فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا النوع الرابع من شبهات منكري نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنهم قالوا: لو كان رسولًا من عند الله فهلا أنزل عليه آية قاهرة ومعجزة باهرة!
ويروى أن بعض الملحدة طعن فقال: لو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد أتى بآية معجزة لما صح أن يقول أولئك الكفار {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ} ولما قال: {إن الله قادِرٌ على أن يُنَزِّلَ آيةً}.
والجواب عنه: أن القرآن معجزة قاهرة وبينة باهرة، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم به فعجزوا عن معارضته، وذلك يدل على كونه معجزًا.
بقي أن يقال: فإذا كان الأمر كذلك فكيف قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ}.
فنقول: الجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول: لعلّ القوم طعنوا في كون القرآن معجزًا على سبيل اللجاج والعناد، وقالوا: إنه من جنس الكتب، والكتاب لا يكون من جنس المعجزات، كما في التوراة والزبور والإنجيل، ولأجل هذه الشبهة طلبوا المعجزة.
والوجه الثاني: أنهم طلبوا معجزات قاهرة من جنس معجزات سائر الأنبياء مثل فلق البحر واظلال الجبل وإحياء الموتى.
والوجه الثالث: أنهم طلبوا مزيد الآيات والمعجزات على سبيل التعنت واللجاج مثل إنزال الملائكة وإسقاط السماء كسفًا وسائر ما حكاه عن الكافرين.
والوجه الرابع: أن يكون المراد ما حكاه الله تعالى عن بعضهم في قوله: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فكل هذه الوجوه مما يحتملها لفظ الآية.
ثم إنه تعالى أجاب عن سؤالهم {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزّلٍ ءايَةً} يعني أنه تعالى قادر على إيجاد ما طلبتموه وتحصيل ما اقترحتموه {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} واختلفوا في تفسير هذه الكلمة على وجوه:
الوجه الأول: أن يكون المراد أنه تعالى لما أنزل آية باهرة ومعجزة قاهرة وهي القرآن كان طلب الزيادة جاريًا مجرى التحكم والتعنت الباطل، والله سبحانه له الحكم والأمر فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، فإن فاعليته لا تكون إلا بحسب محض المشيئة على قول أهل السنة أو على وفق المصلحة على قول المعتزلة، وعلى التقديرين: فإنها لا تكون على وفق اقتراحات الناس ومطالباتهم، فإن شاء أجابهم إليها، وإن شاء لم يجبهم إليها.
والوجه الثاني: هو أنه لما ظهرت المعجزة القاهرة والدلالة الباهرة الكافية لم يبق لهم عذر ولا علة، فبعد ذلك لو أجابهم الله تعالى في ذلك الاقتراح فلعلّهم يقترحون اقتراحًا ثانيًا، وثالثًا، ورابعًا، وهكذا إلى ما لا غاية له، وذلك يفضي إلى أن لا يستقر الدليل ولا تتم الحجة، فوجب في أول الأمر سد هذا الباب والاكتفاء بما سبق من المعجزة القاهرة والدلالة الباهرة.
والوجه الثالث: أنه تعالى لو أعطاهم ما طلبوه من المعجزات القاهرة، فلو لم يؤمنوا عند ظهورها لاستحقوا عذاب الاستئصال، فاقتضت رحمة الله صونهم عن هذا البلاء فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه تعالى عليهم، وإن كان لا يعلمون كيفية هذه الرحمة، فلهذا المعنى قال: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
والوجه الرابع: أنه تعالى علم منهم أنهم إنما يطلبون هذه المعجزات لا لطلب الفائدة بل لأجل العناد والتعصب وعلم أنه تعالى لو أعطاهم مطلوبهم فهم لا يؤمنون، فلهذا السبب ما أعطاهم مطلوبهم لعلمه تعالى أنه لا فائدة في ذلك، فالمراد من قوله: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} هو أن القوم لا يعلمون أنهم لما طلبوا ذلك على سبيل التعنت والتعصب فإن الله تعالى لا يعطيهم مطلوبهم ولو كانوا عالمين عاقلين لطلبوا ذلك على سبيل طلب الفائدة، وحينئذ كان الله تعالى يعطيهم ذلك المطلوب على أكمل الوجوه. والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه} قال ابن عباس نزلت في رؤساء قريش سألوا الرسول آية تعنتًا منهم، وإلا فقد جاءهم بآيات كثيرة فيها مقنع انتهى.
والضمير في {وقالوا} عائد على الكفار، ولولا تحضيض بمعنى هلا.
{قل إن الله قادر على أن ينزل آية} أي مهما سألتموه من إنزال آية الله قادر على ذلك.
كما أنزل الآيات السابقة فلا فرق في تعلق القدرة بالآيات المقترحة على سبيل التعنت والآيات التي لم تقترح وقد اقترحتم آيات كانشقاق القمر فلم تجد عليكم ولا أثرت فيكم، وقلتم هذا سحر مستمر ولم تعتدوا بما أنزل مع كثرته حتى كأنه لم ينزل شيء من الآيات، لأن دأبكم العناد في آيات الله.
وقال الزمخشري على أن ينزل آية يضطرهم إلى الإيمان كنتق الجبل على بني إسرائيل أو آية أن يجحدوها جاءهم العذاب.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية وإن صارفًا من الحكمة صرفه عن إنزالها.
وقال ابن عطية {لا يعلمون} أنها لو أنزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب، ويحتمل لا يعلمون أن الله تعالى إنما جعل المصلحة في آيات معرضة للنظر والتأمل ليهتدي قوم ويضل آخرون انتهى.
والذي يظهر {لا يعلمون} نفى عنهم العلم حيث فرقوا بين تعلق القدرة بالآيات التي نزلت وبين تعلقها بالآيات المقترحة وتعلق القدرة بهما سواء لاجتماع المقترح وغير المقترح في الإمكان، فمن فرق بين المتماثلات ولم يقنع بما ورد منها فهو لا شك جاهل. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} الضمير في قالوا للكفار، ولولا: عرض، والمعنى: أنهم طلبوا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بآية على نبوّته، فإن قيل: فقد أتى به، وكأنه لم يأت بشيء عندهم لعنادهم وجحدهم، والآخر: أنهم إنما طلبوا آية تضطرهم إلى الإيمان من غير نظر ولا تفكر {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً} جواب على قولهم، وقد حكى هذا القول عنهم في مواضع من القرآن وأجيب عليه بأجوبة مختلفة، منها ما يقتضي الردّ عليهم في طلبهم الآيات فإنه قد أتاهم بآيات وتحصيل الحاصل لا ينبغي كقوله: {قَدْ بَيَّنَّا الآيات} [البقرة: 118]، وكقوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]، ومنها ما يقتضي الإعراض عنهم، لأن الخصم إذا تبين عناده سقطت مكالمته، ويحتمل أن يكون من هذا قوله: {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً}، ويحتمل أيضًا أن يكون معناه قادر على أن ينزل آية تضطرهم إلى الإيمان {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} حذف مفعول يعلمون، وهو يحتمل وجهين: أحدهما لا يعلمون أن الله قادر، والآخر لا يعلمون أن الله إنما منع الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان لمصالح العباد، فإنهم لو رأوها ولم يؤمنوا لعوقبوا بالعذاب. اهـ.

.قال السعدي:

{وَقَالُوا} أي: المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا: {لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يعنون بذلك آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة.
كقولهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} الآيات.
{قُلْ} مجيبا لقولهم: {إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنزلَ آيَةً} فليس في قدرته قصور عن ذلك كيف وجميع الأشياء منقادة لعزته مذعنة لسلطانه؟
ولكن أكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهممن الآيات التي لو جاءتهم فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب كما هي سنة الله التي لا تبديل لها ومع هذا فإن كان قصدهم الآيات التي تبين لهم الحق وتوضح السبيل فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم بكل آية قاطعة وحجة ساطعة دالة على ما جاء به من الحق بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين أن يجد فيما جاء به عدة أدلة عقلية ونقلية بحيث لا تبقي في القلوب أدنى شك وارتياب فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
ذكر في هذه الآية الكريمة: أنه قادر على تنزيل الآية التي اقترحها الكفار على رسوله، وأشار لحكمة عدم إنزالها بقوله: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} وبين في موضع آخر أن حكمة عدم إنزالها أنها لو أنزلت ولم يؤمنوا بها، لنزل بهم العذاب العاجل كما وقع بقوم صالح لما اقترحوا عليه إخراج ناقة عشراء، وبراء، جوفاء، من صخرة صماء، فأخرجها الله لهم منها بقدرته ومشيئته، فعقروها {وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائتنا بِمَا تَعِدُنَا} [الأعراف: 77] فأهلكهم الله دفعة واحدة بعذاب استئصال، وذلك في قوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وبين في مواضع أخر أنه لا داعي إلى ما اقترحوا من الآيات، لأنه أنزل عليهم آية أعظم من جميع الآيات التي اقترحوها وغيرها، وتلك الآية هي هذا القرآن العظيم. وذلك في قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] فأنكاره جل وعلا عليهم عدم الاكتفاء بهذا الكتاب عن الآيات المقترحة يدل على أنه أعظم وأفخم من كل آية، وهو كذلك ألا ترى أنه آية واضحة، ومعجزة باهرة، أعجزت جميع أهل الأرض، وهي باقية تتردد في آذان الخلق غضة طرية حتى يأتي أمر الله. بخلاف غيره من معجزات الرسل صلوات الله عليهم وسلامه فإنها كلها مضت وانقضت. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} حكايةٌ لبعضٍ آخَرَ من أباطيلهم بعد حكايةِ ما قالوا في حق القرآن الكريم وبيانِ ما يتعلّق به والقائلون رؤساءُ قريشٍ وقيل: الحارثُ بنُ عامر بنِ نَوْفلَ وأصحابُه، ولقد بلغت بهم الضلالةُ والطغيان إلى حيث لم يقتنعوا بما شاهدوه من البينات التي تخِرُّ لها صمُّ الجبال حتى اجترأوا على ادِّعاء أنها ليست من قبيل الآياتِ وإنما هي ما اقترحوه من الخوارقِ الملجئةِ أو المُعْقِبة للعذاب كما قالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} الآية، والتنزيل بمعنى الإنزال كما ينبئ عنه القراءة بالتخفيف فيما سيأتي، وما يفيده التعرّض لعنوان ربوبيته تعالى له عليه الصلاة والسلام من الإشعار بالعلّية إنما هو بطريق التعريض بالتهكّم من جهتهم، وإطلاق الآية في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزّلٍ ءايَةً} مع أن المرادَ بها ما هو من الخوارق المذكورةِ لا آيةٌ ما من الآيات، لفساد المعنى مجاراةً معهم على زعمهم، ويجوز أن يرادَ بها آيةٌ مُوجبةٌ لهلاكهم كإنزال ملائكةِ العذاب ونحوه على أن تنوينها للتفخيم والتهويل كما أن إظهارَ الاسمِ الجليل لتربية المهابةِ مع ما فيه من الإشعار بعِلّة القُدرة الباهرةِ، والاقتصار في الجواب على بيان قدرته تعالى على تنزيلِها مع أنها ليست في حيز الإنكار للإيذان بأن عدمَ تنزيله إياها مع قدرته عليه لحكمةٍ بالغة يجب معرفتها وهم عنها غافلون، كما ينبئ عنه الاستدراكُ بقوله تعالى: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي ليسوا من أهل العلم على أن المفعول مطروحٌ بالكلية، أو لا يعلمون شيئًا على أنه محذوفٌ مدلولٌ عليه بقرينةِ المقام. والمعنى أنه تعالى قادر على أن ينزل آيةً من ذلك أو آيةً أيَّ آية ولكن أكثرهم لا يعلمون فلا يدرون أن عدمَ تنزيلِها مع ظهور قدرتِه عليه لما أن في تنزيلها قلْعًا لأساسِ التكليف المبنيِّ على قاعدة الاختيار، أو استئصالًا لهم بالكلية فيقترحونها جهلًا ويتخذون عدم تنزيلها ذريعةً إلى التكذيب، وتخصيصُ عدم العلم بأكثرهم لما أن بعضَهم واقفون على حقيقة الحال وإنما يفعلون مكابرةً وعنادًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالُواْ} أي رؤساء قريش الذين بلغ بهم الجهل والضلال إلى حيث لم يقنعوا بما شاهدوه من الآيات التي تخر لها صم الجبال ولم يعتدوا به {لَوْلاَ} أي هلا {نَزَّلَ} أي أنزل {عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} ملجئة للإيمان {قُلْ} يا محمد {إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزّلٍ ءايَةً} من الآيات الملجئة {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فلا يدرون أن عدم تنزيلها مع ظهور قدرته سبحانه وتعالى عليه لما أن في تنزيلها قلعًا لأساس التكليف المبني على قاعدة الاختيار أو استئصالًا لهم بالكلية إذ ذلك من لوازم جحد الآية الملجئة وجوز أن لا يكونوا قد طلبوا الملجيء ولا يلزم من عدم الاعتداد بالمشاهد طلبه بل يجوز أن يكونوا قد طلبوا غير الحاصل مما لا يلجئ لجاجًا وعنادًا، ويكون الجواب بالملجئ حينئذ من أسلوب الحكيم أو يكون جوابًا بما يستلزم مطلوبهم بطريق أقوى وهو أبلغ.
و(من) لابتداء الغاية.
والجار والمجرور يجوز أن يكون متعلقًا بنزل، وأن يكون متعلقًا بمحذوف وقع صفة لآية.
وما يفيده التعرض لعنوان ربوبيته تعالى له عليه الصلاة والسلام من الإشعار بالعلية إنما هو بطريق التعريض بالتهكم من جهتهم.
والاقتصار في الجواب على بيان قدرته سبحانه وتعالى على التنزيل مع أنها ليست في حيز الإنكار للإيذان بأن عدم تنزيله تعالى للآية مع قدرته عليه بحكمة بالغة يجب معرفتها وهم عنها غافلون كما ينبئ عنه الاستدراك، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة مع الإشعار بالعلية، ومفعول {يَعْلَمُونَ} إما مطروح بالكلية على معنى أنهم ليسوا من أهل العلم أو محذوف مدلول عليه بقرينة المقام أي لا يعلمون شيئًا.
وتخصيص عدم العلم بأكثرهم لما أن بعضهم واقفون على حقيقة الحال وإنما يفعلون ما يفعلون مكابرة وعنادًا.
وقرأ ابن كثير {يُنَزّلٍ} بالتخفيف، والمعنى هنا كما قيل واحد لأنه لم ينظر إلى التدريج وعدمه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} عطف على جملة: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} [الأنعام: 35] الآيات، وهذا عود إلى ما جاء في أول السورة [4] من ذكر إعراضهم عن آيات الله بقوله: {وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين} ثم ذكر ما تفنّنوا به من المعاذير من قولهم: {لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8] وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها} [الأنعام: 25] أي وقالوا: لولا أنزل عليه آية، أي على وفق مقترحهم، وقد اقترحوا آيات مختلفة في مجادلات عديدة.