فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال الجبائي: الآية دالة على أن الملك أفضل من الأنبياء، لأن معنى الكلام لا أدعي منزلة فوق منزلتي ولولا أن الملك أفضل وإلا لم يصح ذلك.
قال القاضي: إن كان الغرض بما نفى طريقة التواضع؛ فالأقرب أن يدل ذلك على أن الملك أفضل، وإن كان المراد نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة، لم يدل على كونهم أفضل. اهـ.

.قال في البحر المديد:

قال الورتجبي بعد قوله: {ولا أقول لكم إني مالك}: تواضع صلى الله عليه وسلم حين أقام نفسه مقام الإنسانية، بعد أن كان أشرف خلق الله من العرش إلى الثرى، وأظهر من الكروبيين والروحانيين على باب الله سبحانه، خضوعًا لجبروته، وخُنوعًا في أنوار ملكوته، بقوله: {ولا أقول لكم إني ملك}، وليس لي اختيارٌ في نبوتي، {إن اتبع إلا ما يوحى إليّ}. هل يكون من هذا وصفه، بعد كونه بصيرًا بنور الله، ورأفته به، كالذي عمي عن رؤية إحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى؟ أفلا تتفكرون أن من ولد من العدم بصيرًا بنور القدم، ليس كمن ولد من العدم أعمى عن رؤية عظمته وجلاله. انتهى كلامه. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} ظاهره يدل على أنه لا يعمل إلا بالوحي وهو يدل على حكمين.
الحكم الأول:
أن هذا النص يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام وأنه ما كان يجتهد بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي، ويتأكد هذا بقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يوحى} [النجم: 3، 4].
الحكم الثاني:
إن نفاة القياس قالوا: ثبت بهذا النص أنه عليه السلام ما كان يعمل إلا بالوحي النازل عليه فوجب أن لا يجوز لأحد من أمته أن يعملوا إلا بالوحي النازل عليه، لقوله تعالى: {فاتبعوه} [سبأ: 20] وذلك ينفي جواز العمل بالقياس، ثم أكد هذا الكلام بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير} وذلك لأن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى والعمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير.
ثم قال: {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين وأن لا يكون غافلًا عن معرفته، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن أخبركم إلا بما أخبرني الله به.
والثاني: أن أفعل إلا ما أمرني الله به.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الجاهل والعالم.
والثاني: الكافر والمؤمن.
{أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} يحتمل وجهين: أحدهما: فيما ضربه الله من مثل الأعمى والبصير.
الثاني: فيما بينه من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} ظاهره أنه لا يقطع أمرًا إلاَّ إذا كان فيه وحي.
والصحيح أن الأنبياء يجوز منهم الاجتهاد، والقياس على المنصوص، والقياس أحد أدلة الشرع.
وسيأتي بيان هذا في الأعراف وجواز اجتهاد الأنبياء في الأنبياء إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن؛ عن مجاهد وغيره.
وقيل: الجاهل والعالم.
{أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} أنهما لا يستويان. اهـ.

.قال الخازن:

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي} يعني ما أخبركم إلا بوحي من الله أنزله عليّ ومعنى الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم أنه لا يملك خزائن الله التي منها يرزق ويعطي وأنه لا يعلم الغيب فيخبر بما كان وما سيكون وأنه ليس بملك حتى يطلع على ما لا يطلع عليه البشر إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه عز وجل فما أخبر عنه من غيب بوحي الله إليه وظاهر الآية يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يجتهد في شيء من الأحكام بل جميع أوامره ونواهيه إنما كانت بوحي من الله إليه {قل هل يستوي الأعمى والبصير} يعني: المؤمن والكافر والضال والمهتدي والعالم والجاهل {أفلا تتفكرون} يعني أنهما لا يستويان. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي من غير أن يكون لي مدخل ما في الوحي أو في الموحي بطريق الاستدعاء أو بوجه آخر من الوجوه أصلًا.
وحاصله إني عبد يمتثل أمر مولاه ويتبع ما أوحاه ولا أدعي شيئًا من تلك الأشياء حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك دليلًا على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة.
ولا يخفى أن هذا أبلغ من إني نبي أو رسول ولذا عدل إليه.
ولا دلالة فيه لنفاة القياس ولا لمانعي جواز اجتهاده عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى.
وذهب البعض إلى أن المقصود من هذا الرد على الكفرة كأنه قيل: إن هذه دعوى وليست مما يستبعد إنما المستبعد ادعاء البشر الألوهية أو الملكية ولست أدعيهما.
وقد علمت آنفًا ما في دعوى أن المقصود مما تقدم نفي ادعاء الألوهية والملكية.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير} أي الضال والمهتدي على الإطلاق كما قال غير واحد.
والإستفهام إنكاري، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق ومن يعلمها مع الإشعار بكمال ظهورها والتنفير عن الضلال والترغيب في الاهتداء، وتكرير الأمر (لتثبيت) التبكيت وتأكيد الإلزام.
{أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} عطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه أو أتسمعونه فلا تتفكرون.
والاستفهام (للتقرير) والتوبيخ.
والكلام داخل تحت الأمر.
ومناط التوبيخ عدم الأمرين على الأول وعدم التفكر مع تحقق ما يوجبه على الثاني.
وذكر بعضهم أن في {الأعمى والبصير} ثلاث احتمالات إما أن يكونا مثالًا للضال والمهتدي أو مثالًا للجاهل والعالم أو مثالًا لمدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعى المستقيم كالنبوة.
وإن المعنى لا يستوي هذان الصنفان أفلا تتفكرون في ذلك فتهتدوا أي فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه.
والجملة تذييل لما مضى إما من أول السورة إلى هنا أو لقوله سبحانه: {إِنْ أَتَّبِعُ} إلخ أو لقوله عز شأنه {لا أَقُولَ}.
ورجح في الكشف الأول ثم الثاني.
ولا يخفى بعد هذا الترجيح.
واعترض القول بإحالة الملكية بأنها من الممكنات لأن الجواهر متماثلة والمعاني القائمة ببعضها يجوز أن تقوم بكلها.
وأجيب بعد تسليم ما فيه أن البشر حال كونه بشرًا محال أن يكون ملكًا لتمايزهما بالعوارض المتنافية بلا خلاف وإقدام آدم عليه الصلاة والسلام بعد سماع {مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20] على الأكل ليس طمعًا في الملكية حال البشرية على أنه يجوز أن يقال: إنه لم يطمع في الملكية أصلًا وإنما طمع في الخلود فأكل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {إنْ أتَّبع إلاّ ما يُوحي إليّ} مستأنفة استئنافًا بيانيًا لأنّه لمَّا نفي أن يقول هذه المقالات كان المقامُ مثيرًا سؤال سائل يقول: فماذا تدّعي بالرسالة وما هو حاصلها لأنّ الجهلة يتوهَّمون أنّ معنى النبوءة هو تلك الأشياء المتبرّأ منها في قوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن} الخ، فيجاب بقوله: {إن أتَّبع إلاّ ما يوحي إليّ}، أي ليست الرسالة إلاّ التبليغ عن الله تعالى بواسطة الوحي.
فمعنى {أتَّبع} مجاز مرسل في الاقتصار على الشيء وملازمته دون غيره.
لأنّ ذلك من لوازم معنى الاتِّباع الحقيقي وهو المشي خلف المتّبَع بفتح الموحّدة، أي لا أحيد عن تبليغ ما يوحى إليّ إلى إجابة المقترحات من إظهار الخوارق أو لإضافة الأرزاق أوْ إخبار بالغيب، فالتَّلقِّي والتبليغ هو معنى الاتِّباع، وهو كنه الرسالة عن الله تعالى.
فالقصر المستفاد هنا إضافي، أي دون الاشتغال بإظهار ما تقترحونه من الخوارق للعادة.
والغرض من القصر قلب اعتقادهم أنّ الرسول لا يكون رسولًا حتَّى يأتيهم بالعجائب المسؤولة.
وقد حصل بذلك بيان حقيقة الرسالة تلك الحقيقة التي ضلّ عن إدراكها المعاندون.
وهذا معنى قوله تعالى: {وما نرسل المرسلين إلاّ مبشِّرين ومنذرين} [الأنعام: 48].
وإذ قد كان القصر إضافيًا كان لا محالة ناظرًا إلى قلب اعتقادهم بالنسبة لمطالبهم باتِّباع مقترحاتهم، أي لا أتَّبع في التبليغ إليكم إلاّ ما يوحى إليّ.
فليس في هذا الكلام ما يقتضي قصر تصرّف الرسول عليه الصلاة والسلام على العمل بالوحي حتَّى يحتجّ بها من ينفي من علمائنا جواز الاجتهاد للنبيء صلى الله عليه وسلم في أمور الدين لأنّ تلك مسألة مستقلّة لها أدلَّة للجانبين، ولا مساس لها بهذا القصر.
ومن توهّمه فقد أساء التأويل.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}.
هذا ختام للمجادلة معهم وتذييل للكلام المفتتح بقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله}، أي قل لهم هذا التذييل عقب ذلك الاستدلال.
وشبّهت حالة من لا يفقه الأدلّة ولا يفكِّك بين المعاني المتشابهة بحالة الأعمى الذي لا يعرف أين يقصد ولا أين يضع قدمه.
وشبِّهت حالة من يُميِّز الحقائق ولا يلتبس عليه بعضها ببعض بحالة القويّ البصر حيث لا تختلط عليه الأشباح.
وهذا تمثيل لحال المشركين في فساد الوضع لأدلَّتهم وعُقم أقيستهم، ولحال المؤمنين الذين اهتدوا ووضعوا الأشياء مواضعها، أو تمثيل لحال المشركين التي هم متلبّسون بها والحال المطلوبة منهم التي نفروا منها ليعلموا أيّ الحالين أولى بالتخلّق.
وقوله: {أفلا تتفكّرون} استفهام إنكار.
وهو معطوف بالفاء على الاستفهام الأول، لأنّه مترتِّب عليه لأنّ عدم استواء الأعمى والبصير بديهي لا يسعهم إلاّ الاعتراف بعدم استوائهما فلا جرم أن يتفرّع عليه إنكار عدم تفكّرهم في أنَّهم بأيّهما أشبه.
والكلام على الأمر بالقول مثل ما تقدّم عند قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} [الأنعام: 40].
والتفكّر: جولان العقل في طريق استفادة علم صحيح. اهـ.