فصل: في رياض آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما جملة {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} فهى للعرب خاصة. اختارهم الله ليكونوا الأمة الوسط فهل قدروا هذه النعمة؟ وارتفعوا إلى مستواها؟ إن الكتب التي تنتسب إلى السماء موجودة بين أيدى القراء يستطيعون الاطلاع عليها واستقصاء ما فيها، وأنا أريد أن ينظر الناس إلى ما حوت ومعهم عقولهم، فإن فاقد عقله لا خير فيه ولا وزن لحكمه: لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان إننى بعقلى أدركت أن للكون سيدا أبدعه ودبر أمره وأيقنت أن هذا السيد واحد لا اثنان ولا ثلاثة. وأنه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الجور والعصيان. وأنه سوف يسترجع الناس بعد هذه الحياة ليحاسبهم على الطريقة التي عاشوا بها في دنياهم..! والسؤال: أي الكتب السماوية أنصف هذه الحقائق وجلاها؟. وأيها كان أعلى صوتا وأصدق نبرة في توحيد الله والتذكير بلقائه؟. وأيها كان أقدر على تزكية النفوس، وفطامها عن الشرور؟. وإلى أن يصل المنصفون إلى الحكم الذي يرونه نذكر بكلمات القرآن في هذا المجال: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله...} وبعد هذا التساؤل المتتابع يشرح القرآن أجزية الظالمين منذ بدء مفارقتهم للحياة إلى أن يوقفوا للحساب الأخير {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}!!. أهذه لهجة كاذب على الله؟ أهذا وحى مفتعل؟ ألا شاهت الوجوه!! وبعد هذه الوخزة الموجعة لأصحاب الأفئدة المغلقة يعود القرآن الكريم إلى سرد الأمجاد الإلهية في صورة تقارير حاسمة!! أرأيت إلى الأرض تهتز زرعا والحقول تكسو الأرجاء بخضرتها؟. أرأيت إلى النخيل تتدلى شماريخ البلح تحت سعفها؟.
من الذي ملأ السنابل بالحبوب، ودلى الطلع النضيد على صدور النخل. {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون}. وكما يقع ذلك على التراب يقع مثله في الفضاء الرحب {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم}. وتمضى الآيات القرآنية في وصف الآيات الكونية واستخلاص الدلائل منها على عظمة الله وإبداعه، وعلى أنه وحده الجدير بالإعظام والعبادة، فمن كان له عقل وعى، ومن فقد عقله هوى. {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ} ماذا يطلبه عشاق المعجزات الحسية بعد هذا البيان المشرق؟. إن جهود المرسلين على امتداد السنين لا تنشد إلا هذا الإيمان العاقل. ولذلك يجئ على لسان الرسول الخاتم هذا القول: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} إن الراسخين في العلم من أهل الكتاب الأولين يعرفون عظمة القرآن وصدق صاحبه {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} في ربط الأمة بكتابها يقول الله تعالى في هذه السورة: {اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين}. ويقول: {وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون}. ويقول مبينا البلد الذي تنطلق منه الدعوة العالمية {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به...}.
وكانت الرسالات الأخيرة في بنى إسرائيل بعد هلاك العرب العاربة، ورفضهم لرسالات هود وصالح وشعيب وغيرهم.. ثم عادت رسالة السماء إلى العرب مرة أخرى وفى ذلك يقول الله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}. فهل يعرف العرب وظيفتهم العالمية بعد نزول القرآن الكريم. والحساب الإلهى على الجهد البشرى المبذول فلا جبر ولا قسر {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}. ولكن البشر مجادلون بطبعهم، يسيئون الفعل ثم يتملصون منه بزعم أن الله شاء ذلك وساقهم إليه وهذا كذب: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}.. وقبل ذلك بين سبحانه أن من قبل الإيمان شرح الله به صدره ويكمل هدايته، وإلا ضيق عليه الآفاق وتركه في شر حال. والآية الدالة على هذا مفتاح فهمها في الجملة الأخيرة منها {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}. فمن رفض الإيمان لم يشرح الله له صدرا، ولم يسق له هديا، وإنما يشرح صدر من انقاد للدعوة وتهيأ لإجابتها.. وقد شاء العزيز الغنى أن يصوغ العبارة على هذا النحو حتى يقف الناس عند حدود العبودية الفقيرة فقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}. فليس المراد أن المشيئة العليا سابقة على الإيمان أو الكفر، وإلا ما قال بعد ذلك {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}. إن كل امرئ سيوقف للحساب ويقال له {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} فهل يقال ذلك لمغلوب على أمره؟.
والناس مع الإيمان الذي طولبوا به مكلفون بطاعة الله فيما شرع من حلال وحرام، فليس الإيمان دعوى مصحوبة بفوضى. وقد بينت هذه السورة أن الجاهليين اخترعوا عبادات ما أنزل الله من سلطان وشرعوا يتحاكمون إليها، فتركوا الوحى وتبعوا البدع وجادلوا بالباطل. وقد حذر الله المؤمنين من هذا العبث {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. وقد لاحظت أن المتدينين في بيئات شتى يتواضعون على أمور معينة يجعلونها مقياس الخير أو الشر، فيضفون إلى الدين ما ليس منه ويتمسكون بما ابتدعوا ويتهاونون بما كلفوا به!! لذلك قال الله لهم: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}!! قال أحد حكماء العرب وقد سمع هذه الوصايا {لو لم يكن هذا دينا لكان في خلق الناس حسنا...}. إن التدين الفاسد يعتمد على مسالك غبية موهما أنها مسالك غيبية. ونحن عندما نتأمل في الوصايا العشر السابقة نجدها تعتمد على التعقل والتذكر والتقوى، ولا مكان فيها لبدع أو أهواء أو خزعبلات على النحو الذي أخذ على عبادات الجاهليين، من قدامى ومحدثين. وقد كان العرب الأوائل يقولون نحن أصفى معادن وأذكى قرائح من اليهود والنصارى، ولو أنا أوتينا كتابا مثل ما أوتوا لكان لنا شأن!! فها قد جاءكم كتاب، وبعث فيكم رسول فماذا صنعتم؟ {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}.
والوعيد في الآية يتجه إلى العرب البعثيين والقوميين والعلمانيين الضائقين بالوحى، والكارهين للانتماء الإسلامى {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة}، {تتوفاهم}، {أو يأتي ربك}- أمره ووعيده- {أو يأتي بعض آيات ربك}- يعنى أمورا غير عادية- تصيبهم بذنوبهم فلا يفيقون إلا بكارثة تنزل بهم-. وقد جاء في السنة أنه في آخر الزمان يقع انقلاب فلكى تطلع به الشمس من مغربها.. وعندئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. إن الإيمان عند الغرق أو عند الغرغرة أو عند النوازل الداهمة لا جدوى منه. فهل يرجع العرب إلى المنهج الذي شرعه الله لهم وشرفهم به قبل وقوع هذه الأقضية؟. إن العرب هواة تفرق وانقسام، ولو أنهم اختلفوا: هل يجهر بالتأمين وراء الإمام أو يسر به لألف كلا الفريقين حزبا يخاصم الآخر ويستبيحه! إن هذا الاختلاف ستار لشهوات كامنة مفسدة للقلوب {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} وفى ختام السورة جاءت ثلاثة تلقينات تشير إلى وحدة الدين وإخلاص العبادة. ونقاء التوحيد وعدالة الجزاء. هذه التلقينات تكمل 44 قولا أمر الرسول بترديدها خلال السورة كلها: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا...} {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين...}. {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء...} والأقوال المذكورة إذ تتم ما قبلها تشير إلى سيرة إنسان تمحض لله ودعوته والنصح لعباده، وبلغ في ذلك أوجا لم يبلغه أحد من قبله، ذلكم هو محمد خاتم المرسلين. أما التقرير الأخير في هذه السورة، فهو شرح لطبيعة الحياة الدنيا من البدء إلى النهاية، إنها اختبار متتابع شديد.
المرء يختبر بكل من يعرف من البشر، ويختبر بكل ما حوله من سراء وضراء. ونتائج هذه الاختبارات تكشف هناك... في الدار الآخرة. الحياة هنا ممر لا مقر ومن حقيقة السير فيها يكون المثوى الأخير {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الأنعام:
قال بعضهم: مناسبة هذه السورة لآخر المائدة: أنها افتتحت بالحمد، وتلك ختمت بفصل القضاء، وهما متلازمتان كما قال: {وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وقد ظهر لي بفضل الله مع ما قدمت الإشارة إليه في آية: {زين للناس} أنه لما ذكر في آخر المائدة {للَهِ مُلكُ السموات والأَرض وما فيهن} على سبيل الإجمال، افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله فبدأ بذكر: أنه خلق السموات والأرض، وضم إليه أنه جعل الظلمات والنور، وهو بعض ما تضمنه قوله: {وما فيهن} في آخر المائدة وضمن قوله: {الحمد لله} أول الأنعام أن له ملك جميع المحامد، وهو من بسط: {للَهِ مُلكُ السمواتِ والأَرض وما فيهن} في آخر المائدة:
ثم ذكر: أنه خلق النوع الإنساني، وقضى له أجلًا مسمى، وجعل له أجلًا آخر للبعث، وأنه منشئ القرون قرنا بعد قرن، ثم قال: {قل لمن ما في السموات والأَرض} فأثبت له ملك جميع المنظورات ثم قال: {قل لمن ما في السموات والأرض} فأثبت له ملك جميع المنظورات ثم قال: {وله ما سكن في الليل والنهار} فأثبت له ملك جميع المظروفات لظرفي الزمان ثم ذكر أنه خلق سائر الحيوان، من الدواب والطير، ثم خلق النوم واليقظة، والموت والحياة، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الخلق والإنشاء لما فيهن، من النيرين، والنجوم، وفلق الإصباح، وخلق الحب والنوى، وإنزال الماء، وإخراج النبات والثمار بأنواعها، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات، والأنعام، ومنها حمولة وفرش وكل ذلك تفصيل لملكه ما فيهن: وهذه مناسبة جليلة ثم لما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك، أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والملكوتي، والملكي والشيطاني، والحيواني والنباتي، وما تضمنته من الوصايا، فكلها متعلق بالقوام والمعاش الدنيوي، ثم أشار إلى أشراط الساعة فقد جمعت هذه السورة جميع المخلوقات بأسرها، وما يتعلق بها، وما يرجع إليها، فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها، وتقديمها على ما تقدم نزوله منها وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية نظير صورة البقرة في جمعها العلوم والمصالح الدينية ما ذكر فيها من العبادات المحضة، فعلى سبيل الإيجاز والإيماء، كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه، فإنه على سبيل الاختصار والإشارة فإن قلت: فلم لا أفتتح القرآن بهذه السورة، مقدمة على سورة البقرة، لأن بدء الخلق مقدم على الأحكام والتعبدات؟ قلت: للإشارة إلى أن مصالح الدين والآخرة مقدمة على مصالح المعاش والدنيا، وأن المقصود إنما هو العبادة، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة، وعلوم الأحكام والتكاليف متعين على كل واحد فلذلك لا ينبغي النظر في علم بدء الخلق وما جرى مجراه من التواريخ إلا بعد النظر في علم الأحكام وإتقانه ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر، أتقن مما تقدم وهو أنه لما ذكر في سورة المائدة {يا أَيُها الذينَ آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} إلى آخره، فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء مما رزقهم الله افتراء عليه، وكان القصد بذلك تحذير المؤمنين أن يحرموا شيئًا مما أحل الله، فيشابهوا بذلك الكفار في صنيعهم وكان ذكر ذلك على سبيل الإيجاز، ساق هذه السورة لبيان ما حرمه الكفار في صنيعهم، فأتى به على الوجه الأبين والنمط الأكمل، ثم جادلهم فيه، وأقام الدلائل على بطلانه، وعارضهم وناقضهم، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه القصة فكانت هذه السورة شرحًا لما تضمنته المائدة من ذلك على سبيل الإجمال، وتفصيلًا وبسطًا، وإتمامًا وإطنابًا وافتتحت بذكر الخلق والملك، لأن الخالق والمالك هو الذي له التصرف في ملكه، ومخلوقاته، إباحة ومنعًا، وتحريمًا وتحليلًا، فيجب ألا يتعدى عليه بالتصرف في ملكه وكانت هذه السورة بأسرها متعلقة بالفاتحة من وجه كونها شارحة لإجمال قوله: {ربِ العالمين} وللبقرة من حيث شرحها لإجمال قوله: {الذي خلقَكُم والذين من قبلكم} وقوله: {هو الذي خلقَ لكُم ما في الأَرض جميعًا} وبآل عمران من جهة تفصيلها لقوله: (والأنعام والحرب) وقوله: {كُلُ نفسٍ ذائقة الموت} الآية وبالنساء من جهة ما فيها من بدء الخلق، والتقبيح لما حرموه على أزواجهم، وقتل البنات بالوأد وبالمائدة من حيث اشتمالها على الأطعمة بأنواعها وفي افتتاح السور المكية بها وجهان آخران من المناسبة الأول: افتتاحها بالحمد والثاني: مشابهتها للبقرة، المفتتح بها السور المدنية، من حيث أن كلًا منهما نزل مشيعًا ففي حديث أحمد: «البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا» وروى الطبراني وغيره من طرق: «أن الأنعام شيعها سبعون ألف ملك» وفي رواية: «خمسمائة ملك» ووجه آخر، وهو: أن كل ربع من القرآن افتتح بسورة أولها الحمد وهذه للربع الثاني، والكهف للربع الثالث، وسبأ وفاطر للربع الرابع.
وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة للقرآن كنقطة من بحر ولما كانت هذه السورة لبيان بدء الخلق، ذكر فيها ما وقع عند بدء الخلق، وهو قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} ففي الصحيح: «لما فرغ الله من الخلق، وقضى القضية، كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي». اهـ.