فصل: من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إلا أنه تبقى قصة:
من الذين أسلموا قديما صحابي اسمه عبد الله بن سعد ابن أبي السرح وهذا الرجل أرضعته أم عثمان رضي الله عنه فهو أخو عثمان من الرضاعة، هذا لما أسلم كان يحسن الكتابة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم كاتبا للوحي فلما أنزل الله سورة المؤمنون على الحكاية وفيها: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} [13] سورة المؤمنون، الرسول يتلوها وهذا يكتب حتى وصل إلى قول الله جل وعلا: {ثم أنشأناه خلقا آخر} فكتبها قبل أن يمليه الرسول قال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت علي» {فتبارك الله أحسن الخالقين}.
دخله في تلك الحقبة زلة غر بنفسه فترك كتابة الوحي وقال: «إن كان محمد صادقا فيما يقول فأنا يوحى إلي كما يوحى إليه وإن كان محمد كاذبا فيما يقول فأنا أقول كما يقول». وترك الإسلام والتحق بكفار قريش ولذلك قال الله: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} لكن الله يعلم أزلا أنه سيتوب فلم يسمه باسمه الصريح في القرآن فلما ذهب إلى مكة حصل فتح مكة في العام الثامن ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن رجال فأمر بقتل عبد الله بن خطل ورجل آخر وعبد الله بن سعد وعكرمة ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، فأما عبد الله بن خطل تعلق بأستار الكعبة فلم تنجه وقتل، ورجل آخر يقال له ابن يسار قتل في السوق، وعكرمة وعبد الله بن سعد هذان فرا، فذهب عثمان رضي الله عنه إلى أخيه من الرضاعة الذي هو عبد الله وطلب منه أن يدخل به ليأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عثمان رضي الله عنه وأرضاه بأخيه عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله كاره لتوبته لأنه قال ما قال، فطلب عثمان الأمان لعبد الله فسكت صلى الله عليه وسلم طويلا قبل أن يعطيه الأمان رجاء أن يقوم أحد فيقتله، فلم يقم أحد لم يفطن الصحابة لهذا ليمضي قدر الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «نعم» فأعطى عثمان الأمان، فلما خرج قال عليه الصلاة والسلام: «لقد أطلت الصمت رجاء أن يقوم أحدكم فيقتله» فقال رجل من الأنصار هلا أومأت لي يا رسول الله! قال: «إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين» صلوات الله وسلامه عليه.
حتى نرجع قليلا قبل قليل أنا قلت {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء} حتى تعلم أن القلوب كلها بيد الله يفعل بها ما يشاء، هذا الذي حصل من هذا أسلم وحسن إسلامه فلما كانت ولاية عثمان رضي الله تعالى عنه أصبح أميرا للمؤمنين جعل عبد الله بن سعد هذا واليا على مصر، وهو الذي قاد معركة ذات الصواري وهي أول معركة حربية في الإسلام، وكان كثير من فتح بلدان إفريقيا على يديه، ثم لما رجع جاءت الفتنة بين علي ومعاوية فاعتزلها ولم يبايع لا لعلي ولا لمعاوية، وسكن في الرملة المدينة المعروفة في فلسطين، ثم مكث فيها ما شاء الله إلى قبل انتهاء ولاية علي ثم إنه ذات يوم قال: «اللهم اقبضني إليك في صلاة الصبح»، فصلى بالناس صلاة الصبح قرأ في الأولى الفاتحة والعاديات ضبحا، وقرأ في الثانية لم يضبطهم عنه الرواة ثم سلم التسليمة الأولى ومات قبل أن يسلم التسليمة الثانية.
هذا كله يدل على أن القلوب يا أخي بيد الله وقد يكون الإنسان متلبسا بالمعصية وقد يكون الإنسان يحب أن يهتدي، وأنا أرى في الدرس اليوم شباب مباركين أسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.
هذا كله عندما يأتي الإنسان إلى بيت من بيوت الله أنت لو رحت إلى قصر واستطعت تدخل إلى القصر يستحي الأمير أن يردك ومعك شيء، وهو بشر، فكيف وقد دخلنا أجمعين بيت أرحم الراحمين! فأنت في صلاتك هنا في دعائك في استغفارك ليكن قلبك متعلقا بالله تطلب من الله الهداية تطلب من الله غنى النفس، تطلب من الله الرحمة تطلب من الله التوفيق تطلب الله أن يرزقك حسن الخاتمة تطلب من الله أن يقيك عذاب القبر أن يقيك عذاب النار تطلب من الله أعظم المطالب دخول الجنة.
والمقصود كلما آمن الإنسان أن الهداية والرحمة والفضل والإحسان بيد الله وطلبها بقلبه قبل أن يطلبها بلسانه أعطاه الله جل وعلا إياها لكن لا تستعجل وكن صادقا مع ربك يصدقك الله تبارك وتعالى. هذا السياق الأول من الآية.
ثم قال الله جل وعلا: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون} هذا تصوير لكيفية نزع روح أهل الإشراك وقد مر معنا كثيرا والمقصود أن قبض الأرواح موكل به ملائكة وأن النفس إما أن تكون مؤمنة وإما أن تكون كافرة ولأن الكفر والإيمان لا يستويان فطبيعة الحال لا يستوي قبض روح المؤمن وقبض روح الكافر والله يصور هنا قبض أرواح الكفار.
والغمرة في اللغة: لجج الماء التي تغطي صاحبها. والإنسان يضربه الموج وغمرات الماء تنقله من مكان إلى مكان يصيبه الخوف الشديد والرعب فالله جل وعلا يقول إن هؤلاء الكفار تتخبط روحهم في أجسادهم قبل أن تخرج والملائكة تضربهم وتقول لهم {أخرجوا أنفسكم} أي جدوا لأنفسكم خلاصا ومنجى ومخرجا إن استطعتم ولا يجدون لا هم ولا من يحيطون بهم {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون} وليس المقصود أنه ليس بعده عذاب لكن هذا أول مراحل العذاب {اليوم تجزون عذاب الهون} عذاب الذلة عذاب الصغار ثم ذكر السبب {عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}.
والاستكبار عن آيات الله أعظم طرائق الموصلة إلى الضلالة كما أن انسياق القلب وانقياده إلى الرب تبارك وتعالى واللين فيه أعظم ما يجعله سببا في أن ينال الإنسان به رحمة الله تبارك وتعالى.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ورحمتك التي وسعت كل شيء أن تهدينا أجمعين سواء السبيل وأن تختم لنا بخير وأن تجعل الجنة دارنا وقرارنا إنك سميع مجيب.
هذا وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم:
سورة الأنعام (6):
{وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} [1] أي خلق، والنور الضوء.
{بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [1]: مقدم ومؤخر، مجازه يعدلون بربهم، أي: يجعلون له عدلا، تبارك وتعالى عما يصفون.
{وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [2] مقدم ومؤخر، مجازه وعنده أجل مسمّى، أي وقت مؤقّت.
{ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [2] أي تشكّون.
{أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} [5] أي أخبار.
{مِنْ قَرْنٍ} [6] أي: من أمة يروون أن ما بين القرنين أقلّه ثلاثون سنة.
{مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [6] أي: جعلنا لهم منازل فيها وأكالا، وتثبيتا ومكناهم مكّنتك ومكنت لك واحد، يقال: أكل وأكال وآكال واحدها أكل.
قال الأثرم: قال أبو عمرو: يقال له أكل من الملوك، إذا كان له قطايع.
{وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْرارًا} [6] مجاز السماء هاهنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء، أي في مطر، وما زلنا نطأ السماء، أي أثر المطر، وأنّى أخذتكم هذه السماء؟ ومجاز {أرسلنا}: أنزلنا وأمطرنا {مِدْرارًا} [6] أي غزيرة دائمة.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريّا مزنة ** غرّاء تحلب وابلا مدرارا

أي غزيرا دائما.
{وَأَنْشَأْنا} [6] أي ابتدأنا، ومنه قولهم: فأنشأ فلان في ذلك أي ابتدأ فيه.
{الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [12] أي غبنوا أنفسهم وأهلكوها، قال الأعشى:
لا يأخذ الرشوة في حكمه ** ولا يبالى غبن الخاسر

أي: خسر الخاسر.
{فاطِرِ السَّماواتِ} [14] أي خالق السموات. {هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ} [67/ 3] أي: من صدوع، ويقال: انفطرت زجاجتك أي انصدعت، ويقال فطر ناب الجمل، أي انشقّ فخرج.
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا} [23] مرفوعة إذا عملت فيها {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} فتجعل قولهم الخبر ل {تكن}، وقوم ينصبون {فتنتهم} لأنهم يجعلونها الخبر، ويجعلون قولهم الاسم، بمنزلة قولك ثم لم يكن قولهم إلا فتنة، لأن {إلّا أن قالوا} في موضع قولهم، ومجاز فتنتهم: مجاز كفرهم وشركهم الذي كان في أيديهم.
{أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [25] واحدها كنان، ومجازها عطاء، قال عمر بن أبى ربيعة:
أيّنا بات ليلة بين غصنين يوبل ** تحت عين كنانها ظلّ برد مرحّل

أي غطاؤنا الذي يكنّنا.
{وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا} [25] مفتوح، ومجازه: الثّقل والصمم، وإن كانوا يسمعون، ولكنهم صمّ عن الحق والخير والهدى والوقر هو الحمل إذا كسرته.
{أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [25] واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة، ومجازها مجار الترّهات البسابس ليس له نظام، وليس بشيء.
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [26] أي يتباعدون عنه، قال النّابغة:
فأبلغ عامرا عنى رسولا ** وزرعة إن دنوت وإن نأيت

{ما فَرَّطْنا} [31] مجازه: ما ضيّعنا.
{أَوْزارَهُمْ} [31] واحدها: وزر مكسورة، ومجازها: آثامهم، والوزر والوزر واحد، يبسط الرجل ثوبه فيجعل فيه المتاع فيقال له: أحمل وزرك، ووزرك، ووزرتك.
{تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [35] يريد أهوية ومنه نافقاء اليربوع الجحر الذي ينفق منه فيخرج ينفق نفقا مصدر.
{أَوْ سُلَّمًا فِي السَّماءِ} [35] أي مصعدا، قال ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا ** تبنى له في السموات السلاليم

{لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ} [37] مجازها: هلّا نزل عليه، قال:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ** بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا

أي فهلا تعدّون الكمىّ.
{وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} [38] مجازه: إلا أجناس يعبدون اللّه، ويعرفونه، وملك.
{ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} [38] مجازه: ما تركنا ولا ضيعنا ولا خلقنا.
{صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ} [39] مثل للكفار، لأنهم لا يسمعون الحق والدين وهم قد يسمعون غيره، وبكم لا يقولونه، وهم ليسوا بخرس.
{بِالْبَأْساءِ} [42] هي البأس من الخوف والشر والبؤس.
{وَالضَّرَّاءِ} [42] من الضرّ.
{بَغْتَةً} [44] أي فجأة، يقال: بغتني أي فاجأنى.
والبؤس (فتح الباري 8/ 217).
{فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} [44] المبلس: الحزين الدائم، قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ** قال نعم أعرفه وأبلسا

وقال رؤبة:
وحضرت يوم خميس الأخماس ** وفى الوجوه صفرة وإبلاس

أي اكتئاب وكسوف وحزن.
{فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ} [45] أي آخر القوم الذي يدبرهم.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ} [46] مجازه: إن أصم اللّه أسماعكم وأعمى أبصاركم، تقول العرب: قد أخذ اللّه سمع فلان، وأخذ بصر فلان.
{ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [46] مجازه: يعرضون، يقال: صدف عنى بوجهه، أي أعرض.
{إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} [47] مجاز بغتة: فجأة وهم لا يشعرون. {أو جهرة} أي: أو علانية وهم ينظرون.
{وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ} [55] أي نميزها ونبيّنها. قال يزيد ابن ضبّة في البغتة:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتة ** وأفظع شيء حين يفجؤك البغت

{قَدْ ضَلَلْتُ} [56] تضلّ تقديرها: فررت تفرّ وضللت تضلّ، تقديرها:
مللت تملّ، لغتان.
{عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [57] أي بيان، وقال:
أبيّنة تبغون بعد اعترافه ** وقول سويد قد كفيتكم بشرا

أي: بيانا.
{جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} [60] أي كسبتم.
{وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [61] أي: لا يتوانون ولا يتركون شيئا، ولا يخلفونه ولا يغادرون.
{رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [62] مجازه: مولاهم ربهم.
{تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [63] أي: تخفون في أنفسكم.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [65] يخلطهم، وهو من الالتباس و{شيعا}: فرقا، واحدتها: شيعة.
{الذِّكْرى} [68] والذّكر واحد.
{أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} [70] أي: ترتهن وتسلم، قال عوف ابن الأحوص بن جعفر:
وإبسالى بنىّ بغير جرم ** بعوناه ولا بدم مراق

بعوناه، أي: جنيناه، وكان حمل عن غنىّ لبنى قشير دمّ ابني السّجفيّة، فقالوا: لا نرضى بك، فرهنهم بنيه، قال النابغة الجعدىّ:
ونحن رهنّا بالافاقة عامرا ** بما كان في الدّرداء رهنا فأبسلا

وقال الشّنفرى:
هنالك لا أرجو حياة تسرّنى ** سمير الليالى مبسلا بالجرائر

أي أبد الليالى. وكذلك في آية أخرى: {أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا} [70].
{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [70] مجازه: إن تقسط كل قسط لا يقبل منها. لأنّما التوبة في الحياة.
{وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا} [71] يقال: ردّ فلان على عقيبيه، أي رجع ولم يظفر بما طلب ولم يصب شيئا.
{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ} [72] وهو: الحيران الذي يشبّه له الشياطين فيتبعها حتى يهوى في الأرض فيضلّ.