فصل: 47- مسألة: ذِكْر الإتيان في قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ} وعدم ذكره في آل عمران: {النَّبِيُّونَ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.47- مسألة: ذِكْر الإتيان في قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ} وعدم ذكره في آل عمران: {النَّبِيُّونَ}:

قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ}.
وفى آل عمران: {النَّبِيُّونَ}.
جوابه:
أن آل عمران تقدم فيها: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}.
فأغنى عن إعادة إيتائهم ثانيا، ولم يتقدم مثل ذلك في البقرة، فصرح فيه بإيتائهم ذلك.

.48- مسألة: تكرار قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}:

قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
كرر ذلك مرات. فما فائدته؟
جوابه:
أن الأول: إعلام بنسخ استقبال بيت المقدس له ولأمته.
والثانية: لبيان المسبب وهو: اتباع الحق، لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ}.
والثالثة: إعلام بالعلة، وهو: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}.
وبعموم الحكم في سائر الناس والأقطار والجهات، وسائر الأزمنة لاحتمال تخيل أن ذلك مخصوص بجهة المدينة، وما ولاها وهي جهة الجنوب، أو أنه خاص بمن يشاهد الكعبة، أو قصد بتكراره مزيد التوكيد في استقبال الكعبة والتمسك به، لأن النسخ في مظان تطرق الشبهة وأبعد على ضعفاء النظر كما قالوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فلذلك بالغ في التأكيد بتكرار الأمر.

.49- مسألة: بلاغة التعبير في سورة البقرة بلفظ: {ألفينا} وفي المائدة: {وجدنا}:

قوله تعالى: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}.
وقال: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.
وقال في المائدة: {مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} وقال: {لَا يَعْلَمُونَ}؟
جوابه:
ما {ألفينا} و{وجدنا} فمعناهما واحد واختلاف لفظهما للتفنن في الفصاحة والإعجاز وأما: {يعقلون} هنا، فلأن سياقه في اتخاذهم الأصنام والأنداد وعبادتها من دون الله ومحبتها والعقل الصحيح يأبى ذلك عند نظره.
وأما: {يعلمون} فجاء في سياق التحريم والتحليل بعد ما افتتح الكلام بقوله تعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} وفى اتخاذ البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
والتحليل والتحريم من باب العلم والنقل.
وأيضا: فلما ختم الآية قبله في المائدة بقوله تعالى: {وأكثرهم لا يعقلون} ختم هذه الآية ب {يعلمون}.
وكان الجمع بين نفى العقل والعلم عنهم أبلغ.

.50- مسألة: في قوله تعالى في سورة البقرة: {وما أهل به لغير الله} وفى المائدة والأنعام والنحل: {لغير الله به}:

قوله تعالى: {وما أهل به لغير الله} وفى المائدة والأنعام والنحل: {لغير الله به}؟
جوابه:
أن آية البقرة وردت في سياق المأكول وحله وحرمته، فكان تقديم ضميره، وتعلق الفعل به أهم. وآية المائدة وردت بعد تعظيم شعائر الله وأوامره، والأمر بتقواه، وكذلك آية النحل بعد قوله تعالى: {واشكروا نعمة الله} فكان تقديم اسمه أهم.
وأيضا: فآية النحل والأنعام نزلتا بمكة فكان تقديم ذكر الله بترك ذكر الأصنام على ذبائحهم أهم لما يجب من توحيده، وإفراده بالتسمية على الذبائح.
وآية البقرة نزلت بالمدينة على المؤمنين لبيان ما يحل وما يحرم، فقدم الأهم فيه والله أعلم.

.51- مسألة: في قوله تعالى: {فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} وكذلك في المائدة والنحل، وفى الأنعام: {فإن ربك غفور رحيم}:

قوله تعالى: {فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} وكذلك في المائدة والنحل.
وفى الأنعام: {فإن ربك غفور رحيم}؟
جوابه:
لما صدر آية الأنعام بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} ناسب قوله:، {قل} و{إلي} {فإن ربك} وبقية الآيات المذكورات خطاب من الله تعالى للناس، فناسب: {فإن الله غفور رحيم} أي: فإن الله المرخص لكم في ذلك.
فإن قيل: فلم لم يقل: فإن ربكم؟
قلنا: لأن إيراده في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لايوهم غيره، لاسيما والخطاب عام.

.52- مسألة: الوعيد فيحق من يكتم العلم أو يشتري بعهد الله ثمنا قليلا:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} الآية.
وفى آل عمران فإن منذ- {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} الآية.
فوعد في البقر بأكل النار.
وفى آل عمران بأنه لا خلاق لهم أي: لاحظ ولا نصيب؟
جوابه:
أن الذنب في البقرة أكبر فكان الوعيد أشد لأن في كتمانهم إضلال غيرهم مع كفرهم في أنفسهم.
وآية آل عمران: لا يتضمن ظاهر لفظها ذلك لظهور اللفظ في معنى تأثير ليس كعدمه.

.53- مسألة: التعبير بقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} ثم قال بعد ذلك: {فلا تعتدوها}:

قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} وقال فيها بعد ذلك: {فلا تعتدوها}.
أن الحدود في الأولى: هي عبارة عن نفس المحرمات في الصيام والاعتراف من الأكل والشرب والوطء- والمباشرة فناسب: {قلا تقربوها}.
والحدود في الثانية: أوامر في أحكام الحل والحرمة في نكاح المشركات، وأحكام الطلاق والعدة والإيلاء والرجعة وحصر الطلاق في الثلاث والخلع، فناسب: {فلا تعتدوها} أي: لاتتعدوا أحكام الله تعالى إلى غيرها مما لم يشرعه لكم فقفوا عندها، ولذلك قال بعدها: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

.54- مسألة: في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وقوله في سورة الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}:

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وقال تعالى في الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}؟
جوابه:
أن آية البقرة نزلت في أول سنة من الهجرة في سرية عبد الله بن جحش لعمرو بن الحضرمي وصناديد مكة أحياء، ولم يكن للمسلمين رجاء في إسلامهم تلك الحال.
وأية الأنفال: نزلت بعد وقعة بدر، وقتل صناديدهم، فكان المسلمون بعد ذلك أرجى لإسلام أهل مكة عامة وغيرهم، فأكد سبحانه وتعالى رجاءهم ذلك بقوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} أي: لا يعبد سواه.

.55- مسألة: في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}:

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} الآية.
ومثله في الأنعام، ومعناه: ينتظرون.
وإنما ينتظر الإنسان ما يعلم، أو يظن وقوعه ولم يكونوا كذلك لأنهم لم يصدقوا بذلك؟
جوابه:
لما كان واقعا لا محالة كانوا في الحقيقة كالمنتظرين له في المعنى ولذلك جاء تهديدا لهم.

.56- مسألة: التعبير بقوله تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ} وفى سورة الطلاق: {ذَلِكَم يُوعَظُ بِهِ}:

قوله تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
وفى سورة الطلاق: {ذَلِكَم يُوعَظُ بِهِ}؟
جوابه:
حيث قال: {ذلك} فالخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وقدم تشريفا له، ثم عمم فقال: ذلكم أزكى لكم وأطهر.
وفى الطلاق: فالخطاب له ولأمته جميعا، وقدم تشريفه بالنداء لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}- الآية.

.57- مسألة: في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} وفى آل عمران: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} وفى التوبة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا}:

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} الآية.
وفى آل عمران: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} الآية.
وفى التوبة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} الآية.
جوابه:
أن آية البقرة في الصبر على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من أذى الكفار وتسلية لهم عنه، وكذلك قال: {في الذين خلوا مستهم البأساء والضراء} ليكون الصحابة مثلهم في الصبر وانتظار الفرج.
وآية آل عمران: وردت في حق المجاهدين وما حصل لهم يوم أحد من القتل والجراحات والهزيمة، فوردت الآية تصبيرا لهم على ما نالهم ذلك اليوم مما ذكرناه والآية الثالثة في التوبة: وردت في الذين كانوا يجاهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم ويباطنون أقاربهم وأولياءهم من الكفار المعاندين لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولذلك قال: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}.
وقال بعده {لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية.

.58- مسألة: في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}:

قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}.
جوابه:
أن المراد بالآية الأولى ما شرعه الله تعالى من الأحكام، ولذلك عرفه بالألف واللام وبالإلصاق.
وفيما فعلن: أي من التعرض للخطاب بالمعروف.
والمراد بالثانية: أفعالهن بأنفسهن من مباح مما يتخيرنه من تزين للخطاب، وتزويج أو قعود وسفر أو غير ذلك مما لهن فعله، ولذلك نكره، وجاء فيه ب {من}.

.59- مسألة: الفرق بين التعبير بقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وقوله بعد ذلك: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}:

قوله تعالى: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}.
وقال بعد ذلك: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
جوابه:
أن الآية الأولى: في مطلقة قبل الفرض والدخول، فالإعطاء في حقها إحسان لا في قبالة شيء لا تسمية ولا دخول.
وهو وإن أوجبه قوم فهو في الصورة مجرد إحسان، فناسب: {المحسنين}.
والآية الثانية في المطلقة الرجعية، والمراد بالمتاع عند المحققين النفقة، ونفقة الرجعية واجبة والمراد بالمتاع عند المحققين، فناسب: حقا على المتقين، ورجح أن المراد به النفقة: أنه ورد عقيب قوله: {متاعا إلى الحول} والمراد به: النفقة، وكانت واجبة قبل النسخ، ثم قال: {وللمطلقات} فظهر أنه النفقة في عدة الرجعية بخلاف المطلقة البائن بخلع فإن الطلاق من جهتها فكيف تعطى المتعة التي شرعت جبرا للكسر بالطلاق وهي الراغبة فيه وباذلة المال فيه، فظهر أن المراد بالمتاع هنا: النفقة زمن العدة لا المتعة.
وللعلماء في هاتين الآيتين اضطراب كثير، وما ذكرته أظهر، والله تعالى أعلم، لأنه تقدم حكم الخلع، وحكم عدة الموت، وحكم المطلقة بعد التسمية، وبقي حكم المطلقة الرجعية فيحمل عليه.

.60- مسألة: الفائدة من التكرار في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} ثم قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}:

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}.
ما فائدة تكرار ذلك؟
جوابه:
قيل: هو تأكيد للأول تكذيبا لمن ينكر أن يكون ذلك بمشيئة الله تعالى. والأحسن: أن {اقتتلوا} أولا مجاز في الاختلاف لأنه كان سبب اقتتالهم، فأطلق اسم المسبب على السبب كقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارا}.
فمعناه: ولو شاء الله ما اختلفوا بعد أنبيائهم لكن اختلفوا، ولو شاء الله بعد اختلافهم لما اقتتلوا.