فصل: (سورة الأنعام: الآيات 142- 144)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: الآيات 142- 144]

{وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}

.اللغة:

{حَمُولَةً} الحمولة بفتح الحاء: ما أطاق الحمل عليه من الإبل.
{فَرْشًا} والفرش: صغارها. هذا هو المشهور في اللغة، قال في الأساس: ومرت الحمولة: وهي الإبل التي يحمل عليها، {ومن الأنعام حمولة وفرشا}، وقال عنترة:
ما راعني إلّا حمولة أهلها ** وسط الديار تسفّ حبّ الخمخم

قال شارحه الزوزني: الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها. وقيل: الحمولة: كبار النعم، أعني الإبل والبقر والغنم، والفرش صغارها. وقال الزّجّاج: أجمع أهل اللغة على أن الفرش صغار الإبل. وقال أبو زيد: يحتمل أن يكون تسميته بالمصدر، لأن الفرش في الأصل مصدر، والفرش لفظ مشترك بين معان كثيرة، منها: متاع البيت، والفضاء الواسع، واتساع خفّ البعير قليلا، والأرض الملساء، ونبات يلتصق بالأرض. وقيل: الحمولة: كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار. والفرش: ما اتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش.
وقال الزمخشري: أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال، وما يفرش للذبح، أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش. وقيل: الحمولة التي تصلح للحمل، والفرش الصغار، كالفصلان والعجاجيل والغنم، لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها، مثل: الفرش المفروش عليها.
{الضَّأْنِ}: قيل: هو جمع ضائن للذكر وضائنة للمؤنث، وقيل: اسم جمع، وكذا يقال في المعز، سواء سكّنت عينه أو فتحت. وفي القاموس: أضئن ضأنك: اعزلها من المعز. والضأن اسم جنس بخلاف الماعز من الغنم، والضائن: ذو الصوف، خلاف الماعز من الغنم، وجمعه ضأن وضأن وضئين وضئين. وفي الأساس: ماله الضّأن والمعز والضّئين والمعز، وعنده ضأئنة من الغنم ولحم وجلد ضائن وماعز، وأضأن فلان وأمعز كثر ضأنه ومعزه، وتقول العرب: اضأن ضأنك وامعز معزك أي: اعزلها.
{الْمَعْزِ} في المصباح: المعز اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهي ذوات الشعر من الغنم، الواحدة: شاة، وهي مؤنثة، وتفتح العين وتسكن، وجمع الساكن أمعز ومعيز مثل: عبد: أعبد وعبيد، والمعزى ألفها للإلحاق لا للتأنيث، ولهذا ينوّن في النكرة، ويصغر على معيز، ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف. والذكر ماعز، والأنثى ماعزة.

.الإعراب:

{وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} الواو حرف عطف، ومن الأنعام جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة ل {حمولة وفرشا}، وتقدم عليهما، وحمولة عطف على جنات، أي: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما جمجموا به واضطربت به أقوالهم، وذلك أنهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة، وإناثها تارة، فأنكر عليهم ذلك. وكلوا فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، ومما جار ومجرور متعلقان بكلوا، وجملة رزقكم اللّه لا محل لها لأنها صلة الموصول، ولا ناهية، وتتبعوا فعل مضارع مجزوم بلا، والواو فاعل، وخطوات الشيطان مفعول به، والجملة معطوفة على جملة كلوا، وإن واسمها، ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وعدو خبر إن، ومبين صفة، والجملة تعليلية لا محل لها {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} ثمانية أزواج بدل من حمولة وفرشا، وقيل: هو منصوب بكلوا مما رزقكم اللّه، أو ب {أنشأ} مقدرة، وإلى هذا ذهب الكسائي.
والزوج: ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل، والمراد أربعة ذكور من كل من الإبل والبقر والغنم، وأربع إناث كذلك، ومن الضأن جار ومجرور متعلقان بفعل أنشأ مقدرا، واثنين بدل من ثمانية أزواج، وقد عطف على بقية الثمانية {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} قل فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، والجملة معترضة لا محل لها، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والذكرين مفعول به مقدم لحرّم، وأم حرف عطف، والأنثيين عطف على الذكرين، والجملة في محل نصب مقول القول: {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ} أم الثانية عاطفة، عطفت ما الموصولية بعدها على الأنثيين، فهي في محل نصب، فلما التقت ميم ساكنة مع ما بعدها وجب الإدغام، وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب الفوائد {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} الجملة معترضة أيضا مسوقة لتعجيزهم، وقد وقعت هاتان الجملتان الاعتراضيتان بين المعدودات للتأكيد على بطلان أقوالهم، ونبئوني فعل أمر وفاعل ومفعول به، وبعلم جار ومجرور متعلقان بنبئوني، وإن شرطية، وكان واسمها، وهي فعل الشرط، وصادقين خبرها، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ} تقدم إعراب نظيرها تماما {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا} أم منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة والتقدير: بل أكنتم شهداء، وإذ ظرف متعلق بشهداء وجملة وصاكم اللّه في محل جر بالإضافة وبهذا متعلقان بوصاكم {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الفاء هي الفصيحة، أي: إذا عرفتم هذا ورسخ في عقولكم، ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وأظلم خبر، والجملة لا محل لها، والاستفهام معناه النفي، أي: لا أحد أظلم، وممن جار ومجرور متعلقان بأظلم، وجملة افترى لا محل لها لأنها صلة الموصول، وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بافترى، وكذبا مفعول به أو مفعول مطلق، وقد تقدم إعراب نظيره. واللام للتعليل، ويضل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والناس مفعول به، ولام التعليل ومدخولها متعلقان بافترى، وبغير علم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل افترى، أي: افترى عليه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} إن واسمها، وجملة لا يهدي خبرها، والقوم مفعول به والظالمين نعت للقوم، والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها من الإعراب.

.الفوائد:

الإدغام: هو إدخال حرف في حرف آخر من جنسه، بحيث يصيران حرفا وأحدا مشددا، وله ثلاث أحوال:
1- وجوب الإدغام:
وذلك إذا كانا متجانسين في كلمة واحدة، وأما قول الشاعر:
الحمد للّه العليّ الأجلل ** الواسع الفضل الوهوب المجزل

فمن الضرورات الشعرية. ويجب إدغام المثلين المتجاورين أولهما إذا كانا في كلمتين، كما كانا في كلمة واحدة، مثل: سكتّ وسكّنا وعنّي وعليّ، واكتب بالقلم، واستغفر ربك، وكالآية التي نحن بصددها {أمّا اشتملت عليه}. وشذت ألفاظ لا يقاس عليها، مثل: ألل السّقاء والأسنان إذا تغيرت رائحتها وفسدت، ودبب الإنسان إذا نبت الشعر في جبينه، وضببت الأرض إذا كثر ضبابها، وقطط الشعر إذا كان قصيرا جعدا، ويقال قطّ بالإدغام، ولححت العين إذا ألصقت أجفانها بالرّمص، والخخت إذا كثر دمعها وغلظت أجفانها.
2- جواز الإدغام وتركه:
ويكون في أربعة مواضع:
آ- أن يكون الحرف الأول من المثلين متحركا والثاني ساكنا بسكون عارض للجزم، أو للبناء في الأمر المفرد، فتقول: لم يمدّ ومدّ بالإدغام، ولم يمدد وامدد، والفكّ أجود، وبه نطق القرآن، قال تعالى: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار}. وقال: {واشدد على قلوبهم}. وتكون حركة ثاني المثلين المدغمين في المضارع المجزوم والأمر اللذين لم يتصل بهما شيء تابعة لحركة فائه، وهذا هو الأكثر، ونرى أن يحرك بالفتح للتخفيف.
ب- أن يكون عين الكلمة ولامها ياءين، لازما تحريك ثانيهما، مثل: عيي وحيي. فتقول: عيّ وحيّ، فإن كانت حركة الثانية عارضة للإعراب مثل: لن يحيي، امتنع إدغامه.
ج- أن يكون في أول الفعل الماضي تاءان مثل: تتابع وتتبّع، فيجوز الإدغام مع زيادة همزة وصل في أوله، دفعا للابتداء بالساكن، مثل: اتّابع واتّبع، فإن كان مضارعا لم يجز الإدغام، بل يجوز تخفيفه، بحذف إحدى التاءين فتقول في: تتلظّى: تلظّى، وفي تتجلّى: تجلّى، قال تعالى: {تنزّل الملائكة والرّوح} وقال: {نارا تلظّى} وقال أبو تمّام يصف الربيع:
أضحت تصوغ بطونها لظهورها ** نورا تكاد له القلوب تنوّر

د- أن يتجاوز مثلان متحركان في كلمتين، مثل: جعل لي، وكتب بالقلم، فيجوز الإدغام بإسكان المثل الأول، فتقل: جعل لي وكتب بالقلم، غير أن الإدغام يجوز هنا لفظا لا خطّا.
3- امتناع الإدغام:
وذلك في سبعة مواضع:
آ- أن يتصدر المثلان كددن، أي: لعب.
ب- أن يكونا في اسم على وزن فعل (بضم ففتح) كدرر، أو فعل (بضمتين) كسرر، أو فعل (بكسر ففتح) كلمم، أو فعل (بفتحتين) كطلل.
ج- أن يكون المثلان في وزن مزيد فيه للإلحاق كجلبب وهيلل.
د- أن يتصل بأول المثلين مدغم فيه، كهلّل. وذلك لأن الإدغام الثاني بمثابة تكرّر الإدغام، وهو ممنوع.
ه- أن يكون المثلان على وزن (افْعَلْ) في التعجب، نحو: أحبب بالعلم.
و- أن يعرض سكون أحد المثلين لا تصاله بضمير رفع متحرك كمددت.
ز- أن يكون مما شذت العرب في فكه اختيارا، وهي ألفاظ محفوظة تقدم ذكرها في مستهل البحث.

.[سورة الأنعام: الآيات 145- 146]

{قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)}

.اللغة:

{مَسْفُوحًا}: السفح: الصبّ، وسفح يأتي لازما ومتعديا، يقال: سفح فلان دمعه ودمه أي: أهرقه، إلا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر، ففي المتعدي يقال: سفحا، وفي اللازم يقال: سفوحا، وفي هذه الآية وقع متعديا لأن اسم المفعول لا يبنى إلا من متعد، ومن اللازم ما أنشده أبو عبيدة لكثيّر عزة:
أقول ودمعي واكف عند رسمها ** عليك سلام اللّه والدمع يسفح

ومن المجاز في هذه المادة: وبينهم سفاح: أي قتال أو معاقرة، لأنهم يتسافحون الدماء، وسافحها مسافحة زاناها، لأن كلّا منهما يسفح ماءه ويضيعه. ومن أقوالهم: في النكاح غنية عن السفاح.
وقد مر ذكر هذه المادة وخصائص اجتماع السين والفاء فاء وعينا للكلمة.
{الْحَوايا}: الأمعاء والمصارين.

.الإعراب:

{قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما حرمه اللّه تعالى عليهم، وجملة لا أجد مقول القول، وفيما جار ومجرور متعلقان بأجد، وجملة أوحي إليّ لا محل لها لأنها صلة الموصول، وإليّ جار ومجرور في موضع رفع على أنه نائب فاعل أوحي، ومحرما مفعول به لأجد، أي: شيئا محرما، وعلى {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} الاستثناء متصل، طاعم جار ومجرور متعلقان بمحرّم، وجملة يطعمه صفة لطاعم لأنه استثناء من الجنس، وموضعه نصب، ويجوز أن يكون استثناء منقطعا، لأنه كون وما قبله عين، وموضعه نصب أيضا، وميتة خبر يكون. واسمها مستتر يعود على قوله: {محرما} وجملة الاستثناء نصب على الحال، ودما منسوق على ميتة، ومسفوحا صفة، أي: سائلا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال، وأو لحم خنزير معطوف عطف نسق أيضا {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} الفاء للتعليل، وإن واسمها، ورجس خبرها، وأو حرف عطف، وفسقا معطوف عطف نسق على لحم خنزير، وجملة أهل صفة، وأهل فعل ماض، ولغير اللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وبه جار ومجرور متعلقان بأهل، وجملة {فإنه رجس} تعليلية لا محل لها {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الفاء استئنافية، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ، واضطر فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط، والجواب محذوف، أي: فلا مؤاخذة عليه. ومعنى اضطر أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر، وغير باغ حال، أي: غير ظالم. ولا عاد عطف على باغ، أي غير معتد. وقد سبق تحقيق كلام مماثل له في سورة البقرة. والفاء تعليلية وإن واسمها، وغفور خبر أول، ورحيم خبر ثان، وجملة فعل الشرط وجوابه خبر من {وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} كلام مستأنف مسوق لبيان سبب تحريم كل ذي ظفر على اليهود لظلمهم، وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة البقرة، وليشمل كل ذي ظفر، وهو النعامة والبعير ونحو ذلك من الدواب، وكل ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير، مثل البعير والنعامة والأوز والبط. وعلى الذين جار ومجرور متعلقان بحرمنا، وهادوا فعل وفاعل، وحرمنا فعل وفاعل أيضا، وكل مفعول به، وذي مضاف إليه، وظفر مجرور بإضافة {ذي} إليه {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما} الواو عاطفة، ومن البقر جار ومجرور متعلقان بحرمنا والغنم عطف على البقر، وعليهم جار ومجرور متعلقان بحرمنا، وشحومهما مفعول به، والمعنى أنه حرم عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه، وكل شيء منه، وترك البقر والغنم على التحليل، ولم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة، وهي الثروب، أي: الشحوم الرقيقة التي تغشى الكرش والأمعاء وشحم الكلى. جمع كلية أو كلوة، بضم الكاف فيهما. {إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} إلا أداة استثناء، وما اسم موصول في محل نصب على الاستثناء المتصل من الشحوم، وجملة الاستثناء حالية، وجملة حملت لا محل لها لأنها صلة، وأو حرف عطف والحوايا عطف على ظهورهما، أو ما اختلط بعظم أو حرف عطف، وما اسم موصول معطوف على ظهورهما، واختلط فعل ماض وفاعله هو، وبعظم جار ومجرور متعلقان باختلط {ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ} الجملة لا محل لها لأنها مفسرة لبيان علة التحريم، وذلك اسم الاشارة مبتدأ، وجملة جزيناهم خبر، وببغيهم جار ومجرور متعلقان بجزيناهم، ولابد من تقدير ضمير، أي: جزيناهم به، بسبب بغيهم. وسيأتي مزيد من إعراب هذا التعبير. والواو استئنافية أو حالية، وإن واسمها، واللام المزحلقة، وصادقون خبر إن.

.الفوائد:

قال أبو البقاء: ذلك في موضع نصب بجزيناهم، وقيل: مبتدأ، والتقدير جزينا هموه، وقيل: هو خبر لمحذوف، أي الأمر ذلك ويلاحظ أن أبا البقاء لم يبّين على أي شيء انتصب؟ هل على المصدر أو على المفعول به؟ وقال الزمخشري: ذلك الجزاء جزيناهم، وهو تحريم الطيبات: وظاهره أنه منتصب انتصاب المصدر. وقال أبو حيّان: وزعم ابن مالك أن اسم الاشارة لا ينتصب مشارا به إلى المصدر إلا وأتبع بالمصدر، فتقول: قمت هذا القيام، وقعدت ذلك القعود. ولا يجوز قمت هذا، ولا قعد ذلك فعلى هذا لا يصح انتصاب ذلك على أنه إشارة إلى المصدر. قلت: وذهب سيبويه والجمهور إلى أن ذلك لا يشترط، ومن كلام العرب: ظننت ذلك، يشيرون به إلى الظنّ.

.[سورة الأنعام: الآيات 147- 148]

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148)}

.الإعراب:

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ} الفاء استئنافية، وإن شرطية، وكذبوك فعل وفاعل ومفعول به، وهو في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة لجواب الشرط، وقل فعل أمر، وربكم مبتدأ مرفوع، وذو رحمة خبر، وواسعة صفة لرحمة، والجملة في محل نصب مقول القول، وجملة القول وما في حيزه في محل جزم جواب الشرط {وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} الواو عاطفة، والجملة معطوفة على الجملة الاسمية داخلة في حيز القول، ويرد فعل مضارع مبني للمجهول، وبأسه نائب فاعل، وعن القوم جار ومجرور متعلقان بيرد، والمجرمين نعت للقوم، {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا} الجملة مستأنفة مسوقة للإخبار بما يصدر عنهم من قول. والسين حرف استقبال، ويقول فعل مضارع، والذين فاعل، وجملة أشركوا لا محل لها لأنها صلة الموصول، وجملة لو شاء اللّه في محل نصب مقول القول، ولو شرطية، وشاء اللّه فعل وفاعل، ومفعول المشيئة محذوف، أي: لو شاء عدم إشراكنا، وقد تقدمت له نظائر. ولا آباؤنا عطف على الضمير في أشركنا، وجاز العطف لوجود لا {وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ} عطف على ما أشركنا، ومن زائدة في المفعول به {كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الكاف نعت لمصدر محذوف، وقد تقدم، أي: كذب الذين من قبلهم تكذيبا مثل ذلك التكذيب {حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا} حتى حرف غاية وجر، أي: استمروا على التكذيب حتى ذاقوا، وبأسنا مفعول به، وهل حرف استفهام، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومن زائدة في المبتدأ المؤخر، والجملة مقول القول. والفاء فاء السببية، وتخرجوه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعدها، والواو فاعل، والهاء مفعول به، ولنا جار ومجرور متعلقان بتخرجوه {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} الجملة استئنافية، وإن نافية، وتتبعون فعل مضارع مرفوع، والواو فاعل، وإلا أداة حصر، والظن مفعول به، وإن الواو عاطفة، وإن نافية، وأنتم مبتدأ، وإلا أداة حصر، وجملة تخرصون خبر أنتم.

.[سورة الأنعام: الآيات 149- 150]

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}

.الإعراب:

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ} جملة القول مستأنفة، والفاء هي الفصيحة، لأنها أفصحت عن شرط مقدر، أي قل: فإن لم تكن لكم حجة فلله الحجة البالغة، وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والحجة مبتدأ مؤخر، والبالغة صفة، أي: التي بلغت غاية النهاية والوضوح، وقطعت كل عذر للمحجوج والجملة مقول القول: {فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} الفاء عاطفة، ولو شرطية، وشاء فعل وفاعل مستتر، والمفعول به محذوف، أي: هدايتكم، واللام واقعة في جواب لو، وهداكم فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وأجمعين تأكيد للضمير، وسيأتي حكم التأكيد بأجمع في باب الفوائد {قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا} الجملة مستأنفة، وقل فعل أمر، وهلم اسم فعل أمر، وسيأتي بحث عنها في باب الفوائد، وشهداءكم مفعول به، فان اسم الفعل يعمل عمل مسماه من تعد ولزوم، والذين صفة، وجملة يشهدون صلة، وأن اللّه أن واسمها في محل نصب بنزع الخافض، وجملة حرم هذا خبر أن {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} الفاء عاطفة، وإن شرطية، وشهدوا فعل ماض، والواو فاعل، وهو في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة لجواب الشرط، ولا ناهية، وتشهد فعل مضارع مجزوم بلا، والجملة في محل جزم جواب الشرط، ومعهم ظرف مكان متعلق بتشهد {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتتبع فعل مضارع مجزوم بلا، وأهواء مفعول به، والذين اسم موصول في محل جر بالإضافة، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا والجملة صلة {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} الواو عاطفة، والذين عطف على اسم الموصول المتقدم، والغرض تعداد صفاتهم القبيحة. والمعنى: ولا تتّبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات اللّه وبين الكفر بالآخرة والإشراك به.
وجملة لا يؤمنون صلة الموصول، وبالآخرة جار ومجرور متعلقان بيؤمنون، والواو حرف عطف، وهم مبتدأ، وجملة يعدلون خبره، وبربهم جار ومجرور متعلقان بيعدلون.

.البلاغة:

في إطلاق اسم الشهادة على التسليم لهم وموافقتهم وتصديقهم في الشهادة الباطلة، استعارة تصريحية تبعية ويصح أن يكون مجازا مرسلا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لأن الشهادة من لوازم التسليم.

.الفوائد:

إذا أريد تقوية التوكيد يؤتى بكلمة أجمع بعد كلمة كله، وبعد كلمة كلها بكلمة جمعاء، وبعد كلمة كلهم بكلمة أجمعين، وبعد كلمة كلهنّ بكلمة جمع، تقول: جاء الصفّ كله أجمع، وجاءت القبيلة كلها جمعاء، وقال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون}، وجاءت النساء كلهن جمع. وقد يؤكّد بأجمع وجمعاء وأجمعين وجمع وإن لم يتقدمهن لفظ كلّ، ومنه قوله تعالى: {لأغوينهم أجمعين}.
هذا، ولا يجوز تثنية أجمع وجمعاء، استغناء عن ذلك بلفظي:
كلا وكلتا. قال ابن مالك في ألفيته مجملا قاعدة أجمع:
وبعد كل أكدوا بأجمعا ** جمعاء أجمعين ثم جمعا

ودون كل قد يجيء أجمع ** جمعاء أجمعون ثم جمع

هلمّ: كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، فتكون لازمة وقد تستعمل متعدية، نحو: هلم شهداءكم، أي: أحضروهم، وهي من أسماء الأفعال، يستوي فيها الواحد والجمع، والتذكير والتأنيث، ويصرفونها بأن يجعلوها فعلا ويلحقوها الضمائر، فيقولون في المثنى: هلما، وفي المؤنث: هلمي، وفي الجمع للذكور: هلموا، وللنساء: هلممن والأول أفصح. وقد توصل باللام، فيقال: هلمّ لك، كقولهم: هيت لك. وقد تلحقها نون التوكيد الثقيلة، فيقال: هلمّنّ يا رجل، وهلمنّ يا امرأة، وهلمّانّ يا رجلان، ويا امرأتان، وهلمّنّ يا رجال، وهلمنانّ يا نسوة.