فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما سيأتي، وقيل: المعنى خلق أباكم منه على حذف المضاف. وقيل: المعنى خلقهم من النطفة الحاصلةِ من الأغذية المتكوِّنة من الأرض، وأيًا ما كان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرتِه تعالى على البعث ما لا يخفى، فإن من قدَرَ على إحياء ما لم يشَمَّ رائحةَ الحياة قط كان على إحياءِ ما قارنها مدةً أظهرَ قدرة.
{ثُمَّ قَضَى} أي كتب لموتِ كلِّ واحد منكم {أَجَلًا} خاصًا به أي حدًا معينًا من الزمان يفنى عند حلولِه لا محالة، وكلمةُ (ثم) للإيذان بتفاوتِ ما بين خلقِهم وبين تقديرِ آجالِهم حسبما تقتضيه الحِكَم البالغة {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} أي حدٌّ معينٌ لبعثكم جميعًا وهو مبتدأ لتخصُّصه بالصفة كما في قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} ولوقوعِه في موقع التفصيل كما في قول من قال:
إذا ما بكَى مِنْ خلفِها انصرَفَتْ له ** بشِقَ وشقٌ عنْدنا لم يُحَوَّلِ

وتنوينُه لتفخيم شأنه وتهويلِ أمره، ولذلك أُوثر تقديمُه على الخبر الذي هو {عِندَهُ} مع أن الشائعَ المستفيضَ هو التأخير كما في قولك: عندي كلامٌ حقٌّ ولي كتابٌ نفيسٌ كأنه قيل: وأيُّ أجلٍ مسمى مُثْبتٍ معينٍ في علمه لا يتغيرُ ولا يقفُ على وقت حلولِه أحدٌ لا مجملًا ولا مفصّلًا، وأما أجلُ الموت فمعلومٌ إجمالًا وتقريبًا بناءً على ظهور أَماراتِه أو على ما هو المعتادُ في أعمار الإنسان، وتسميتُه أجلًا إنما هي باعتبار كونِه غايةً لمدة لُبْثهم في القبور، لا باعتبار كونِه مبدأً لمدةِ القيامة، كما أن مدار التسمية في الأجل الأول هو كونُه آخِرُ مدة الحياةَ لا كونُه أولِ مدةِ الممات لِما أن الأجلَ في اللغة عبارةٌ عن آخِرِ المدة لا عن أولها، وقيل: الأجلُ الأول ما بين الحياة والموت، والثاني ما بين الموت والبعث من البرزخ، فإن الأجل كما يُطلق على آخِرِ المدة يُطلق على كلِّها وهو الأوفق، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى قضى لكل أحدٍ أجلين: أجلًا من مولده إلى موته، وأجلًا من موته إلى مبعثه، فإن كان بَرًّا تقيًا وَصولًا للرحِم زيد له من أجل البعث في أجَل العمر، وإن كان فاجرًا قاطعًا نُقِصَ من أجل العُمُر وزيد في أجل البعث، وذلك قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب} فمعنى عدمِ تغييرِ الأجل حينئذ عدمُ تغيُّر آخره، والأولُ هو الأشهرُ الأليقُ بتفخيم الأجل الثاني المنوطِ باختصاصه بعلمه تعالى، والأنسبُ بتهويله المبنيِّ على مقارنته للطامّة الكبرى، فإن كونَ بعضِه معلومًا للخلق ومُضِيِّه من غير أن يقعَ فيه شيءٌ من الدواهي كما يستلزمه الحملُ على المعنى الثاني مُخِلٌّ بذلك قطعًا، ومعنى زيادةِ الأجل ونقصِه فيما رُوي تأخيرُ الأجل الأول وتقديمُه.
{ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} استبعادٌ واستنكارٌ لامترائهم في البعث بعد معاينتهم لما ذُكر من الحُجج الباهرة الدالةِ عليه، أي تمترون في وقوعه وتحقّقِه في نفسه مع مشاهدتكم في أنفسِكم من الشواهدِ ما يقطع مادةَ الامتراءِ بالكلية، فإن مَنْ قدَر على إفاضة الحياة وما يتفرَّع عليها من العلم والقدرة وسائِرِ الكمالاتِ البشرية على مادةٍ غيرِ مستعدّةٍ لشيء منها أصلًا كان أوضحَ اقتدارًا على إفاضتها على مادةٍ قد استعدت لها وقارنَتْها مدةً، ومن هاهنا تبين أن ما قيل من أن الأجلَ الأولَ هو النومُ والثانيَ هو الموتُ أو أن الأول أجلُ الباقين أو أن الأول مقدارُ ما مضى من عُمُر كلِّ أحدٍ والثانيَ مقدارُ ما بقِيَ منه مما لا وجهَ له أصلًا، لما رأيتَ مِنْ أن مَساقَ النظم الكريم استبعادُ امترائهم في البعث الذي عبَّر عن وقته بالأجل المسمّى، فحيثُ أُريد به أحدُ ما ذُكر من الأمور الثلاثة ففي أيِّ شيء يمترون؟ ووصْفُهم بالامتراء الذي هو الشكُّ، وتوجيهُ الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاءِ البعث مُصِرّون على إنكاره كما ينبئ عنه قولُهم: {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} ونظائرُه للدلالة على أن جزمَهم المذكورَ في أقصى مراتبِ الاستبعاد والاستنكار. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا}.
هو سبحانه يأتي لنا بأمر الخلق فأوضح أنه خلقنا من طين، بعد أن تكلم عن أمر خلق السموات والأرض، وهو سبحانه قد أخبرنا من قبل ذلك أنه خلقنا من تراب وحمأ مسنون ومن صلصال كالفخار، وهي متكاملات لا متقابلات، وكذلك أوضح الحق أنه خلق كل شيء من ماء، فاختلط الماء بالتراب فصار طينًا ثم حمأ مسنونًا ثم صلصالًا كالفخار وكلها حلقات متكاملة. ونحن لم نشهد الخلق ولكنا نتلقى أمر الخلق عنه سبحانه ونعلم أن الطين مادة للزرع والخصوبة.
وعندما قام العلماء بتحليل الطين وجدوه يحتوي على العديد من العناصر، وأكبر كمية من هذه العناصر الأوكسجين، ثم الكربون، ثم الهيدروجين، ثم الفلور، ثم الكلور، ثم الصوديوم، ثم المغنسيوم، ثم البوتاسيوم، ثم الحديد، ثم السيلوز، ثم المنجيز وغيرها.
والعناصر في هذا الكون أكثر من مائة، ولكنها لا تدخل كلها في تركيب الإنسان، إنما تدخل في تركيب ما ينفع الإنسان من بناء وزينة وغير ذلك. مصداقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصلت: 53].
لقد قام أهل الكفر من العلماء بهذا التحليل وذكروا تلك النتائج التي أخبرنا بها الرسول الكريم في الكتاب المعجز الباقي المحفوظ بأمر الله كحجة مؤكدة. وصان الحق لنا هذه الحجة حتى يأتي عالم غير مؤمن ويتوصل إلى بعضٍ من الحقائق الموجودة في القرآن.
ولم يحضر أحد منا لحظة الخلق، ولكنا نشهد الموت وهو نقض للحياة، ونقض الشيء يكون على عكس بنائه. ونرى من يهدمون بناء يبدأون بهدم آخر ما تم بناؤه وتركيبه، فيخلعون الزجاج أولًا وهو آخر ما تم تركيبه، ثم الأخشاب، ثم الأحجار، كذلك نقض الحياة بالموت. تخرج روح الإنسان أولًا ثم بعد ذلك ييبس ويجف ليصير صلصالًا كالفخار ثم حمأ مسنونًا أي يصيبه النتن والعفن ثم يتبخر منه الماء فيصير ترابًا. ولذلك نحن نصدق الذي خلقنا في أمر خلقنا ونصدقه في أمر السموات والأرض، وعندما يقول قائل بغير ذلك، نقول له كما أخبر القرآن الكريم: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُدًا} [الكهف: 51].
ويخبرنا الحق هنا بقضية الرجل: {ثُمَّ قضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} ولا أحد فينا يعلم أجله مهما عرض نفسه على الأطباء، والأجل الأول هو الأجل المحدد لكل منا، والأجل المسمى عنده هو زمن البرزخ ومن بعده نبعث من قبورنا، ولذلك قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187].
وقد يعرف الأنسان مجيء مقدمات نهايته واقتراب موته بواسطة ما كشف الله عنه من أسراره بواسطة تقدم العلماء.
فليس هذا من الغيب وفي بعض الحالات يصح هذا المريض ويشفى ويبرأ، ويقولون: قد حدثت معجزة، أما الأجل المسمى فلا نستطيع أن نعرفه، وحدد الحق سبحانه ذلك في خمس مسائل: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة وَيُنَزِّلُ الغيث وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
وقد تكلم الحق عن المكان ولم يتكلم عن الزمان: {ثُمَّ قضى أَجَلًا} أي قضى أجلًا لكل واحد، ثم جعل أجلًا لكل شيء مسمى. والآجال في الآحاد تتوارد إلى أن يأتي أجل الكل وهو يوم القيامة، {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} والدلائل التي أوردها الحق كفيلة بألا تجعل أحدًا يشك، ولكن هناك من يماري في ذلك بعد كل هذه المقدمات. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {هو الذي خلقكم من طين} يعني آدم {ثم قضى أجلًا} يعني أجل الموت {وأجل مسمى عنده} أجل الساعة والوقوف عند الله.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {ثم قضى أجلًا} قال: أجل الدنيا. وفي لفظ: أجل موته {وأجل مسمى عنده} قال: الآخرة لا يعلمه إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قضى أجلًا} قال: هو النوم، يقبض الله فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه حين اليقظة {وأجل مسمى عنده} قال: هو أجل موت الإِنسان.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {هو الذي خلقكم من طين} قال: هذا بدء الخلق، خلق آدم من طين {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} [السجدة: 8] {ثم قضى أجلًا وأجل مسمى عنده} يقول: أجل حياتك إلى يوم تموت، وأجل موتك إلى يوم البعث {ثم أنتم تمترون} قال: تشكون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ثم قضى أجلًا} قال: أجل الدنيا الموت {وأجل مسمى عنده} قال: الآخره البعث.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة والحسن في قوله: {قضى أجلًا} قالا: أجل الدنيا منذ خلقت إلى أن تموت {وأجل مسمى عنده} قال: يوم القيامه.
وأخرج أبو الشيخ عن يونس بن يزيد الأيلي {قضى أجلًا} قال: ما خلق في ستة أيام {وأجل مسمى عنده} قال: ما كان بعد ذلك إلى القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {ثم أنتم تمترون} قال: تشكون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله: {ثم أنتم تمترون} يقول: في البعث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} يقول: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه. وفي قوله: {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون} يقول: سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزأوا به من كتاب الله عز وجل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {مِنْ طينٍ} فيه وَجْهَان:
أظهرهما: أنه متعلّق بـ {خَلَقَكُمْ}، و{مِنْ} لابتداء الغَايَةِ.
أظهرهما: أنه متعلّقٌ بمحذوف على أنه حَالٌ، وهل يحتَاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا؟ فيه خلاف.
ذهب جماعة كالمهدويِّ ومكي، إلى أنه لا حَدْفَ، وأنَّ الإنسان مَخْلُوقٌ من الطين.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدٌ إلاَّ ويُذّرُّ على النُّطْفَةِ مِنْ تُرَابِ حٌفْرَتِهِ».
وقيل: إنَّ النُّطْفَةَ أصْلُهَا الطِّينٌ كما تقدَّم.
وقال أكْثرٌ المُفَسِّرينَ: ثَمَّ محذوفٌ، أي: خَلَقَ أصْلكم أو أباكم من طينٍ، يعنون آدم وقَصَّتُهُ مشهورة.
وقال امرؤ القيس: [الوافر]
إلَي عِرْقِ الُّثرَى رَسَخَتْ عُرُوقِي ** وهَذَا المَوْتُ يَسْلُبُنِي شَبَابِي

قالوا: أراد بعِرْقِ الثَّرى آدم عليه الصلاة والسلام لأنَّه أصلُه.
قوله: {ثُمَّ قَضَى} إذا كان {قَضَى} بمعنى أظهر ف {ثُمَّ} للترتيبِ الزماني على أصلها؛ لأنَّ ذلك متأخِرٌ عن خَلْقِنا، وهي صفة فعل، وإن كان بمعنى كَتَب وقَدَّر فهي للترتيب في الذِّكرِ؛ لأنَّها صِفَةُ ذاتٍ، وذلك مُقدَّمّ على خَلْقِنا.
قوله: {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} مبتدأ وخبر، وسوِّغَ الابتداء هنا شيئان:
أحدهما: وَصْفُهُ، كقوله: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِن} [البقرة: 221].
والثاني: عَطْفُهُ بثمَّ والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ.
قال الشاعر: [البسيط]
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلْتِي ** فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤّ سَمِعَا؟

والتنكير في الأجلين لإبهام، وهنا مُسَوَّغُ آخر، وهو التفصيل كقوله: [الطويل]
إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه ** بِشِقِّ وَشِقٌ عِنْدّنَا لَمْ يُحَوَّل

ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ إن كان المبتدأ نكرةً، والخبرُ ظرفًا، قال الزمخشري: لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ المعرفة.
قال أبو حيَّان: وهذا الذي ذَكَر من كَوْنِهِ مُسَوِّغًا للابتداء بالنكرة لكونها وُصِفَتْ لا تتعيَّنُ، لجواز أنْ يكونَ المُسَوِّغُ التفصيلَ. ثُمَّ أنشد البيت:
إذَا مَا بَكَى...............

قال شهابُ الدين: والزمخشري لم يَقُلْ: إنَّهُ تعيَّن ذلك حتَّى يُلْزِمَهُ به، وإنَما ذكر أشْهَرَ المسَّوغات فإنَّ العطف والتفصيل قَلَّ مَنْ يذكرُهما في المسوِّغات.
قال الزمخشري: فإنْ قٌلت: الكلامُ السَّائِرُ أن يُقال: عندي ثَوْبٌ جيَّدٌ، ولي عبدٌ كَيِّسٌ فما أوجب التقديم؟.
قلت: أوجبه أنَّ المعنى: وأيُّ أجَلٍ مسمى عنده، تعظيمًا لشأن الساعة، فلمَّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم.
قال أبو حيان: وهذا لا يجوز؛ لأنه إذا كان التقدير: وأيُّ أجلٍ مسمى عنده كانت أي صفة لموصوف محذوف تقديره: وأجل مسمى عنه ولا يجوز حذفُ الصفةِ إذا كانت أيّا ولا حَذْفٌ موصوفها وإبقاؤها.
لو قلت: مررتُ بأيِّ رجل تريدُ برجلٍ أيِّ رجل م يَجُزْ.
قال شهاب الدين: ولم أدْرِ كيف يؤاخَدُ من فَسَّر معنّى بلفظٍ لم يَدِّع أن ذلك اللًّفْظَ هُوَ أصْلُ كلام المفسر، بل قال: معناه كيت وكيت؟ فكيف يلزمه أنْ يكَون ذلك الكلام الذي فَسَّر به هو أصْل ذلك المُفَسِّر؟ على أنَّه قَدْ وَرَدَ حَذْفُ موضوف أيّ وإبقاؤها كقوله: [المتقارب]
إذا حَارَبَ الحَجَّاجُ أيَّ مُنَافِقِ ** عَلاَهُ بِسَيفٍ كُلمَّا هَزَّ يَقْطَعُ

.فصل في معنى قضى:

والقضاء قد يَرِدُ بمعنى الحكم، والأمر قال تعالى: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وبمعنى صفة الفعل إذا تَمَّ، قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب} [الإسراء: 4] وبمعنى صفة الفعل إذا تَمَّ، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات} [فصلت: 12] ومنه قولهم: قضى فلان حاجةَ فلانٍ.
وأمَّا الأجَلُ فهو في اللُّغَةِ عبارةٌ عن الوَقْتِ المضروب لإنقضاء المُدَّةِ، وأجَلُ الإنسان هو المؤقت المضروب؛ لانقضاء عُمْرِهِ.
وأجَلُ الدَّيْنِ: مَحلُّهُ لانْقِضَاءِ التأخير فيه، وأصْلُهُ من التَّأخيرِ يُقال: أجلَ الشَّيء يَأجَلُ أجُولًا وهو آجلٌ إذا تأخَّرَ، والآجلُ نقيض العَاجِلِ، وإذا عُرِفَ هذا فقوله: {ثُمَّ قَضَى أجَلًا} معناه: أنَّهُ تعالى خَصَّصَ موت كُلَّ واحَد بوقتٍ مُعَيَّنٍ، {وأجلٌ مُسَمَّى عِنْدهُ} قال الحَسَنُ: وقتادة، والضحَّاكُ: الأجَلُ الأوّل من الولادَةِ إلى الموت.
والأجَلُ الثاني: مِنَ الموتِ إلى البَعْثِ، وهو البَرْزَخُ وروي عن ابن عبَّاس، وقال: لِكُلِّ أحَدٍ أجلان أجل من الولادة إلى الموت أدنى البعث في أجل العُمر، فإن كان بالعكس قاطِعًا للرحَّمِ نُقِصَ من أجَل العُمر وزيد في أجَلِ البَعْثِ مخافة. اهـ. باختصار.