فصل: (سورة الأنعام: آية 71)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: آية 71]

{قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71)}.

.اللغة:

{اسْتَهْوَتْهُ}: أصله من الهويّ، وهو النزول من علوّ إلى سفل، فكأن الشياطين حين استهوته في الأرض طلبت هويّه فيها.
{حَيْرانَ} تائها ضالا عن جادة الطريق، وهو صفة مشبهة، ومؤنثة حيرى ولذلك لم ينصرف، وفعله حار يحار حيرة وحيرانا وحيرورة، وتخطئ العامة فتقول: احتار.

.الإعراب:

{قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا} كلام مستأنف مسوق لبيان حال الذي يدعو إلى عبادة الأصنام، كما سيأتي في باب البلاغة. والهمزة للاستفهام الإنكاري، وندعو فعل مضارع، والجملة مقول القول، ومن دون اللّه جار ومجرور متعلقان بندعو، وما اسم موصول في محل نصب مفعول ندعو، وجملة لا ينفعنا صلة الموصول، وكذلك جملة ولا يضرنا المعطوفة عليها {وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ} الواو عاطفة، ونرد فعل مضارع معطوف على ندعو، داخل في حكم الإنكار والنفي، ونائب الفاعل مستتر تقديره نحن، وعلى أعقابنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، أي: راجعين إلى الشرك بعد إذ أنقذنا اللّه منه، وبعد ظرف متعلق ب {نردّ}، وإذ ظرف لما مضى من الزمن في محل جر بالإضافة، وجملة هدانا اللّه في محل جر بالإضافة ل {إذ}، وهدانا اللّه فعل ومفعول به وفاعل {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ} يجوز في هذه الكاف أن تكون نعتا لمصدر محذوف، أي: نردّ ردّا مثل ردّ الذي استهوته الشياطين، ويجوز أن تكون حالا من نائب فاعل نرد، أي: نرد مشبهين الذي استهوته الشياطين، وجملة استهوته الشياطين صلة الموصول، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان باستهوته، وحيران حال من مفعول استهوته {لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا} له جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وأصحاب مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب حال من ضمير حيران، ويجوز أن تكون مستأنفة، وجملة يدعونه صفة لأصحاب، وإلى الهدى جار ومجرور متعلقان بيدعونه، وائتنا فعل أمر ونا مفعوله، والجملة في محل نصب مقول قول محذوف، أي: يقولون: ائتنا، وجملة القول في محل نصب حال {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} الجملة مستأنفة، وإن واسمها، وهو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، والهدى خبره، والجملة الاسمية في محل رفع خبر إن، وجملة إن وما في حيزها في محل نصب مقول القول، وأمرنا الواو حرف عطف، وأمرنا فعل ماض مبني للمجهول، ونا ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل، والجملة عطف على جملة: إن هدى اللّه هو الهدى، منتظمة في حيز القول، ولنسلم الواو حرف عطف، وفي هذه اللام أقوال كثيرة لا طائل تحتها، ضربنا عنها صفحا، وأقرب ما يبدو فيها أنها على بابها من التعليل، فهي تعليل للأمر، والمعنى قيل لنا: أسلموا لأجل أن نسلم، والغرض من دخولها إفادة الاستقبال على وجه أوثق، إذ لا يتعلق الأمر والإرادة إلا بمستقبل، ونسلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعدها، ولرب العالمين جار ومجرور متعلقان بنسلم.

.البلاغة:

التشبيه التمثيلي المنفي في قوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض}، والمشبه هو أنه لا ينبغي لنا ولا يمكن أن نعبد غير اللّه بعد أن هدانا، لأنا لو فعلنا ذلك لكنا مثل من حيرته الشياطين، فهو تشبيه جملة بجملة، واستفيد النفي من الإنكار في قوله: {أندعو}.

.[سورة الأنعام: الآيات 72- 73]

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}.

.اللغة:

{الصُّورِ}: القرن ينفخ فيه، وهو المعروف اليوم بالبوق.

.الإعراب:

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الواو حرف عطف، وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، أي: وأمرنا بأن أقيموا الصلاة، وقد اختلف في هذا العطف، فقيل:
إنه في محل نصب بالقول نسقا على قوله: إن هدى اللّه هو الهدى، أي: قل هذين الشيئين، وقال سيبويه: إنه نسق على: لنسلم، والتقدير: أمرنا بكذا للإسلام ولنقيم الصلاة، وأن توصل بالأمر كقولهم: كتبت إليه بأن قم، وقد اختار الزمخشري هذا الوجه قال: فإن قلت علام عطف قوله: وأن أقيموا؟ قلت: على موضع {لنسلم}، كأنه قيل: أمرنا أن نسلم وأن أقيموا. وأقيموا فعل أمر، والصلاة مفعول به، واتقوه عطف على أقيموا، وهو الواو استئنافية، وهو مبتدأ، والذي خبره، وجملة تحشرون صلة، وإليه جار ومجرور متعلقان بتحشرون {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} الواو استئنافية، وهو مبتدأ، والذي خبره، وجملة خلق السموات والأرض صلة الموصول، وبالحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، أي: محقا جادا لا هازئا ولا عابثا {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} الواو استئنافية، والظرف متعلق ب اذكر مقدرة، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان سرعة التكوين، وجملة يقول في محل جر بالإضافة، وكن فعل أمر تام لا ناقص، فيكتفي بمرفوعه، وفاعل كن ضمير جميع ما يخلقه اللّه تعالى يوم القيامة، والفاء عاطفة، ويكون فعل مضارع تام معطوف على كن {قَوْلُهُ الْحَقُّ} اختلفوا كثيرا في إعراب هذا الكلام، والذي أختاره أن يكون مبتدأ وخبرا، والجملة مستأنفة، ولا طائل تحت الأوجه التي أوردها، أخبر سبحانه عن قوله بأنه لا يكون إلا حقا {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} الواو عاطفة، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والملك مبتدأ مؤخر، ويوم ظرف زمان متعلق بمحذوف بدل من الظرف الأول في قوله: {يوم يقول}، وجملة ينفخ في محل جر بالإضافة، وفي الصور جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل ينفخ {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} عالم خبر مبتدأ محذوف، والواو حرف عطف، والحكيم الخبير خبراه. والجملة استئنافية.

.[سورة الأنعام: الآيات 74- 75]

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنامًا آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}.

.اللغة:

{آزَرَ}: اختلف المفسرون وعلماء اللغة في لفظة آزر بما لا طائل تحته، وأقرب ما يقال فيه أنه علم أعجمي، ولذلك منع من الصرف.
{مَلَكُوتَ}: يعني ملكه، وزيدت فيه التاء كما زيدت في الجبروت.

.الإعراب:

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} الواو حرف عطف، وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق باذكر مضمرة، عطفا على: قل أندعو، أي: واذكر لقريش، بعد أن أنكرت عليهم عبادة مالا ينفع ولا يضر، وقت قول إبراهيم الذي يدعون أنهم على ملته. وجملة قال إبراهيم في محل جر بالإضافة، ولأبيه جار ومجرور متعلقان بقال، وآزر بدل من أبيه {أَتَتَّخِذُ أَصْنامًا آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الهمزة للاستفهام الإنكاري، والجملة في محل نصب مقول القول، وأصناما مفعول تتخذ الأول، وآلهة مفعول به ثان، وإن واسمها، وجملة أراك خبرها، والجملة تعليل للإنكار، وقومك عطف على الكاف، أو مفعول معه، وفي ضلال: إما مفعول به ثان إذا كانت الرؤية قلبية، وإما بمحذوف حال إذا كانت الرؤية بصرية، ومبين صفة {وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} الواو اعتراضية، والكاف مع مجرورها في محل نصب نعت لمفعول مطلق محذوف تقديره: ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم ونبصره ملكوت السموات والأرض. وقد اعترض أبو حيان على هذا التقدير فقال: وهذا بعيد من دلالة اللفظ. وتعقبه بعضهم فقال: وإنما كان بعيدا لأن المحذوف من غير الملفوظ به، ولو قدره بقوله: وكما أريناك يا محمد الهداية، لكان قريبا لدلالة اللفظ والمعنى عليه معا، وقدره أبو البقاء بوجهين، أحدهما: قال: هو نصب على إضمار أريناه وتقديره: وكما رأى أباه وقومه في ضلال مبين أريناه، ذلك ويجوز أن يكون منصوبا ب {نري} التي بعده، على أنه صفة لمصدر محذوف، تقديره: نريه ملكوت السموات والأرض رؤية كرؤية ضلال أبيه. ويجوز أن تكون الكاف في محل رفع على خبر ابتداء مضمر، أي: والأمر كذلك، وابراهيم مفعول به أول، وملكوت السموات والأرض هو المفعول الثاني، والجملة كلها لا محل لها لأنها معترضة بين قوله: {وإذ قال} وبين الاستدلال على ذلك بقوله: {فلما جن عليه الليل}. {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} الواو عاطفة، والمعطوف محذوف، أي: وفعلنا ذلك ليكون، فاللام للتعليل، ويكون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالمعطوف المحذوف، واسم يكون مستتر تقديره هو، ومن الموقنين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكون.

.[سورة الأنعام: الآيات 76- 78]

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغًا قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}.

.اللغة:

{جَنَّ} تقدم اشتقاق هذه المادة عند ذكر الجنة، وهنا ما يختص بالفعل المسند إلى الليل، يقال: جنّ عليه الليل وأجنّ عليه: بمعنى أظلم، فيستعمل لازما، وجنّه وأجنّه، فيستعمل متعديا. فهذا ما اتفق عليه الثلاثي والرباعي، غير أن الأجود في الاستعمال: جنّ عليه الليل، وأجنّه الليل، فيكون الثلاثي لازما والرباعي متعديا.
{أَفَلَ}: الشيء وأفولًا من بابي ضرب وقعد: غاب.
{بازِغًا}: البزوغ: الطلوع، يقال: بزغ بفتح الزاي، يبزغ بضمها، يستعمل لازما ومتعديا. وللباء مع الزاي، فاء وعينا للفعل، خاصة متشابهة، تلك هي معنى الطلوع والبروز. يقال: بزّه ثوبه وابتزّه: سلبه على مرأى منه، وابتزت من ثيابها تجردت فظهرت يعريها، ومنه قول امرئ القيس:
إذا ما الضجيع ابتزّها من ثيابها ** تميل عليه هونة غير متعال

وبزل الشراب من المبزل: أساله منه، قال زهير بن أبي سلمى:
سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعد ما ** تبزّل ما بين العشيرة بالدم

والبازي طائر معروف، ويقال: فلان يتحيّن كالحازي، ثم ينقضّ كالبازيّ. وهذا من العجب بمكان.

.الإعراب:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قالَ هذا رَبِّي} الفاء حرف عطف، والجملة معطوفة على جملة قال إبراهيم لأبيه، فيكون قوله: {وكذلك نري إبراهيم} معترضا كما تقدم، ولما حينية أو رابطة، وجن فعل ماض، وعليه جار ومجرور متعلقان بجن، والليل فاعل، وجملة جن في محل جر بالإضافة، أو لا محل لها على الثاني، وجملة رأى كوكبا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وجملة: قال هذا ربي مستأنفة، وجملة هذا ربي في محل نصب مقول القول {فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} فلما الفاء عاطفة، ولما حينية أو رابطة، وجملة أفل في محل جر بالإضافة، أو لا محلّ لها، وجملة قال جواب شرط غير جازم، وجملة لا أحب الآفلين في محل نصب مقول القول، وإنما قال ذلك لأن الربّ لا يجوز عليه التغير والانتقال: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغًا قالَ هذا رَبِّي} الفاء عاطفة، وبازغا حال، لأن الرؤية بصرية، وهذا مبتدأ، وربي خبره، والجملة في محل نصب مقول القول وجملة قال هذا ربي لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} اللام موطئة للقسم، وإن شرطية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويهدني فعل مضارع مجزوم بلم، والنون للوقاية، والياء مفعول به، وربي فاعل، واللام جواب القسم، وجملة أكوننّ جواب القسم لا محل لها، ومن القوم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر أكونن، والضالين نعت {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ} تقدم إعرابها، وجعل المبتدأ نظير الخبر وإن كانت الاشارة إلى الشمس لكونهما عبارة عن شيء واحد، ولصيانة الربّ عن شبهة التأنيث، ألا تراهم قالوا في صفته: علام، ولم يقولوا: علامة، وإن كان علّامة أبلغ احترازا من علامة التأنيث، وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب الفوائد {فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} مما جار ومجرور متعلقان ببريء، وما مصدرية أي بريء من اشراككم، ويجوز أن تكون موصولة، أي من الذي تشركونه مع اللّه في عبادته، فحذف العائد. ويلاحظ أن إبراهيم عليه السلام احتجّ على قومه بالأفول دون البزوغ، مع أن كليهما يفيد الانتقال من حال إلى حال، لسرّ دقيق وهو أن الأفول انتقال مع الخفاء والانطماس، والبزوغ انتقال مع الظهور والسطوع والائتلاق.

.البلاغة:

في الآية فن التعريض، وقد تقدم بحثه، وإنما عرض بضلالهم.
ويلاحظ أنه عرض بضلالهم في أمر القمر لأنه أيس منهم في أمر الكوكب، ولهذا أعلن في أمر الشمس البراءة منها عن طريق استدراج الخصم وإيقاعه تحت الحجة.

.الفوائد:

قيل: الشمس تذكر وتؤنث، فأنثت أولا على المشهور، وذكرت في الاشارة على اللغة القليلة، مراعاة ومناسبة للخبر، فرجحت كفة التذكير- التي هي أقل- على لغة التأنيث.

.[سورة الأنعام: الآيات 79- 80]

{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80)}.

.الإعراب:

{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} كلام مستأنف مسوق لإعلان إبراهيم عليه السلام تمسكه بالهدى ودين الحق. وإن واسمها، وجملة وجهت خبرها، ووجهي مفعول به، وللذي جار ومجرور متعلقان بوجهت، وجملة فطر السموات والأرض صلة الموصول، والسموات مفعول به، والأرض عطف على السموات، وحنيفا حال من التاء في وجهت، والواو حرف عطف، وما نافية حجازية، تعمل عمل ليس، وأنا اسمها، ومن المشركين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها {وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ} كلام مستأنف مسوق لذكر المحاجّة بين إبراهيم عليه السلام وقومه. روي أنه لما كثر استهزاؤه بالأصنام والتنديد بها جادله قومه، وأرادوا أن يقيموا عليه الحجة.
وحاجّه فعل ماض، والهاء مفعول به، وقومه فاعل، وقال فعل ماض، وفاعله مستتر تقديره هو، والجملة مستأنفة، والهمزة للاستفهام الإنكاري، وتحاجوني بالنون المشددة على إدغام نون الرفع في نون الوقاية، والأصل أتحاجونني! وفي اللّه جار ومجرور متعلقان بتحاجوني، والواو حالية، وقد حرف تحقيق، وهدان فعل ماض، والنون للوقاية، والياء المحذوفة رسما مفعول به ويجوز حذفها وإثباتها في الوصل، والجملة في محل نصب على الحال من الياء في أتحاجّوني، أي:
أتجادلونني في اللّه حال كوني مهديا من لدنه؟ ويجوز أن تكون حالا من اللّه، أي: أتجادلونني فيه حال كونه هاديا لي؟ فحجتكم متهافتة من أساسها {وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئًا} الواو يجوز أن تكون استئنافية، والجملة مستأنفة، أخبرهم عليه السلام أنه لا يخاف ما يشركونه باللّه ثقة به وارتكانا على دعمه وكلاءته، ويحتمل أن تكون عاطفة، فهي تابعة لجملة: {وقد هدان}، أي: في النصب على الحال، وما اسم موصول مفعول به، والضمير في به يعود على ما، والمعنى: ولا أخاف الذي تشركون اللّه به. وإلا أداة استثناء، والمصدر المؤول من أن والفعل مستثنى متصل، لأنه من جنس الأول، والمستثنى منه الزمان، وقد قدره الزمخشري بقوله:
إلا وقت مشيئة ربي شيئا يخاف، فحذف الوقت. ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا، فتكون إلا بمعنى لكن، فإن المشيئة ليست مما يشركونه به. والمصدر المؤوّل مبتدأ خبره محذوف، تقديره: لكن مشيئة ربي أخافها وشيئا مفعول به {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} الجملة تعليل للاستثناء لا محل لها، ووسع ربي فعل وفاعل، وكل شيء مفعول به، وعلما تمييز، محوّل عن الفاعل، والتقدير: وسع علم ربي كل شيء، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والفاء عاطفة، ولا نافية، وتتذكرون معطوف على محذوف، أي:
أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات لا تضرّ ولا تنفع فلا تتذكرون أنها بهذه المثابة؟

.[سورة الأنعام: الآيات 81- 82]

{وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}.

.الإعراب:

{وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانًا}.
الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لنفي الخوف عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وكيف اسم استفهام في محل نصب حال، وأخاف فعل مضارع، وما اسم موصول مفعول به، وجملة أشركتم صلة، ويجوز أن تكون ما مصدرية، والمصدر المؤول مفعول أخاف، ولا تخافون عطف على أخاف، فتكون داخلة في حيز الإنكار، ويجوز أن تكون الواو للحال، فتكون الجملة في محل نصب على الحال، أي: وكيف أخاف الذي تشركون به غيره، وإشراككم حال كونكم أنتم غير خائفين. وأن واسمها، وجملة أشركتم باللّه خبرها، وما اسم موصول مفعول به لأشركتم، وبه جار ومجرور متعلقان بينزل، وعليكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة لقوله: سلطانا، فلما تقدم أعرب حالا، وسلطانا مفعول به {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الفاء الفصيحة، وأي أداة استفهام مبتدأ، وأحق خبرها، وإن شرطية، وكان فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمها، وجملة تعلمون خبرها، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي: فأخبروني أي الفريقين أحق بالاتباع؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} الذين خبر لمبتدأ محذوف، بناء على أن الكلام مسوق من إبراهيم جوابا عن السؤال في قوله: فأي الفريقين؟ ويجوز أن تكون مبتدأ بناء على أن الكلام من اللّه تعالى، وجملة آمنوا صلة، ولم الواو عاطفة، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويلبسوا فعل مضارع مجزوم بلم، معطوف على الصلة، وبظلم جار ومجرور متعلقان بيلبسوا {أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أولئك مبتدأ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والأمن مبتدأ مؤخر ثان، والجملة الاسمية خبر اسم الإشارة، وجملة الاشارة وما في حيزها في محل نصب مقول قول محذوف على الوجه الأول، أو مرفوعة على أنها خبر الذين على الوجه الثاني، والواو حرف عطف، وهم مبتدأ، ومهتدون خبره، والجملة عطف على ما تقدم.

.[سورة الأنعام: الآيات 83- 87]

{وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنا وَنُوحًا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكلًا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}.

.الإعراب:

{وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ} كلام مستأنف مسوق للاشارة إلى الدلائل المتقدمة، والأنبياء التي أنزلت على أيديهم، وتلك:
اسم إشارة مبتدأ، وحجتنا خبره، وجملة آتيناها خبر ثان أو حال، والعامل فيها معنى الاشارة، وآتيناها فعل وفاعل ومفعول به، وإبراهيم مفعول به ثان، وعلى قومه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أو بحجتنا {نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} الجملة مستأنفة لا محل لها، وأعربها أبو البقاء حالا من فاعل آتيناها، أي: في حال كوننا رافعين، ودرجات مفعول فيه، ومن اسم موصول مفعول به، وجملة نشاء صلة الموصول، والمعنى نرفع من نشاء في درجات، أي: مراتب. وإن واسمها وخبراها، والجملة تعليلية لا محل لها {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا} الواو عاطفة على قوله: وتلك حجتنا، ولا مشاحة في جواز عطف كل من الفعلية والاسمية على الأخرى، ووهبنا فعل وفاعل، وإسحق مفعول به، ويعقوب عطف على إسحق، وكلا مفعول به مقدم لهدينا، وهدينا فعل وفاعل، والجملة عطف على وهبنا {وَنُوحًا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ} ونوحا مفعول مقدم لهدينا، والجملة معطوفة على ما تقدم، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بهدينا، وبني قبل على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى، أي: قبل ابراهيم {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} الواو حرف عطف، ومن ذريته جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، أي: وهدينا داود وسليمان إلى آخر من ذكرهم من الأنبياء حال كونهم من ذريته، فجملة الأربعة عشر نبيا بعد نوح منصوبة بفعل الهداية الذي نصب {نوحا}، والواو استئنافية، وكذلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق، ونجزي فعل مضارع، والمحسنين مفعول به {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} الواو عاطفة، وكل مبتدأ، وساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم، والتنوين في كل عوض عن كلمة، أي: كل واحد، ومن الصالحين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ}.
كلّا مفعول به مقدم لفضلنا، وعلى العالمين جار ومجرور متعلقان بفضلنا {وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ} أي: وهدينا كلّا من آبائهم. واجتبيناهم فعل وفاعل ومفعول به، والجملة عطف على ما تقدم {وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} الواو عاطفة، وكرر الهداية لتكرير التأكيد وتمهيدا لبيان ما هدوا إليه، وإلى صراط جار ومجرور متعلقان بهديناهم، ومستقيم صفة.