فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

قال الزمخشري: وهو من عيون النكت التي جاء بها: فإن قلت: أي فرق بين الامين في ليقولوا ولنبينه؟ قلت: الفرق بينهما أن الأولى مجاز والثانية حقيقة، وذلك أن الآيات صرفت للتبين، ولم تصرف ليقولوا، درست، ولكن لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين به شبه به فسيق مساقه.

.الفوائد:

في قوله: {درست} ثلاث عشرة قراءة، ثلاث منها متواترة، وعشر منها شاذة، وقد أدرجناها باختصار:
الثلاث المتواترة:
1- درست بوزن ضربت، مبنيا للفاعل، والتاء للفاعل، أي: درست يا محمد.
2- درست والتاء تاء التأنيث الساكنة ومعناها بليت وتكررت في الأسماع.
3- دارست: بوزن قاتلت، أي: دارست يا محمد غيرك.
العشر الشّاذّة:
1- درّست: بالتشديد والخطاب، أي: درست الكتب القديمة.
2- درّست: مشدّدا مبنيا للمجهول المخاطب.
3- دورست: بالتخفيف والواو مبنيا للمجهول.
4- دورست: مبنيا للمجهول مسندا لضمير الآيات.
5- دارست: بتاء ساكنة للتأنيث لحقت آخر الفعل.
6- درست: بفتح الدال وضم الراء، مسندا إلىضمير الآيات.
7- درس: فاعله النبيّ.
8- درسن: مسند لنون الإناث، وهي ضمير الآيات.
9- درّسن: كالذي قبله، إلا أنه بالتشديد، بمعنى: اشتد درسها.
10- دارسات: جمع دارسة، بمعنى: قديمات، أو بمعنى: ذات دروس.

.[سورة الأنعام: الآيات 108- 109]

{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109)}.

.اللغة:

{عَدْوًا}: ظلما واعتداء.
{جَهْدَ أَيْمانِهِمْ}: الجهد بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة.
{يُشْعِرُكُمْ}: يدريكم ويعلمكم.

.الإعراب:

{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كلام مستأنف مسوق للنهي عن أمر هو واجب في حد ذاته، ولكنه يؤدّي إلى سبّ اللّه تعالى، فلذلك جرى النهي عنه، ورب طاعة جرت إلى معصية. ولا ناهية، وتسبوا فعل مضارع مجزوم بها، والواو فاعل، والذين اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة يدعون صلة الموصول، ومن دون اللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} الفاء هي السببية، ويسبوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعدها، لأنها مسبوقة بالنهي، أي: لا تسبوا آلهتهم فقد يترتب على ذلك ما تكرهون من سب اللّه. ويجوز أن تكون الفاء عاطفة، ويسبوا معطوفة على تسبوا، ولفظ الجلالة مفعول به، وعدوا منصوب على المصدر لأنه مرادفه، ويصح أن يكون مفعولا لأجله، أي: لأجل الاعتداء، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، لأن السب لا يكون إلا عدوا. وبغير علم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال مؤكدة {كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} كذلك الجار والمجرور نعت لمصدر محذوف، أي: زينا لهؤلاء أعمالهم تزيينا مثل تزييننا لكل أمة عملهم، وزينا فعل وفاعل، ولكل أمة جار ومجرور متعلقان بزينا، وعملهم مفعول به، والجملة نصب على الحال {ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} ثم عاطفة للترتيب مع التراخي، والعطف على محذوف تقديره: فأتوه، وإلى ربهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومرجعهم مبتدأ مؤخر، فينبئهم الفاء عاطفة للترتيب مع التعقيب لتقرير أن التوبيخ والتقريع تابعان للمرجع بسرعة لا هوادة فيها، وينبئهم فعل مضارع والهاء مفعول به أول، وبما جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لينبئهم، وجملة كانوا صلة الموصول، وجملة يعلمون خبر كانوا {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} الواو استئنافية، وأقسموا فعل وفاعل، وباللّه جار ومجرور متعلقان بأقسموا، وجهد أيمانهم منصوب على المصدرية، أي: أقسموا جهد اقساماتهم، والأيمان بمعنى الاقسامات، كما تقول: ضربته أشدّ الضربات، وقيل: مصدر في موضع الحال، أي: أقسموا مجتهدين في أيمانهم، وقال المبرد: منصوب بفعل من لفظه، وأيمانهم مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله {لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} اللام موطئة للقسم، وإن شرطية وجاءتهم فعل الشرط ومفعوله، وآية فاعل، وليؤمنن: اللام واقعة في جواب القسم، والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم، لأنه متقدم على الشرط، ويؤمنن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، والنون المشددة هي نون التوكيد الثقيلة، وبها جار ومجرور متعلقان بيؤمنن، قل فعل أمر، والجملة مستأنفة، وإنما كافة ومكفوفة، والآيات مبتدأ، وعند اللّه ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان الحكمة التي دعت إلى أن يكون الجواب على هذا الشكل، وما اسم استفهام إنكاري في محل رفع مبتدأ، وجملة يشعركم خبرها، والكاف مفعول أول ليشعركم، وأنّ وما في حيزها في موضع المفعول الثاني، وإذا ظرف متعلق بيؤمنون، وجملة لا يؤمنون خبر أنها. وسيأتي مزيد من القول في هذا التركيب المعجز.

.الفوائد:

كثر اختلاف العلماء حول هذا التركيب المعجز، وسنختار ما هو أكثر ملاءمة للمنطق والذوق، فقد مثل بعضهم لهذا التركيب بمثال وهو: إذا قال لك قائل أكرم فلانا فإنه يكافئك، وأنت تعلم منه نفيها، قلت في الجواب: وما يدريك أني إذا أكرمته يكافئني، فتنكر عليه إثبات المكافأة، فإن انعكس الأمر فقال لك: لا تكرمه فإنه لا يكافئك، وكنت تعلم منه المكافأة، فأنكرت على المشير بحرمانه، قلت: وما يدريك أنه لا يكافئني، تريد: وأنا أعلم منه المكافأة، فكان مقتضى الإنكار على المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمعاندين فاعتقدوا أنهم يؤمنون عند نزول الآية المقترحة أن يقال: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، بإسقاط لا، فلما جاءت الآية على هذا الشكل، اختلف العلماء، فحمل بعضهم لا على أنها زائدة، وبعضهم أوّل أنّ ب لعل من قول العرب: أئت السوق أنك تشتري لحما، واستشهدوا بقول امرئ القيس:
عوجا على الطّلل المحيل لأننا ** نبكي الديار كما بلى ابن حزام

أي: لعلنا، وبعضهم جعل الكلام جواب قسم محذوف، وقد تفتح همزة أن بعد القسم، فقال: التقدير: واللّه أنها إذا جاءت لا يؤمنون. والأصح أن الآية باقية على ظاهرها، وأن هذا كله مجرد تكلّف، ولإيضاح ذلك يقال: إذا حرمت زيدا لعلمك بعدم مكافأته فأشير عليك بالإكرام، بناء على أن المشير يظن المكافأة، فلك معه حالتان: حالة تنكر عليه ادعاء العلم بما يعلم خلافه، وحالة تعذره في عدم العلم بما أحطت به علما، فان أنكرت عليه قلت: وما يدريك أنه بكافئ، وإن عذرته في عدم علمه بأنه لا يكافئ قلت: وما يدريك أنه لا يكافى ء؟ يعني ومن أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم مكافأته، وأنت لم تخبر أمره خبري، ولم تسبر غوره سبري؟ فكذلك الآية، إنما ورد فيها الكلام إقامة عذر للمؤمنين في عدم علمهم بالمغيب في علم اللّه تعالى، وهو عدم إيمان هؤلاء، فاستقام دخول لا وتبيّن أن سبب الاضطراب التباس الإنكار بإقامة الأعذار، وهذا من أسمى دلائل الإعجاز.

.[سورة الأنعام: آية 110]

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}.

.اللغة:

{يَعْمَهُونَ}: مضارع عمه في طغيانه عمها، من باب تعب: إذا تردّد متحيرا، وهو مأخوذ من قولهم: أرض عمهاء، إذا لم تكن فيها أمارات النجاة، فهو عمه وأعمه.

.الإعراب:

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الواو استئنافية أو عاطفة، ونقلب فعل مضارع، وأفئدتهم مفعوله، وأبصارهم عطف على أفئدتهم، وكما الجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره: فلا يؤمنون كما كانوا عند نزول الآيات على مقترحهم الأول، لكونهم مطبوعا على قلوبهم، فهو مفعول مطلق، وما مصدرية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويؤمنوا فعل مضارع مجزوم بلم، وبه جار ومجرور متعلقان بيؤمنوا وأول مرة ظرف زمان متعلق بيؤمنوا {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الواو عاطفة، ونذرهم عطف على لا يؤمنون، داخل في نطاق الإنكار، مقيّد بما تقيد به، وفي طغيانهم جار ومجرور متعلقان بيعمهون، وجملة يعمهون حال، أي متحيرين.

.[سورة الأنعام: آية 111]

{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}

.اللغة:

(قُبُلًا) بضمتين جمع قبيل، ونظيره: رغيف ورغف، وقضيب وقضب، أو جمع قبيل، بمعنى كفيل.

.الإعراب:

{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى} الواو استئنافية، ولو شرطية، وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف، أي: يثبت.
وجملة نزلنا إليهم الملائكة خبر أن، وكلّمهم عطف على نزلنا، وذلك ما اقترحوه عند ما قالوا: لولا أنزل علينا الملائكة والموتى فاعل {وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} الواو عاطفة أيضا، وحشرنا فعل وفاعل، معطوف على نزلنا، أي: كما قالوا أيضا. وعليهم جار ومجرور متعلقان بحشرنا، وكل شيء مفعول به، وقبلا حال، أي: فوجا فوجا، أو كفلاء، كما تقدم في باب اللغة {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وما نافية، واللام لام الجحود، ويؤمنوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود، ويؤمنوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف هو الخبر، أي: ما كانوا أهلا للإيمان، وإلا أداة استثناء من أعم الأحوال، فهو استثناء متصل، والمعنى: ما كانوا ليؤمنوا في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة اللّه، فأن وما بعدها مصدر في موضع نصب على الحال، أو استثناء من أعم الأزمنة، فالمصدر في موضع نصب على الظرفية الزمانية، إلا في زمان مشيئة اللّه، أو استثناء من علة عامة، أي: ما كانوا ليؤمنوا لشيء من الأشياء إلا لمشيئة اللّه الإيمان، فهو مفعول لأجله، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا، وتكون أن ومدخولها في تأويل مبتدأ محذوف الخبر، أي: لكن مشيئة اللّه تحصل، وحجة القائلين بذلك أن مشيئة اللّه ليست من جنس إرادتهم {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} الواو حالية أو استئنافية، ولكن واسمها، وجملة يجهلون خبرها.

.[سورة الأنعام: الآيات 112- 113]

{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}

.الإعراب:

{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} كلام مستأنف مسوق لتسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم عمّا شاهده من عداء قريش له، وما يبيتونه من مؤامرات. والكاف في محل نصب على أنها مع مدخولها نعت لمصدر محذوف مؤكد لما بعده، وجعلنا فعل وفاعل وهو يتعدى لمفعولين، ولكل نبي جار ومجرور في موضع نصب على الحال لأنه كان في الأصل صفة ل {عدوا}، وعدوا مفعول جعلنا الثاني، وشياطين الإنس والجن مفعول جعلنا الأول {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} يجوز أن تكون الجملة مستأنفة لبيان حال العدو، وسمي وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم، وجعل تمويههم زخرفا من القول لتزيينهم إياه، ويجوز أن تكون حالا منه، ويوحي فعل مضارع، وبعضهم فاعل، وإلى بعض جار ومجرور متعلقان بيوحي، وزخرف القول مفعول به، وغرورا مفعول لأجله، أي: ليغرّوهم، أو مصدر في موضع نصب على الحال، أي غارّين، أو على المفعولية المطلقة، لأن معنى يوحي بعضهم إلى بعض: يغرونهم بذلك غرورا {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} الواو استئنافية، ولو شرطية، وشاء ربك فعل وفاعل وهو شرط لو، ومفعوله محذوف، وقد تقدم بحثه، وجملة ما فعلوه لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، والفاء هي الفصيحة، وذرهم فعل أمر وفاعل مستتر، والهاء مفعول به، والواو عاطفة، وما اسم موصول معطوف على الهاء في فذرهم، أي: اتركهم واترك الذي يفترونه، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، وما مفعول معه، ويجوز أن تكون ما مصدرية، أي: اتركهم واترك افتراءهم. وقد نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال {وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} الواو عاطفة، واللام للتعليل، وتصغى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والجار والمجرور عطف على {غرورا}، وإنما لم ينصب على أنه مفعول لأجله لاختلاف الفاعل، ففاعل تصغى المغرور وفاعل الأول الفارّون، ولأنه ليس صريح المصدرية، ففات شرطان من شروط نصب المفعول لأجله، ومعنى تصغى: تميل، وإليه جار ومجرور متعلقان بتصغى، وأفئدة فاعل تصغى، والذين مضاف إليه، وجملة لا يؤمنون صلة الموصول، وبالآخرة جار ومجرور متعلقان بيؤمنون {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} عطف على {غرورا} أيضا، أي: فاللام للتعليل، وهي مكسورة، وأن مقدرة بعدها جوازا في الأفعال الثلاثة، وترتيبها حسن للغاية وفي منتهى الفصاحة، لأنه يكون أولا الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الاقتراف، فكل واحد مسبّب عما قبله، وجنح الزمخشري إلى تسمية هذه اللامات بلام الصيرورة أو العاقبة، وليس ببعيد.

.[سورة الأنعام: الآيات 114- 115]

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}

.اللغة:

{حَكَمًا}: حاكما لا يحكم إلا بالعدل، وهو أبلغ من حاكم، لأن الحكم لا يحكم إلا بالعدل، والحاكم قد يشتطّ ويجور، أو لأن الحكم تكرر منه، بخلاف الحاكم فإنه يصدق بمرّة واحدة، وقد رمق أبو الطيب المتنبي سماء هذه الكلمة بقوله:
يا أعدل الناس إلّا في معاملتي ** فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

.الإعراب:

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} الجملة عطف على مقدّر يقتضيه سياق الكلام، أي قل لهم: أأميل إلى زخارف الدنيا فأبتغي حكما؟ والهمزة للاستفهام الإنكاري، فهي مقول قول محذوف، وجملة القول مستأنفة، وغير اللّه مفعول به مقدم لأبتغي، وحكما حال أو تمييز، ويجوز أن يكون {حكما} هو المفعول به، و{غير} حال من {حكما} لأنه في الأصل وصف له {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا} الواو للحال، والجملة حال مؤكدة للإنكار، وهو مبتدأ، والذي خبر، وجملة أنزل صلة لا محل لها، وإليكم جار ومجرور متعلقان بأنزل، والكتاب مفعول به، ومفصلا حال من الكتاب.
{وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة من اللّه تعالى لتقرير كون الكتاب حقيقة منزلة من عنده تعالى، والذين اسم موصول مبتدأ، وجملة آتيناهم صلة الموصول، والكتاب مفعول به ثان، وجملة يعلمون خبر اسم الموصول، وأنّ واسمها وخبرها، وقد سدت مسد مفعولي يعلمون، ومن ربك جار ومجرور متعلقان بمنزل، بالحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير المرفوع في منزل والذي هو نائب فاعل، والفاء في فلا الفصيحة، أي: إذا علمت هذا وتأكدت منه فلا تكونن، ولا ناهية، وتكونن فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية، واسمها ضمير مستتر تقديره أنت، ومن الممترين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها، والخطاب، وإن كان في ظاهر الكلام موجها إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، إلا أنه موجّه في الواقع إلى أمته {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للشروع في بيان كمال الكتاب، وكلمة ربك فاعل تمت، وصدقا وعدلا حال، وأعربهما أبو البقاء والطبريّ تمييزا، وتبعهما الجلال، وردّ ابن عطية هذا القول، وقال: وهو غير صواب. ولعل مراده أن كلمات اللّه من شأنها الصدق والعدل، والتمييز إنما يفسر ما انبهم، وليس في ذلك إبهام. وأعربهما الكواشي حالا من {ربك} أو على المفعولية من أجله، وإذا أعربناهما حالين فلابد من تأويلهما بمعنى المشتق، أي صادقا وعادلا، واقتصر الزمخشري على الحالية.
قلت: ولا أرى بعيدا أن ينصبا على نزع الخافض، أي بالصدق والعدل، تفادا للتأويل، أو على أنهما نعتان لمصدر محذوف، أي:
نمام صدق وعدل {لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الجملة حالية من فاعل تمت، أو مستأنفة، ولا نافية للجنس، ومبدل اسمها المبني على الفتح، ولكلماته جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لا.
وهو السميع العليم الواو استئنافية، وهو مبتدأ، والسميع خبر أول، والعليم خبر ثان.

.[سورة الأنعام: الآيات 116- 117]

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}

.اللغة:

{يَخْرُصُونَ}: يكذبون، من الخرص: وهو الحزر والتخمين.
وسمي الكذب خرصا لما يدخله من الظنون الكواذب، وقد خرص يخرص وبابه نصر، واخترص القول وتخرّصه: افتعله.

.الإعراب:

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الواو عاطفة. وإن شرطية، وتطع فعل الشرط، وأكثر مفعول به، ومن اسم موصول في محل جر بالإضافة، وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول، ويضلوك جواب الشرط مجزوم، والواو فاعل، والكاف مفعول به، وعن سبيل اللّه جار ومجرور متعلقان بيضلوك {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} الجملة مستأنفة لا محل لها وإن نافية، ويتّبعون فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، وإلا أداة حصر، والظن مفعول به والواو حرف عطف، وإن نافية، وهم مبتدأ وإلا أداة حصر، وجملة يخرصون خبرهم {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} الجملة مستأنفة لتقرير مضمون الجملة الشرطية. وإن واسمها، وهو مبتدأ وأعلم خبر، والجملة خبر إن، أو هو ضمير فصل، وأعلم خبر إن، ومن اسم موصول منصوب بفعل مقدر لا بنفس أعلم، لأن اسم التفضيل لا ينصب الظاهر في مثل هذه الصورة وسيأتي مزيد من بحث هذا الإعراب في باب الفوائد، والتقدير: يعلم من يضل، وجملة يضل صلة الموصول، وعن سبيله جار ومجرور متعلقان بيضل، وهو مبتدأ، وأعلم خبر وبالمهتدين جار ومجرور متعلقان بأعلم.

.الفوائد:

شغلت هذه الآية المعربين والمفسرين، وسنلخص لك ما قيل في هذا الصدد. فقد قال بعضهم: إن {أعلم} في الموضعين بمعنى يعلم قال حاتم الطائي:
فحالفت طيئ من دوننا حلفا ** واللّه أعلم ما كنا لهم خولا

وقيل: إن اسم التفضيل على بابه، والنصب بفعل مقدر، كما اخترنا في باب الإعراب، وقيل: إنها منصوبة باسم التفضيل على مذهب الكوفيين. ويشكل على ذلك أن الإضافة تقتضي أن اللّه بعض الضالين، تعالى عن ذلك، وقيل: في محل نصب بنزع الخافض، أي: بمن يضل، وقيل في محل جر بإضافة اسم التفضيل إليها، وقيل: من في موضع رفع، وهي استفهامية في محل رفع مبتدأ، والخبر جملة يضل: والجملة في موضع نصب أو معلقة عن العمل ب {أعلم}، أي: أعلم أي الناس يضل: كقوله تعالى: {لنعلم أي الحزبين}؟ فتدبّر، واللّه يعصمك.