فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {فيكشف} عطف على {تدعون}، وهذا إطماع في رحمة الله لعلّهم يتذكّرون.
ولأجل التعجيل به قدّم {وتنسوْن ما تشركون} وكان حقّه التأخير.
فهو شبيه بتعجيل المسرّة.
ومفعول: {تدعون} محذوف وهو ضمير اسم الجلالة، أي ما تدعونه.
والضمير المجرور بِ (إلى) عائد على {ما} من قوله: {ما تدعون} أي يكشف الذي تدعونه إلى كشفه.
وإنّما قيّد كشف الضرّ عنهم بالمشيئة لأنَّه إطماع لا وعد.
وعديّ فعل {تدعون} بحرف (إلى) لأنّ أصل الدعاء نداء فكأنّ المدعو مطلوب بالحضور إلى مكان اليأس.
ومفعول {شاء} محذوف على طريقة حذف مفعول فعل المشيئة الواقع شرطًا، كما تقدّم آنفًا.
وفي قوله: {إن شاء} إشارة إلى مقابله، وهو إن لم يشأ لم يكشف، وذلك في عذاب الدنيا.
وأما إتيان الساعة فلا يُكشف إلاّ أن يراد بإتيانها ما يحصل معها من القوارع والمصائب من خسف وشبهه فيجوز كشفه عن بعض الناس.
وممَّا كشفه الله عنهم من عذاب الدنيا عذابُ الجوع الذي في قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} إلى قوله: {إنّا كاشفوا العذاب قليلًا إنّكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 10 16] فُسّرت البطشة بيوم بدر.
وجملة: {فيكشف} إلخ معترضة بين المعطوفين.
وقوله: {وتنسون ما تشركون} عطف على {إيّاه تدعون}، أي فإنّكم في ذلك الوقت تنسون ما تشركون مع الله، وهو الأصنام.
وقوله: {وتنسون ما تُشركون} يجوز أن يكون النسيان على حقيقته، أي تذهلون عن الأصنام لِمَا ترون من هول العذاب وما يقع في نفوسهم من أنّه مرسل عليهم من الله فتنشغل أذهانهم بالذي أرسل العذاب وينسون الأصنام التي اعتادوا أن يستشفعوا بها.
ويجوز أن يكون مجازًا في الترك والإعراض، أي وتعرضون عن الأصنام، إذ لعلَّهم يلهمون أن يستدلّون في تلك الساعة على أنّ غير الله لا يكشف عنهم من ذلك العذاب شيئًا، وإطلاق النسيان على الترك شائع في كلام العرب، كما في قوله تعالى: {فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} [الجاثية: 34]، أي نهملكم كما أنكرتم لقاء الله هذا اليوم.
ومن قبيله قوله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5].
وفي قوله: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} دليل على أنّ الله تعالى قد يجيب دعوة الكافر في الدنيا تبعًا لإجراء نعم الله على الكفّار.
والخلاف في ذلك بين الأشعري والماتريدي آئل إلى الاختلاف اللفظي. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية تدل على أنه تعالى قد يجيب الدعاء إن شاء وقد لا يجيبه، لأنه تعالى قال: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء} ولقائل أن يقول: إن قوله: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] يفيد الجزم بحصول الإجابة، فكيف الطريق إلى الجمع بين الآيتين.
والجواب أن نقول: تارة يجزم تعالى بالإجابة وتارة لا يجزم، إما بحسب محض المشيئة كما هو قول أصحابنا، أو بحسب رعاية المصلحة كما هو قول المعتزلة، ولما كان كلا الأمرين حاصلًا لا جرم وردت الآيتان على هذين الوجهين.
وحاصل هذا الكلام كأنه تعالى يقول لعبدة الأوثان: إذا كنتم ترجعون عند نزول الشدائد إلى الله تعالى لا إلى الأصنام والأثان، فلم تقدمون على عبادة الأصنام التي لا تنتفعون بعبادتها ألبتة؟ وهذا الكلام إنما يفيد لو كان ذكر الحجة والدليل مقبولًا.
أما لو كان ذلك مردودًا وكان الواجب هو محض التقليد، كان هذا الكلام ساقطًا، فثبت أن هذه الآية أقوى الدلائل على أن أصل الدين هو الحجة والدليل. والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال سيد قطب:

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}.
هنا- في هذه الموجة- يواجه السياق القرآني فطرة المشركين ببأس الله. بل يواجههم بفطرتهم ذاتها حين تواجه بأس الله.. حين تتعرى من الركام في مواجهة الهول، وحين يهزها الهول فيتساقط عنها ذلك الركام! وتنسى حكاية الآلهة الزائفة؛ وتتجه من فورها إلى ربها الذي تعرفه في قرارتها تسأله وحده الخلاص والنجاة!
ثم يأخذ بأيديهم ليوقفهم على مصارع الغابرين من أسلافهم، وفي الطريق يريهم كيف تجري سنة الله، وكيف يعمل قدر الله. ويكشف لأبصارهم وبصائرهم عن استدراج الله لهم، بعد تكذيبهم برسل الله، وكيف قدم لهم الابتلاء بعد الابتلاء- الابتلاء بالبأساء والضراء، ثم الابتلاء بالرخاء والنعماء- وأتاح لهم الفرصة بعد الفرصة، لينتبهوا من الغفلة، حتى إذا استنفدوا الفرص كلها، وغرتهم النعمة بعد أن لم توقظهم الشدة، جرى قدر الله، وفق سنته الجارية وجاءهم العذاب بغتة: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
وما يكاد هذا المشهد الذي يهز القلوب هزًا يتوارى، حتى يجيء في أعقابه مشهد آخر وهم يتعرضون لبأس الله أيضًا، فيأخذ سمعهم وأبصارهم، ويختم على قلوبهم، ثم لا يجدون إلهًا غير الله يرد عليهم سمعهم وأبصارهم وإدراكهم.
وفي مواجهة هذين المشهدين الرائعين الهائلين يتحدث إليهم عن وظيفة الرسل.. إنها البشارة والنذارة.. ليس وراء ذلك شيء.. ليس لهم أن يأتوا بالخوارق، ولا أن يستجيبوا لمقترحات المقترحين! إنما هم يبلغون. يبشرون وينذرون. ثم يؤمن فريق من الناس ويعمل صالحًا فيأمن الخوف وينجو من الحزن. ويكذب فريق ويعرض فيمسه العذاب بهذا الإعراض والتكذيب. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. فهذا هو المصير..
{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}..
هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة يضم إلى ذلك الطرف الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة وفيما قبلها وما بعدها كذلك في سياق السورة.
لقد خاطبها هناك بما في عوالم الأحياء من آثار التدبير الإلهي والتنظيم؛ وبما في علم الله من إحاطة وشمول. وهو هنا يخاطبها ببأس الله؛ وبموقف الفطرة إزاءه حين يواجهها في صورة من صوره الهائلة، التي تهز القلوب، فيتساقط عنها ركام الشرك؛ وتتعرى فطرتها من هذا الركام الذي يحجب عنها ما هو مستقر في أعماقها من معرفتها بربها، ومن توحيدها له أيضًا: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين}..
إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول.. عذاب الله في الدنيا عذابَ الهلاك والدمار؛ أو مجيء الساعة على غير انتظار.
. والفطرة حين تلمس هذه اللمسة؛ وتتصور هذا الهول؛ تدرك- ويعلم الله سبحانه أنها تدرك- حقيقة هذا التصور، وتهتز له؛ لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها، يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور؛ فتهتز لها وترتجف وتتعرى!
وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم؛ ليكون تعبيرًا عن الصدق في فطرتهم:
{أغير الله تدعون.. إن كنتم صادقين}.
ثم يبادر فيقرر الجواب الصادق، المطابق لما في فطرتهم بالفعل، ولو لم تنطق به ألسنتهم:
{بل إياه تدعون.. فيكشف ما تدعون إليه إن شاء.. وتنسون ما تشركون}.
بل تدعونه وحده؛ وتنسون شرككم كله!.. إن الهول يعرّي فطرتكم- حينئذ- فتتجه بطلب النجاة إلى الله وحده. وتنسى أنها أشركت به أحدًا. بل تنسى هذا الشرك ذاته.. إن معرفتها بربها هي الحقيقة المستقرة فيها؛ فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها، بفعل عوامل أخرى. قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها. فإذا هزها الهول تساقط هذا الركام، وتطايرت هذه القشرة، وتكشفت الحقيقة الأصيلة، وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها، ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يد لها به، ولا حيلة لها فيه..
هذا شأن الفطرة في مواجهة الهول؛ يواجه السياق القرآني به المشركين.. فأما شأن الله سبحانه فيقرره في ثنايا المواجهة. فهو يكشف ما يدعونه إليه- إن شاء- فمشيئته طليقة، لا يرد عليها قيد. فإذا شاء استجاب لهم فكشف عنهم ما يدعون كله أو بعضه؛ وإن شاء لم يستجب، وفق تقديره وحكمته وعلمه.
هذا هو موقف الفطرة من الشرك الذي تزاوله أحيانًا، بسبب ما يطرأ عليها من الانحراف، نتيجة عوامل شتى، تغطي على نصاعة الحقيقة الكامنة فيها.. حقيقة اتجاهها إلى ربها ومعرفتها بوحدانيته.. فما هو موقفها من الإلحاد وإنكار وجود الله أصلًا؟
نحن نشك شكًا عميقًا- كما قلنا من قبل- في أن أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته هذه صادقون فيما يزعمون أنهم يعتقدونه. نحن نشك في أن هناك خلقًا أنشأته يد الله، ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تمامًا طابع اليد التي أنشأته؛ وفي صميم كينونته هذا الطابع، مختلطًا بتكوينه متمثلًا في كل خلية وفي كل ذرة!
إنما هو التاريخ الطويل من العذاب البشع، ومن الصراع الوحشي مع الكنيسة، ومن الكبت والقمع، ومن أنكار الكنيسة للدوافع الفطرية للناس مع استغراقها هي في اللذائذ المنحرفة.. إلى آخر هذا التاريخ النكد الذي عاشته أوربا قرونًا طويلة.. هو الذي دفع الأوربيين في هذه الموجة من الإلحاد في النهاية.. فرارًا في التيه، من الغول الكريه.
ذلك إلى استغلال اليهود لهذا الواقع التاريخي؛ ودفع النصارى بعيدًا عن دينهم؛ ليسلس لهم قيادهم، ويسهل عليهم إشاعة الانحلال والشقاء فيهم، وليتيسر لهم استخدامهم- كالحمير- على حد تعبير التلمود وبروتوكولات حكماء صهيون.
وما كان اليهود ليبلغوا من هذا كله شيئًا إلا باستغلال ذلك التاريخ الأوربي النكد، لدفع الناس إلى الإلحاد هربًا من الكنيسة.
ومع كل هذا الجهد الناصب، المتمثل في محاولة الشيوعية- وهي إحدى المنظمات اليهودية- لنشر الإلحاد، خلال أكثر من نصف قرن، بمعرفة كل أجهزة الدولة الساحقة، فإن الشعب الروسي نفسه لم يزل في أعماق فطرته الحنين إلى عقيدة في الله.. ولقد اضطر ستالين الوحشي- كما يصوره خلفه خروشوف!- أن يهادن الكنسية، في أثناء الحرب العالمية الثانية، وأن يفرج عن كبير الأساقفة، لأن ضغط الحرب كان يلوي عنقه للاعتراف للعقيدة في الله بأصالتها في فطرة الناس.. مهما يكن رأيه ورأي القليلين من الملحدين من ذوي السلطان حوله.
ولقد حاول اليهود- بمساعدة الحمير الذين يستخدمونهم من الصليبيين- أن ينشروا موجة من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينًا. ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في هذه النفوس.. فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق البطل أتاتورك في تركيا.. انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها- وللبطل- من التمجيد والمساعدة. وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها.. ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة أتاتورك، ألا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد. إنما يرفعون عليها راية الإسلام. كي لا تصدم الفطرة، كما صدمتها تجربة أتاتورك. ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي، ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية.
غير أن العبرة التي تبقى من وراء ذلك كله، هي أن الفطرة تعرف ربها جيدًا، وتدين له بالوحدانية، فإذا غشي عليها الركام فترة، فإنها إذا هزها الهول تساقط عنها ذلك الركام كله وتعرت منه جملة، وعادت إلى بارئها كما خلقها أول مرة.. مؤمنة طائعة خاشعة.. أما ذلك الكيد كله فحسبه صيحة حق تزلزل قوائمه، وترد الفطرة إلى بارئها سبحانه. ولن يذهب الباطل ناجيًا، وفي الأرض من يطلق هذه الصيحة. ولن يخلوا وجه الأرض مهما جهدوا ممن يطلق هذه الصيحة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وإياه ضمير منصوبٌ مُنْفِصلٌ تقدَّم الكلامُ عليه في الفاتحة.
وقال ابن عطية: هنا إيَّا اسم مُضْمَرٌ أجري مجرى المظهرات في أنه مضاف أبَدًا.
قال أبو حيان: وهذا خِلافُ مذهب سيبويه أن ما بعد إيَّا حرف يُبَيَّن أحْوالَ الضمير، وليس مُضَافًا لما بعده لئلا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الإضافة، وذلك يِسْتَدْعِي تنكيره، والضَّمَائِرُ لا تَقْبَلُ التنكير فلا تَقْبَلُ الإضافة.
قوله: {ما تَدْعُونَ} يجوز في ما أربعةُ أوجهٍ:
أظهرها: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، أي: فيكشف الذي تَدْعُونَ، والعائدُ محذوف لاسْتِكَمَالِ الشروط، أي: تَدْعُونَهُ.
الثاني: أنها ظَرْفِيَّةٌ، قاله ابن عطية، وعلى هذا فيكون مَفْعُول {يكشفُ} مَحْذُوفًا تقدير: فيكشف العذابَ مُدَّة دعائكم، أي: ما دُمْتُمْ داعينه وقال أبو حيَّان: وهذا ما لا حاجةَ إليه مع أنَّ فيه وصْلها بمضارعٍ، وهو قليلٌ جدًا تقول: لا أكَلِّمُكَ ما طلعت الشمسُ، ويضعف: ما تَطْلَعُ الشمس.
قال شهاب الدين: قوله: بمُضارع كان يبغي أن يقُول: مثبت؛ لأنه متى كان مَنْفِيَّا بلم كَثُرَ وصْلُهَا به، نحو قوله: [الطويل]
وَلَن يَلْبَثَ الْجُهَّالُ أنْ يَتَهَضَّمُوا ** أخَا الحِلْمِ مَا لِمْ يِسْتَعِنْ بِجَهُولِ

ومِنْ وَصْلِهَا بمضارعٍ مثبتِ قوله: [الوافر]
أطوِّفُ مَا أطَوِّفُ ثُمَّ آوِى ** إلَى أمَّى وَيَرْوينِي النَّقِيعُ

وقول الآخر: [الوافر]
أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ** إلَى بِيتٍ قَعِيدَتُهُ لكَاعٍ

ف أطَوِّفُ صِلَةٌ لما الظرفية.