فصل: الآية السادسة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية السادسة:

{قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}.
{قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ}: أمره اللّه سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحى إليه أي القرآن، وفيه إيذان بأن مناط الحل والحرمة هو الوحي لا مجرد العقل.
{مُحَرَّمًا}: غير هذه المذكورات، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة، وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة.
وصحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
وتحريم الحمر الأهلية، والكلاب، ونحو ذلك.
وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات، كما يدل عليه السياق، ويفيده الاستثناء، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب والسنة، مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات، وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه اللّه من حيوان وغيره، فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء.
وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره اللّه في هذه الآية، وروي ذلك عن مالك وهو قول ساقط ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه إهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن، وإهمال ما صح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال بحرمة شيء مثلا، بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضي ذلك، ولا موجب يوجبه، مع أن التمسك بقول أحد، ولو كان صحابيا، في مقابلة قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف.
وقوله: {مُحَرَّمًا}: صفة لموصوف محذوف، أي طعاما محرما.
{عَلى أي طاعِمٍ يَطْعَمُهُ}: من المطاعم، وفي {يَطْعَمُهُ} زيادة تأكيد وتقرير لما قبله.
{إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}: أي ذلك الشيء، أو ذلك الطعام، أو العين، أو الجثة، أو النفس، قرئ بالتحتية والفوقية وقرئ: {ميتة}، بالرفع على أن يكون تامة.
{أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} وهو الجاري، وغير المسفوح معفو عنه، كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم.
وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا.
{أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ}: ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم، والضمير في: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ}، راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير.
والرجس: النجس، وقد تقدم تحقيقه.
{أَوْ فِسْقًا} عطف على {لَحْمَ خِنزِيرٍ}.
{وأُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}: صفة فسق، أي ذبح على الأصنام وغيرها، وسمي فسقا لتوغله في باب الفسق، ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له لأهلّ، أي أهلّ به لغير اللّه فسق على عطف أهلّ على يكون، وهو تكلف لا حاجة إليه.
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ}: قد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة فلا نعيده.
{فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ}: أي كثير المغفرة.
{رَحِيمٌ (145)}: أي كثير الرحمة، فلا يؤاخذ المضطر لما دعت إليه ضرورته. اهـ.

.قال السايس:

من سورة الأنعام:
قال اللّه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}.
لما قال المشركون: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «اللّه قتلها»، قالوا: فتزعم أنّ ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتل الصقر والكلب حلال، وما قتله اللّه حرام فأنزل اللّه قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلخ.
وجمهور المفسّرين على أنّ في الآية الأولى حصرا مستفادا من عدم اتباع المضلين المشار إليه بقوله تعالى قبل هذه الآية: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ومستفاد أيضا من الشرط {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} فيكون المعنى: اجعلوا أكلكم مقصورا على ما ذكر اسم اللّه عليه، ولا تتعدوه إلى الميتة، ولولا هذا القصر لم يلاق الجواب الاعتراض، ويكون الكلام متعرضا لما لا يحتاج إليه، وساكتا عما يحتاج إليه.
{وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إنكار لأن يكون لهم شيء يدعوهم إلى ترك الأكل مما ذكر اسم اللّه عليه من البحائر والسوائب ونحوها. وفي ذلك إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يعولوا على عوائد الجاهلية في تحريم ما لم يحرّمه اللّه، ولا أن يعولوا على اعتراضاتهم وشبههم الواهية.
وقوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} حال مؤكدة للإنكار، أي أنه ليس هناك سبب يمنعكم من أن تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه، والحال أنه قد بيّن المحرّم عليكم في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى} إلخ فبقي ما عدا ذلك على الحل.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} معناه لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو محرّم عليكم حلال لكم حال الضرورة.
{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} معناه أن كثيرا من الكفار ليضلون الناس بتحريم الحلال وتحليل الحرام كما حرموا البحيرة والسائبة، وأحلوا الميتة بأهوائهم وشهواتهم الباطلة، وبغير علم أصلا، إنما هو محض الهوى، وسيجازيهم اللّه على هذا الاعتداء لا محالة.
قال اللّه تعالى: {وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)} قيل: المراد اتركوا جميع المعاصي ما أعلنتم وما أسررتم. وقيل: ما عملتم وما نويتم. وقيل: {ظاهِرَ الْإِثْمِ} أفعال الجوارح {وَباطِنَهُ} أفعال القلوب.
وقيل: اتركوا الزنى في الحوانيت واتخاذ الأخدان.
وقد روي أنّ أهل الجاهلية كانوا يرون أنّ الزنى إذا ظهر كان إثما، وإذا استتر فلا إثم فيه. ثم أخبر اللّه أنه لابد سيجازي مرتكبي المعاصي على عصيانهم.
قال اللّه تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} المتبادر من المقام تخصيص ما لم يذكر اسم اللّه عليه بالحيوان، فيكون ذلك نهيا عن الأكل من الحيوان الذي لم يذكر اسم اللّه عليه، فتحرم الميتة وما ذكر عليه اسم غير اللّه ومتروك التسمية عمدا كان تركها أم سهوا، وإلى ذلك ذهب داود، وروي عن الحسن وابن سيرين.
وقال الشافعي: متروك التسمية حلال مطلقا، وهو رواية عن مالك.
وذهب الحنفية إلى التفرقة بين العمد والنسيان، فحرموا متروك التسمية عمدا، وأحلّوا متروك التسمية نسيانا. وهذا هو الصحيح من مذهب مالك. وعن أحمد ثلاث روايات أصحها عندهم وهي المشهورة عنه: أن التسمية شرط للإباحة، فإن تركها عمدا أو سهوا في صيد فهو ميتة، وفي الذبيحة إن تركها سهوا حلّت، وإن تركها عمدا فعنه روايتان.
وحجة داود ومن قال بقوله هذه الآية الكريمة، وهي ظاهرة في ذلك.
وللحنفية في تقرير مذهبهم من الآية طريقان:
الأول: أن ظاهر الآية يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسيانا، إلا أنّ الشارع جعل الناسي ذاكرا، لعذر من جهته، وفي ذلك رفع للحرج، فإنّ الإنسان كثير النسيان، فيكون متروك التسمية سهوا مخصوصا من حكم الآية.
والثاني: أنّ الناسي ليس بتارك التسمية، بل هي في قلبه على ما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «تسمية اللّه على كل مسلم».
وحينئذ يكون متروك التسمية عمدا أو سهوا بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلى قوله تعالى: {إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فأباح المذكى، ولم يذكر التسمية، وليست التسمية جزءا من مفهوم الذكاة، فإنّ الذكاة لغة الشق والفتح وقد وجدا. وبحديث البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: إنهم قالوا: يا رسول اللّه إن قومنا حديثو عهد بالجاهلية يأتون بلحمان لا ندري أذكروا اسم اللّه عليه أم لم يذكروا أفنأكل منها؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سموا وكلوا».
قال أصحاب الشافعي هذه التسمية المستحبة عند أكل كل طعام، وشرب كل شراب.
وأجابوا عن هذه الآية بأنّ المراد فيها ما ذبح للأصنام، يدل على ذلك وجوه:
الأول: أنّ من أكل متروك التسمية ليس بفاسق، وقد قال اللّه: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}.
والثاني: أن قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} يدل على أن المراد ما ذبح على اسم الأصنام، فإن معناه إنّكم لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم الأصنام فقد رضيتم بألوهيتها، وذلك يوجب الشرك.
والثالث: أن قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} لا يجوز أن يكون معطوفا على النهي قبله، لأنّ عطف الخبر على الإنشاء ضعيف إن لم يكن ممنوعا، فكان قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} قيدا في النهي، فصار هذا النهي مخصوصا بما إذا كان الأكل فسقا، ثم طلبنا في كتاب اللّه تعالى أنه متى يكون الأكل فسقا فوجدناه مفسّرا في آية أخرى، وهي قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إلى أن قال: {رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فصار الفسق في هذه الآية مفسّرا بما أهلّ به لغير اللّه، وإذا كان كذلك كان قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} مخصوصا بما أهلّ به لغير اللّه.
وأجاب بعض الشافعية بجواب آخر وهو حمل النهي على كراهة التنزيه جمعا بين الأدلة. ومع هذا فالأولى بالمسلم أن يجتنب متروك التسمية، لأنّ ظاهر هذا النص قوي.
{وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} أي وإن إبليس وجنوده ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوا محمدا وأصحابه في أكل الميتة، كما سبق.
وقال عكرمة: المراد بالشياطين مردة المجوس من أهل فارس، وكانوا قد كتبوا إلى قريش أنّ محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتّبعون أمر اللّه، ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال، وما يذبحه اللّه حرام، فوقع في أنفس المسلمين من ذلك شيء فأنزل اللّه هذه الآية.
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} يعني {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} في تحليل الميتة، أو في تحليل ما أهلّ به لغير اللّه {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} وفيه دليل على أنّ من استحل الحرام واتبع غير اللّه في دينه كان كافرا، لأنه أشرك باللّه غيره، بل آثر حكمه على حكم اللّه. وهذا الكلام على تقدير القسم وحذف اللام الموطئة، أي ولئن أطعتموهم إنّكم جواب القسم أغنى عن جواب الشرط، وأجاز المبرّد أن يكون الجواب للشرط بلفظ الماضي.
قال اللّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهًا وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}.
المعروشات من الكرم: ما يحمل على العريش، وهو عيدان تصنع كهيئة السقف، ويوضع الكرم عليها.
وغير المعروشات: الملقيات على وجه الأرض من الكرم أيضا. وقيل المعروش ما يحتاج إلى عريش يحمل عليه من الكرم وما يجري مجراه. وغير المعروش: الشجر المستغني باستوائه على سوقه عن التعريش. والأكل: الثمر المأكول.
والحصاد: حصد الزرع إذا انتهى وجاء زمانه.
سيقت هذه الآية هي ومثيلتها السابقة في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ} الآية لإقامة الدلائل على تقرير التوحيد.
المعنى: أنّ اللّه وحده هو الذي خلق وأظهر هذه الجنات من غير أن يكون معه شريك.
وقوله: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} أمر إباحة، وفائدة التقييد بقوله: {إِذا أَثْمَرَ} الترخيص للمالك في الأكل منه قبل أداء حقّ اللّه تعالى.
واختلف العلماء في الحق الواجب في الثمر المفهوم من قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} فعن ابن عباس أنه الزكاة الواجبة، وهي العشر، أو نصفه. وفي رواية أخرى على الخبر أيضا أنه ما كان يتصدق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار، ثم نسخ بالزكاة، واختار هذه الرواية بعض العلماء، لأنّ الزكاة فرضت بالمدينة، وهذه السورة مكية.
وأجاب الإمام الرازي عن ذلك بأنّا لا نسلّم أنّ الزكاة لم تكن واجبة بمكة، وكون آيتها مدنية لا يدلّ على ذلك. على أنه قد قيل: إنّ هذه الآية من سورة الأنعام مدنية.
{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
لما أباح اللّه للمالك أن يأكل من الثمر قبل أداء حق اللّه تعالى فيه نهى عن الإسراف في الأكل المرخّص فيه قبل الحصاد، كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، وقال الزهري: المعنى لا تنفقوا في معصية اللّه، ويروى نحوه عن مجاهد، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة اللّه تعالى لم يكن مسرفا، ولو أنفق درهما في معصية اللّه تعالى كان مسرفا.
ومن هنا قال بعض الحكماء: لا سرف في الخير، ولا خير في السرف. وقال مقاتل: لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام {إنّ اللّه لا يحب المسرفين} بل يبغضهم من حيث إسرافهم ويعذّبهم عليه إن شاء.
قال اللّه تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}.
روي عن طاوس أنّ أهل الجاهلية كانوا يستحلّون أشياء، ويحرمون أشياء، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.