فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ أبو جعفر وابن عامر {فَتَحْنَا} بالتشديد للتكثير.
{حتى إِذَا فَرِحُواْ} فرح بطر {بِمَا أُوتُواْ} من النعم ولم يقوموا بحق المنعم جل شأنه {أخذناهم} عاقبناهم وأنزلنا بهم العذاب {بَغْتَةً} أي فجأة ليكون أشد عليهم وأفظع هولًا، وهي نصب على الحالية من الفاعل أو المفعول أي مباغتين أو مبغوتين أو على المصدرية أي بغتناهم بغتة {فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} أي آيسون من النجاة والرحمة كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقال البلخي: أذلة خاضعون، وعن السدي الإبلاس تغير الوجه ومنه سمي إبليس لأن الله تعالى نكس وجهه وغيره، وعن مجاهد هو بمعنى الاكتئاب.
وفي الحواشي الشهابية للإبلاس ثلاثة معان في اللغة: الحزن والحسرة واليأس وهي معان متقاربة.
وقال الراغب: هو الحزن المعترض من شدة اليأس، ولما كان المبلس كثيرًا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل: أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته، وإذا هي الفجائية وهي ظرف مكان كما نص عليه أبو البقاء.
وعن جماعة أنها ظرف زمان، ومذهب الكوفيين أنها حرف؛ وعلى القولين الأولين الناصب لها خبر المبتدأ أي أبلسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فلمّا نسوا ما ذُكِّروا به} عطف على جملة {قست قلوبهم وزيّن لهم الشيطان}.
والنسيان هنا بمعنى الإعراض، كما تقدّم آنفًا في قوله: {وتَنسون ما تشركون} [الأنعام: 41].
وظاهرٌ تفرّع الترك عن قسوة القلوب وتزيين الشيطان لهم أعمالهم.
و(ما) موصولة ماصْدَقُها البأساء والضرّاء، أي لمّا انصرفوا عن الفطنة بذلك ولم يهتدوا إلى تدارك أمرهم.
ومعنى {ذُكِّروا به} أنّ الله ذكّرهم عقابه العظيم بما قدّم إليهم من البأساء والضرّاء.
و(لمَّا) حرف شرط يدلّ على اقتران وجود جوابه بوجود شرطه، وليس فيه معنى السببية مثل بقية أدوات الشرط.
وقوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء} جواب {لمّا} والفتح ضدّ الغلق، فالغلق: سد الفرجة التي يمكن الاجتياز منها إلى ما وراءها بباب ونحوه، بخلاف إقامة الحائط فلا تسمّى غلقًا.
والفتح: جعْل الشيء الحاجز غيرَ حاجز وقابلًا للحجز، كالباب حين يفتح.
ولكون معنى الفتح والغلق نسبيين بعضهما من الآخر قيل للآلة التي يمسك بها الحاجز ويفتح بها مِفتاحًا ومِغْلاقًا، وإنّما يعقل الفتح بعد تعقّل الغلق، ولذلك كان قوله تعالى: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} مقتضيًا أنّ الأبواب المراد هاهنا كانت مغلقة وقت أن أخذوا بالبأساء والضرّاء، فعلم أنّها أبواب الخير لأنّها التي لا تجتمع مع البأساء والضرّاء.
فالفتح هنا استعارة لإزالة ما يؤلم ويغمّ كقوله: {ولو أنّ أهل القُرى آمنوا واتَّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف: 96].
ومنه تسمية النصر فتحنا لأنّه إزالة غمّ القهر.
وقد جُعل الإعراض عمَّا ذُكّروا به وقتًا لفتح أبواب الخير، لأنّ المعنى أنّهم لمّا أعرضوا عن الاتِّعاظ بنُذر العذاب رفعنا عنهم العذاب وفتحنا عليهم أبواب الخير، كما صُرّح به في قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبّيء إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء لعلّهم يضرّعون ثمّ بدّلنا مكان السيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضرّاء والسرّاء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون} [الأعراف: 94، 95].
وقرأ الجمهور {فتحنا} بتخفيف المثنّاة الفوقية.
وقرأه ابن عامر، وأبو جعفر ورُويس عن يعقوب بتشديدها للمبالغة في الفتح بكثرته كما أفاده قوله: {أبوابَ كلّ شيء}.
ولفظ (كلّ) هنا مستعمل في معنى الكثرة، كما في قول النابغة:
بها كلّ ذيَّال وخنساء ترعوي ** إلى كلّ رجّاف من الرمل فارد

أو استعمل في معناه الحقيقي؛ على أنَّه عامّ مخصوص، أي أبواب كل شيء يبتغونه، وقد علم أنّ المراد بكلّ شيء جميع الأشياء من الخير خاصّة بقرينة قوله: {حتى إذا فرحوا} وبقرينة مقابلة هذا بقوله: {أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء} [الأعراف: 79]، فهنالك وصف مقدّر، أي كلّ شيء صالح، كقوله تعالى: {يأخذ كلّ سفينة غصبا} [الكهف: 79] أي صالحة.
و{حتّى} في قوله: {حتَّى إذا فرحوا} ابتدائية.
ومعنى الفرح هنا هو الازدهاء والبطر بالنعمة ونسيان المنعم، كما في قوله تعالى: {إذ قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين} [القصص: 76].
قال الراغب: ولم يرخّص في الفرح إلاّ في قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} [يونس: 58].
و(إذا) ظرف زمان للماضي.
ومراد الله تعالى من هذا هو الإمهال لهم لعلّهم يتذكّرون الله ويوحّدونه فتطهر نفوسهم، فابتلاهم الله بالضرّ والخير ليستقصي لهم سببي التذكّر والخوف، لأنّ من النفوس نفوسًا تقودها الشدّة ونفوسًا يقودها اللين.
ومعنى الأخذ هنا الإهلاك.
ولذلك لم يذكر له متعلِّق كما ذكر في قوله آنفًا {فأخذناهم بالبأساء والضرّاء} للدلالة على أنَّه أخذ لا هوادة فيه.
والبغتة فعلة من البغْت وهو الفُجأة، أي حصول الشيء على غير ترقّب عند من حصل له وهي تستلزم الخفاء.
فلذلك قوبلت بالجهرة في الآية الآتية.
وهنا يصحّ أن يكون مؤوّلًا باسم الفاعل منصوبًا على الحال من الضمير المرفوع، أي مباغتين لهم، أو مؤوّلًا باسم المفعول على أنَّه حال من الضمير المنصوب، أي مبغوتين، {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة}[هود: 102].
وقوله: {فإذا هم مبلسون} إذا فجائية.
وهي ظرف مكان عند سيبويه، وحرف عند نحاة الكوفة.
والمبلسون اليائسون من الخير المتحيّرون، وهو من الإبلاس، وهو الوجوم والسكوت عند طلب العفو يأسًا من الاستجابة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}.
إنهم عندما نسوا ما جاءهم من تذكير الحق لهم بالمنهج والتوحيد من خلال الرسل إنه سبحانه يصيبهم بالعذاب الذي يفاجئهم به فيقعون في حيرة تأخذ عليهم ألبابهم وتشتت قلوبهم وتقطع رجاءهم.
والرسل إنما تأتي لتذكر؛ لأن الإيمان موجود بالفطرة. ولكن الغفلة هي التي تخفي الإيمان. والإنسان يحيا في كون مليء بالنعم ولا دخل لأحد بها، ولابد لأحد فيها، ولم يدعها أحد لنفسه، كان يجب على هذا الإنسان أن يعيش دائمًا في رحاب الحمد لله، مولى هذه النعمة.
والتذكير من الحق لعباده يكون بالنعم أو الرسل الذين يأتون بالرسالات المتوالية. وهب أن إنسانًا قد غفل عن نعمة الله في الطعام، ثم جاءت لحظة الجوع، فجلس يشتهي الطعام فمنحه الله ذلك الطعام فكيف ينسى لحظة الشبع من وهب له هذا الطعام.
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} إما أن يكون هو الإخبار بواسطة الرسل الذين يذكرون الناس بأن المنعم هو الله، وأن الله أنزل المنهج ليصلح الكون به، وإما أن يكون بواسطة النعم التي تمر على الإنسان في كل لحظة من اللحظات؛ لأنها تنبه الإنسان إلى أن هناك من أعطاها. مثال ذلك ساعة يستر الإنسان عورته وجسده بلباس جميل، ألا يتساءل عن الذي وهب الصانع تلك الموهبة التي صمم بها الزي. إذن كيف يأخذ الإنسان النعمة ولا يتذكر المنعم؟ إن الله سبحانه لا يحرمهم من النعم ساعة أن تركوا شكرها، بل يفتح عليهم أبواب كل شيء، أي يعطيهم من النعم أكثر وأكثر، فيترفون ويعيشون في ألوان من حياة العز والصحة والسعة والجاه والسيطرة والمكانة. ثم ما الذي يحدث؟ {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ}.
وقلنا من قبل هذا المثل الريفي: لا يقع أحد من فوق الحصير. ولكن الحق يعلي الكافر المشرك في بعض الأحيان ثم يأخذه بغتة فيقع ليكون الألم عظيمًا. فإن رأيت إنسانًا أسرف على نفسه ووسع الحق عليه في نظام الحياة. إياك أن تفتن وتقول: آه إن الكافر الظالم يركب أفخر السيارات ويعيش في أبهى القصور، لا تقل ذلك لأنك سترى نهاية هذا الظالم البشعة.
وانظر إلى دقة التعبير في قول الحق تبارك وتعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} لقد فتح عليهم.. أي سلط عليهم، لا فتح لهم، ويقول الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
وهكذا نعرف أن الفتح لك غير الفتح عليك؛ لأن الفتح على أحد يعني الاستدراج إلى إذلال قسري سوف يحدث له. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].
إن القبض يأتي لحظة الفرح.
وكثيرًا ما نرى مثل هذه الأحداث في الحياة، نلتفت إلى كارثة تحدث للعريس أو العروس في يوم الزفاف. ويصدق قول الشاعر:
مشت الحادثات في غرف الحمراء ** مشي النعي في دار عرس

وهذا يشرح القول الكريم: {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44].
وعندما ندقق في كلمة: {بِمَا أوتوا} فإننا نجد أن ما حصلوا عليه من نعمة إنما جاءهم كتمهيد إلهي ييسر هذه المسائل، ثم يأخذهم الحق بغتة، أي أن الحادث الضار يأتي بدون مقدمات؛ لأن مجيء المقدمات قد يجعل الإنسان يتيقظ ويحتاط أو يتوقع ذلك. ونعرف أن الحق يقول في موقع آخر من القرآن الكريم: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً} [الأنعام: 47].
أي أن العذاب قد يأتي مرة بغتة، وقد يأتي مرة أخرى جهرًا. والعذاب يأتي بغتة عقابًا، ويأتي جهرة حتى لا يقولن أحد: لولا أنّ مجيء العذاب بغتة لكان قد احتاط لذلك الأمر. ويأتيهم العذاب وهم مبلسون أي يائسون لا منجى ولا منقذ ولا خلاص لهم. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: {فتحنا عليهم أبوابَ كل شيء}، وقد علمت أن بابَ الرحمة وباب التوبة لم يفتحا لهم، لم تفتح لهم أبواب أخر غيرهما كثيرة؟
قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ من معناه، وإنما معنى ذلك: فتحنا عليهم، استدراجًا منا لهم، أبوابَ كل ما كنا سددنا عليهم بابه، عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا، إذ لم يتضرعوا وتركوا أمر الله تعالى ذكره، لأنّ آخر هذا الكلام مردودٌ على أوله. وذلك كما قال تعالى ذكره في موضع آخر من كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [سورة الأعراف: 94- 95]، ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الآية أنهم نسوا ما ذكرهم، بقوله: {فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}، هو تبديله لهم مكانَ السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم، من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية، وهو فتح أبواب كل شيء كان أغلق بابه عليهم، مما جرى ذكره قبل قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء}، فردّ قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء}، عليه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَتَحْنَا}: قرأ الجمهور {فَتَحْنَا} مخفَّفًا، وابن عامر {فَتَّحْنَا} مثقلًا، والتقيلُ مُؤذِن بالتكثير؛ لأن بَعْدَهُ {أبواب} فناسب التكثير والتخفيف هو الأصل.
وقرا ابن عامر أيضًا في الأعراف {لَفَتَحْنَا} [الأعراف: 96] وفي القمر {فَفَتَحْنَا} [القمر: 11] بالتَّشديد أيضًا، وشدَّدَ أيضًا {فُتِحَتْ يَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] والخلافُ أيضًا في {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} في الزمر في الموضعين [آية 71، 73]، {وَفُتِحَتِ السماء} في النبأ [آية 19] فإن الجماعة وافقوا ابن عامر على تشديدها، ولم يَقْرَأها بالتخفيق إلاَّ الكوفيون، فقد جَرَى ابن عامر على نَمَطٍ واحدٍ في هذا الفِعْلِ، والباقون شَدَّدُوا في المواضع الثلاثة المُشَارِ إليها، وخَفَّفُوا في الباقي جَمْعًا بين اللغتين.
قوله: {فَإذَا مُبْلِسُونَ} {إذا} هي الفُجَائِيَّةُ، وفيها ثلاثة مذاهب:
مذهب سيبويه أنها ظرف مكان، ومذهبُ جماعة منهم الرّياشي أنها ظرف زمان، ومذهب الكُوفيين أنها حرف، فعلى تقدير كونها ظَرْفًا زمانًا أو مكانًا النَّصابُ لها خبر المبتدأ، أي: أبْلِسُوا في مكان إقامَتِهِمْ أو في زمانها.
والإبْلاسُ: الإطْرَاقُ.
وقيل: هو الحزن المعترض من شدة البَأسِ، ومنه أشْتُقَّ إبْلِيسُ وقد تقدَّم في موضعه، وأنَّهُ هل هو أعجمي أم لا؟
قال القرطبي: المُبْلسُ الباهت الحزين الآيسُ من الخير الذي لا يحيرُ جوابًا لشدَّةِ ما نزل به من سُوءِ الحالِ.
قال العجَّاج: [الرجز]
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا ** قال: نَعَمْ أعْرِفُه وأبْلَسَا

أي: تحيّر لهَوْل ما رَأى، ومن ذلك اشْتُقَّ اسم إبْلِيس، وأبْلَسَ الرَّجُلُ سَكَتَ، وأبْلَسَت النَّاقَةُ وهي مبلاسٌ إذا لم تَرْعَ من شِدَّةِ الضّبَعة يقال: ضَبِعَت النَّاقة تَضْبَع ضَبَعَةً وضَبْعًا إذا أرادت الفَحْلَ.
{أخَذْنَاهُم بَغْتَةً}: فُجَاءةً أين ما كانوا.
قال أهْلُ المعاني: وإنما أخذوا في حَالِ الرَّاحةِ والرَّخَاءِ ليكون أشَدَّ لِتحَسُّرِهِمْ على ما فَاتَهُمْ من حال السلامة والعَافِيَةِ، {فإذا هم مُبْلسون} آيِسُونَ من كُلِّ خيرٍ.
قال الفرَّاء: المُبْلسُ الذي انقطع رَجَاؤهُ، ولذلك قيل للذي سكت عند انقطاع حُجَّتِهِ: قد أبْلِسَ.
وقال الزَّجَّاجُ: المُبْلسُ الشديد الحَسْرَةِ الحزين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {فَلمّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} يخبر عن خَفِيَ مكره بهم، وكيف أنه استدرجهم، ثم أذاقهم وبالَ أمرهم فقال: لما طالتْ عن الحضرة غيبتُهم، ولم تنجحْ مواعظُنا فيهم سَهَّلْنَا لهم أسبابَ العوافي وصببنا عليهم عزالي النِّعم، وفتحنا لهم أبواب الرفاهية، فلما استمكن الرجاءُ من قلوبهم أخذناهم بغتةً وعذبنَاهم فجأة، وأذقناهم حسرةً فإذا هم من الرحمة قانطون، ولِمَا خامر قلوبَهم- من أسباب الوحشة عن الاستراحة بدوام المناجاة- آيسون. اهـ.