فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار} الآية.
قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا قد علمنا أنه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلاّ الحاجة، فنحن نجمع ذلك من أموالنا ما نغنيك حتى تكون من أغنانا فأنزل اللّه تعالى قوله: {وَلَهُ مَا سَكَنَ}. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وله ما سكن في الليل والنهار} يفيد الحصر والتقدير: هذه الأشياء له لا لغيره، وهذا هو الحق لأن كل موجود فهو إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، فالواجب لذاته ليس إلا الواحد.
وما سرى ذلك الواحد ممكن.
والممكن لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، وكل ما حصل بإيجاده وتكوينه كان ملكًا له، فثبت أن ما سوى ذلك الموجود الواجب لذاته فهو ملكه ومالكه فلهذا السبب قال: {وله ما سكن في الليل والنهار}. اهـ.
قال الفخر:
في تفسير هذا السكون قولان:
الأول: أن المراد منه الشيء الذي سكن بعد أن تحرك، فعلى هذا، المراد كل ما استقر في الليل والنهار من الدواب، وجملة الحيوانات في البر والبحر وعلى هذا التقدير: قالوا في الآية محذوف والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار كقوله تعالى: {سَرَابِيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لأنه يعرف ذلك بالقرينة المذكورة، كذلك هنا حذف ذكر الحركة، لأن ذكر السكون يدل عليه.
والقول الثاني: أنه ليس المراد من هذا السكون ما هو ضد الحركة، بل المراد منه السكون بمعنى الحلول.
كما يقال: فلان يسكن بلد كذا إذا كان محله فيه، ومنه قوله تعالى: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} [إبراهيم: 45] وعلى هذا التقدير: كان المراد، وله كل ما حصل في الليل والنهار.
والتقدير: كل ما حصل في الوقت والزمان سواء كان متحركًا أو ساكنًا، وهذا التفسير أولى وأكمل.
والسبب فيه أن كل ما دخل تحت الليل والنهار حصل في الزمان فقد صدق عليه أنه انقضى الماضي وسيجيء المستقبل، وذلك مشعر بالتغير وهو الحدوث، والحدوث ينافي الأزلية والدوام، فكل ما مرّ به الوقت ودخل تحت الزمان فهو محدث وكل حادث فلابد له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدمًا عليه والمتقدم على الزمان فهو محدث وكل حادث فلابد له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدمًا عليه والمتقدم على الزمان يجب أن يكون مقدمًا على الوقت والزمان فلا تجري عليه الأوقات ولا تمر به الساعات ولا يصدق عليه أنه كان وسيكون.
واعلم أنه تعالى لما بيّن فيما سبق أنه مالك للمكان وجملة المكانيات ومالك للزمان وجملة الزمانيات، بين أنه سميع عليم يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين.
والمقصود منه الرد على من يقول الإله تعالى موجب بالذات، فنبّه على أنه وإن كان مالكًا لكل المحدثات لكنه فاعل مختار يسمع ويرى ويعلم السر وأخفى. اهـ.

.قال الثعلبي:

قال أبو روحى: إن من الخلق ما يستقر نهارًا وينتشر ليلًا ومنها ما يستقر ليلًا وينتشر نهارًا. وقال عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن جرير: كلّ ما طلعت عليه الشمس وغيبت فهو من ساكن الليل والنهار والمراد جميع ما في الأرض لأنه لا شيء من خلق اللّه عز وجل إلاّ هو ساكن في الليل والنهار، وقيل: معناه وله ما يمر عليه الليل والنهار.
وقال أهل المعاني: في الآية لغتان واختصار مجازها: وله ما سكن وشرك في الليل والنهار كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] والبرد وأراد في كل شيء {وَهُوَ السميع} لأصواتهم {العليم} بأسرارهم.
وقال الكلبي: يعني هو السميع لمقالة قريش العليم بمن يكسب رزقهم. اهـ.

.قال الماوردي:

فإن قيل: فلم قال: {مَا سَكَنَ} ولم يقل ما تحرك؟ قيل لأمرين:
أحدهما: أن ما يَعُمُّه السكون أكثر مما يَعُمُّه الحركة.
والثاني: لأن كل متحرك لابد أن تنحل حركته سكونًا، فصار كل متحرك ساكنًا، وقد قال الكلبي: معناه وله ما استقر في الليل والنهار، وهما الزمان كله، لأنه لا زمان إلا ليل أو نهار، ولا فصل بينهما يخرج عن واحد منهما. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

فإن قيل: لم خص السكون بالذكر دون الحركة؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن السكون أعم وجودًا من الحركة.
والثاني: أن كل متحرك قد يسكن، وليس كل ساكن يتحرك.
والثالث: أن في الآية إضمارًا، والمعنى: وله ما سكن وتحرك؛ كقوله: {تقيكم الحر} [النحل: 82] أراد: والبرد؛ فاختصر. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وله ما سكن} الآية: {وله} عطف على قوله: {لله} واللام للملك، و{ما} بمعنى الذي، و{سكن} هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر، قاله السدي وغيره وقالت فرقة: هو من السكون، وقال بعضهم: لأن الساكن من الأشياء أكثر من المتحرك إلى غير هذا من القول الذي هو تخليط، والمقصد في الآية عموم كل شيء وذلك لا يترتب إلا أن يكون {سكن} بمعنى استقر وثبت وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى إلى الفلك والشمس والقمر والنجوم والسابحة والملائكة وأنواع الحيوان والليل والنهار حاصران للزمان {وهو السميع العليم} هاتان صفتان تليقان بنمط الآية من قبل أن ما ذكر قبل من الأقوال الردية عن الكفرة العادلين هو سميع لهم عليم بمواقعها مجازٍ عليها، ففي الضمير وعيد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وله ما سكن في الليل والنهار}.
لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض، ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار وإن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية وقدم المكان لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان وله قال الزمخشري وغيره، هو معطوف على قوله: {لِلَّهِ} والظاهر أنه استئناف إخبار وليس مندرجًا تحت قوله: قل، و{سكن} هنا قال السدّي وغيره: من السكنى أي ما ثبت وتقرر، ولم يذكر الزمخشري غيره.
قال: وتعديه ب {في} كما في قوله: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} وقالت فرقة: هو من السكون المقابل للحركة واختلف هؤلاء.
فقيل: ثم معطوف محذوف أي وما تحرّك، وحذف كما حذف في قوله: {تقيكم الحر} والبرد وقيل: لا محذوف هنا واقتصر على الساكن لأن كل متحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك.
وقيل: لأن السكون أكثر وجودًا من الحركة، وقال في قوله: {والنهار} لأن من المخلوقات ما يسكن بالنهار وينتشر بالليل، قاله مقاتل، ورجح ابن عطية القول الأول.
قال: والمقصد في الآية عموم كل شيء وذلك لا يترتب إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى أن الفلك والشمس والقمر والنجوم السائحة والملائكة وأنواع الحيوان متحركة، والليل والنهار حاصران للزمان؛ انتهى.
وليس بجيد لأنه قال لا يترتب العموم إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت، ولا ينحصر فيما ذكر، ألا ترى أنه يترتب العموم على قول من جعله من السكون وجعل في الكلام معطوفًا محذوفًا أي وما تحرك، وعلى قول من ادعى أن كل ما يتحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك، فكل واحد من هذين القولين يترتب معه العموم فلم ينحصر العموم فيما ذكر ابن عطية.
{وهو السميع العليم} لما تقدم ذكر محاورات الكفار المكذبين وذكر الحشر الذي فيه الجزاء، ناسب ذكر صفة السمع لما وقعت فيه المحاورة وصفة العلم لتضمنها معنى الجزاء، إذ ذلك يدل على الوعيد والتهديد. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} يعني وله ما استقر وقيل ما سكن وما تحرك فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وقيل إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر وقال ابن جرير كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل والنهار فيكون المراد منه جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر وهذا يفيد الحصر والمعنى أن جميع الموجودات ملك لله تعالى لا لغيره {وهو السميع} لأقوالهم وأصواتهم {العليم} بسرائرهم وأحوالهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{سَكَنَ} معناه هدأ واستقر؛ والمراد ما سكن وما تحرك، فحُذِف لعلم السامع.
وقيل: خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة.
وقيل: المعنى ما خلق، فهو عام في جميع المخلوقات متحركها وساكنها، فإنه يجري عليه الليل والنهار؛ وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق، وهذا أحسن ما قيل؛ لأنه يجمع شتات الأقوال.
{وَهُوَ السميع} لأصواتهم {العليم} بأسرارهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَهُ} أي لله عز وجل خاصةً {مَا سَكَنَ في اليل والنهار} نُزِّلَ الملوان منزلةَ المكان فعبّر عن نسبة الأشياء الزمانية إليهما بالسُكنى فيهما، وتعديتُه بكلمة (في) كما في قوله تعالى: {وَسَكَنتُمْ في مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} أو السكونِ مقابلَ الحركة، والمرادُ ما سكن فيهما أو تحرّك فاكتفي بأحد الضدَّيْن عن الآخر {وَهُوَ السميع} المبالغُ في سماع كلِّ مسموع {العليم} المبالغ في العلم بكلّ معلوم، فلا يخفى عليه شيءٌ من الأقوال والأفعال. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَهُ} عطف على {لِلَّهِ} فهو داخل تحت {قُلْ} [الأنعام: 12] على أنه احتجاج ثان على المشركين وإليه ذهب غير واحد.
وقال أبو حيان: الظاهر أنه استئناف إخبار وليس مندرجًا تحت الأمر أي ولله سبحانه وتعالى خاصة.
{مَا سَكَنَ في اليل والنهار} أي الوقتين المخصوصين.
و(ما) موصولة و{سَكَنَ} إما من السكنى فيتناول الكلام المتحرك والساكن من غير تقدير، وتعديتها بفي إلى الزمان مع أن حق استعمالها في المكان لتشبيه الاستقرار بالزمان بالاستقرار بالمكان، وجوز أن يكون هناك مشاكلة تقديرية لأن معنى لله ما في السموات والأرض ما سكن فيهما واستقر، والمراد وله ما اشتملا عليه، وإما من السكون ضد الحركة كما قيل، وفي الكلام الاكتفاء بأحد الضدين كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 18] والتقدير ما سكن فيهما وتحرك وإنما اكتفى بالسكون عن ضده دون العكس لأن السكون أكثر وجودًا وعاقبة كل متحرك السكون كما قيل:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ** فإن لكل خافقة سكون

ولأن السكون في الغالب نعمة لكونه راحة ولا كذلك الحركة.
ورد بأنه لا وجه للاكتفاء بالسكون عن التحرك في مقام البسط والتقرير وإظهار كمال الملك والتصرف.
وأجيب بأن هذا المحذوف في قوة المذكور لسرعة انفهامه من ذكر ضده والمقام لا يستدعي الذكر وإنما يستدعي عموم التغيرات والتصرفات الواقعة في الليل والنهار، ومتى التزم كون السكون مع ضده السريع الانفهام كناية عن جميع ذلك ناسب المقام.
وقيل: إن ما سكن يعم جميع المخلوقات إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون حتى المتحرك حال ما يرى متحركًا بناءً على ما حقق في موضعه من أن تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة وكثرتها، وفي معنى الحركة والسكون وبيان أقسام الحركة المشهورة كلام طويل يطلب من محله.
{وَهُوَ السميع} أي المبالغ في سماع كل مسموع فيسمع هواجس كل ما يسكن في الملوين {العليم} أي المبالغ في العلم بكل معلوم من الأجناس المختلفة؛ والجملة مسوقة لبيان إحاطة سمعه وعلمه سبحانه وتعالى بعد بيان إحاطة قدرته جل شأنه أو للوعيد على أقوالهم وأفعالهم ولذا خص السمع والعلم بالذكر، وهي تحتمل أن تكون من مقول القول وأن تكون من مقول الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله: {ولَهُ مَا سَكَن} جملة معطوفة على {لله} من قوله: {قل لله} [الأنعام: 12] الذي هو في تقدير الجملة، أي ما في السماوات والأرض لله، وله ما سكن.
والسكون استقرار الجسم في مكان، أي حيّز لا ينتقل عنه مدّة، فهو ضدّ الحركة، وهو من أسباب الاختفاء، لأنّ المختفي يسكن ولا ينتشر.
والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح.
ووجه كونه كناية أنّ الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة، فهو كقوله تعالى: {الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى إلى أن قال ومن هو مستخف بالليل} [الرعد: 8 10].
فالذي سكن بالليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض، فلمّا أعلمهم بأنّه يملك ما في السموات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنّه بحيث يُغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إيّاه، لأنّ المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة.