فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (41):

قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان استفهام الإنكار بمعنى النفي، كان كأنه قيل: لا تدعون غيره، فعطف عليه قوله: {بل إياه} أي خاصة {تدعون} أي حينئذ؛ ولما كان يتسبب عن دعائهم تارة الإجابة وأخرى غيرها قال: {فيكشف} أي الله في الدنيا أو في الآخرة، فإنه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء {ما تدعون إليه} أي إلى كشفه {إن شاء} أي ذلك تفضلًا عليكم كما هي عادته معكم في وقت شدائدكم، ولكنه لا يشاء كشفه في الآخرة، لأنه لا يبدل القول لديه وإن كان له أن يفعل ما يشاء، ولو كان يجيبكم دائمًا وأنتم لا تدعون غيره، لكان ذلك كافيًا في الدلالة على اعتقادكم أنه لا قادر إلا هو، فكيف وهو يجيبكم في الدنيا إذا دعوتموه تارة ويجيبكم أخرى، ومع ذلك فلا يردكم عدم إجابته عن اعتقاد قدرته ودوام الإقبال عليه في مثل تلك الحال لما ركز في العقول السليمة والفطر الأولى من أنه الفاعل المختار، وعلى ذلك دل قوله عطفًا على {تدعون}: {وتنسون} أي تتركون في تلك الأوقات دائمًا {ما تشركون} أي من معبوداتكم الباطلة لعلمكم أنها لا تغني شيئًا، كما هي عادتكم دائمًا في أوقات الشدائد رجوعًا إلى حال الاستقامة.
أفلا يكون لكم هذا زاجرًا عن الشرك في وقت الرخاء خوفًا من إعادة الضراء!. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم وتنسون ما تشركون به، وفيه وجوه: الأول: قال ابن عباس: المراد تتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع.
الثاني: قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم، وهذا قول الحسن لأنه قال: يعرضون إعراض الناسي، ونظيره قوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الموج مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أنهم أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ} [يونس: 22] ولا يذكرون الأوثان. اهـ.

.قال أبو حيان:

{بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون} {إياه} ضمير نصب منفصل وتقدم الكلام عليه في قوله: {إياك نعبد} مستوفى.
وقال ابن عطية: هنا {إياه} اسم مضمر أجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبدًا؛ انتهى، وهذا مخالف لمذهب سيبويه، لأن مذهب سيبويه إن ما اتصل بأيًا من دليل تكلم أو خطاب أو غيبة وهو حرف لا اسم أضيف إليه أيًا لأن المضمر عنده لا يضاف لأنه أعرف المعارف، فلو أضيف لزم من ذلك تنكره حتى يضاف ويصير إذ ذاك معرفة بالإضافة لا يكون مضمرًا وهذا فاسد، ومجيئه هنا مقدمًا على فعله دليل على الاعتناء بذكر المفعول وعند الزمخشري إن تقديمه دليل على الحصر والاختصاص، ولذلك قال: بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة، والاختصاص عندنا والحصر فهم من سياق الكلام لا من تقديم المفعول على العامل و{بل} هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما تضمنه الكلام السابق من معنى النفي لأن معنى الجملة السابقة النفي وتقديرها ما تدّعون أصنامكم لكشف العذاب وهذا كلام حق لا يمكن فيه الإضراب يعني الإبطال، و{ما} من قوله: {ما تدعون} الأظهر أنها موصولة أي فيكشف الذي تدعون.
قال ابن عطية: ويصح أن تكون ظرفية؛ انتهى.
ويكون مفعول يكشف محذوفًا أي فيكشف العذاب مدة دعائكم أي ما دمتم داعيه وهذا فيه حذف المفعول وخروج عن الظاهر لغير حاجة، ويضعفه وصل {ما} الظرفية بالمضارع وهو قليل جدًّا إنما بابها إن توصل بالماضي تقول ألا أكلمك ما طلعت الشمس ولذلك علة، أما ذكرت في علم النحو، قال ابن عطية: ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام.
وقال الزجاج: وهو مثل {واسأل القرية} انتهى.
ويكون تقدير المحذوف فيكشف موجب دعائكم وهو العذاب، وهذه دعوى محذوف غير متعين وهو خلاف الظاهر والضمير في {إليه} عائد على {ما} الموصولة أي إلى كشفه ودعا بالنسبة إلى متعلق الدعاء يتعدى بإلى قال الله تعالى: {وإذا دعوا إلى الله} الآية.
وقال الشاعر:
وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة ** يومًا سراة كرام الناس فادعينا

وتتعدى باللام أيضًا قال الشاعر:
وإن أدع للجلى أكن من حماتها

وقال آخر:
دعوت لما نابني مسورًا

وقال ابن عطية: والضمير في {إليه} يحتمل أن يعود إلى الله بتقدير فيكشف ما تدعون فيه إلى الله؛ انتهى.
وهذا ليس بجيد لأن دعا بالنسبة إلى مجيب الدعاء إنما يتعدّى لمفعول به دون حرف جر قال تعالى: {ادعوني أستجب لكم} {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} ومن كلام العرب دعوت الله سميعًا ولا تقول بهذا المعنى دعوت إلى الله بمعنى دعوت الله إلا أنه يمكن أن يصحح كلامه بدعوى التضمين ضمن يدعون معنى يلجؤون، كأنه قيل فيكشف ما يلجؤون فيه بالدّعاء إلى الله لكن التضمين ليس بقياس ولا يضار إليه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة عنا تدعو إليه وعذق تعالى الكشف بمشيئته فإن شاء أن يتفضل بالكشف فعل وإن لم يشأ لم يفعل لا يجب عليه شيء.
قال الزمخشري: إن شاء إن أراد أن يتفضل عليكم ولم تكن مفسدة؛ انتهى.
وفي قوله: ولم تكن مفسدة دسيسة الاعتزال، وظاهر قوله: {وتنسون ما تشركون} النسيان حقيقة والذهول والغفلة عن الأصنام لأن الشخص إذا دهمه ما لا طاقة له بدفعه تجرد خاطره من كل شيء إلا من الله الكاشف لذاك الداهم، فيكاد يصير كالملجأ إلى التعلق بالله والذهول عن من سواه فلا يذكر غير الله القادر على كشف ما دهم.
وقال الزمخشري: {وتنسون ما تشركون} وتكرهون آلهتكم وهذا فيه بعد.
وقال ابن عطية: تتركونهم وتقدم قوله هذا وسبقه إليه الزجاج فقال: تتركونهم لعلمكم أنهم في الحقيقة لا يضرون ولا ينفعون.
وقال النحاس: هو مثل قوله: {لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} وقيل: يعرضون إعراض الناسي لليأس من النجاة من قبله، و{ما} موصولة أي وتنسون الذي تشركون.
وقيل: {ما} مصدرية أي وتنسون إشراككم ومعنى هذه الجمل بل لا ملجأ لكم إلا الله تعالى وأصنامكم مطرحة منسية قاله ابن عطية. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {بَلْ إياه تَدْعُونَ} قال أهل اللغة: بل للاستدراك والإيجاب بعد النفي.
وإنما تستعمل في موضعين: أحدهما لتدارك الغلط، والثاني: لترك شيء وأخذ شيء آخر.
فهاهنا بيّن أنهم لا يدعون غير الله تعالى.
وإنما يدعون الله عنهم ليكشف عنهم العذاب.
{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء} وإنما قرن بالاستثناء وبالمشيئة، لأن كشف العذاب فضل الله تعالى، وفضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.
ثم قال: {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} يعني: تتركون دعاء الآلهة عند نزول الشدة. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {بَلْ إياه تَدْعُونَ} عطفٌ على جملة منفيةٍ ينبئ عنها الجملةُ التي تعلقَ بها الاستخبارُ إنباءً جليًا كأنه قيل: لا غيرَه تعالى تدعون بل إياه تدعون وقوله تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي إلى كشفه، عطفٌ على تدعون أي فيكشفه إثرَ دعائِكم، وقوله تعالى: {إِن شَاء} أي إن شاء كشفَه لبيانِ أن قبولَ دعائِهم غيرُ مطَّردٍ، بل هو تابعٌ لمشيئته المبنيةِ على حِكَمٍ خفيةٍ قد استأثر الله تعالى بعلمها فقد يقبلُه كما في بعض دعواتهم المتعلقةِ بكشف العذاب الدنيوي، وقد لا يقبله كما في بعضٍ آخَرَ منها وفي جميع ما يتعلق بكشف العذابِ الأخرويِّ الذي من جملته الساعةُ. وقوله تعالى: {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} أي تتركون ما تشركونه به تعالى من الأصنام تركًا كليًا. عطفٌ على تدعون أيضًا وتوسيطُ الكشفِ بينهما مع تقارنهما وتأخُرِ الكشف عنهما لإظهار كمال العنايةِ بشأن الكشفِ والإيذان بترتّبه على الدعاء خاصةً. اهـ.

.قال الألوسي:

{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}.
نعم التقديم في قوله تعالى: {بَلْ إياه تَدْعُونَ} للتخصيص أي بل تخصونه سبحانه بالدعاء وليس لرعاية الفواصل، والتخصيص مستفاد مما بعد وهو عطف على جملة منفية تفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا غير الله تدعون بل إياه تدعون، وجعله في الكشف عطفًا على {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} [الأنعام: 4] وأورد الزمخشري على كون {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} متعلق الاستخبار أن قوله سبحانه: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي ما تدعونه إلى كشفه مع قوله تعالى: {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} [الأنعام: 40] يأباه فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين.
وأجاب بأنه قد اشترط في الكشف المشيئة بقوله جل شأنه: {إِن شَاء} وهو عز وجل لا يشاء كشف هاتيك الفوارع عنهم، وخص الايراد بذلك الوجه على ما في الكشف لأن الشرطين فيه لما كانا متعلقين بقوله سبحانه: {أَغَيْرَ} [الأنعام: 40] إلخ وكان {بَلْ إياه} إلخ عطفًا عليه ضرابًا عنه والمعطوف في حكم المعطوف عليه وجب أن يكونا متعلقين به أيضًا.
ولما كان الكشف مستعقب الدعاء مستفادًا عنه وجب أن يكونا متعلقين به أيضًا فجاء سؤال أن قوارع الساعة لا تكشف.
وأما في الوجه الآخر فلأن {أَغَيْرَ} إلخ لما كان كلامًا مستقلًا لم يتعلق به الشرطان لفظًا بل جاز أن يقدرا أو هو الظاهر إن ساعد المعنى، وأن يقدر واحد منهما حسب استدعاء المقام وذلك أنه سبحانه بكتهم بما كانوا عليه من اختصاصهم إياه تعالى بالدعاء عند الكرب ألا ترى إلى قوله جل شأنه: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} [النحل: 53] فلا مانع من ذكر أمرين والتقريع على أحدهما دون الآخر لاسيما عند اختصاصه بالتقريع انتهى.
وربما يقال: إن كشف القوارع الدنيوية والأخروية بدعاء المؤمن أو المشرك بل قبول الدعاء مطلقًا مشروط بالمشيئة وبذلك تقيد آية: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] لكن انتفاء المشيئة متحقق في بعض الصور كما في قبول دعاء الكفار بكشف قوارع الساعة وما يلقونه من سوء الجزاء على كفرهم وكشف بعض الأهوال عنهم ككرب طول الوقوف حين يشفع صلى الله عليه وسلم فيشفع في الفصل بين الخلائق يومئذٍ ليس من باب استجابة دعائهم في شيء.
على أن كرب طول الوقوف الذي يفارقونه نعيم بالنسبة إلى ما يلاقونه بعد وإن لم يعلموا ذلك قبل فالقوارع محيطة بهم في ذلك اليوم لا تفارقهم أصلًا وإنما ينتقلون فيها من شديد إلى أشد، فقول بعضهم إثر قول الزمخشري: فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين الأحسن عندي أن هول القيامة يكشف أيضًا ككرب الموقف إذا طال كما ورد في حديث الشفاعة العظمى إلا أن الزمخشري لم يذكره لأن المعتزلة قائلون بنفي الشفاعة وقد غفل عن هذا من اتبعه كلام خال عن التحقيق، والمعتزلة على ما في مجمع البحار لا ينفون الشفاعة في فصل القضاء وإنما ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر والكفار في النجاة من النار.
هذا واختلف المفسرون في جواب الشرط الأول فقيل محذوف تقديره فمن تدعون، وقيل: وعليه أبو البقاء تقديره دعوتم الله تعالى، وقيل: إنه مذكور وهو أرأيتكم، وقيل: ونسب للرضي هو الجملة المتضمنة للاستفهام بعده وهو كالمتعين على بعض الأقوال، ورده الدماميني بأن الجملة كذلك لا تقع جوابًا للشرط بدون فاء.
وبحث في ذلك الشهاب في حواشيه على شرح الكافية للرضي.
وقال أبو حيان وتبعه غير واحد: الذي أذهب إليه أن يكون الجواب محذوفًا لدلالة {أَرَأَيْتُكُم} [الأنعام: 40] عليه تقديره إن أتاكم عذاب الله تعالى فأخبروني عنه أتدعون غير الله تعالى لكشفه كما تقول: أخبرني عن زيد إن جاءك ما تصنع به فإن التقدير إن جاءك فأخبرني فحذف الجواب لدلالة أخبرني عليه.
ونظير ذلك أنت ظالم إن فعلت انتهى فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى: {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} عطف على {تَدْعُونَ} والنسيان مجاز عن الترك كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي تتركون ما تشركون به تعالى من الأصنام تركًا كليًا، وقيل: يحتمل أن يكون على حقيقته فإنهم لشدة الهول ينسون ذلك حقيقة، ولا يخطر لهم ببال ولا يلزم حينئذٍ أن ينسى الله تعالى لأن المعتاد في الشدائد أن يلهج بذكره تعالى وينسى ما سواه سبحانه، وقدم الكشف مع تأخره عن النسيان كتأخره عن الدعاء لإظهار كمال العناية بشأنه والإيذان بترتبه على الدعاء خاصة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

موقع {بَل إيّاه تدعون} عقب هذا الاستفهام موقع النتيجة للاستدلال.
فحرف {بل} لإبطال دعوة غير الله.
أي فأنا أجيب عنكم بأنّكم لا تدعون إلاّ الله.
ووجه تولّي الجواب عنهم من السائل نفسِه أنّ هذا الجواب لمّا كان لا يسع المسؤول إلاّ إقرارُه صحّ أن يتولّى السائل الجوابَ عنه، كما تقدّم في قوله تعالى: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} في هذه السورة [12].
وتقديم المفعول على {تَدْعون} للقصر وهو قصر إفراد للردّ على المشركين في زعمهم أنّهم يدعون الله ويدعون أصنامهم، وهم وإن كانوا لم يزعموا ذلك في حاللِ ما إذا أتاهم عذاب الله أو أتتهم الساعة إلاّ أنّهم لمّا ادّعوه في غير تلك الحالة نزّلوا منزلة من يستصحب هذا الزعم في تلك الحالة أيضًا.