فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

وقوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كاشف لَهُ إِلاَّ هُوَ}.
يَمْسَسْكَ: معناه يُصِبْكَ، ويَنَلْكَ، والضُّرُّ بضم الضاد: سوء الحَالِ في الجِسْمِ وغيره، وبفتحها ضِدُّ النَّفْعِ، ومعنى الآية: الإخْبَارُ أن الأَشْيَاءَ كلها بِيَدِ اللَّه؛ إن ضَرَّ فلا كَاشِفَ لضره غَيْرُه، وإن أصَابَ بِخَيْرٍ، فكذلك أيضًا.
وعن ابن عَبَّاسٍ قال: كنت خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يا غُلاَمُ إنِّي أُعَلِّمَكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهِ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّه، وإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، واعْلَم أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لم يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّه لَكَ، وإن اجْتَمَعُوا عَلَى أن يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رفعت الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذي زيادة: «احْفَظِ اللَّه تَجِدْهُ أمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللَّهِ في الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، واعْلَمْ أن ما أَخْطَأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ...» وفي آخره: «واعلم أن النَّصْرَ مع الصَّبْرِ، وأنّ الفَرَجَ مع الكَرْبِ، وأن مع العُسْرِ يُسْرًا». قال النووي: هذا حديث عَظِيمُ الموقع. انتهى من الحِلْيَة. اهـ.

.قال ابن كثير:

يقول تعالى مخبرًا أنه مالك الضر والنفع، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء، لا مُعَقِّب لحكمه، ولا رَادَّ لقضائه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كما قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} الآية [فاطر: 2] وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم لا مانع لِما أَعْطَيْت، ولا معطِيَ لما مَنَعْتَ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ»؛ ولهذا قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} أي ببلية كمرض وحاجة {فَلاَ كاشف} أي لا مزيل ولا مفرج {لَهُ} عنك {إِلاَّ هُوَ} والمراد لا قادر على كشفه سواه سبحانه وتعالى من الأصنام وغيرها {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من صحة وغنى {فَهُوَ على كُلّ شيء قَدُيرٌ} ومن جملته ذلك فيقدر جل شأنه عليه فيمسك به ويحفظه عليك من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى: {فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط.
وقيل: إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى، والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد أنه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة، وأصل المس كما قال أبو حيان تلاقى الجسمين، والمراد به هنا الإصابة.
وجعل غير واحد الباء في بضر وفي بخير للتعدية وإن كان الفعل متعديًا كأنه قيل: وإن يمسسك الله الضر.
وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في الجسم وغيره وبالفتح بضد النفع، وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر على ما في البحر لأن الشر أعم فأتى بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة، وقال ابن عطية: إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابله الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكون أوفق بالمعنى وألطق بالمقام كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 118، 119] فجيء بالجوع مع العري وبالظمأ مع الضحو وكان الظاهر خلافه.
ومنه قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جوادًا للذة ** ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال

ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال

وإيضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلو الباطن بالعري الذي هو خلو الظاهر والظمأ الذي فيه حرارة الباطن بالضحى الذي فيه حرارة الظاهر.
وكذلك قرن امرئ القيس علوه على الجواد بعلوه على الكاعب لأنهما لذتان في الاستعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح لأن في الأول: سرور الطرب وفي الثاني: سرور الظفر.
وكذا هنا أوثر الضر لمناسبته ما قبله من الترهيب فإن انتقام العظيم عظيم.
ثم لما ذكر الإحسان أتى بما يعم أنواعه، والآية من قبيل اللف والنشر فإن مس الضر ناظر إلى قوله تعالى: {إِنّى أَخَافُ} [الأنعام: 15] إلخ ومس الخير ناظر إلى قوله سبحانه: {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ} [الأنعام: 16] إلخ.
وهي على ما قيل داخلة في حيز {قُلْ} [الأنعام: 51] والخطاب عام لكل من يقف عليه أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولا نافية للجنس، و{كاشف} اسمها و{لَهُ} خبرها والضمير المتفصل بدل من موضع {لا كاشف} أو من الضمير في الظرف، ولا يجوز على ما قيل أبو البقاء أن يكون مرفوعًا بكاشف ولا بدلًا من الضمير فيه لأنك في الحالين تعمل اسم لا ومتى أعملته في ظاهر نونته.
وفي هذه الآية الكريمة رد على من رجا كشف الضر من غير سبحانه وتعالى وأمل أحدًا سواه.
وفي فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره من كلام طويل إن من أراد السلامة في الدنيا والآخرة فعليه بالصبر والرضا وترك الشكوى إلى خلقه وإنزال حوائجه بربه عز وجل ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه سبحانه وتعالى والانقطاع إليه فحرمانه عطاء وعقوبته نعماء وبلاؤه دواء ووعده حال، وقوله فعل وكل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة غير أنه عز وجل طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به فليس إلا الاشتغال بالعبودية من أداء الأوامر واجتناب النواهي والتسليم في القدر وترك الاشتغال بالربوبية والسكون عن لم وكيف ومتى؟ وتستند هذه الجملة إلى حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «بينما أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: يا غلام احفظ الله تعالى يحفظك احفظ الله تعالى تجده أمامك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما هو كائن ولو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله سبحانه وتعالى لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله تعالى عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل لله تعالى بالصدق في اليقين فاعمل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا» فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة قلبه وشعاره ودثاره وحديثه فيعمل به من جهة حركاته وسكناته حتى يسلم في الدنيا والآخرة ويجد العزة برحمة الله عز وجل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ} عطف على الجمل المفتتحة بفعل {قل} [الأنعام: 15] فالخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وهذا مؤذن بأنّ المشركين خوّفوا النبي صلى الله عليه وسلم أو عرّضوا له بعزمهم على إصابته بشرّ وأذى فخاطبه الله بما يثبّت نفسه وما يؤيس أعداءه من أن يستزلّوه.
وهذا كما حكي عن إبراهيم عليه السلام {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطانًا} [الأنعام: 81]، ومن وراء ذلك إثبات أنّ المتصرّف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنّه محدث الموجودات كلّها في السماء والأرض، فجُعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم، ووعدُه بحصول الخير له من أثر رضى ربّه وحدَه عنه، وتحدّي المشركين بأنّهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه.
ويحصل منه ردّ على المشركين الذين كانوا إذا ذُكّروا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقرّوا بذلك، ويزعمون أنّ آلهتهم تشفع عند الله وأنّها تجلب الخير وتدفع الشرّ، فلمَّا أبطلت الآيات السابقة استحقاق الأصنام الإلهية لأنّها لم تخلق شيئًا، وأوجبت عبادة المستحقّ الإلهية بحقّ، أبطلت هذه الآية استحقاقهم العبادة لأنّهم لا يملكون للناس ضرًّا ولا نفعًا، كما قال تعالى: {قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا} [المائدة: 76] وقال عن إبراهيم عليه السلام: {قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون} [الشعراء: 73].
وقد هيّأت الجمل السابقة موقعًا لهاته الجملة، لأنّه إذا تقرّر أنّ خالق الموجودات هو الله وحده لزم من ذلك أنّه مقدّر أحوالِهم وأعمالِهم، لأنّ كون ذلك في دائرة قدرته أولى وأحقّ بعد كون معروضات تلك العوارض مخلوقة له.
فالمعروضات العارضة للموجودات حاصلة بتقدير الله لأنّه تعالى مقدّر أسبابها، واضع نظام حصولها وتحصيلها، وخالق وسائل الدواعي النفسانية إليها أو الصوارف عنها.
والمسّ حقيقته وضع اليد على شيء.
وقد يكون مباشرة وقد يكون بآلة، ويستعمل مجازًا في إيصال شيء إلى شيء فيستعار إلى معنى الإيصال فيكثر أن يذكر معه ما هو مستعار للآلة.
ويدخل عليه حرف الآلة وهو الباء كما هنا، فتكون فيه استعارتان تبعيتان إحداهما في الفعل والأخرى في معنى الحرف، كما في قوله: {ولا تمسّوها بسوء} [الأعراف: 73].
فالمعنى: وإن يصبك الله بضرّ، أو وإن ينلك من الله ضرّ.
والضُرّ بضم الضاد هو الحال الذي يؤلم الإنسان، وهو من الشرّ، وهو المنافر للإنسان.
ويقابله النفع، وهو من الخير، وهو الملائم.
والمعنى إن قدّر الله لك الضرّ فهلاّ يستطيع أحد كشفه عنك إلاّ هو إن شاء ذلك، لأنّ مقدّراته مربوطة ومحوطة بنواميس ونظم لا تصل إلى تحويلها إلاّ قدرة خالقها.
وقابل قوله: {وإن يمسسك الله بضرّ} بقوله: {وإن يمسسك بخير} مقابلة بالأعمّ، لأنّ الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر، للإشارة إلى أنّ المراد من الضرّ ما هو أعمّ، فكأنّه قيل: إن يمسسك بضرّ وشرّ وإن يمسسك بنفع وخير، ففي الآية احتباك.
وقال ابن عطية: ناب الضرّ في هذه الآية مناب الشرّ والشرّ أعمّ وهو مقابل الخير.
وهو من الفصاحة عدول عن قانون التكلّف والصنعة، فإنّ من باب التكلّف أن يكون الشيء مقترنًا بالذي يختصّ به ونظَّر هذا بقوله تعالى: {إنّ لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنَّك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 118، 119]. اه.
وقوله: {فهو على كلّ شيء قدير} جعل جوابًا للشرط لأنّه علّة الجواب المحذوف والجواببِ المذكور قبله، إذ التقدير: وإن يمسسك بخير فلا مانع له لأنّه على كلّ شيء قدير في الضرّ والنفع.
وقد جعل هذا العموم تمهيدًا لقوله بعده {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18]. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر إمساس الضر وإمساس الخير، إلا أنه ميّز الأول عن الثاني بوجهين:
الأول: أنه تعالى قدم ذكر إمساس الضر على ذكر إمساس الخير، وذلك تنبيه على أن جميع المضار لابد وأن يحصل عقبيها الخير والسلامة.
والثاني: أنه قال في إمساس الضر {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} وذكر في إمساس الخير {فَهُوَ على كُلّ شيء قَدُيرٌ} فذكر في الخير كونه قادرًا على جميع الأشياء وذلك يدل على أن إرادة الله تعالى لإيصال الخيرات غالبة على إرادته لإيصال المضار.
وهذه الشبهات بأسرها دالة على أن إرادة الله تعالى جانب الرحمة غالب، كما قال: «سبقت رحمتي غضبي». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}.
إنَّه مَنْ ينجيك من البلاء، ومن يُلقيك في العناء. وإذ المتفرِّد بالإبلاغ واحد فالأغيارُ كلُّهم أفعاله؛ وإن الإيجاد لا يَصْلُحُ من الأفعال. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}.
والضر هو ما يصيب الكائن الحي مما يخرجه عن استقامة حياته وحاله. فعندما يعيش الإنسان بغير شكوى أو مرض ويشعر بتمام العافية فهو يعرف أنه سليم الصحة؛ لأنه لا يشعر بألم في عيونه أو ضيق في تنفسه أو غير ذلك، لكن ساعة يؤلمه عضو من أعضاء جسمه فهو يضع يده عليه ويشكو ويفكر في الذهاب إلى الطبيب. إذن فاستقامة الصحة بالنسبة للإنسان هي رتابة عمل كل عضو فيه بصورة لا تلفته إلى شيء.
ويلفت الحق أصحاب النعم عندما يرون إنسانًا من حولهم وقد فقد نعمة ما، فساعة تسير في الشارع وترى إنسانًا فقد ساقه فأنت تقول: الحمد لله لأنك سليم الساقين. كأنك لا تدرك نعمة الله في بعض منك إلا إن رأيتها مفقودة في سواك. وهكذا نعلم أن من الآلام والآفات منبهات للنعم. وأيضًا قد تصيب منغصات الحياة الإنسان ليعلم أنه لم يأخذ نعم الله كلها فيقول العبد لحظتها: يا مفرج الكروب يارب، ولذلك تجد الإنسان يقول: يا رب حينما تأتيه آفة في نفسه ويفزع إلى الله. وقد قالها الله عن الإنسان: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ كذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [يونس: 12].
فالإنسان عندما يحس ضعفه إذا ما أصابه مكروه لا يمل دعاء الله، سواء أكان الإنسان مضطجعًا أم قاعدًا أم قائمًا، وعندما يكشف الحق عنه الضر قد ينصرف عن جانب الله، ويستأنف عصيان الله وكأنه لم يدع الله إلى كشف الضر، وهذا هو سلوك المسرفين على أنفسهم بعصيان الله. والنفس أو الشيطان تزين للعاصي بعد انكشاف الضر أن يغوص أكثر وأكثر في آبار المعاصي وحمأة الرذيلة.