فصل: (سورة الأنعام: آية 12)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: آية 12]

{قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12)}.

.الإعراب:

{قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} كلام مستأنف مسوق لتبكيت الكفار وتوبيخهم على ما بدر منهم من تخلّف في الكفر، وعجز عن التأمل والاستبصار. ولمن جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومن اسم استفهام للتوبيخ والإنكار، وما اسم موصول مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول، وفي السموات جار ومجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة ما، والأرض عطف على السموات {قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} كلام مستأنف مسوق ليبدأ الرسول بالجواب الذي ليس ثمة جواب غيره. وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو للّه، والجملة في محل نصب مقول القول، وجملة كتب على نفسه الرحمة مستأنفة، لأنها مستقلة عما قبلها، غير مندرجة في سلك المقول، وعلى نفسه جار ومجرور متعلقان بكتب، والرحمة مفعول به {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} اللام جواب للقسم المحذوف المفهوم من قوله: {كتب على نفسه}، كأنه أقسم على ذلك، وجملة يجمعنكم لا محل لها من الاعراب لأنها جواب للقسم، وقد اختلف في هذه الجملة كثيرا ولكن ما ارتأيناه أولى بالصواب. والى يوم القيامة جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، أي: مبعوثين أو محشورين إلى يوم القيامة، ولا نافية للجنس، وريب اسمها، وفيه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها، والجملة حالية {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} الذين نصب على الذم، ويجوز أن تعربها مبتدأ خبره جملة فهم لا يؤمنون، وجيء بالفاء لما في الموصول من رائحة الشرط، وجملة خسروا أنفسهم لا محل لها لأنها صلة الموصول، وهم مبتدأ، وجملة لا يؤمنون خبره، وجملة الذين خسروا أنفسهم على وجه النصب على الذم في محل نصب على الحال، وعلى وجه الرفع مستأنفة مسوقة لبيان سبب خسرانهم.

.[سورة الأنعام: الآيات 13- 14]

{وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}.

.اللغة:

{سَكَنَ}: يحتمل أن يكون من السكنى، ويتعدى بفي، ومعناه حل وثبت. ويحتمل أن يكون من السكون ضد التحرك.
واكتفى بأحد الضدين، لأنه يدل على ضده، وخصه بالذكر لأن السكون هو الأصل، والحركة طارئة، ويتعدى بفي أيضا.
{فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: مبدعهما.
ويروى عن ابن عباس قوله: ما عرفت فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: ابتدعتها. وسيأتي مزيد بحث عن هذه المادة.

.الإعراب:

{وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} الواو استئنافية، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وما اسم موصول مبتدأ مؤخر، وجملة سكن في الليل والنهار صلة الموصول، واختار الزمخشري أن تكون الواو عاطفة نسقا على قوله: {للّه}، أي على الجملة المحكية ب {قل}، أي قل: هو للّه، وقل: وله ما سكن. ولا بأس بذلك {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الواو عاطفة، وهو مبتدأ، والسميع خبر أول، والعليم خبر ثان {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} كلام مستأنف مسوق لمتابعة الرد عليهم حين دعوه إلى دين آبائه. وقل فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، والهمزة للاستفهام الإنكاري، وغير اللّه مفعول به أول لأتخذ، ووليا مفعول به ثان، والجملة في محل نصب مقول القول {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} فاطر السموات والأرض نعت أو بدل للّه، والواو عاطفة، وهو مبتدأ، وجملة يطعم بالبناء للمعلوم خبر، وجملة لا يطعم بالبناء للمجهول عطف عليها {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} كلام مستأنف مسوق لتكرير الرد عليهم. وإن واسمها، وجملة أمرت خبرها. وإن واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول، وأمرت فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والجار والمجرور متعلقان بأمرت، وأول خبر أكون، ومن اسم موصول في محل جر بالإضافة، وجملة أسلم صلة الموصول، ولا تكونن الواو عاطفة، ولا ناهية، وتكونن فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم ب لا، والجملة مقول القول محذوف معطوف على ما تقدم، أي: وقيل لي: لا تكونن، ومن المشركين خبر تكونن.
والمعنى أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك.

.[سورة الأنعام: الآيات 15- 18]

{قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}.

.الإعراب:

{قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} كلام مستأنف ليكون جوابا ثالثا للردّ عليهم. وإن واسمها، وجملة أخاف خبرها، والجملة في محل نصب مقول القول، وإن شرطية، وعصيت ربي فعل ماض وفاعل ومفعول به في محل جزم فعل الشرط، والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله، والجملة الشرطية يجوز أن تكون معترضة بين فعل أخاف ومفعوله، وهو: عذاب يوم عظيم، ويجوز أن تكون حالية، والأول أولى، ويوم مضاف اليه، وعظيم صفة {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ}.
الجملة صفة لعذاب يوم عظيم، ومن شرطية في محل رفع مبتدأ، ويصرف فعل الشرط وهو مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو، وعنه جار ومجرور متعلقان بيصرف، ويومئذ ظرف مضاف إلى مثله متعلق بيصرف، والتنوين في إذ عوض عن جملة، وسيأتي بحثه في باب الفوائد. والفاء رابطة لجواب الشرط، وقد حرف تحقيق، ورحمه فعل ومفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من. {وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} الواو استئنافية أو حالية، وذلك اسم إشارة في محل رفع مبتدأ، والفوز خبر، والمبين صفة والجملة مستأنفة أو حالية {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الواو عاطفة، وإن شرطية ويمسسك فعل الشرط، والكاف مفعول به المقدم، واللّه فاعله المؤخر لفظا، وبضرّ جار ومجرور متعلقان بيمسسك، فلا الفاء رابطة للجواب لأن الجواب جملة اسمية، ولا نافية للجنس، وكاشف اسمها المبني على الفتح، وله جار ومجرور متعلقان بكاشف، وإلا أداة حصر وهو بدل من محل لا واسمها، وخبر لا محذوف، أي: موجود والجملة في محل جزم جواب الشرط {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} عطف على ما تقدم، وجملة: {وهو على كل شيء قدير} تعليلية لجواب الشرط المحذوف، أي: فلا رادّ له غيره، وهو مبتدأ، وقدير خبر، وعلى كل شيء متعلقان بقدير {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} الواو استئنافية أو حالية، وهو مبتدأ، والقاهر خبر، وفوق عباده ظرف متعلق بالقاهر، ويجوز أن يتعلق بمحذوف خبر ثان أو بمحذوف حال، أي: مستعليا. والصورة رائعة للقهر والعلوّ بالغلبة والقدرة.

.الفوائد:

{يَوْمَئِذٍ} التنوين اللاحق ل إذ في نحو: يومئذ وحينئذ، عوض عن الجملة التي تضاف إذ إليها، والأصل: يوم إذ يصرف عنه فقد رحمه، فحذفت جملة {يصرف عنه} وجيء بالتنوين عوضا عن الجملة المحذوفة، إيجازا وتحسينا، فالتقى ساكنان: ذال إذ والتنوين، فكسرت الذال على أصل التقاء الساكنين، وليست هذه الكسرة كسرة إعراب باضافة يوم إليها لأن إذ ملازمة للبناء لشبهها بالحرف في الافتقار إلى جملة وفي الوضع على حرفين، وليست الاضافة في {يومئذ} ونحوها من إضافة أحد المترادفين للآخر، بل من إضافة الأعم إلى الأخص، كشجر أراك.

.[سورة الأنعام: آية 19]

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}.

.اللغة:

{شَيْءٍ} الشيء: ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه، ويجمع على أشياء. وقد تقدم القول في منع أشياء من الصرف، والشيء في اصطلاح المتكلمين هو أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يندرج تحته. وقد شجر بين المتكلمين خلاف نلمح إليه لطرافته، فقد ذهب الأشاعرة- وهم من أهل السنة- إلى أنه الموجود ليس إلّا، وخالفهم المعتزلة بأنه الذي يصح وجوده، فشمل المعدوم. ولكن الفريقين اتفقا على خروج المستحيل من مفهومه. والمفهوم اللغوي أنه لا يتناوله، قال أبو الطيب المتنبي:
وضاقت الأرض حتى كاد هاربهم ** إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا

.الإعراب:

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً} كلام مستأنف مسوق للردّ على من طلبوا من الرسول صلى اللّه عليه وسلم أن يريهم من يشهد له بأنه رسول اللّه. وقل فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت، وأي شيء مبتدأ، وأكبر خبر، وشهادة تمييز محوّل عن المبتدأ، والجملة في محل نصب مقول القول {قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} الجملة مستأنفة مسوقة لتهيئة الرد عليهم، واللّه مبتدأ، وشهيد خبره، والظرفان متعلقان بشهيد، والجملة في محل نصب مقول القول.
وإذا كان اللّه هو الشهيد بينهم وبينه فهو أكبر شهادة {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الواو عاطفة أو استئنافية، وأوحي فعل ماض مبني للمجهول، وإلى جار ومجرور متعلقان بأوحي، وهذا اسم إشارة في محل رفع نائب فاعل أوحي، والقرآن بدل من اسم الاشارة، والجملة معطوفة أو مستأنفة بمثابة التعليل، والمعنى أن شهادة اللّه لي بأني رسوله كافية في نزول هذا القرآن، واللام للتعليل، وأنذركم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والكاف مفعول، ومن الواو عاطفة، ومن اسم موصول منسوق على الكاف في أنذركم، أي: لأنذركم وأنذر كل من بلغه القرآن {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى} الهمزة للاستفهام الإنكاري التقريري، وإن واسمها، واللام المزحلقة، وجملة تشهدون خبرها، وأن واسمها وخبرها سدت مسد مفعول تشهدون، والجملة الاستفهامية في محل نصب مقول قول محذوف أي: ويقول: أئنكم لتشهدون، وأن حرف مشبه بالفعل ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر أن المقدم، وآلهة اسمها المؤخر، وأخرى صفة لآلهة {قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الردّ عليهم، لا نافية وأشهد فعل مضارع، والجملة نصب على أنها مقول القول، وقل فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت، والجملة مستأنفة أيضا للغرض نفسه، وإنما كافة ومكفوفة، وهو مبتدأ وإله خبر، وواحد صفة، وإنني الواو عاطفة، وإن واسمها، وبريء خبرها، والجملة منسوقة على ما قبلها، ومما جار ومجرور متعلقان ببريء، وما يحتمل أن تكون مصدرية أو موصولة، أي: من إشراككم باللّه، أو من الأصنام التي تشركونها مع اللّه.

.[سورة الأنعام: الآيات 20- 21]

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}.

.الإعراب:

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ} كلام مستأنف مسوق للرد على الذين يزعمون أن أهل الكتاب لا يعرفونه، أي الرسول، ويجوز أن يعود الضمير على القرآن. والذين اسم موصول في محل رفع مبتدأ، وجملة آتيناهم صلة الموصول، والكتاب مفعول به ثان، وجملة يعرفونه خبر الذين، وكما الكاف حرف جر، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور نصب على المفعولية المطلقة، وقد تقدمت له نظائر كثيرة.
وأبناءهم مفعول به {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} الذين مبتدأ أيضا، وجملة خسروا صلة الموصول، وأنفسهم مفعول به، والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط، وهم مبتدأ ثان وجملة لا يؤمنون خبر هم، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الذين، ولك أن تعربه خبرا لمبتدأ محذوف، أي: هم الذين خسروا أنفسهم، وأعربها ابن جرير نعتا ل الذين الأولى، وهو سائغ. وقيل: هو منصوب على الذّم، وهو محتمل أيضا {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الواو استئنافية، ومن اسم استفهام معناه النفي والتوبيخ، أي لا أحد أظلم، وهو مبتدأ، وأظلم خبر، وممن جار ومجرور متعلقان بأظلم، وجملة افترى صلة الموصول، وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بافترى، وكذبا مفعول به {أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} عطف على جملة افترى داخلة في حيز الصلة {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} إن واسمها، وجملة لا يفلح الظالمون خبر، والجملة تعليل لما سبق.

.[سورة الأنعام: الآيات 22- 23]

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}.

.الإعراب:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} الواو استئنافية، ويوم ظرف ناصبه محذوف مبهم زيادة في التخويف والتهويل، والمعنى: ويوم نحشرهم كان كذا وكذا. ويجوز أن يكون مفعول ل اذكر مقدرا، وجملة نحشرهم في محل جر بإضافة الظرف إليها، والهاء مفعول به، وجميعا حال {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ثم حرف عطف للتراخي، لطول المدة بين الحشر والقول، وللذين جار ومجرور متعلقان بنقول، وجملة أشركوا صلة الموصول، وأين اسم استفهام في محل نصب ظرف مكان، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وشركاؤكم مبتدأ مؤخر، والذين اسم موصول صفة لشركاء، وجملة كنتم صلة، والتاء اسم كنتم، وجملة تزعمون خبرها، ومفعولا تزعمون محذوفان للعلم بهما، أي: تزعمونهم شركاء {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا} ثم حرف عطف للتراخي، ولم حرف نفي وقلب وجزم، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وفتنتهم اسم تكن. وإلا أداة حصر، وأن ما في حيزها في تأويل مصدر خبر تكن {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} الواو حرف قسم وجر، ولفظ الجلالة مجرور بالواو، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره نقسم، وربنا بدل أو نعت ل اللّه، وجملة القسم في محل نصب مقول قولهم، وما نافية، وكان واسمها، ومشركين خبرها.

.[سورة الأنعام: الآيات 24- 25]

{انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}.

.اللغة:

{أَكِنَّةً} الأكنّة: جمع كنان بكسر الكاف، وهو وقاء كل شيء وستره، ويجمع على أكنان أيضا. وكنّه وأكنّه: ستره، قال أبو زيد:
الثلاثي والرباعي لغتان في الستر والإخفاء جميعا، واستكن استتر، وأكننته في نفسي: سترته وأضمرته. وسميت جعبة السهام كنانة لأنها تسترها فإذا أراد إخراجها نثرها، ومنه قول الحجاج في خطبته نثر كنانته بين يديه. وكانون الشتاء الذي هو أشده بردا، ومن أقوالهم: أحسن من الكانون في الكانون، والكانون الأول المصطلى. والكنة بفتح الكاف امرأة الابن أو الأخ، وجمعها كنائن، ومن معاني الكانون: الثقيل، ومنه قول الحطيئة يهجو أمه:
أغر بالًا إذا استودعت سرّا ** وكانونا على المتحدثينا

ومن العاميّ الفصيح قولهم: كنكن في البيت أي: رزمه واستقر فيه، وخاصة في الشتاء.
{وَقْرًا} الوقر: بفتح الواو مصدر وقرت أذنه، أي ثقلت وذهب سمعه، والكلمة من المجاز. ومن غريب أمر هذه المادة أنها تدل على الثقل والرزانة، يقال: وقر يقر- بكسر عين المضارع- العظم: صدعه، ووقر يقر قرة ووقارة ووقرا الرجل كان رزينا ذا وقار وثبت.
ووقرت أذنه من باب تعب: ثقلت أو ذهب سمعه. والوقار: الحلم والرزانة، وهو مصدر وقر بالضم، والمرأة وقور: فعول بمعنى فاعل، مثل صبور وشكور، قال أبو فراس:
وقور وريعان الصبا يستفزّها ** فتأرن أحيانا كما يأرن المهر

{أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}: في مختار الصحاح: الأساطير: الأباطيل، والواحدة أسطورة بالضم، وإسطارة بالكسر.
وقال غيره: إنه جمع جمع، فأساطير جمع أسطار، وأسطار جمع سطر بفتح الطاء. وأما سطر بسكونها فجمعه في القلة على أسطر، وفي الكثرة على سطور، وقيل: إنه جمع جمع الجمع، فأساطير جمع أسطار، وأسطار جمع أسطر، وأسطر جمع سطر، وقال المبرّد: إنه جمع أسطورة، نحو: أرجوحة وأراجيح، وأحدوثة وأحاديث. ومعنى الأساطير الأحاديث الباطلة.

.الإعراب:

{انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} كلام مستأنف مسوق للإخبار عنهم بالكذب. وانظر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت، وكيف اسم استفهام في محل نصب حال، وكذبوا فعل وفاعل، والجملة في محل نصب بانظر لأنها معلقة لها عن العمل، وعلى أنفسهم جار ومجرور متعلقان بكذبوا {وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} يجوز أن تكون الواو عاطفة، فتكون الجملة منسوقة على جملة كذبوا، فتكون داخلة في حيّز النظر، ويجوز أن تكون الواو استئنافية، فتكون الجملة مستأنفة، مسوقة للإخبار بها عن كذبهم. وضلّ فعل ماض، وعنهم جار ومجرور متعلقان بضل، وما يجوز أن تكون موصولة اسمية، فتكون فاعلًا لضلّ، وجملة كانوا يفترون صلة، ويجوز أن تكون مصدرية فالمصدر المؤوّل هو فاعل ضلّ، وجملة يفترون خبر كان {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} الواو عاطفة، أو استئنافية، ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومن اسم موصول مبتدأ مؤخر، وجملة يستمع صلة، وإليك جار ومجرور متعلقان بيستمع، وسيأتي سر إفراد الصلة في باب البلاغة {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا} الواو عاطفة على الجملة قبلها من عطف الفعلية على الاسمية. وقيل: الواو للحال بتقدير قد، أي: وقد جعلنا.
وجعلنا فعل وفاعل، وعلى قلوبهم جار ومجرور متعلقان بجعلنا على أنه مفعوله الثاني، هذا إذا اعتبرنا جعلنا للتصيير، وأما إذا كانت بمعنى خلقنا فتتعدى لواحد وهو أكنة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال منه، لأنهما لو تأخرا لوقعا صفة له، وأن يفقهوه مصدر مؤول في محل نصب مفعول لأجله على حذف مضاف، أي: كراهية أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا عطف على الجملة السابقة {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها} الواو عاطفة، وإن شرطية ويروا فعل الشرط والواو فاعل وكل آية مفعول به ولا نافية ويؤمنوا جواب الشرط وبها جار ومجرور متعلقان بيؤمنوا {حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ} يجوز أن تكون حتى هنا غاية وجر، ويكون {إذا جاءوك} في محل الجر، بمعنى: حتى وقت مجيئهم، وجملة يجادلونك حال، ويجوز أن تكون حتى ابتدائية، وهي التي تقع بعدها الجمل، وعلى كل حال جملة يجادلونك حال من الواو في جاءوك {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، والذين فاعل، وجملة كفروا صلة، وإن نافية، وهذا اسم إشارة مبتدأ، وإلا أداة حصر، وأساطير الأولين خبر، والجملة المنفية في محل نصب مقول القول.

.البلاغة:

الكناية- في جعل الأكنة- على القلوب والوقر في الآذان عن نبوّ قلوبهم ومسامعهم عن قبول الحق والاعتقاد بصحته، ونزيد هنا أن الكناية مزية إعطاء المعاني صورة المحسسات، وهذه المزية من أبرز خواص الفنون، فان المصوّر إذا رسم لك صورة للأمل أو اليأس بهرك وجعلك ترى ما كنت تعجز عن التعبير عنه واضحا ملموسا، وعلى هذا تتضح لك روعة الصورة لهؤلاء الذين ضربت على قلوبهم الأسداد، وتبلدت منهم الأذهان، فما تتمخض عن ذوق ولا تسفر عن فنّ، ولا تهيج إلى معرفة، ومن هذا القبيل في إظهار الروعة قول البحتريّ:
يغضّون فضل اللحظ من حيث ما بدا ** لهم عن مهيب في الصدور محبّب

فإنه كنى عن إكبار الناس للمدوح وهيبتهم إياه بعض الأبصار الذي هو في الحقيقة برهان على الهيبة والإجلال، وتظهر هذه الخاصة جلية في الكنايات التي سترد عليك في القرآن عن الصفة والموصوف والنسبة، مما سنشير إليه في مواطنه.