فصل: من فوائد البيضاوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عطية: لا يجوز غير ذلك وتأمل لم خصت السموات والأرض في البقرة وجعل هنا.
قال ابن عطية: لا يجوز غير ذلك وتأمل لم خصت السموات والأرض بخلق والظلمات والنور بجعل.
وقال الزمخشري {جعل} يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: {جعل الظلمات والنور} وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الله إناثًا} والفرق بين الخلق والجعل، أن الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التصيير كإنشاء من شيء أو تصيير شيء شيئًا أو نقله من مكان إلى مكان، ومن ذلك {وجعل منها زوجها} {وجعل الظلمات والنور} لأن الظلمات من الأجرام المتكافئة والنور من النار {وجعلناكم أزواجًا} أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؛ انتهى.
وما ذكره من أن جعل بمعنى صير في قوله: {وجعلوا الملائكة} لا يصح لأنهم لم يصيروهم إناثًا، وإنما قال بعض النحويين: إنها بمعنى سمى وقول الطبري {جعل} هنا هي التي تتصرف في طرف الكلام كما تقول: جعلت أفعل كذا فكأنه قال: وجعل إظلامها وإنارتها تخليط، لأن تلك من أفعال المقاربة تدخل على المبتدأ والخبر وهذه التي في الآية تعدت إلى مفعول واحد، فهما متباينان معنى واستعمالًا وناسب عطف الصلة الثانية بمتعلقها من جمع الظلمات وإفراد النور على الصلة الأولى المتعلقة بجمع السموات وإفراد الأرض، وتقدّم في البقرة الكلام على جمع السموات وإفراد الأرض وجمع الظلمات وإفراد النور واختلف في المراد هنا ب {الظلمات والنور} فقال قتادة والسدّي والجمهور: الليل والنهار.
وقال ابن عباس: الشرك والنفاق والكفر والنور الإسلام والإيمان والنبوّة واليقين.
وقال الحسن: الكفر والإيمان، وهو تلخيص قول ابن عباس واستدل لهذا بآية البقرة.
وقال قتادة أيضًا: الجنة والنار خلق الجنة وأرواح المؤمنين من نور، والنار وأرواح الكافرين من ظلمة، فيوم القيامة يحكم لأرواح المؤمنين بالجنة لأنهم من النور خلقوا، وللكافرين بالنار لأنهم من الظلمة خلقوا.
وقيل: الأجساد والأرواح.
وقيل: شهوات النفوس وأسرار القلوب.
وقيل: الجهل والعلم.
وقال مجاهد: المراد حقيقة الظلمة والنور، لأن الزنادقة كانت تقول: الله يخلق الضوء وكل شيء حسن، وإبليس يخلق الظلمة وكل شيء قبيح فأنزلت ردًا عليهم.
وقال أبو عبد الله الرازي: فيه قولان أحدهما: أنهما الأمران المحسوسان وهذا هو الحقيقة.
والثاني ما نقل عن ابن عباس والحسن قبل وهو مجاز.
وقال الواحدي: يحمل على الحقيقة والمجاز معًا لا يمكن حمله عليهما انتهى ملخصًا.
وقال أبو عبد الله الرازي: ليست الظلمة عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور، والدليل عليه أنه إذا جلس اثنان بقرب السراج وآخر بالبعد منه، فالبعيد يرى القريب ويرى ذلك الهواء صافيًا مضيئًا والقريب لا يرى البعيد.
ويرى ذلك الهواء مظلمًا، فلو كانت الظلمة كيفية وجودية لكانت حاصلة بالنسبة إلى هذين الشخصين المذكورين، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الظلمة ليست كيفية وجودية وإذا ثبت ذلك، فنقول: عدم المحدثات متقدم على وجودها فالظلمة متقدمة في التحقيق على النور فوجب تقديمها عليه في اللفظ، ومما يقوي ذلك ما روي في الأخبار الإلهية أنه تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره.
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقي عليهم النور، فمن أصابه يومئذ من ذلك النور اهتدى ومن أخطأ ضل». انتهى.
وقال أبو عبد الله بن أبي الفضل: قوله في الظلمة خطأ بل هي عبارة عن كيفية وجودية.
مضادة للنور، والدليل على ذلك قوله: {وجعل الظلمات والنور} والعدم لا يقال فيه جعل {ثم} كما تقرر في اللسان العربي أصلها للمهلة في الزمان.
وقال ابن عطية: {ثم} دالة على قبح فعل {الذين كفروا} لأن المعنى: أن خلقه {السموات والأرض} وغيرها قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك، ثم تشتمني أي: بعد وضوح هذا كله ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو، لم يلزم التوبيخ كلزومه ب {ثم} انتهى.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته وكذلك {ثم أنتم تمترون} استبعاد لأن تمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم؛ انتهى.
وهذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أن {ثم} للتوبيخ، والزمخشري من أن {ثم} للاستبعاد ليس بصحيح لأن {ثم} لم توضع لذلك، وإنما التوبيخ أو الاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول، ثم ولا أعلم أحدًا من النحويين ذكر ذلك بل {ثم} هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على جملة اسمية، أخبر تعالى بأن الحمد له ونبه على العلة المقتضية للحمد من جميع الناس وهي خلق السموات والأرض والظلمات والنور ثم أخبر أن الكافرين به {يعدلون} فلا يحمدونه.
وقال الزمخشري فإن قلت: علامَ عطف قوله: {ثم الذين كفروا}.
قلت: إما على قوله: {الحمد لله} على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق، لأنه ما خلقه إلا نعمة {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فيكفرون نعمه وإما على قوله: {خلق السموات والأرض} على معنى أنه خلق ما خلق، مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه؛ انتهى.
وهذا الوجه الثاني الذي جوزه لا يجوز، لأنه إذ ذاك يكون معطوفًا على الصلة والمعطوف على الصلة صلة، فلو جعلت الجملة من قوله: {ثم الذين كفروا} صلة لم يصح هذا التركيب لأنه ليس فيها رابط يربط الصلة بالموصول، إلا إن خرج على قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريد رويت عنه فيكون الظاهر قد وقع موقع المضمر، فكأنه قيل: {ثم الذين كفروا به يعدلون} وهذا من الندور، بحيث لا يقاس عليه ولا يحمل كتاب الله عليه مع ترجيح حمله على التركيب الصحيح الفصيح، {والذين كفروا} الظاهر فيه العموم فيندرج فيه عبدة الأصنام وأهل الكتاب، عبدت النصارى المسيح واليهود عزيرًا واتخذوا أحبارهم أربابًا من دون الله والمجوس عبدوا النار والمانوية عبدوا النور، ومن خصص الذين كفروا بالمانوية كقتادة أو بعبدة الأصنام أو بالمجوس حيث قالوا: الموت من أهرمن والحياة من الله، أو بأهل الكتاب كابن أبي أبزى فلا يظهر له دليل على التخصيص والباء في {بربهم} يحتمل أن تتعلق ب {يعدلون} وتكون الباء بمعنى عن أي: يعدلون عنه إلى غيره مما لا يخلق ولا يقدر، أو يكون المعنى يعدلون به غيره أي: يسوون به غيره في اتخاذه ربًا وإلهًا وفي الخلق والإيجاد وعدل الشيء بالشيء التسوية به، وفي الآية رد على القدرية في قولهم: الخير من الله والشر من الإنسان فعدلوا به غيره في الخلق والإيجاد. اهـ.

.من فوائد البيضاوي في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات وَالأَرْضَ}.
أخبر بأنه سبحانه وتعالى حقيق بالحمد، ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام حمد أو لم يحمد، ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون، وجمع السموات دون الأرض وهي مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات، وقدمها لشرفها وعلو مكانها وتقدم وجودها. {وَجَعَلَ الظلمات والنور} أنشأهما، والفرق بين خلق وجعل الذي له مفعول واحد أن الخلق فيه معنى التقدير والجعل فيه معنى التضمن. ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمة بالجعل تنبيهًا على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية، وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها، أو لأن المراد بالظلمة الضلال، وبالنور الهدى والهدى واحد والضلال متعدد، وتقديمها لتقدم الإِعدام على الملكات. ومن زعم أن الظلمة عرض يضاد النور احتج بهذه الآية ولم يعلم أن عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل. {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} عطف على قوله الحمد لله على معنى أن الله سبحانه وتعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، ويكون بربهم تنبيهًا على أنه خلق هذه الأشياء أسبابًا لتكونهم وتعيشهم، فمن حقه أن يحمد عليها ولا يكفر، أو على قوله خلق على معنى أنه سبحانه وتعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه. ومعنى ثم: استبعاد عدولهم بعد هذا البيان، والباء على الأول متعلقة بكفروا وصلة يعدلون محذوفة أي يعدلون عنه ليقع الإِنكار على نفس الفعل، وعلى الثاني متعلقة ب {يَعْدِلُونَ} والمعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به سبحانه وتعالى. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الحمد للَّهِ} تعليقُ الحمد المعرَّفِ بلام الحقيقة أولًا باسم الذات عليه يدور كافةُ ما يوجبه من صفات الكمال، وإليه يؤُول جميعُ نعوتِ الجلال والجمال، للإيذان بأنه عز وجل هو المستحِقُّ له بذاته، لما مر من اقتضاء اختصاصِ الحقيقة به سبحانه، لاقتصار جميعِ أفرادِها عليه بالطريق البرهاني، ووصفه تعالى ثانيًا بما ينبئ عن تفصيل بعض موجِباته المنتظمةِ في سلك الإجمالِ من عظائم الآثارِ وجلائلِ الأفعال، من قوله عز وجل: {الذى خَلَقَ السموات والأرض} للتنبيه على استحقاقه تعالى له واستقلالِه به باعتبار أفعالِه العِظام، وآلائِه الجِسام أيضًا. وتخصيصُ خلقِهما بالذكر لاشتمالهما على جملة الآثار العُلوية والسُفلية وعامةِ الآلاءِ الجليةِ والخفية، التي أجلُها نعمةُ الوجودِ الكافية في إيجاب حمدِه تعالى على كل موجود، فكيف بما يتفرَّع عليها من فنون النعم الأنفسية والآفاقية، المنوطِ بها مصالحُ العباد في المعاش والمعاد؟ أي أنشأهما على ما هما عليه من النّمط الفائِق والطراز الرائق، منطويَتَيْن من أنواع البدائعِ وأصنافِ الروائع على ما تتحيَّر فيه العقولُ والأفكار، من تعاجيب العبر والآثار، تبصرةً وذكرى لأولي الأبصار. وجمعُ السموات لظهور تعدّدِ طبقاتِها واختلاف آثارها وحركاتِها، وتقديمُها لشرفها وعلوِّ مكانها وتقدُّمها وجودًا على الأرض كما هي.
{وَجَعَلَ الظلمات والنور} عطْفٌ على {خَلَق} مترتب عليه لكون جعلهما مسبوقًا بخلق مَنْشَئِهما ومحلِّهما، داخلٌ معه في حكم الإشعار بعِلَّة الحمد، فكما أن خلقَ السموات والأرضِ وما بينهما لكونه أثرًا عظيمًا ونعمةً جليلة موجبٌ لاختصاص الحمد بخالقهما جل وعلا، كذلك جعلُ الظلماتِ والنور لكونه أمرًا خطيرًا ونعمةً عظيمةً مقتضٍ لاختصاصه بجاعلهما، والجعلُ هو الإنشاءُ والإبداع كالخلق، خلا أن ذلك مختصٌّ بالإنشاء التكوينيِّ، وفيه معنى التقدير والتسوية، وهذا عام له كما في الآية الكريمة، والتشريعيَّ أيضا كما في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ} الآية. وأيًا ما كان فهو إنباءٌ عن ملابسةِ مفعولِه بشيءٍ آخرَ بأن يكونَ فيه، أوْ له، أوْ منه، أو نحوُ ذلك، ملابسةٌ مصحِّحةٌ لأن يتوسَّطَ بينهما شيءٌ من الظروف لغوًا كان أو مستقرًا، لكن لا على أن يكونَ عُمدةً في الكلام بل قيدًا فيه، كما في قوله عز وجل: {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} وقوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} وقوله تعالى: {واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا} الآية، فإن كل واحد من هذه الظروف، إما متعلقٌ بنفس الجعل أو بمحذوفٍ وقع حالًا من مفعولِه تقدّمت عليه لكونه نكرة، وأيًا ما كان فهو قيدٌ في الكلام حتى إذا اقتضى الحالُ وقوعَه عمدةً فيه يكون الجعلُ متعديًا إلى اثنين هو ثانيهما، كما في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أصابعهم في ءاذَانِهِم} وربما يَشتبِهُ الأمرُ فيُظن أنه عمدةٌ فيه، وهو في الحقيقة قيدٌ بأحد الوجهين كما سلف في قوله تعالى: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} حيث قيل: إن الظرف مفعولٌ ثان لجاعل، وقد أشير هناك إلى أن الذي يقضي به الذوق السليم وتقتضيه جزالةُ النظم الكريم، أنه متعلقٌ بجاعل أو بمحذوفٍ وقع حالًا من المفعول، وأن المفعولَ الثانيَ هو خليفة، وأن الأول محذوف على ما مر تفصيله. وجمعُ الظلمات لظهور كثرةِ أسبابها ومَحالِّها عند الناس، ومشاهدتهم لها على التفصيل، وتقديمُها على النور لتقدم الإعدام على المَلَكات مع ما فيه من رعاية حسن المقابلة بين القرينتين، وقوله تعالى: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} معطوفٌ على الجملة السابقة الناطقةِ بما مر من موجبات اختصاصِه تعالى بالحمد، المستدعي لاقتصار العبادة عليه، كما حُقِّق في تفسير الفاتحة الكريمة، مَسوقٌ لإنكار ما عليه الكفرة واستبعادِه من مخالفتهم لمضمونها واجترائِهم على ما تقضي ببُطلانه بديهةُ العقول. والمعنى أنه تعالى مختصٌّ باستحقاق الحمدِ والعبادةِ باعتبار ذاتِه وباعتبار ما فصَّل من شؤونه العظيمة الخاصة به، الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه، ثم هؤلاء الكفرةُ لا يعملون بموجبه ويعدِلون به سبحانه، أي يسوُّون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسُه الحمدُ، مع كونِ كلِّ ما سواه مخلوقًا له غيرَ متّصفٍ بشيء من مبادئ الحمد، وكلمة {ثم} لاستبعاد الشرك بعد وضوحِ ما ذُكر من الآيات التكوينية القاضية ببطلانه، لا بعد بيانِه بالآياتِ التنزيلية، والموصولُ عبارةٌ عن طائفةِ الكفار جارٍ مَجرى الاسمِ لهم، من غير أن يُجعلَ كفرُهم بما يجب أن يُؤْمَنَ به كلًا أو بعضًا عنوانًا للموضوع، فإن ذلك مُخِلٌّ باستبعاد ما أُسند إليهم من الإشراك، والباء متعلقة بيعدلون، ووضعُ الربِّ موضعَ ضميرِه تعالى لزيادة التشنيع والتقبيح، والتقديم لمزيد الاهتمامِ والمسارعةِ إلى تحقيق مدارِ الإنكار والاستبعادِ، والمحافظةِ على الفواصل، وتركُ المفعولِ لظهوره أو لتوجيه الإنكار إلى نفس الفعل بتنزيله منزلةَ اللازم، إيذانًا بأنه المدارُ في الاستبعاد والاستنكار لا خصوصيةُ المفعول، هذا هو الحقيقُ بجزالة التنزيل والخليقُ بفخامة شأنه الجليل. وأما جعلُ الباء صلةً لكفروا على أنّ {يعدلون} من العدول، والمعنى أن الله تعالى حقيقٌ بالحمد على ما خلقه نعمةً على العباد، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمتَه فيردّه أن كفرهم به تعالى لاسيما باعتبار ربوبيته تعالى لهم، أشدُّ شناعةً وأعظمُ جنايةً من عدولهم عن حمده عز وجل لتحققه، مع إغفاله أيضًا، فجعلُ أهون الشرَّيْن عمدةً في الكلام مقصودُ الإفادة، وإخراجُ أعظمِهما مُخرجَ القيدِ المفروغِ عنه مما لا عهدَ له في الكلام السديد، فكيف بالنظم التنزيلي؟ هذا وقد قيل: إنه معطوف على {خلَقَ السموات} والمعنى أنه تعالى خلق ما خلق مما لا يقدِر عليه أحدٌ سواه، ثم هم يعدلون به سبحانه ما لا يقدِر على شيءٍ منه، لكن لا على قصد أنه صلةٌ مستقلة ليكونَ بمنزلة أن يقالَ: الحمدُ لله الذي عدَلوا به، بل على أنه داخلٌ تحت الصلة بحيث يكون الكلُّ صلةً واحدة، كأنه قيل: الحمد لله الذي كان منه تلك النعمُ العظامُ، ثم من الكفرة الكفّرُ، وأنت خبير بأن ما ينتظِمُ في سلك الصلة المنبئةِ عن موجبات حمده عز وجل حقُّه أن يكون له دخلٌ في ذلك الإنباء ولو في الجملة، ولا ريب في أن كفرهم بمعزلٍ منه، وادعاءُ أن له دَخْلًا فيه لدلالته على كمال الجود، كأنه قيل: الحمد لله الذي أنعم بمثل هذه النعمِ العِظام على من لا يحمَده، تعسّفٌ لا يساعده النظام، وتعكيسٌ يأباه المقام، كيف لا ومَساقُ النظم الكريم كما تُفصِحُ عنه الآياتُ الآتية تشنيعُ الكفرة وتوبيخُهم ببيانِ غايةِ إساءتِهم مع نهاية إحسانه تعالى إليهم، لا بيانِ نهايةِ إحسانِه تعالى إليهم مع غاية إساءتهم في حقه تعالى، كما يقتضيه الادعاءُ المذكور، وبهذا اتضح أنه لا سبيلَ إلى جعل المعطوف من روادف المعطوف عليه، لما أن حقَّ الصلة أن تكون غيرَ مقصودةِ الإفادة، فما ظنُّك بما هو من روادفها؟ وقد عرفت أن المعطوف هو الذي سيق له الكلام فتأمل وكن على الحق المبين. اهـ.