فصل: مطلب في الرحمة ومعنى كتبها على نفسه المقدسة وأن الضار والنافع هو اللّه تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم شرع يسليه ربه بذكر ما وقع لإخوانه الرسل قبله مع أممهم فقال جل قوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما استهزأ بك قومك {فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ} العذاب الذي لا مرد له، وحاق بمعنى حل ونزل وتفيد معنى الإحاطة ولا تكاد تستعمل إلا بالبشر وقيل في المعنى:
فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم ** وحاق بهم من بأس ضربة حائق

وهذه الإحاقة جزاء {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ 10} فاهلكوا جميعا بسبب إيذائهم أنبيتهم، وفيه تحذير لكفار مكة بأنهم إذا لم يقلعوا عما هم عليه من الإيذاء لحضرة الرسول فإن اللّه يسلط عليهم عذابا يهلكهم به كما فعل بغيرهم.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا} ببصركم وتأملوا ببصيرتكم على تأويل النظر بالاعتبار، وقد يؤول السير أيضا بالاعتبار وبالشيء على الأقدام، أي اعتبروا وانظروا {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ 11} أمثالكم إذ أورثهم كفرهم وتكذيبهم الدمار حتى صارت أطلال بلادهم عظة لمن يمر بها وقصتهم عبرة لمن يتفكر بها، فيا أكرم الرسل سل كفرة قومك و{قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فإن أجابوك بأنها وما فيها ملك للّه فعليهم أن يؤمنوا به لأن المملوك تابع لسيده، وإن لم يجيبوك فأخبرهم أنت و{قُلْ لِلَّهِ} وحده فإنهم لا يستطيعون أن يجادلوك في ذلك، لأنهم يعرفون أن أصنامهم مملوكة لا مالكة ويعلمون أنهم وأصنامهم وما تملكه أيديهم للّه يتصرف فيه حسبما يشاء ولا يقدرون أن يقولوا خلاف هذا، لأنهم يتحاشون عن الكذب وينتقد بعضهم بعضا به، ومنهم من يقتلون الكاذب كقوم يونس قبل إيمانهم، قاتلهم اللّه ولا يتحاشون عن الكفر.
ولما بين تعالى كمال قدرته بمخلوقاته أردفه بكمال إحسانه إليهم فقال: {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لعباده وهو منجز وعده بها لهم لا محالة وعليهم أن يكونوا أهلا لها ليحلّها عليهم.

.مطلب في الرحمة ومعنى كتبها على نفسه المقدسة وأن الضار والنافع هو اللّه تعالى:

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما خلق اللّه الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي.
وفي البخاري:
إن اللّه كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش.
وروى مسلم عن سلمان الفارسي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن اللّه خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة واحدة (أي وأخر التسعة والتسعين كما مر في الآية 50 من سورة الحجر المارة) فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة.
وروى البخاري ومسلم عن عمر قال: قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تبتغي (تطلب وتتحرى) إذ وجدت صببا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا واللّه وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال صلّى اللّه عليه وسلم للّه أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها.
راجع الآية 50 المذكورة آنفا تجد ما يتعلق بهذا البحث {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} بأنه آت بلا شك {الَّذِينَ} نصب بفعل الذم المقدر ينبئ عنه {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} باختيارهم ورضى منهم {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ 12} لشقائهم الأزلي بسوء نياتهم وخبث صنايعهم {وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} وما تحرك فيهما من إنسان وحيوان من كل نام وجامد في البر والبحر والهواء ملك للّه وحده.
وقد اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر على حد قوله: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} الآية 82 من سورة النحل الآتية للعلم به {وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوال وأفعال وإحساس كل متحرك وجامد ونام قالا أو حالا على اختلاف لغاتهم وأصواتهم {الْعَلِيمُ 13} بما يحتاجه كل منهم وما يفعله سرا وعلانية وما يفعل به من خير أو شر والفاعل أيضا، فيا أكرم الرسل {قُلْ} لهؤلاء الكفرة الذين يعبدون الأوثان ويدعونك لعبادتها {أَغَيْرَ اللَّهِ} أيها الجهلة يسوغ لي {أَتَّخِذُ وَلِيًّا} وهو ولي كل شيء القادر على كل شيء كلا لا يصح ولا يستقيم لي أن أتخذ غيره أبدا، وكيف يسوغ لي التصدي لذلك مع الإله العظيم {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} قرئ بالجر صفة للفظ الجليل، وبالنصب على المدح أو الاختصاص، وبالرفع على الابتداء وهو أولى بالنسبة لقوله تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ} جميع خلقه بما يدرّه عليهم من الرزق لكل بما يناسبه وبقدر حاجته {وَلا يُطْعَمُ} من قبل أحد لاستغنائه عن مخلوقاته واحتياج الكل إليه فهو الغني وهم الفقراء ومن هذه صفته وجب أن يتخذ إلها ووليا لا غير {قُلْ} هذا لهم يا حبيبي وقل لهم أيضا {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} من هذه الأمة الموجودة على البسيطة وأنقاد لطاعة ربي الذي قال لي أسلم {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 14} بي أحدا غيري ولا شيئا من خلقي، هذا ومن عطف هذه الجملة على الأمر تكلف بتحوير لفظ الفعل إذ يكون المعنى وأمرت أن لا أكون من المشركين، لهذا فإن انقطاعها على الاستئناف وحملها على غيره صلّى اللّه عليه وسلم من أمته كما هو الشأن في الآيات الممائلة المارة آخر سورة القصص والآية أواخر سورة الزمر أولى كما جرينا عليه أي أمرت بالإسلام وقد نهيت ونهيتم أيها الناس عن الشرك وهي رد على غواة قومه الذين كلفوه أن يكون على دينهم {قُلْ} لهم أيضا {إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} بعبادة غيره خلافا لما أمرني به وكلفني بتبليغه إليكم {عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 15} لا مخلص منه لأحد {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} أي ذلك العذاب ويتخلص من وباله {يَوْمَئِذٍ} عند حلوله في موقف القيامة المهيب {فَقَدْ رَحِمَهُ} اللّه بالنجاة منه وفاز بخير الدنيا والآخرة لأنهما حالتان واقعتان لا ثالث لهما، إما الرحمة والجنة أو العذاب والنار {وَذلِكَ} صرف العذاب الناتج عنه دخول الجنة {الْفَوْزُ الْمُبِينُ 16} الذي لا غبار عليه {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ} أيها الإنسان {بِضُرٍّ} من كلّ ما تكرهه نفسك {فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} وحده جل جلاله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من كل ما تحبه نفسك فكذلك لا راد له إلا هو {فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 17} ومن جملة الأشياء المقدورة دفع الضر وجلب الخير لمن يشاء، وهذا الخطاب وإن كان خاصا بحضرة الرسول إلا أنه عام له ولأمته.
فيعلم من هذه الآية أن الضار الحقيقي والنافع هو اللّه تعالى وحده لا دخل لأحد من خلقه به البتة، وإن ما نراه من وجود النفع والضر بواسطة بعض خلقه هو بتقديره أيضا، لأنه عبارة عن واسطة وأسباب ظاهرية اقتضت حكمته وجودها على أيديهم وفقا لسابق علمه الأزلي بحدوثها كذلك فسخرهم للقيام بها.
أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى اللّه عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف، أي بما هو كائن بحيث لا يبدل ولا يغير ولو أطبقت عليه أهل السماء والأرض لأنه من كلام اللّه، وقد قال جل شأنه {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الآية 84 من سورة الإسراء في ج 1، وقد زاد رزين بالحديث السابق: «تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدة»، وفيه أيضا: «إن استطعت أن تعمل للّه بالرضاء باليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر فإن الصبر على ما تكره خير كثير واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين».
ومثله في مسند أحمد بن حنبل، فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث الصحيح أمام عينيه، ومرآة قلبه، وشعار حديثه، فيعمل به ويأمر به غيره، ففيه العزّة باللّه والراحة لنفسه، ورفع العتب عن الغير، وفي هذه الآية الجليلة ردّ على من يرجو كشف الضر من غيره تعالى، وعلى من يؤمل قضاء مصلحته من غيره، وليس فيها ما يمنع الأسباب الظاهرة والتوسل بها، بل ذلك مطلوب، وإنما عليه بعد ذلك أن يجزم بأن ما يكون له هو المقدر عليه أو له لا غير، وأن اللّه تعالى مجريه لا محالة سعى أو لم يسع.
قال تعالى: {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ} المتسلط عليهم فلا يقدر أحد أن يخرج من تحت قهره، وهذا هو معنى القاهر لأنه عال على المقهور، فهو جل شأنه يدبر أمر خلقه فيما يريده لا يحول دونه حائل، ينعّم ويعذب، ويفرح ويحزن، ويغني ويفقر، ويصح ويمرض، ويعز ويذل، ويحيى ويميت، لا يستطيع أحد رد شيء مما قدره {وَهُوَ الْحَكِيمُ} بما يفعل بعباده {الْخَبِيرُ 18} بما يقع في ملكه، وهذه الآية من آيات الصفات التي ألمعنا إليها في الآية 5 من سورة طه في ج 1، وبما في الآية 3 من سورة يونس المارة المحال التي تبحث عن آيات الصفات كهذه فراجعها، وهي لا تقضي إثبات الفوقية بمعنى الجهة للّه، تعالى اللّه عنها، وإنما هي بمعنى العلو والغلبة كما ذكرنا، على أن مذهب السلف الصالح جعلنا اللّه من أتباعهم إثبات الفوقية المطلقة للّه تعالى تحاشيا عن ضدّها لما فيها مما لا يليق بجانبه العالي كما أثبته الإمام الطحاوي وغيره بأدلة كثيرة، روى الإمام وأحمد في حديث الأوعال عن العباس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: والعرش فوق ذلك، واللّه فوق ذلك كله.
وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن مطعم عن أبيه عن جده قوله صلّى اللّه عليه وسلم للرجل الذي استشفع باللّه تعالى: ويحك أتدري ما اللّه تعالى؟ إن اللّه تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سمائه، وقال بأصابعه مثل (القبة) وانه ليئط أطيط الرحل الجديد بالراكب.
وأخرج الأموي في مغازيه من حديث صحيح أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة: لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سموات.
وروى ابن ماجه يرفعه قال: بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال يا أهل الجنة سلام عليكم، ثم قرأ صلّى اللّه عليه وسلم قوله تعالى: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} الآية 59 من سورة يس المارة في ج 1، فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه.
وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} الآية 17 من سورة الأعراف في ج 1، أنه قال لم يستطع أن يقول من فوقهم لأنه قد علم أن اللّه تعالى فوقهم.
وجاء فيما أخرجه مسلم من قوله صلّى اللّه عليه وسلم وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} الآية 43 من فصلت الآتية ولا يكون التنزيل إلا من الفوق، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} الآية 10 من سورة فاطر المارة في ج 1، وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} الآية 158 من سورة النساء في ج 3، وقوله جل شأنه {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} الآية 5 من سورة المعارج الآتية والصعود والرفع والعروج لا تكون إلا لجهة الفوق، وقد سأل أبو مطيع البلخي أبا حنيفة رضي اللّه عنهما عمن قال لا أعرف ربي سبحانه في السماء أو في الأرض، فقال قد كفر لأن اللّه تعالى يقول: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} وعرشه فوق سمواته، فقال قلت فإن قال إنه على العرش، ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، فقال هو كافر، لأنه أنكر آية في السماء، ومن أنكر آية في السماء فقد كفر، فقد ثبت لك من أقوال اللّه ورسوله والأئمة من المسلمين بأنه لا مانع من إطلاق الفوقية على اللّه تعالى، وأنه لا يجوز عليه سواها، تدبر.
قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً} نزلت هذه الآية في المشركين القائلين لحضرة الرسول أرنا من يشهد لك أنك رسول اللّه لأن أهل الكتاب يزعمون أن ليس لك ذكر في كتبهم، أي عليك يا سيد الرسل أن تقول لهم اللّه يشهد بذلك ولا أعظم من شهادته فإن صدقوك فيها وإلا {قُلِ اللَّهُ} ربي وربكم ورب كل شيء هو {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على دعوى رسالته إليكم {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ} من لدنه يا قوم {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} من سوء ما يحل بكم إذا لم تركنوا لأمره ونهيه وأخوفكم عاقبة عدم إيمانكم به فهي عاقبة وخيمة {وَ} وأنذر أيضا {مَنْ بَلَغَ} أمره إليه ممن يأتي بعدكم إلى يوم القيامة.
روى البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: بلّغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
أي مهما قلتم عن بني إسرائيل فقولوا فلا ضيق عليكم بالمنع ولا إثم في ذلك، لأنهم كانوا في حال أكثر مما قلتم وأوسع.
وفي هذا الحديث رخصة عن جواز التحدث عنهم على معنى البلاغ، وإذا لم يتحقق فقل لتعذر تحققه عنهم لطول المدة وعدم الضبط، وليس في هذا الحديث ما يفهم منه إباحة الكذب في الإخبار عنهم وإنما جواز نقل الأخبار الواردة عنهم في كتبهم، وفي بعض القصص التي لم ينص على كذبها ولم تخالف صراحة ما جاء في كتاب اللّه وحديث رسوله، فقد أخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول نضّر اللّه امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى له من سامع.
وعن زيد ابن ثابت قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول نضّر اللّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى بلّغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه.
{أَإِنَّكُمْ} أيها الناس الكافرون {لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى} وتقرّه عقولكم أيها الحمقاء فيا أكرم الرسل إذا أصر هؤلاء على مقالتهم هذه ولم يتعظوا بما تقدمت إليهم من النصح ولم يصغوا لكلام ربك {قُلْ لا أَشْهَدُ} أنا البتة بذلك وأكد لهم قولك هذا و{قُلْ إِنَّما هُوَ} الإله المعبود في السموات والأرض {إِلهٌ واحِدٌ} لا إله غيره واقطع أطماعهم بقولك {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 19} به من الأوثان.
هذا وقد استنبط العلماء من هذه الآية استحباب قول الرجل أو المرأة أو غيرهما كل يوم: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه برئت من كل دين يخالف دين الإسلام.