعتد بأربعة أشهر وعشرا لحديث عمرو بن العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم! عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا. وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وصححه، وضعفه أحمد وأبو عبيد. وقال الدارقطني: الصواب أنه موقوف. وقال طاووس وقتادة: عدّتها شهران وخمس ليال وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وحسن بن صالح: تعتد ثلاث حيض وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي.
وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: عدّتها حيضة وغير الحائض شهر وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور والجمهور.
وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداد بالحول، وإن كانت متقدمة في التلاوة.
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: المراد بالبلوغ هنا انقضاء العدة {فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} من التزين والتعرض للخطاب {بِالْمَعْرُوفِ} الذي لا يخالف شرعا ولا عادة مستحسنة.
وقد استدل بذلك على وجوب الإحداد على المعتدة. وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما- من غير وجه- أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا».
وكذلك ثبت عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الصحيحين وغيرهما النهي عن الكحل لمن هي في عدة الوفاة.
والإحداد: ترك الزينة من الطيب ولبس الثياب الجيدة والحلي وغير ذلك.
واختلفوا في عدّة البائنة على قولين واحتج أصحاب الإمام أبي حنيفة على جواز النكاح بغير وليّ بهذه الآية لأن إضافة الفعل إلى الفاعل محمولة على المباشرة وأجيب بأنه خطاب للأولياء ولو صح العقد بدونهم لما كانوا مخاطبين. ومحل كل ذلك كتب الفروع.

.الآية السابعة والأربعون:

{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}.
الجناح: الإثم، أي لا إثم عليكم.
والتعريض ضد التصريح وهو من عرض الشيء أي: جانبه كأنه يحوم حول الشيء ولا يظهره. فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه.
قال في الكشاف: الفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له.
والتعريض: أن تذكر شيئا يدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم، ولذلك قالوا: وحسبك بالتسليم مني تقاضيا.
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه إلى ما يريده. انتهى.
والخطبة: بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب والاستلطاف بالقول والفعل، وأما الخطبة بضم الخاء فهي: الكلام الذي يقوم به الرجل خاطبا.
{أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} معناه سترتم وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء العدة.
والإكنان: التستر والإخفاء ومنه بيض مكنون ودر مكنون.
{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} أي لا تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح.
{وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} معناه على سر. وقد اختلف أهل العلم في معنى السر: فقيل أي نكاحا، وإليه ذهب جمهور العلماء أي: لا يقل الرجل لهذه المعتدة:
تزوجيني بل يعرض تعريضا.
وقيل: السر الزنا، أي: لا يكون منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها. قاله جابر بن زيد وأبو مجلز والحسن وقتادة والضحاك والنخعي واختاره ابن جرير الطبري.
وقيل: السر: الجماع، أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح وإلى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية.
قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. وقال أيضا: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها وللأب في ابنته البكر وللسيد في أمته.
{إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} قيل: هو استثناء منقطع بمعنى: لكن. والقول المعروف: هو ما أبيح من التعريض، ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعا وقال:
هو مستثنى من قوله: {لا تُواعِدُوهُنَّ} أي مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة فجعله على هذا الاستثناء مفرغا ووجه كونه منقطعا أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعودا وليس كذلك لأن التعريض طريق المواعدة لا أنه الموعود في نفسه.
{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ} أي على عقدة النكاح وحذف على. قال سيبويه في هذه الآية: لا يقاس عليه. وقال النحاس: أي لا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد. وقيل: إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهي مبالغة لأنه إذ نهى عن التقدم على الشيء كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى.
{حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} يريد حتى تنقضي العدّة، والكتاب هنا: هو الحد والقدر الذي رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا (130)} [النساء: 103]. وهذا الحكم- أعني تحريم عقد النكاح في العدة- مجمع عليه.

.الآية الثامنة والأربعون:

{لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}.
المراد بالجناح هنا: التبعة من المهر ونحوه، فرفعه رفع لذلك: أي لا تبعة عليكم بالمهر ونحوه {إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} على الصفة المذكورة {ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} ما مصدرية ظرفية بتقدير المضاف: أي مدة عدم مسيسكم. وقيل: شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيدا للأول، والمعنى: إن طلقتموهنّ غير ماسين لهنّ. وقيل:
موصولة: أي إن طلقتم النساء اللائي لم تمسوهن.
وهكذا اختلفوا في قوله: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} فقيل: {أو} بمعنى إلا أي: إلا أن تفرضوا.
وقيل: بمعنى إلا: أي: إلا أن تفرضوا.
وقيل: بمعنى حتى: أي حتى تفرضوا.
وقيل: بمعنى الواو: أي وتفرضوا. ولست أرى لهذا التطويل وجها. ومعنى الآية أوضح من أن يلتبس فإن اللّه سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين أي مدّة انتفاء ذلك الأحد، ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بانتفاء الأمرين معا، فإن وجد المسيس وجب المسمى أو مهر المثل. وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس، وكل واحد منهما جناح أي المسمى أو مهر المثل أو نصفه.
واعلم أن المطلقات أربع: مطلقة مدخول بها مفروض لها- وهي التي تقدم ذكرها قبل هذه الآية- وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهن شيئا وأن عدّتهنّ ثلاثة قروء.
ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها- وهي المذكورة هنا- فلا مهر لها بل المتعة، وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدّة لها.
ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}.
ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها وهي المذكورة في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. والمراد بقوله: {ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} ما لم تجامعوهن. والمراد بالفريضة هنا: تسمية المهر.
{وَمَتِّعُوهُنَّ} أي: أعطوهنّ شيئا يكون متاعا لهنّ، وظاهر الأمر الوجوب وبه قال علي وابن عمر والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك.
ومن أدلة الوجوب قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49].
وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم: أن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة: 236] أي: أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى، وكل مسلم يجب عليه أن يتقي اللّه سبحانه.
وقد وقع الخلاف أيضا: هل المتعة مشروعة لغير هذه المطلقة قبل المسيس والفرض أو ليست بمشروعة إلا لها فقط؟
فقيل: إنها مشروعة لكل مطلقة وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي- في أحد قوليه- وأحمد وإسحاق.
ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم مندوبة فقط؟
واستدلوا بقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} وبقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: 28]. والآية الأولى عامة لكل مطلقة، والثانية في أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقد كنّ مفروضا لهنّ مدخولا بهن.
وقال سعيد بن المسيب: إنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس، وإن كانت مفروضا لها لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ (49)} [الأحزاب: 49]. إلخ. قال هذه الآية التي في الأحزاب نسخت بالتي في البقرة.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصة بالمطلقة قبل البناء والتسمية لأن المدخول بها تستحق جميع المسمى أو مهر المثل. وغير المدخولة التي قد فرض لها زوجها فريضة: أي يسمى لها مهرا. وطلقها قبل الدخول المستحق نصف المسمى.
ومن القائلين بهذا ابن عمر ومجاهد ووقع الإجماع على أن المطلقة قبل الدخول والفرض لا تستحق إلا المتعة إذا كانت حرة، وأما إذا كانت أمة فذهب الجمهور إلى أن لها المتعة.
وقال الأوزاعي والثوري: لا متعة لها لأنها تكون لسيدها، وهو لا يستحق مالا في مقابل تأذي مملوكته لأن اللّه سبحانه إنما شرع المتعة للمطلقة قبل الدخول والفرض لكونها تتأذى بالطلاق قبل ذلك.
وقد اختلفوا في المتعة المشروعة: هل هي مقدورة بقدر أم لا؟
فقال مالك والشافعي: لا حدّ لها معروف، بل ما يقع عليه اسم المتعة.
وقال أبو حنيفة: إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف مهر مثلها ولا ينقص عن خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم وللسلف في ذلك أقوال.
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وهذا يدل على أن الاعتبار في ذلك بحال الزوج فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير ولا ينظر إلى قدر الزوجة وقيل:
هذا ضعيف في مذهب الشافعي، بل ينظر الحاكم باجتهاد إلى حالهما جميعا على أظهر الوجوه {مَتاعًا} أي متعوهن متاعا {بِالْمَعْرُوفِ} ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له.
{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} وصف لقوله متاعا أو مصدر لفعل محذوف: أي حق ذلك حقا.